الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسع وسبعين ومائتين
فيها نودي ببغداد: لا يقعد على الطريق منجّم، ولا تباع كتب الكلام والفلسفة.
وفيها تمكّن المعتضد أبو العبّاس أحمد بن الموفّق طلحة من الأمور، وأطاعته الأمراء، حتّى ألزم عمّه المعتمد أن يقدّمه في العهد على ابنه المفوّض، ففعل مكرها.
قال أبو العبّاس المذكور: كان المعتمد على الله قد حبسني، فرأيت في منامي وأنا محبوس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يقول لي: أمر الخلافة يصل إليك فاعتضد بالله وأكرم بنيّ. قال: فانتبهت ودعوت الخادم الذي كان يخدمني في الحبس، وأعطيته فصّ خاتم، وقلت له:
امض إلى النّقّاش وقل له: انقش عليه «المعتضد بالله أمير المؤمنين» فقال:
هذه مخاطرة بالنفس، وأين الخلافة منّا، وغاية أملنا الخلاص من السجن؟
فقلت: امض لما أمرتك، فمضى ونقش عليه ما قلت له بأوضح خط، فقلت: اطلب لي دواة وكاغذا، فجاءني بهما، فجعلت أرتّب الأعمال، وأولّي العمّال وأصحاب الدواوين، فبينما أنا كذلك إذ جاء القوم وأخرجوني، ثم إن المعتمد على الله فوّض ما كان لناصر دين الله الموفّق لولده أحمد المذكور، فاستبدّ بالأمر، واستخفّ بعمّه المعتمد، ولم يرجع إليه في شيء من عقده
وحلّه، ثم إن أحمد المذكور دخل على عمّه المعتمد على الله وقصّ عليه رؤياه التي رآها في الحبس، وقال: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ولّاني هذا الأمر، ومتى لم تخلع ابنك جعفرا من الخلافة طائعا وإلا خلعته كارها، فخلع المعتمد ابنه وجعل العهد لابن أخيه أحمد المذكور.
وفيها كما قال في «العبر» [1] منع المعتضد من بيع كتب الفلاسفة والجدل، وتهدد على ذلك، ومنع المنجّمين والقصّاص من الجلوس فكان ذلك من حسناته. انتهى [2] .
وفيها، في رجب، توفي المعتمد على الله، أحمد بن المتوكل على الله جعفر، العباسي، وله خمسون سنة، وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ويومين، وكان أسمر، ربعة، نحيفا، مدوّر الوجه، صغير اللحية، مليح العينين، ثم سمن وأسرع إليه الشيب، ومات فجأة، وأمه أمّ ولد اسمها قينان [3] ، وله شعر متوسط، وكان قد أكل رؤوس جداء فمات من الغد بين المغنّين والندماء، فقيل: سمّ في الرؤوس، وقيل: نام فغمّ في بساط، وقيل:
سمّ في كأس الشراب، فدخل عليه القاضي والشهود فلم يروا به أثرا، وكان منهمكا في اللّذات، فاستولى أخوه على المملكة وحجر عليه في بعض الأشياء، فاستصحب المعتضد الحال بعد أبيه.
وعن أحمد بن يزيد قال: كنّا عند المعتمد، وكان كثير العربدة إذا سكر، فذكر حكاية. قاله في «العبر» [4] .
[1](2/ 67) .
[2]
سبق أن ذكر المؤلف هذا الخبر في أول كلامه عن حوادث هذه السنة باختصار، وأظنه كان ينقل هناك عن كتاب «شذور العقود في تاريخ العهود» لابن الجوزي والله أعلم.
[3]
في «العبر» : «فتيان» .
[4]
(2/ 67) .
وامتد ملكه على المهانة بتدبير أخيه، ولو شاء خلعه لخلعه.
قال ابن الفرات: كان في خلافته محكوما عليه، حتّى إنه احتاج في بعض الأوقات إلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها في ذلك الوقت، فقال:
أليس من العجائب أن مثلي
…
يرى ما قلّ ممتنعا عليه
وتؤخذ باسمه الدّنيا جميعا
…
وما من ذاك شيء في يديه
إليه تحمل الأموال طرّا
…
ويمنع بعض ما يجبى إليه
[1]
وفيها توفي أحمد بن أبي خيثمة، زهير بن حرب الحافظ ابن الحافظ، أبو بكر النّسائي، ثم البغدادي، مصنّف «التاريخ الكبير» ، وله أربع وتسعون سنة. سمع أبا نعيم، وعفّان، وطبقتهما.
قال الدارقطني: ثقة، مأمون.
وفيها إبراهيم بن عبد الله بن عمر العبسيّ. القصّار، الكوفيّ أبو إسحاق، آخر أصحاب وكيع وفاة.
وفيها جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ ببغداد، وله تسعون سنة.
روى عن أبي نعيم وطبقته، وكان زاهدا، عابدا، ثقة، ينفع الناس ويعلّمهم الحديث.
وأبو يحيى عبد الله بن زكريا بن أبي ميسرة، محدّث مكّة في جمادى الأولى. روى عن أبي عبد الرّحمن المقرئ وطبقته.
وفيها الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحّاك السّلميّ، أبو عيسى، الترمذيّ الضرير، تلميذ أبي عبد الله البخاري، ومشاركه فيما يرويه في عدة من مشايخه. سمع منه شيخه البخاري وغيره، وكان مبرّزا على الأقران، آية في الحفظ والإتقان.
[1] في «وفيات الأعيان» (4/ 278) .
قال ابن خلّكان [1] : أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضّحّاك السّلميّ الضرير البوغيّ الترمذيّ، الحافظ المشهور، أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث. صنّف «كتاب الجامع» و «العلل» [2] تصنيف رجل متقن، وبه يضرب المثل، وهو تلميذ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وشاركه في بعض شيوخه، مثل قتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، وابن بشّار، وغيرهم. انتهى.
قيل: إنه ولد أكمه [3] .
وفيها أبو الأحوص، محمد بن الهيثم [الحافظ][4] قاضي عكبرا، في جمادى الآخرة، وكان أحد من عني بهذا الشأن [5] فروى عن عبد الله بن رجاء، وسعيد بن عفير، وطبقتهما، وهو ثقة.
وأبو عبد الله، محمد بن جابر بن حمّاد، أحد أئمة زمانه، والمبرز بالفضل على أقرانه.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» :
ثمّ ابن عيسى التّرمذي محمّد
…
طاب رحيب علمه فقيدوا
مثل الفقيه المروزي النّقّاد
…
محمّد بن جابر بن حمّاد
[1] في «وفيات الأعيان» (4/ 278) .
[2]
العلل للترمذي، جعله في آخر كتابه الجامع ويقال: إن كتاب العلل، تأليف مستقل، ولكن قول الترمذي: جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمول به، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين
…
يبين أن كتاب العلل ملحق بالسنن. وقد شرح «العلل» الحافظ ابن رجب الحنبلي شرحا جيدا، وقد حققه أول مرة الأستاذ الشيخ صبحي السامرائي في العراق في مجلد واحد، ثم أعاد تحقيقه الدكتور نور الدين عتر في دمشق وصدر عن دار الملاح في مجلدين. (ع) .
[3]
يعني أعمى (ع) .
[4]
زيادة من «العبر» للذهبي.
[5]
يعني بعلوم الحديث النبوي الشريف.