الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسع وثمانين ومائتين
قال في «الشذور» : فيها صلّى النّاس العصر يوم عرفة ببغداد في ثياب الصيف، ثم هبّت ريح، فبرد الهواء حتّى احتاجوا إلى التدفّي بالنّار، وجمد الماء. انتهى.
وفيها خرج بالشّام يحيى بن زكرويه القرمطيّ، وقصد دمشق، فحاربه طغج بن جف متولّيها غير مرّة، إلى أن قتل يحيى في أول سنة تسعين.
وفيها توفي المعتضد أبو العبّاس أحمد بن الموفق وليّ عهد المسلمين، أبي أحمد طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم العبّاسيّ، في ربيع الآخر، ومرض أياما، وكانت خلافته أقلّ من عشر سنين، وعاش ستّا وأربعين سنة، وكان أسمر نحيفا معتدل الخلق، تغيّر مزاجه من إفراط الجماع، وعدم الحمية في مرضه، وكان شجاعا، مهيبا، حازما، فيه تشيّع، ويسمى السّفّاح الصغير، لأنه قتل أعداء بني العبّاس من مواليهم وغيرهم، وكان قد سلب [1] الدهر شطريه، وتأدب بصروف الزمان، وكان من أكمل الخلفاء المتأخرين، وولي الأمر بعده ولده المكتفي علي بن أحمد المعتضد.
قال ابن الفرات: كان المعتضد بالله من أكمل النّاس عقلا، وأعلاهم همّة، مقداما، عالما، سخيّا. وضع عن الناس السقايا، وأسقط المكوس
[1] في المطبوع و «غربال الزمان» ص (257) : «حلب» .
التي كانت تؤخذ بالحرمين، وضبط الأمر، وكانت الخلافة قد وهى أمرها وضعف، فأعزّها الله تعالى بالمعتضد، وأيّدها بتدبيره وسياسته، فكان يقال له:
السّفّاح الثاني، وكانت أم المعتضد أمّ ولد تسمى ضرار [1]، وكان له خادم يقال له: بدر، من أغزر النّاس مروءة، وأظرفهم وأحسنهم أدبا، وكان المعتضد يحبّه حبّا شديدا.
قال أبو الحسن علي بن محمد الأنطاكي: كنت يوما بين يدي المعتضد- وهو مغضب- إذ دخل عليه خادمه بدر، فلما رآه تبسّم وقال لي: يا علي من هو قائل:
في وجهه شافع يمحو إساءته
…
من القلوب وجيها أينما شفعا
قلت: يقوله الحسن بن أبي القاسم البصري، فقال: لله درّه، أنشدني بقية هذا الشعر، فأنشدته قوله:
ويلي على من أطار النّوم فامتنعا
…
وزاد قلبي إلى أوجاعه وجعا
كأنّما الشّمس من أعطافه لمعت
…
يوما أو البدر من أزراره طلعا
مستقبل بالذي يهوى وإن كثرت
…
منه الذّنوب ومعذور بما صنعا [2]
في وجهه شافع.... البيت قال: فلما فرغت من إنشاده، أجازني وانصرفت.
قال ابن حمدون: كنت مع المعتضد يوما وقد انفرد من العسكر، وتوسطنا الصحراء، إذ خرج علينا أسد وقرب منّا وقصدنا، فقال لي: يا ابن حمدون فيك خير؟ قلت: لا والله يا سيدي. قال: ولا تلزم لي فرسي؟ قلت:
[1] في الأصل، المطبوع:«صرار» وهو تصحيف، والتصحيح من «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 514) .
[2]
الأبيات في «النجوم الزاهرة» (3/ 129) والبيتان الأولان في «الأغاني» (14/ 164) ونسبتها في المصدرين إلى الحكم بن قنبر المازني.
بلى. فنزل عن فرسه ولزمتها، وتقدّم إلى الأسد وأنا أنظره، وجذب سيفه، فوثب الأسد عليه ليلطمه، فتلقاه بضربة وقعت في جبهته، فقسمها نصفين، ثم وثب الأسد ثانية وثبة ضعيفة فتلقاه بضربة أخرى أبان بها يده، ثم وثب المعتضد عليه، فركبه ورمى السيف من يده، وأخرج سكينا كانت في وسطه فذبحه من قفاه، ثم قام وهو يمسح السكين والسيف بشعر الأسد، وعاد وركب فرسه، وقال: إياك أن تخبر بهذا أحدا، فإنما قتلت كلبا.
قال ابن حمدون: فما حدّثت بهذا إلّا بعد موت المعتضد.
وكان الثوب يقيم عليه السنة والأقل والأكثر، لا ينزعه عن بدنه لكثرة اشتغاله بأمور الرّعية.
ومات في يوم الجمعة تاسع عشر شهر ربيع الآخر، وقيل: مات ليلة الاثنين لسبع بقين من شهر ربيع الآخر، ولما حضرته الوفاة أنشد:
تمتّع من الدّنيا [1] فإنك لا تبقى
…
وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرّنقا [2]
ولا تأمننّ الدّهر إني أمنته
…
فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقّا
قتلت صناديد الرّجال ولم أدع
…
عدوّا ولم أمهل على ظنّة [3] خلقا
وأخليت دار الملك من كلّ نازع
…
فشرّدتهم غربا وشرّدتهم شرقا
فلمّا بلغت النّجم عزّا ورفعة
…
وصارت رقاب الخلق لي أجمعا رقّا [4]
رماني الرّدى سهما فأخمد جمرتي
…
فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى
ولم يغن عنّي ما جمعت ولم أجد
…
لدى ملك الأحياء في حيّها رفقا [5]
[1] في الأصل: «تمتع بالدنيا» وأثبت لفظ المطبوع وهو موافق لما في «الكامل في التاريخ» .
[2]
في الأصل، والمطبوع:«ودع الرقا» وأثبت ما جاء في «الكامل في التاريخ» .
[3]
في «الكامل في التاريخ» : «طغية» وذكر ناشرها الأول بأنه جاءت في النسخة (أ) منه:
«خلقة» .
[4]
في «الكامل في التاريخ» : «وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا» .
[5]
في «الكامل في التاريخ» : «لذي الملك والأحياء في حسنها رفقا» .
فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى [1]
…
أفي نعمة الله [2] أم ناره ألقى [3]
ويقال: إن إسماعيل بن بلبل وزير المعتضد سقاه سمّا فمات، ودفن ببغداد. انتهى ما ذكره ابن الفرات ملخصا.
وفيها توفي بدر التّركيّ مولى المعتضد، ومقدّم جيوشه، عمل الوزير القاسم بن عبيد الله عليه [4] ووحّش قلب المكتفي بالله عليه، وكان في جهة فارس يحارب، فطلبه المكتفي، وبعث إليه أمانا وغدر به، وقتله في رمضان.
وفيها بكر بن سهل الدّمياطيّ المحدّث، في ربيع الأول. سمع عبد الله بن يوسف التّنّيسيّ وطائفة، ولما قدم القدس جمعوا له ألف دينار، حتّى روى لهم التفسير.
وفيها حسين بن محمد أبو علي القبانيّ النيسابوريّ الحافظ، صاحب «المسند» و «التاريخ» . سمع إسحاق بن راهويه وخلقا من طبقته، وكان أحد أركان الحديث، واسع الرحلة، كثير السماع، يجتمع أصحاب الحديث إليه بنيسابور بعد مسلم.
وفيها الحسين بن محمد بن فهم، أبو علي، البغداديّ الحافظ، أحد أئمة الحديث. أخذ عن يحيى بن معين، وروى «الطبقات» عن ابن سعد.
قال ابن ناصر الدّين: الحسين بن محمد بن عبد الرّحمن بن فهم بن محرز البغدادي، أبو علي، الحافظ الكبير. كان واسع الحفظ، متقنا للأخبار، عالما بالرّجال والنسب والأشعار، لكنه ليس بالقوي في سيره عند الدارقطني وغيره. انتهى.
[1] في «الكامل في التاريخ» : «ما ألقى» .
[2]
في «الكامل في التاريخ» : «إلى نعم الرحمن» .
[3]
الأبيات في «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 514- 515) .
[4]
في «العبر» : «الوزير عبيد الله» وهو خطأ، فيصحّح الاسم فيه:«القاسم بن عبيد الله» . وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 18- 20) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 177) .
وفيها علي بن عبد الصّمد الطّيالسي، ولقبه علّان. روى عن أبي معمر الهذلي وطبقته.
وفيها عمرو بن اللّيث الصّفّار الذي كان ملك خراسان. قتل في الحبس عند موت المعتضد، لأنه كان له أياد على المكتفي بالله، فخاف الوزير أن يخرجه ويتمكّن، فينتقم من الوزير.
وفيها محمد بن محمد أبو جعفر التمّار البصريّ، صاحب أبي الوليد الطّيالسيّ.
وفيها محمد بن هشام [بن أبي الدّميك][1] ، أبو جعفر الحافظ، صاحب سليمان بن حرب، ببغداد، وهو والذي قبله من أكابر مشايخ الطّبراني.
وفيها يحيى بن أيوب العلّاف المصريّ من كبار شيوخ الطّبراني أيضا، وصاحب سعيد بن أبي مريم.
وفيها يوسف بن يزيد بن كامل، أبو يزيد القراطيسيّ المصريّ، صاحب أسد [بن موسى، ويقال له: أسد][2] السّنّة، وهو أيضا من كبار شيوخ الطّبراني، والله أعلم.
[1] قوله: «ابن أبي الدميك» سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع و «العبر» للذهبي» (2/ 90) .
[2]
ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «العبر» للذهبي (2/ 90) .