الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة سبعين ومائتين
فيها التقى المسلمون والخبيث علي بن محمد العبقسيّ المدّعي أنه علويّ، فاستظهروا عليه. ثم وقعة أخرى قتل فيها، وعجّل الله بروحه إلى النّار، ولقد طال قتال المسلمين له، واجتمع مع الموفّق نحو ثلاثمائة ألف مقاتل، أجناد ومطوّعة، وفي آخر الأمر التجأ الخبيث إلى جبل، ثم تراجع هو وأصحابه إلى مدينتهم، فحاربهم المسلمون، فانهزم الخبيث، وتبعهم أصحاب الموفّق يأسرون ويقتلون، ثم استقبل هو وفرسانه، وحملوا على النّاس فأزالوهم، فحمل عليه الموفّق والتحم القتال، فإذا بفارس قد أقبل ورأس الخبيث في يده، فلم يصدّقه، فعرفه جماعة من الناس، فحينئذ ترجّل الموفّق وابنه المعتضد والأمراء فخرّوا سجّدا لله، وكبّروا، وسار الموفّق فدخل بالرأس بغداد، وعملت القباب، وكان يوما مشهودا، وأمن الناس وشرعوا يتراجعون إلى الأمصار التي أخذها الخبيث، وكانت أيامه خمس عشرة سنة.
قال الصولي: قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف. قال: وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف، وكان يصعد على المنبر فيسبّ عثمان، وعليّا، ومعاوية، وعائشة، وهو اعتقاد الأزارقة، وكان ينادي في عسكره على العلوية بدرهمين وثلاثة، وكان عند الواحد من الزّنج العشر من العلويات يفترشهنّ، وكان الخبيث خارجيّا يقول: لا حكم إلّا لله.
وقيل: كان زنديقا يتستر بمذهب الخوارج، وهو أشبه، فإن الموفّق كتب إليه وهو يحاربه في سنة سبع وستّين، يدعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله، مما فعل من سفك الدماء، وسبي الحريم، وانتحال النّبوّة والوحي، فما زاده الكتاب إلّا تجبّرا وطغيانا.
ويقال: إنه قتل الرسول، فنازل الموفّق مدينته المختارة، فتأملها فإذا [هي] مدينة حصينة محكمة الأسوار، عميقة الخنادق، فرأى شيئا مهولا، ورأى من كثرة المقاتلة ما أذهله، ثم رموه رمية واحدة بالمجانيق والمقاليع والنّشّاب، وضجوا ضجة [1] ارتجّت منها الأرض، فعمد الموفّق إلى مكاتبة قوّاد الخبيث واستمالهم، فاستجاب له عدد منهم، فأحسن إليهم.
وقيل: كان الخبيث منجما يكتب الحروز، وأول شيء كان بواسط، فحبسه محمد بن أبي عون ثم أطلقه، فلم يلبث أن خرج بالبصرة واستغوى السودان، والزبّالين، والعبيد، فصار أمره إلى ما صار. ذكر جميع ذلك في «العبر» [2] .
وفيها، في ذي القعدة، توفي أمير الدّيار المصرية والشامية أبو العبّاس أحمد بن طولون وهو في عشر الستين. [وخلّف عشرة آلاف دينار، وكان له أربعة عشر ألف مملوك، وكان كريما، شجاعا، مهيبا، حازما، لبيبا][3] .
قال القضاعي: كان طائش السيف، فأحصي من قتله صبرا، أو مات في سجنه، فكانوا ثمانية عشر ألفا، وكان يحفظ القرآن، وأوتي حسن الصوت به، وكان كثير التلاوة، وكان أبوه من مماليك المأمون، مات سنة أربعين
[1] في «العبر» للذهبي: «وصاحوا صيحة» .
[2]
«العبر في خبر من عبر» للذهبي (2/ 47- 49) .
[3]
ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 49) .
ومائتين، وملك أحمد الدّيار المصرية ستة عشرة سنة.
قال ابن الجوزي في كتابه «شذور العقود في التاريخ العهود» [1] :
أحمد بن طولون، وكان أبوه طولون تركيا من مماليك المأمون فولد له أحمد، وكان عالي الهمّة، ولم يزل يرتقي حتّى ولي مصر، فركب يوما إلى الصيد، فغاصت رجل دابة بعض أصحابه في مكان من البرية، فأمر بكشف المكان، فوجد مطلبا، فإذا فيه من المال ما قيمته ألف ألف دينار، فبنى الجامع المعروف بين مصر والقاهرة، وتصدّق ببعض، فقال له وكيله يوما: ربما امتدت إليّ الكفّ المطرّفة [2] والمعصم فيه السّوار، والكم الناعم، أفأمنع هذه الطبقة، فقال له: ويحك هؤلاء المستورون الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف احذر [أن] تردّ يدا امتدت إليك، وكان يجري على أهل المساجد كل شهر ألف دينار، وعلى فقراء الثغر كذلك، وبعث إلى فقراء بغداد في مدة ولايته ما بلغ ألفي ألف ومائتين ألف دينار، وكان راتب مطبخه كل يوم ألف دينار، ولما مرض خرج المسلمون بالمصاحف، واليهود بالتوراة، والنصارى بالإنجيل، والمعلّمون بالصبيان إلى الصحراء والمساجد، يدعون له، فلما أحسّ بالموت رفع يده وقال: يا ربّ ارحم من جهل مقدار نفسه [3] وأبطره حلمك عنه، وخلّف ثلاثة وثلاثين ولدا، وعشرة آلاف ألف دينار، وسبعة آلاف مملوك، وسبعة آلاف فرس، وكان خراج مصر في أيامه أربعة آلاف ألف وثلاثمائة ألف دينار، وكان بعض النّاس يقرأ عند قبره فانقطع عنه، فسئل عن ذلك، فقال رأيته في المنام فقال لي: أحبّ أن لا يقرأ
[1] في الأصل، والمطبوع:«شذور العقود في التاريخ المعهود» والتصحيح من «كشف الظنون» (2/ 1030) .
[2]
في المطبوع: «المظرفة» وهو تصحيف، وانظر «لسان العرب» (طرف) .
[3]
في المطبوع: «فقدان نفسه» .
عندي، فما يمرّ بي آية إلّا قرّعت بها، وقيل لي: أما سمعت هذه في دار الدّنيا. انتهى ما ذكره ابن الجوزي.
وفيها أسيد بن عاصم الثّقفيّ الأصبهانيّ، أخو محمد بن عاصم، رحل وصنّف «المسند» . وسمع من سعيد بن عامر الضّبعي وطبقته.
وفيها أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعية بن أبي زرعة، الزّهري، المصري، أبو بكر بن البرقي الحافظ، كان حافظا عمدة. قاله ابن ناصر الدّين [1] .
وفيها بكّار بن قتيبة الثقفيّ البكراويّ، أبو بكرة، الفقيه البصريّ، قاضي الدّيار المصرية، في ذي الحجّة. سمع أبا داود الطّيالسي وأقرانه، وله أخبار في العدل، والعفّة، والنزاهة، والورع. ولّاه المتوكل القضاء في سنة ست وأربعين.
وفيها الحسن بن علي بن عفّان، أبو محمد العامري، الكوفي، في صفر. روى عن عبد الله بن نمير، وأبي أسامة وعدّة.
قال أبو حاتم: صدوق.
وفيها داود بن علي، الإمام أبو سليمان الأصبهاني ثم البغدادي، الفقيه الظاهري، صاحب التصانيف، في رمضان، وله سبعون سنة. سمع القعنبيّ، وسليمان بن حرب وطبقتهما، وتفقّه على أبي ثور، وابن راهويه، وكان ناسكا زاهدا.
قال ابن ناصر الدّين: تكلّم أبو الفتح الأزدي وغيره فيه، ومنعه أحمد بن حنبل من الدخول عليه لقوله المعروف في القرآن. بلّغه الذّهلي
[1] انظر ترجمته في «تذكرة الحفّاظ» للذهبي (2/ 570) ، و «طبقات الحفّاظ» للسيوطي ص (253) .
لأحمد، وكتب به إليه، وكان داود حافظا مجتهدا، إمام أهل الظاهر. انتهى ملخصا.
وقال ابن خلّكان [1] : أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني، الإمام المشهور، المعروف بالظاهري، كان زاهدا، متقلّلا، كثير الورع، أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وكان من أكثر الناس تعصبا للإمام الشافعي، رضي الله عنه، وصنّف في فضائله والثناء عليه كتابين، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية، وكان ولده أبو بكر محمد على مذهبه، وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد.
قيل: إنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر.
قال داود: حضر مجلسي يوما أبو يعقوب الشريطي، وكان من أهل البصرة وعليه خرقتان، فتصدّر لنفسه من غير أن يرفعه أحد وجلس إلى جانبي، وقال لي:
سل [يا فتى][2] عمّا بدا لك، فكأني غضبت منه، فقلت له مستهزئا: أسألك عن الحجامة، فبرك [أبو يعقوب][2] ثم روى طريق «أفطر الحاجم والمحجوم» [3] ومن أرسله، ومن أسنده، ومن وقفه، ومن ذهب إليه من الفقهاء. وروى اختلاف طرق [4] احتجام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعطاء الحاجم [5] أجره، ولو كان حراما لم يعطه، ثم روى طرقا [6] أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، احتجم بقرن، وذكر أحاديث صحيحة في الحجامة، ثم ذكر الأحاديث المتوسطة مثل
[1] في «وفيات الأعيان» (2/ 255- 257) وقد نقل المؤلف عنه باختصار.
[2]
زيادة من «وفيات الأعيان» .
[3]
رواه الترمذي رقم (774) في الصوم: باب كراهية الحجامة للصائم من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وقال والدي في تعليقه على «جامع الأصول» (6/ 294) : إسناده صحيح، ولكنه منسوخ، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في الحجامة للصائم.
[4]
في «وفيات الأعيان» : «طريق» .
[5]
في «وفيات الأعيان» : «الحجّام» .
[6]
في «وفيات الأعيان» : «طرق» .
«ما مررت بملإ من الملائكة» [1] ومثل «شفاء أمتي في ثلاث» [2] . وما أشبه ذلك وذكر الأحاديث الضعيفة، مثل قوله عليه الصلاة والسلام:«لا تحتجموا يوم كذا وساعة كذا» [3] ثم ذكر ما ذهب إليه أهل الطب من الحجامة في كل زمان، وما ذكروه فيها، ثم ختم كلامه بأن قال: وأول ما خرجت الحجامة من أصبهان، فقلت له: والله لا حقرت [4] بعدك أحدا أبدا.
وكان داود من عقلاء الناس.
قال أبو العبّاس ثعلب في حقه: كان عقل داود أكبر [5] من علمه.
ونشأ ببغداد وتوفي بها سنة سبعين في ذي القعدة، وقيل: في شهر رمضان، ودفن بالشونيزية، وقيل: في منزله.
وقال ولده أبو بكر محمد: رأيت أبي داود في المنام فقلت له: ما فعل
[1] رواه الترمذي في الطب: باب ما جاء في الحجامة، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبّاد بن منصور، وفي الباب عن عائشة رضي الله عنه. ورواه أيضا الحاكم (4/ 209) وصححه ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن.
[2]
رواه البخاري رقم (5680) و (5681) في الطب: باب الشفاء في ثلاث، من حديث ابن عباس، ولفظه «الشفاء في ثلاث: في شرطة محجم
…
» .
[3]
جاء في حديث عند ابن ماجة رقم (3487) في الطب، باب في أيّ الأيام يحتجم، من حديث ابن عمر «اجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد» وهو حديث ضعيف.
قال السفاريني في «شرح ثلاثيات مسند أحمد» (1/ 451) . قال الحافظ في «الفتح» :
ولكون هذه لم يصح فيها شيء، قال حنبل بن إسحاق: كان الإمام أحمد يحتجم في أيّ وقت هاج به الدم وأيّ ساعة كانت. وعند الأطباء: إن أنفع الحجامة ما يقع في الساعة الثانية أو الثالثة، وأن لا يقع عقب استفراغ من حمام أو جماع أو غيرهما، ولا عقب شبع ولا جوع.
قال الحافظ في «الفتح» : وقد اتفق الأطباء على أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر ثم في الربع الثالث من أرباعه، أنفع من الحجامة في أوله وآخره (ع) .
[4]
في الأصل، والمطبوع:«لا حضرت» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[5]
في «وفيات الأعيان» : «أكثر» .
الله بك؟ فقال: غفر لي وسامحني، فقلت: غفر لك، فبم سامحك؟ [1] فقال: يا بني الأمر عظيم، والويل كل الويل [2] لمن لم يسامح، رحمه الله.
انتهى ما ذكره ابن خلّكان.
وفيها الرّبيع بن سليمان المرادي، مولاهم، المصري الفقيه، صاحب الشافعي، وهو في عشر المائة. سمع من ابن معين، كان إماما ثقة صاحب حلقة بمصر.
قال الشافعي: ما في القوم أنفع لي منه.
وقال: وددت أني حسوته العلم.
وقال في المزني: سيأتي عليه زمان لا يفسّر شيئا فيخطئه، وفي البويطي: يموت في حديدة، وفي ابن عبد الحكم: سيرجع إلى مذهب مالك. والربيع هذا آخر من روى عن الشافعي بمصر.
وفيها أيضا الرّبيع بن سليمان الجيزي، صاحب الشافعي، أبو محمد، وهو قائل الرواية عن الشافعي، وكان ثقة. روى عنه أبو داود، والنسائي، وتوفي بالجيزة [3] .
وفيها زكريا بن يحيى بن أسد، أبو يحيى المروزي ببغداد، روى عن سفيان [بن عيينة] وأبي معاوية.
قال الدارقطني: لا بأس به.
وفيها العبّاس بن الوليد بن مزيد [4] العذريّ البيروتيّ، المحدّث
[1] في «وفيات الأعيان» : «ففيم سامحك» .
[2]
قوله «كل الويل» سقط من المطبوع.
[3]
مدينة تقع اليوم في غربي مدينة القاهرة الكبرى بمصر. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 200) والذي في «تهذيب التهذيب» (3/ 245) أنه توفي سنة (256) هـ.
[4]
في الأصل، والمطبوع:«ابن زيد» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 52) ، وانظر «تقريب التهذيب» ص (294) .
العابد، في ربيع الآخر، وله مائة سنة تامة. روى عن أبيه، ومحمد بن شعيب، وجماعة.
قال أبو داود: كان صاحب ليل.
وفيها أبو البختري، عبد الله بن محمد بن شاكر العنبريّ ببغداد في ذي الحجة. سمع حسين بن علي الجعفي، وأبا أسامة، ووثّقه الدّارقطنيّ وغيره.
وفيها محمد بن إسحاق أبو بكر الصّاغانيّ [1] ثم البغداديّ الحافظ الحجة، في صفر. سمع يزيد بن هارون وطبقته.
وفيها محمد بن مسلم بن عثمان بن وارة، أبو عبد الله الحافظ المجوّد، سمع أبا عاصم النبيل وطبقته.
قال النسائي: ثقة صاحب حديث، وكان مع إمامته وعلمه فيه تعظيم لنفسه [2] .
وفيها محمد بن هشام بن ملّاس [3] ، أبو جعفر، النّميريّ الدمشقيّ، عن سبع وتسعين سنة. روى عن مروان بن معاوية الفزاري وغيره، وكان صدوقا.
وفيها الفضل بن العبّاس الصائغ، أبو بكر المروزي، كان حافظا نقّادا.
قال: عجزت أن أغرّب على أبي زرعة بعدد شعره. ذكره ابن ناصر الدّين.
[1] ويقال: «الصّغاني» أيضا.
[2]
قوله: «قال النسائي: ثقة، صاحب حديث، وكان مع إمامته وعلمه فيه تعظيم لنفسه» الذي أورده المؤلف هنا، ورد في المطبوع في آخر ترجمة الصاغاني أيضا، وهو خطأ. انظر «العبر» (2/ 52) .
[3]
انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 353- 354) .