الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
: [[الشريط السادس]] :
وإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى، وإنَّه خَاتمُ الأنبياءِ، وإِمَامُ الأتْقِيَاءِ، وسيِّدُ المرسَلينَ، وحَبيبُ ربِّ العالَمين، وكُلُّ دَعْوى النُّبوةِ بَعدَهُ فَغَيٌّ وَهَوى، وَهُو المبعوثُ إلى عَامَّةِ الجِنِّ وكَافَّةِ الوَرَى بالحقِّ والهدى، وبالنُّور والضِّياء.
قول المصنف رحمه الله (وإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى) إلى قوله (بالحقِّ والهدى، وبالنُّور والضِّياء) .
هذه الجملة من كلامه من التوحيد، وذلك أنَّهُ قال في أول الكلام - يعني في أول هذه العقيدة- (نقُولُ في تَوحيدِ الله مُعتَقدينَ بتوفيق الله: إنَّ اللهَ واحدٌ لا شريكَ لَهُ) ثم مضى في ذلك وأتى إلى مقام الرسالة والكلام على النبوة فقال (وإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى) ، فهي معطوفة على قوله (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) .
و (إِنَّ) هنا مكسورة لأنها معمول القول، ومن المعلوم في النحو أنّ (إِنَّ) تُكْسَرْ إذا كانت تُقَدَّرُ مع ما بعدها بجملة؛ يعني أنَّ (إِنَّ) مع ما دخلت عليه تُقَدَّرُ بجملة.
فلذلك تُكسر إذا كانت بعد كلام يُقَدَّرْ ما بعده بجملة.
ومعلوم أنَّ القول له مَقُولْ، ومَقُولُ القول جُمَلْ وليس بمفردات، وهذا بخلاف فتح الهمزة في (أَنَّ) فإن القاعدة فيها أنها تفتح إذا كانت في تقدير المفرد أو المصدر، كما هو مقرر في النحو كما هو معلوم لكم جميعا.
المقصود أنَّ قوله (وإِنَّ مُحَمَّداً) هذا بكسر همزةِ (إِنَّ) ؛ لأنها مقول القول في أول الرسالة وهو قوله (نقُولُ في تَوحيدِ الله) .
وبحث الرسالة والنبوة هو من توحيد الله عز وجل، ووجه ذلك:
1 -
الوجه الأول:
أنَّ توحيد الله عز وجل يُطْلَقْ ويُعْنَى به العقيدة بعامة، فكل العقيدة بأركان الإيمان تدخل في توحيد الله، فتوحيد الله عز وجل هو الإيمان، وهو المشتمل على أركان الإيمان الستة، والكلام على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من ضمن ذلك.
2 -
الوجه الثاني:
أنّ نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هي طريق التوحيد؛ لأنَّ توحيد الله عز وجل لم يُعْلَمْ إلا عن طريق الرسل، وفي ذلك تقريرُ أنَّ العقول لا تستقل في معرفة توحيد الله عز وجل وما يتضمنه ذلك وما يستلزمه ذلك؛ بل إنّه لا بد من بعثة رسلٍ وأنبياء للبيان {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] .
وبَعْثَةُ الرسل بها عُلِمَ حق الله عز وجل وتوحيده؛ توحيد الإلهية، وبها عُلِمَ نعت الله عز وجل وأسماؤه وصفاته الكاملة الجليلة.
فإذاً بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وبعثة الرسل جميعا هي طريق توحيد الله عز وجل ولهذا قال هنا (نقُولُ في تَوحيدِ الله [مُعتَقدينَ بتوفيق الله] : إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) واستمر ومرّ حتى قال (وإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى) يعني (ونقُولُ في تَوحيدِ الله: إِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى) .
وهذه الجملة من كلامه رحمه الله فيها تقرير عقيدة عظيمة، وهي أنَّ صلى الله عليه وسلم جُمِعَتْ له أوصاف ونعوت ومراتب:
- فمنها أنه عبد.
- ومنها أنه نبي.
- ومنها أنه رسول.
- ومنها أنه خاتَم الأنبياء والمرسلين.
- ومنها أنه حبيب رب العالمين وخليله.
- ومنها أنّ بعثته عامة للجن والإنس، وكافة الورى.
وسيأتي بيان هذه الجمل والصفات في شرح كل جملة بما تقتضيه.
نخصُّ الآن من هذه الجمل المتعلقة بالنبوة
قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)
ذكر ثلاث مقامات لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله (إِنَّ مُحَمَّداً) بدون أوصاف زائدة كسيدنا محمد ونحو ذلك فيه إتّباع لما جاء في الأحاديث الكثيرة من ذكر التعبد باسم النبي صلى الله عليه وسلم مجرداً عن وصف السيادة وغير ذلك، وهذا هو المسنون والمشروع كما في دعاء المصلي في التحيات إذا جلس للتشهد وأشباه ذلك، وكما في قول المؤذن، وكما في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وفي غيرها.
فالسنة التي جاءت بها الأحاديث الكثيرة وعَمَلْ السلف أنّ مقام المصطفي صلى الله عليه وسلم أرفع ما يوصف به أنْ يوصف بمقام العبودية والنبوة والرسالة، وذلك لأنَّ الله عز وجل وصف نبيه بذلك في أعلا المقامات وفي أَجَلِّهَا، فقال سبحانه {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا} [الإسراء:1] ، فوصفه في هذا المقام العظيم وهو مقام الإسراء وما تبعه من المعراج إلى رب العالمين بأنه أسرى بعبده، وقال سبحانه في وصف نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتذلله {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19] فقال سبحانه في المعراج وقُرْبِ محمد صلى الله عليه وسلم من رب العالمين قال {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:10] .
وهذا الوصف -وصف العبودية الخاصة- هو أعلا المقامات التي يوصف بها الإنسان، فإذا زاد عليه وصف النبوة ووصف الرسالة كان ذلك أعلا الكمال.
ولهذا يَعْظُم العبد بتحقيق كمال العبودية لله عز وجل.
وتحقيق كمال العبودية إنما هو في الأنبياء والمرسلين.
فإذاً وصف محمد صلى الله عليه وسلم بأنه (عَبْدُهُ المصطَفى) هذا فيه رفعٌ له وإكرام للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ الله عز وجل هو الذي رضي له هذا الوصف وهذا النعت وهذا المقام.
وهذا هو الذي ينبغي على من يكتب ويصنف أو يخطب أو يحاضر أن يتَّبِع السنة في الألفاظ، فنقول (وإن محمدا عبده المصطفى) دون زيادة لسيدنا وأشباه ذلك وإن كان هو صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين كما ذكر، هنا وهو سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم.
قال (إِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى)
والاصطفاء هو الاختيار، ومحمد صلى الله عليه وسلم اُصْطُفِيَ للرسالة.
وهذا اللفظ مأخوذ من قوله تعالى {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:75] .
فكل مُرْسَلٍ مُصْطَفَى لأن الله اصطفاه يعني اختاره وقرَّبَهُ لمقام الرسالة ولمقام العبودية الخاصة.
قال (ونبيُّه المجْتَبى)
والاجتباء هو الاختصاص.
اجتباهم {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ} [الأنعام:87] ، هذا معناه الاختصاص؛ يعني جعله نبياً فاجتباه، جعله حبيباً له وخليلاً ومختاراً ومختصاً بالمقامات العالية.
والوصف الثالث قال (ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)
وهذا مأخوذ من قوله تعالى {إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [الجن:27-28] .
هذا البيان لمعاني تلك الكلمات نُتبِعُهُ بأنَّ هذا الكلام، هذه الجمل من المصنف فيها تقريرٌ لعقيدة عامة وهي أنّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عبدٌ ونبي ورسول، وأنّه خاتم الأنبياء، وأنّ كل دعوة للنبوة فغيٌّ وهوى.
وهذا من جملة ما يدخل في أركان الإيمان، فلا يصح إيمان عبد حتى يعتقد بأنّ محمدا صلى الله عليه وسلم عبدٌ نبيٌ رسول، وأنه خاتم الأنبياء وخاتم المرسلين، وأنه لا تصح دعوى للنبوة بعده، وكل دعوة للنبوة بعده فكذب وضلال وغيٌّ وهوى، إلى آخر ما سيأتي في بيان تلك الجمل.
وهذه الجملة فيها تقرير لـ: أنَّ النبوة مختلفة عن الرسالة، وأنَّ النبوة تسبق الرسالة كما قال (ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ [المُرْتَضَى] ) .
وهذا هو المعروف عندكم فيما هو مقرر من أنَّ محمد صلى الله عليه وسلم نُبِأَ (بإقرأ) وأُرْسِلَ (بالمدثر) .
فالنبوة مرتبة دون مرتبة الرسالة، كما سيأتي.
وجَعْلْ العطف متغايراً أولى من جَعْلِهِ -يعني متغايراً في الذات- أولى من جَعْلِهِ متغايراً لفظي؛ يعني أنَّ المصنف الطحاوي يرى أنَّ النبوة غير الرسالة وأنَّ النبي غير الرسول، وهذا هو الحق كما سيأتي بيانه.
هذه الجملة فيها تقرير ما ذكرت من العقيدة العامة المعروفة، ويدخل تحتها مسائل:
[المسألة الأولى] :
تعريف النبي والرسول.
والنبي والرسول لفظان موجودان في لغة العرب، فتعريفهما في اللغة يؤخذ من موارده في اللغة.
وهو أنَّ: النبي: مأخوذ من النَّبْوَة وهي الارتفاع وذلك لأنَّه بالإيحاء إليه وبالإخبار إليه أصبح مرتفعاً على غيره.
والرسول: هو من حُمِّل رسالةً فبُعث بها.
ولهذا نقول إنَّ كلمة نبي جاءت في القرآن في القراءات على وجهين؛ يعني على قراءتين متواترتين:
الأولى (النبي) بالياء.
والثانية (النبيء) ، (يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ) .
والفرق ما بين (النبي) و (النبيء) أنَّ النبيء هو من نُبِّئَ.
وكلا الأمرين حاصل في النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل نبي، فهو مرتفع ولأجل ذلك فهو نبي، وهو مُنَبَأٌ ولأجل ذلك فهو نبيءٌ.
ولهذا نقول إن كلمة (نبي) صارت من الرفعة لأجل (نبيء) لأجل أنه نبيء؛ يعني أنه نُبِّئَ فصار في نَبْوَةٍ وارتفاع عن غيره من الناس.
أما في الاصطلاح -التعريف الاصطلاحي للنبي والرسول- فهذا مما اختلف فيه أهل العلم كثيراً، والمذاهب فيه متنوعة:
1 -
المذهب الأول:
قول من قال إنه لا فرق بين الرسول والنبي، فكل نبي رسول وكل رسول نبي.
2 -
المذهب الثاني:
أنَّ النبي والرسول بينهما فرق، وهو أنَّ النبي أدنى مرتبةً من الرسول فكل رسول نبيٌ وليس كل نبيٍ رسولاً.
3 -
المذهب الثالث:
أنَّ النبي أرفع من الرسول، وهو قول غلاة الصوفية وأنَّ الرسول دون النبي.
& المذهب الأول: قال به طائفة قليلة من أهل العلم من المتقدمين ومن المتأخرين، ومنهم من يُنْسَبُ إلى السنة.
& والمذهب الثاني: وأنَّهُ ثَمَّةَ فرق بين النبي والرسول وأنَّ كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، هذا قول جمهور أهل العلم وعامة أهل السنة، وذلك لأدلةٍ كثيرة استدلوا بها على هذا الأصل مبسوطة في مواضعها، ونختصر لكم بعضها:
@ الدليل الأول:
قوله عز وجل في سورة الحج {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحج:52]
قال سبحانه هنا {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} :
1 -
ووجه الاستدلال أنَّ الإرسال وهو فعل (أَرْسَلْنَا) وقع على الرسول وعلى النبي، فإذاً الرسول مرسل والنبي مرسل؛ لأنّ هذا وقع على الجميع.
2 -
وجه الاستدلال الثاني أنه عطف بالواو فقال (مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ) ، والعطف بالواو يقتضي المغايرة؛ مغايرة الذات أو مغايرة الصفات، وهنا المقصود منه أنَّ الصفة التي صار بها رسولَا غير النعت الذي صار به نبياَ، وهو المقصود مع تحقق أنَّ الجميع وقع عليهم الإرسال.
3 -
والوجه الثالث من الاستدلال أنه عطف ذلك بـ (لَا) أيضا في قوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} ، ومجيء (لَا) هنا في تأكيد النفي الأول؛ في أول الآية وهو قوله (وَمَا أَرْسَلْنَا) ، فهي في تقدير تكرير الجملة مَنْفِيَّةً من أولها، كأنه قال: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا أرسلنا من قبلك من نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته.
@ الدليل الثاني:
أنَّ النبوة ثبتت لآدم عليه السلام، فآدم كما صح في الحديث (نبي مُكَلَّم)(1) وأن هناك أنبياء جاؤوا بعد آدم عليه السلام كإدريس وشيث وكغيرهما.
وإدريس ذكره الله عز وجل في القرآن، والرسل أولهم نوح عليه السلام.
وجعل الله عز وجل أولي العزم من الرسل خمسة، وجعل أولهم نوحا عليه السلام.
فهذا يدل على أنّ آدم عليه السلام لم يحصل له وصف الرسالة، بل جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم «آدم نبي مُكَلَّمْ» ، ووُصف نوح بأنه رسول، ووُصف إدريس بأنه نبي، فدل هذا على التفريق بين المقامين.
@ الدليل الثالث:
الذي أورده أصحاب هذا القول ما جاء في حديث أبي ذر من التفريق ما بين عدد الأنبياء وعدد المرسلين، فجُعِلَ عدد الأنبياء أكثر من مائة ألف؛ مائة وأربعة وعشرين ألف أو نحو ذلك، وجُعل عدد الرسل أكثر من الثلاثة مائة بقليل؛ بضعة عشرة وثلاثمائة رسول.
والله عز وجل قص علينا خبر بعض الرسل وحجب عنا قَصص البعض الآخر فقال عز وجل {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء:164] ، وهذا الحديث -حديث أبي ذر- حسّنه بعض أهل العلم وإن كان إسناده عند التحقيق فيه ضعف؛ لكن فيه جمل صحيحة وهو حديث طويل رواه ابن حبان غيره.
وثَمَّ أدلة أخرى في هذا المقام، قد لا تكون دالة بوضوح على المراد.
إذا تبين لكَ ذلك، وأنَّ الصحيح هو قول الجمهور وهو أن ثمة فرقاً بين النبي والرسول، فما تعريف النبي وما تعريف الرسول في الاصطلاح؟
قلنا إنَّ النبي يقع عليه الإرسال؛ ولكن لا يسمى رسولاً عند الإطلاق.
(1) المسند (5/22342) / المعجم الكبير (7871) / مصنف ابن بي شيبة (35933) / شعب الإيمان (130)
والرسول يقع عليه الإرسال وهو الذي يسمى رسولا عند الإطلاق.
والله عز وجل جعل ملائكة مرسلين، وإذا قلنا الرسول فلا ينصرف بالإطلاق على المُبَلِّغ للوحي جبريل عليه السلام.
والله عز وجل أرسل الريح وأرسل المطر وأرسل أشياء من العذاب، ولا يقع عند الإطلاق أنْ يقال هذه مرسلة أو هذه رسالة الله أو هذه الأشياء رسول من إطلاق المفرد وإرادة الجمع به.
ولهذا نقول قد يقال عن هذه الأشياء كما جاء في القرآن، قد يقال عنها إنها مرسلة {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات:1] ، ولكن إذا أُطلق لفظ الرسول فلا ينصرف إلى من أُرْسِلَ من الملائكة وإنما ينصرف إلى من أرسل من البشر.
وهذا يدل على أنَّ الفرق قائم ما بين النبي وما بين الرسول، وأنّ النبي إرساله خاص وأنَّ الرسول إرساله مطلق.
فلهذا نقول دلّت آية سورة الحج {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} على أنّ كلا من النبي والرسول يقع عليه إرسال.
فما الفرق بينهما من جهة التعريف؟
الجواب: أنَّ العلماء اختلفوا على أقوال كثيرة في تعريف هذا وهذا، ولكن الاختصار في ذلك مطلوب: وهو أنَّ تعريف النبي–وهي مسألة اجتهادية-:
النبي هو من أَوْحَى الله إليه بشرعٍ لنفسه أو أَمرَه بالتبليغ إلى قوم موافقين؛ يعني موافقين له في التوحيد.
والرسول: هو من أَوْحى الله إليه بشرع وأُمِرَ بتبليغه إلى قوم مخالفين.
وتلحظ أنَّ هذا التعريف للنبي وللرسول أَنه لا مَدْخَلَ لإيتاء الكتاب في وصف النبوة والرسالة، فقد يُعطى النبي كتاباً وقد يعطى الرسول كتاباً، وقد يكون الرسول ليس له كتاب وإنما له صحف {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:19] ، وقد يكون له كتاب.
فإذاً من جَعَلَ الفيصل أو الفرق بين النبي والرسول هو إيتاء الكتاب، وحي جاءه بكتاب مُنَزَّلْ من عند الله عز وجل، فهذا ليس بجيد، بل يقال كما ذكرت لك في التعريف أنَّ المدار على:
-النبي مُوحَى إليه، والرسول موحى إليه.
-النبي يوحى إليه بشرع أو بفصلٍ في قضية؛ شرع يشمل أشياء كثيرة، -وكذلك الرسول يوحى إليه بشرع.
-النبي يُوحى إليه لإبلاغه إلى قوم موافقين أو ليعمل به في خاصة نفسه كما جاء في الحديث (ويأتي النبي وليس معه أحد)(1) ، الرسول يُبعث إلى قوم مخالفين له.
ولهذا جاء في الحديث أن (العلماء ورثة الأنبياء)(2) ولم يجعلهم ورثة الرسل، وإنما قال (وإن العلماء ورثة الأنبياء) ، وذلك لأنّ العالم في قومه يقوم مقام النبي في إيضاح الشريعة التي معه، فيكون إذاً في إيضاح شريعته، في إيضاح الشريعة يكون ثَمَّ شَبَه ما بين العالم والنبي، ولكن النبي يُوحى إليه فتكون أحكامه صواباً؛ لأنها من عند الله عز وجل، والعالم يوضِحُ الشريعة ويعرض لحُكْمِهِ الغلط.
يتعلق بهذه المسألة بحث أنَّ الرسول قد يكون متابعاً لشريعة مَنْ قَبْلَهْ، كما أنَّ النبي يكون متابعاً لشريعة مَنْ قَبْلَهْ.
فإذاً الفرق ما بين النبي والرسول في إتباع الشريعة -شريعة مَنْ قَبْلْ- أَنَّ النبي يكون متابعا لشريعة مَنْ قَبْلَهْ، والرسول قد يكون متابعاً -كيوسف عليه السلام جاء قومه بما بعث به إبراهيم عليه السلام ويعقوب-، وقد يكون يُبْعَثُ بشريعة جديدة.
وهذا الكلام؛ هذه الاحترازات لأجل أنَّ ثمة طائفة من أهل العلم جعلت كل مُحْتَرَزٍ من هذه الأشياء فرقا ما بين النبي والرسول.
فإذاً كما ذكرت لكم:
- الكتاب قد يُعطاهُ النبي وقد يُعطاهُ الرسول.
- بَعْثُهُ لقوم موافقين أو مخالفين هذا مدار فرق ما بين النبي والرسول.
- الرسول قد يبعث بشريعة مَنْ قَبْلَهْ بالتوحيد بالديانة التي جاء بها الرسول لمن قبله، لكن يُرْسل إلى قوم مخالفين، وإذا كانوا مخالفين فلا بد أن يكون منهم مَنْ يُصَدِّقُهُ ويكون منهم من يُكَذِّبُه؛ لأنه ما من رسول إلا وقد كُذِّب، كما جاء في ذلك الآيات الكثيرة.
(1) البخاري (5705) / مسلم (549)
(2)
أبو داود (3641) / الترمذي (2682) / ابن ماجه (223)
[المسألة الثانية] :
نبوة الأنبياء هل هي واجبة أو ممكنة؟
الصواب أنَّ نبوة الأنبياء وإرسال الرسل مما جعله الله عز وجل على نفسه، كما قال سبحانه {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] .
وقد اختلف الناس في ذلك:
$ فقالت طائفة إرسال الرسل جائز.
$ وقالت طائفة إرسال الرسل واجب على الله عز وجل.
$ وقالت طائفة إرسال الرسل ونبوة الأنبياء لا يقال فيها جائزة ولا واجبة بل هي تبع للمصلحة.
$ وكما ذكرنا أنّ قول أهل السنة في ذلك: أنَّ إرسال الرسل جعله الله عز وجل حجة على الناس كما في الآية، ولا يُطلق القول بوجوبها ولا بإمكانها أو جوازها أو ردِّ ذلك، بل يُتَّبع في ذلك النص الوارد لأنّ أفعال الله عز وجل والإيجاب عليه والتحريم إنما يكون من عنده عز وجل.