المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ قوله (ولا من يدعي شيئا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة) - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: ‌ قوله (ولا من يدعي شيئا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة)

: [[الشريط الخمسون]] :

وَلَا نُصَدِّقُ كَاهِنًا وَلَا عَرَّافُا، وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ.

وَنَرَى الجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَاباً، والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً.

مرّت معنا عدة مسائل تتعلق بالجملة الأولى وهي قوله (وَلَا نُصَدِّقُ كَاهِنًا وَلَا عَرَّافُا) .

وفي‌

‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

مسائل أيضاً:

ص: 710

[المسألة الأولى] :

أنَّ مخالفة الكتاب والسنة وإجماع الأمة، هذه مذمومة وضلال وقد تصل بصاحبها إلى الكفر في باب الاعتقاد أو في باب العمليات أو في أبواب السلوك.

والواقع يدلُّ على أنَّ طائفةً ممن ادَّعوا الصلاح والسُّلوك والزُّهد والعبادة، ادَّعوا أشياء تحصل لهم، إمَّا بالإلهام أو بخبر الغيب أو بأحوال لم يدلَّ عليها الكتاب والسنة وأجمعت الأمة على خلافها.

وهذا كثير فيمن يَدَّعُون التَّصَوُف ممن كانوا في زمن الطحاوي وما قبله.

والطحاوي رحمه الله قرن -فيما ترى- ما بين تصديق الكُهَّانِ والعَرَّافِين وما بين ادِّعَاءِ أشياء تخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة؛ لأنَّ الناس قد يظهرُ لهم في موضوع الغيب عدم تصديق الكاهن والعرَّاف لأنَّ الكاهن والعرَّاف حالهما معروف والناس يحذرون من أهل الكهانة لا سيما في الأوقات القريبة من السنة أو التي تظهر فيها ألوية السنة، فيكرهون الكِهَانَةْ والعِرَافَةْ ويكرهون الكاهن والعَرَّاف لأنهم من أولياء وإخوان الشياطين.

لكن مسألة الصالحين والأولياء ومن يُظْهِرْ الصلاح فإنَّ هذه قد تشتبه كما هو الواقع في كثيرٍ من أحوال المسلمين الماضية والحاضرة، لهذا قرن بينهما؛ لأنَّ مسألة الكاهن والعَرَّافْ ظاهرة؛ لكن أيضاً لا نُصَدِّقُ من يَدَّعي شيئاً يخالف الكتاب والسنة وإجماع ممن ظاهره الصلاح ويدَّعي أحوالاً أو العلم بأمور الغيب.

ص: 711

[المسألة الثانية] :

الذين نُسِبوا إلى الوَلَاية -بفتح الواو- وعُدُّوا من الأولياء وأهل الزَّهَادَةْ فئات مختلفة متنوعة:

- منهم الغلاة الذين زعموا أنهم يُوحَى إليهم.

- ومنهم من هم دونهم ممن يزعمون أنهم يُلهَمون ويُخبَرونَ بالغيب.

- ومنهم -وهم دونهم- من يزعمون أنهم على قُدْرَةٍ في تغيير الأحوال والعلم بالضمائر وأنهم يُحَدَّثُونَ بما أحدثه الناس بعدهم؛ يعني فيما مضى والذين قبلهم فيما سيأتي.

ولا شك أنَّ طريقة السلف في الزهد والعبادة هي التي أجمعت عليها الأمة، وهي أَنَّهُم يَتَعَبَّدُونَ ويَتَزَهَّدُون، ويرجون الله عز وجل ولا يَدَّعُونَ شيئاً من أحوال الكُهَّانْ والعَرَّافين ولا إخبار بالغيب ولا الأحوال الشيطانية المختلفة التي تُسَمَّى الكرامات عند بعضهم.

ص: 712

[المسألة الثالثة] :

الواجب على كل مسلم أن يعتقد أنَّ علم الغيب مختصٌ بالله عز وجل، وأنه قد يُعْطِي بعض علم الغيب لرسولٍ.

والرسول هو الذي جاء في قوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [الجن:26-28] ، فالذي اِسْتُثْنِي هو الرسول.

والرسول نوعان:

- رسول ملكي، نِسْبَةْ إلى الملائكة.

- ورسول بشري.

وهؤلاء يُسْتَثْنَونَ فيما أراد الله عز وجل أن يُعْلِمَهُم إياه من أمور الغيب، لحكمته عز وجل ولكمال علمه وقدرته.

أما من ليس برسول فلا يُكْشَفُ له الغيب، لكن قد يكون لبعضهم كرامة، ليست من باب كشف الغيب المستقبلي، ولكن هي من باب الكشف العلمي الذي سبق أن ذَكَرنَاهُ لكم في نحو قصة عمر رضي الله عنه مع سارية حيث قال له (يا سارية الجبل الجبل) يعني الزم الجبل.

فصار بالنسبة إلى عمر كشف علمي، ليس علماً للغيب المستقبلي، كشف علمي أو بصري، فرأى الجبل ورأى سارية.

وبالنسبة إلى سارية أيضاً سَمِعَ كلام عمر فصار بالنسبة له كشف سمعي، وهذا من جهة الكرامة، وقد أوضحنا لك ذلك في قوله (وَنُؤْمِنُ بِمَا جَاءَ مِنْ كَرَامَاتِهِمْ، وَصَحَّ عَنِ الثِّقَاتِ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ) فيما مضى.

ص: 713

[المسألة الرابعة] :

ذكر لك الشارح هنا -ابن أبي العز رحمه الله أحوالاً متنوعة فيمن ادَّعَى أشياء مخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة ترجع إليه فيها.

وننبه زيادة على ذلك من أنَّ طائفة - أظنه ذكرها في هذا الموضع- أسْمَتْ نفسها بـ: (الطائفة المَلَامَكِيَّةْ) أو (الملامِيَّةْ) وهذه الطائفة من الصوفية نشأت في أواخر القرن الثامن الهجري تَزَعَّمَهَا طائفة من الزُّهَادْ والعُبَّادْ الذين أرادوا تصفية النفوس وتحقيق الإخلاص، فصاروا يُظْهِرُونَ حالاً خلاف ما هم عليه، يُظهرون المعصية، يُظْهِرونَ خلاف الطاعة، يُظْهِرونَ التفريق في الواجبات، لأجل أن يذمهم الناس وهم في الحقيقة في داخلهم ليسوا على هذا الأمر ويكرهونه وهم من أهل العبادة والزهد.

فأرادوا الإخلاص عن هذا الطريق، وهذه لا شك حال تخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة في أنَّ العبد المُكَلَّفْ يجب عليه أن يستقيم على الطاعة وأن يُحَقِّقَ الإخلاص كما أمره الله عز وجل في حاله ظاهراً وباطناً.

فإذن هذه الجملة (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ) تدلُّ على عدم تصديق كل من ادَّعَى الوَلَاية وهو يَدَّعِي شيئاً من علم الغيب أو يَدَّعِي شيئاً من المقامات العلية أو من الوحي أو من الإلهام مما يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

ص: 714

قال رحمه الله بعد ذلك (وَنَرَى الجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَاباً)

يريد العلامة الطحاوي رحمه الله وأجزل له المثوبة بهذه الجملة من هذه العقيدة النافعة بأنَّ:

- أهل السنة والجماعة أهل الحديث والأثر أتباع السلف الصالح يَرَونَ الجماعة حقاً أَحَقَّهُ الله عز وجل وأَحَقَّهُ رسوله صلى الله عليه وسلم ثابت وخلافه باطل.

- وأنهم يرون الجماعة صواباً في الالتزام بها وفي التمسك بها وفي الحال والمآل وفي الدنيا والآخرة.

- وأنَّ خلاف الجماعة والتمسك بها أنه باطل وغلط وضلال.

وقابلها بقوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) يعني يرى أهل السنة والجماعة أهل الحديث والأثر أتباع السلف الصالح يرون الفرقة بأنواعها زيغاً عن الصراط، وزيغاً وبُعْدَاً عما أمر الله عز وجل به من الاعتصام بحبله والإتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويرونها أيضاً عذاباً يعني عُقَوبَةً تُعَاقَبُ بها الأمة -كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

وسبب إيراد هذه الجملة في العقائد أمران:

1 -

الأمر الأول: أنَّ أعظم ما حصل به الزيغ والدَّمْ في الأمة وإضعاف الأمة والبدع والمحدثات والشرك وجميع الموبقات بأنواعها إنما حصل من جَرَّاءِ ترك الجماعة والأخذ بالفُرْقَةْ أو استحسان الفُرْقَةْ.

2 -

الأمرالثاني: أنَّ الفِرَقْ الضالة رأت الفُرْقَةْ خيراً وطلبتها ورَأَتْ الجماعة ضعفاً فنبذتها.

ومخالفتهم وترك سبيلهم هو سِمَةُ الفِرْقَةِ الناجية الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «هي الجماعة» (1) .

إذا تبيَّنَ ذلك فهاهنا مسائل:

_________

(1)

سبق ذكره (5)

ص: 715

[المسألة الأولى] :

في قوله (نَرَى) ، كلمة (نَرَى) في هذا الموطن يُرادَ بها الاعتقاد، يعني ونعتقدُ، وليست مذكورةً لأجل أنَّ المسألة اجتهادية، كما يعبر الفقهاء (أرى كذا، وأرى أنَّ الأظهر كذا) فيما سبيله الاجتهاد.

فكلمة (نَرَى) في كتب أهل السنة، في كتب العقائد إذا جاءت بصيغة الجمع فإنه يُرَادُ بها ما قَرَّرَهُ أئمة أهل السنة والجماعة في عقائدهم دون خلافٍ بينهم.

ص: 716

[المسألة الثانية] :

الجماعة جاء ذِكْرُهَا في حديث الافتراق وفي أحاديث أُخَرْ كقوله صلى الله عليه وسلم: «الجماعة رحمة والفُرْقَةْ عذاب» ، وكقوله «من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يشق عصاكم فاقتلوه كائناً من كان» (1) وكذلك قوله في حديث الافتراق «إنَّ اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإنَّ النصارى افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وإنَّ هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلُّها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «هي الجماعة» ، وفي رواية قال:«هي ما كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» (2) .

فكلمة (الجَمَاعَةَ) جاءت في عدد من الأحاديث نَصَّاً، وجاءت في القرآن مَعْنَىً في قوله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ} [آل عمران:103] ، وفي قوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} يعني جميعاً دون تفريق، و {السِّلْمِ} في الآية يعني الإسلام.

{ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} يعني ادخلوا في الإسلام كافة.

{وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:208] ، بأن تُفَرِّقُوا بين أمرٍ وأمرٍ من أمور الإسلام، فيجب الدخول فيه كافة، وألَّا يقول المسلم إذا أسلم (أنا أدخل في بعض الإسلام ولا أدخل في بعض، أو ألتزم ببعضٍ ولا ألتزم ببعض أو أُقِرُّ ببعضٍ ولا أُقِرُّ ببعض) ، ونحو ذلك.

و (الجَمَاعَةَ) في هذا الموطن اختلف السلف في تفسيرها على عدة أقوال -يعني الآية والحديث وفي غيرهما أيضاً من كلام السلف-.

والذي يجمع كلام السلف كما أوضحته لكم في غير موضع: أَنَّ الجماعة نوعان:

- جماعَةٌ في الدين.

- وجماعَةُ في الأبدان والدنيا.

وأنَّ النصوص تشمل هذا وهذا، وأَنَّ من فَسَّرَ من السلف (الجَمَاعَةَ) بجماعة الدين فإنه -يعني من الصحابة والتابعين - تَفْسيرٌ للشيء ببعض أفراده، كما هو عادة السلف، ومن فَسَّرَهَا بأنها جماعة الأبدان والاجتماع على الإمام وولي الأمر فإنَّهُ يعني بها فرداً أو بعض أفراد الجماعة.

فالجماعة نوعان:

1 -

أولاً: جماعةٌ في الدين: وهي الأساس الأعظم لما أنزل الله عز وجل به كتبه وأرسل به رسله، فإنَّ الله أرسل الرسل وأنزل الكتب لأجل أن يجتمع الناس في دينهم، وهو توحيد الله عز وجل، عبادته وحده دون ما سواه والبراءة من الشرك وأهله، وطاعة رسوله الذي أرسله على الرسل صلوات الله وسلامه.

وهذا هو الذي جاء في نحو قوله جل جلاله في سورة الشورى {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] يعني واجتمعوا عليه، وهو المذكور في قوله {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ} [آل عمران:103] .

وهذا الاجتماع في الدين هو أَعْظَمُ أَمْرٍ لأجله بُعِثَتْ الرسل وأُنْزِلَتْ الكتب، وهو الذي من أجله يجاهد المجاهد ويدعو الدَّاعِي، وهو الذي من أجله آتى الله عز وجل الرسل الآيات والبينات، أن يجتمعوا لأجل تحقيق الدين، لأجل ألا يفترق الناس في الالتزام بما يُرْضِي الله عز وجل فيما يستحقه في العبادة والطاعة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

فيدخل هنا في الاجتماع: الاجتماع في ملازمة الإسلام، والالتزام به، وألا نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعض، وأن يُدْخَلَ في الإسلام كافَّةْ دون تفريقٍ ما بين مسألة ومسألة -يعني من حيث الاعتقاد والإقرار والإذعان والالتزام-.

2 -

ثانياً: جماعة الأبدان: يعني اجتماع الأبدان والدنيا بملازمة طاعة من وَلَّاهُ الله عز وجل الأمر، والسمع والطاعة في غير معصية الله عز وجل.

وهذا النوع وسيلة لتحقيق الأوَّلْ، فالأمْرُ به والنهي عن الخروج عن الولاة والأمْرْ بالاجتماع فيما أَحَبَّ الإنسان وكَرِهْ، كما جاء في الحديث «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره» (3) ، هذا به يتحقق الاجتماع في الدين.

والتفريط في الأول أو في بعضه يُعَاقِبُ الله عز وجل به بالفرقة في الثاني أو بعضه -كما سيأتي بالبحث في الفُرْقَة-، وكذلك التفريط في الثاني وهو: السمع والطاعة لولاة الأمور في غير المعصية والاجتماع وعدم الخروج، التفريط في الثاني يُنْتِجُ التفريط في الأول أو في بعضه.

ولهذا ما مِنْ فُرْقَةٍ في الأبدان حصلت في الأمة إلا وكان معها وبعدها من الافتراق في العقائد ونفوذ البدع والمُحْدَثَات ما لا يدخل في حُسْبَان.

فالأمران مترابطان، والجماعة مطلوبَةٌ في هذا وهذا ومأمورٌ بها، وجماعة الدِّين واجتماع الناس في دينهم حقٌ وصواب، وإحداث المحدَثَات باطل وغلط وضلال، وكذلك الاجتماع في الأبدان والدنيا حقٌ وصواب وخلافه بالفُرْقَةْ والخروج باطلٌ وزيغٌ وضلال.

(1) سبق ذكره مع ما قبله (487)

(2)

سبق ذكره (344)

(3)

سبق ذكره (481)

ص: 717

[المسألة الثالثة] :

جماعة الدين حصل فيها الافتراق أو حصل فيها الخلل ووقعت الفُرْقَة قبل الافتراق في الأبدان أو قبل اختلال جماعة الأبدان، وذلك حين نشأت الخوارج في عهد عثمان رضي الله عنه، وحدث منهم ما حدث حتى آل الأمر إلى قتل عثمان ثم بعد ذلك وقعت الفُرْقَة واخْتَلَّتْ الجماعة.

وهذا يؤخذ منه أنَّ من دعا إلى الدين والاجتماع عليه وتحقيق التوحيد ونبذ البدع ووسائل الشّرك والبدع وإحلال الحلال وتحريم الحرام والأمر بما أوجب الله عز وجل والنهي عن ضد ذلك أنَّ هذا في الحقيقة يدعو إلى الاجتماع في الأبدان، لأنّه إذا اجتمع الناس في دينهم آل الأمر إلى اجتماعهم في أبدانهم، والمسائل مرتَبِطٌ بعضها ببعض.

لهذا كان من اللَّوازِمْ على كل من يطلب معرفة منهج السلف والأئمة وأهل الحديث أن ينظر إلى التلازم العظيم ما بين الجماعة الأولى والجماعة الثانية أو الاجتماع الأول والاجتماع الثاني.

والتوازن فيما بينهما هو سبيل أهل العلم، فإنَّ الناس في هذين الأمرين على ثلاثة أنحاء:

@ الفئة الأولى: منهم من قَدَّمَ تحقيق المطالب الدينية ورَعَاهُ حتى ولو حصل خلل في الاجتماع في الأبدان- يعني بحسب اعتقادهم -.

وهذا هو طريقة من ضل في هذا الباب وغلا من الخوارج والمعتزلة، ومن رَأَى رأياً يشابه ما قاله الخوارج والمعتزلة ونحوهما.

@ الفئة الثانية: من تساهلت فرَأَتْ المحافظة على الجماعة في الأبدان والدنيا سبيلاً لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة الواجبة وإعلان الحق بضوابطه الشرعية في أمر الجماعة، فَتَرَكُوا إنكار المنكر من الشرك والبدع تَسَاهُلَاً وضَعْفَاً.

@ الفئة الثالثة: هم الراسخون في العلم ومن تَوَلَّاهُ الله عز وجل بتوفيقه، فإنهم أخذوا بهذا وهذا، فدعوا إلى الاجتماع في الدين وتحقيق ذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبنشر العلم النافع والدعوة إلى ذلك وبالنصيحة بطرقها الشرعية، ولم يروا ذلك مُخَالِفَاً لما أوجب الله عز وجل من الاجتماع في الأبدان والدنيا، فوازنوا بين هذا وهذا وأَجْرَوا الحكمة في هذا وهذا.

ولا شك أَنَّ أحوال الناس تختلف في مثل هذه المقامات ما بين مقام الأمن ومقام الخوف ومقام الفتنة ومقام الاستقرار.

والراسخون في العلم ومن تبعهم يضعون لكل شيءٍ موضعه، فلا يتركون الأمر والنهي والدعوة والنصيحة لأجل تَوَهُّم أَنَّ هذا يُفَرِّقْ، ولا يأمرون مع مَظِنَّةِ وجود الفرقة.

ولهذا يقول ابن تيمية رحمه الله في رسالته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (أَنَّ الآمر والناهي إذا ظَنَّ أنه ستحدث مفسدة لأمره ونهيه أكبر مما أَمَرَ به ونَهَى، فإنه لا يُنْكِرْ، وقال: يأثم إذا أنكر) .

لأنَّ الشريعة جاءت لتحقيق المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها.

وهذا بخلاف التَّوَهُّمْ، لأنَّ التَّوَهُّمْ غير الظن الراجح، غير ما يعلمه أهل العلم مما ستُحْدِثُهُ الأمور.

التَّوَهُّمْ هذا راجع للخوف، فمن الناس من يخاف أن يقول لفلان: اتق الله في كذا وكذا أو صلّ الصلاة، يَتَوَهَّمْ أَنَّ كل شيءٍ سيؤثر على النفوس وأنَّ كل شيء سَيغَيِّرْ، الخ.

وهذه حيلة وطريقة مَنْ تَرَكَ ما أوجب الله عز وجل، وهي طريقة بني إسرائيل التي ذم الله عز وجل الناس عليها.

لهذا يجب في هذه المسائل أن يؤخذ بطريقة أئمة الإسلام الراسخين في العلم ممن رَعَوا هذا وهذا، وأَنَّ الاجتماع في الدين هو الأصل الذي يجب أن يُدْعَى إليه، وأنَّ الاجتماع في الأبدان والدنيا أنَّ هذا أصل عظيم يجب المحافظة عليه، والموازنة بين هذا وهذا إنما يدركه أهل العلم الراسخون.

وما ضلت الخوارج - يعني في أصلها- إلا لأجل أنهم رأوا أنَّ تحقيق ما يَظُنُّونْ من الشريعة يحصل بقتل عثمان وبجمع الناس على ما يرون، ثم حصل من المعتزلة ما حصل، الخ، فحَصَلَ الفساد والشرّ بسبب التفريط في الموازنة والوسط في هاتين المسألتين العظيمتين.

ص: 718

[المسألة الرابعة] :

في قوله (وَنَرَى الجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَاباً) معنى (حَقَّاً) يعني أَنَّهُ واجبٌ وثابتٌ.

والحق إمَّا أن يَنُصَّ الله عز وجل على أنَّهُ الحق أو يُعْلَمْ بما نَصَّ الله عز وجل عليه.

و (الجَمَاعَةَ) علمنا ذلك بدلالة ما نَصَّ الله عز وجل عليه.

(وَصَوَاباً) يعني أَنَّ من سلك غير طريقها فهو على غير السبيل، وأَنَّ من أراد الصراط المستقيم فهذا هو الصواب وهو ملازمة الجماعة.

ص: 719