المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأسئلة: س2/ ألا يقصد المؤلف رحمه الله بأهل الحديث والأثر من - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: ‌ ‌الأسئلة: س2/ ألا يقصد المؤلف رحمه الله بأهل الحديث والأثر من

‌الأسئلة:

س2/ ألا يقصد المؤلف رحمه الله بأهل الحديث والأثر من ذُكِرُا في حديث (خير القرون قرني) ؟

ج/ هذا قد يرد ولكن لا يُسَمَّى الصحابة أهل الأثر، لأنَّ التقسيم بين أهل الأثر وأهل النظر هذا إنما أتى بعد ذلك فلا نقول إنَّ في الصحابة أهل أثر وأهل نظر، إنما هذا نشأ في أوائل القرن الثاني من مدرسة المدينة أهل الرأي والكوفة الرأي إلخ، فانقسم أهل العلم إلى مدرستين مدرسة النظر والفقه ومدرسة الفقه والأثر.

س3/ تكثر المراثي والأشعار فيمن يموت من العلماء وغير ذلك، ويحصل من المبالغة في ذكر المحاسن والثباكي عليه وثَمَّ سؤالان:

الأول: هل هذا من النياحة؟

الثاني: يرد في كثيرٍ منها بعض الألفاظ الشركية أو قريب منها والمبالغة الشديدة إلى آخره. وذَكَرَ أمثلة من ذلك، وأظنه يقول القصائد كانت في رثاء الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وثَمَّ مدخل لأهل البدع؟

ج/ لاشك أنَّ ما رُثِيَ به سماحة الشيخ عبد العزيز رحمه الله فيه قسم منه حق وطَيِّبْ وجزى الله الرَّاثين خيراً.

والعلماء يرثون العلماء والشعراء يرثون أهل العلم ومن في فقدهم على الإسلام والمسلمين الأَثَرْ.

لكن القسم الثاني من تلك المراثي كما ذَكَرْ من الأمثلة فيها من الغلو ووسائل الشرك ونداء الميت ما فيه، وهذا مما يُبَيِّنُ لك غُرْبَةْ التوحيد، وأَنَّ الناس لا يَصِحُّ أن يقولوا التوحيد علمناه والحمد لله، الناس على الفطرة ولا يحتاجون للعقيدة والتوحيد.

هذا في موت سماحة الشيخ لمَّا سِيْرَ بجنازته من الناس من تَمَسَّحَ به وألقى عليه غترة وسمح من الجهلة، ولمَّا جاءت القصائد فيه من يُشَارُ إليهم من ناداه في قصيدته يا أبا عبد الله وغوث الملاهيف (1) ونحوه من المبالغات.

وهذا يدلك على أنَّ رسالة الشيخ رحمه الله في حياته والدعوة التي أقامها في ملازمة السنة وترك البدع ورَدْ وسائل الشرك ووسائل البدع فيمن هو أفضل من الشيخ رحمه الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي إلى آخره.

الشيخ أقام حياته لتقريض السنة والرد على البدع ووسائل الشرك، فيأتي من يغلو فيه إما لغرضٍ صالح أو لغرضٍ غير صالح أيضاً.

لاشك أنَّ هذا ذنب وإثم على من قاله ويجب عليه التوبة وسحب هذه القصائد وأن يراجعها أهل العلم إذا كان فيها شيء منكر وجَبَ عليه أن.

وهذه نتبرأ منها، نحن نتبرأ ممن غلا في مدح الأولياء، الصحابة، وفي مدح النبي صلى الله عليه وسلم غلا فيه الغُلُو الذي أوصله إلى مقامٍ لم يجعله الله عز وجل له، فكيف بمن هو دون النبي صلى الله عليه وسلم ودون الصحابة من العلماء والأولياء ومثل سماحة الشيخ رحمه الله؟

لاشك أنَّ الواجب الإنكار ولا نُقِرُّ شيئاً من ذلك ونبرأ منه.

وليس لأهل البدعة حجة في ذلك لأنَّ أهل التوحيد فيهم جَهَلَة أيضاً، مثل ما في أهل البدع جَهَلَة، فَمِنْ أهل البدع جَهَلَة يبالغون في المدح ويطرون، كذلك في المنتسبين إلى التوحيد وإلى أهل التوحيد وإلى أهل العقيدة فيهم من يجهل كثيراً فيُخْطِئْ ويتجاوز.

وذَكَّرَنِي هذا حينما رأيت بعض الأشياء، ذَكَّرَنِي هذا بحياة شيخ الإسلام ابن تيمية الذي عاش حياته للعقيدة وللتوحيد ولنصرة السنة ولرد البدع ووسائل الشرك والغلو في الأموات ثُمَّ بعد ذلك جنازته صُلِّيَ عليها الظهر وظلت تمشي إلى المقبرة والناس يُلْقُونَ عمائمهم ويُلْقُونَ أَرْدِيَتَهُمْ على جثمان شيخ الإسلام تَبَرُّكَاً به، فما حياته إذاً؟

هؤلاء الجهلة الكثيرون حتى ولو انتسبوا إلى الثقافة وإلى العلم، هؤلاء الجهلة بحاجة إلى أن يدرسوا العقيدة ويعلمون ما يحل وما يحرُمْ.

هو يريد أن يرثي إماماً وعالماً مثل سماحة الشيخ ويقع في الإثم ويجعل الإثم أيضاً ينتشر في الأمة والبدعة ووسائل الشرك، فبَدَلَ أن نسير في دعوته وما عاش في حياته له نخالفه بعد وفاته.

وهذا لاشك أنه مما يَسُرُّ الشيطان ويأنس له.

والغلو شرٌّ، الغلو شر، وهدي الصحابة في ذلك هو الهدي الكامل، فكم المراثي في أبي بكر وكم المراثي في عمر وفي عثمان وكم المراثي في ابن عمر وابن عباس، اجمعوها أليس في زمنهم من الشعراء والعلماء من فيه؟

لكنها قليلة، مُحَافَظَةً، لا لأنهم لا يستحقون؛ لكن خشيةً من الغلو، وأحياناً بعض المسائل يُعَامِلْ فيها الإنسان الناس بنقيض القصد حتى لا يتوسعوا في الشرك والبدع.

ولهذا ينبغي عليكم جميعاً أن تَسْتَدِلُّوا بما حصل من هذه التجاوزات على غربة التوحيد ويعطيكم دليلاً على أنَّهُ في هذا البلد والذين هم قريبون من الشيخ ويعلمون دعوته ويعلمون الكتب التي شرحها ودَرَّسَها وفتاويه التي يرد فيها على أقل البدع وعلى أقل وسائل الشرك كيف أَنَّ الناس يخالفونه وهم عاشوا معه سنين عدداً.

فما أشد الغربة وما أشد حاجة الناس إلى التوحيد والعقيدة العلم الصحيح والالتزام بالسنة.

(1) نهاية الوجه الأول من الشريط السادس والأربعين.

ص: 674

أسال الله عز وجل أن يرفع درجة شيخنا في عليين وأن يجزيه عنا خير الجزاء وأن يجعله مع الأئمة السابقين ممن أحبهم واقتفى أثرهم إنه سبحانه على كل شيء قدير.

س4/ ما رأيكم ما جاء في كتاب عبد الله بن الإمام أحمد من اتهام لأبي حنيفة وبالقول عليه بخلق القرآن إلى آخره؟

ج/ هذا سؤال جيد، هذا موجود في كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، وعبد الله بن الإمام أحمد في وقته كانت الفتنة في خلق القرآن كبيرة، وكانوا يستدلون فيها بأشياء تُنْسَبْ لأبي حنيفة وهو منها براء في خلق القرآن، وكانت تنسب إليه أشياء ينقلها المعتزلة من تأويل الصفات إلى آخره مما هو منها براء، وبعضها انتشر في الناس ونُقِلْ لبعض العلماء فَحَكَمُوا بظاهر القول، وهذا قبل أن يكون لأبي حنيفة مدرسة ومذهب؛ لأنَّهُ كان العهد قريباً -عهد أبي حنيفة- وكانت الأقوال تُنْقَلْ: قول سفيان قول وكيع قول سفيان الثوري قول سفيان بن عيينة قول فلان وفلان من أهل العلم في الإمام أبي حنيفة.

فكانت الحاجة في ذلك الوقت باجتهادِ عبد الله بن الإمام أحمد قائمة في أن ينقل أقوال العلماء فيما نَقَلْ.

ولكن بعد ذلك الزمان كما ذكر الطحاوي أَجْمَعَ أهل العلم على أن لا ينقلوا ذلك، وعلى أن لا يذكروا الإمام أبا حنيفة إلا بالخير والجميل، وهذا فيما بعد زمن الخطيب البغدادي، يعني في عهد بعض أصحاب الإمام أحمد ربما تكلموا وفي عهد الخطيب البغدادي نقل نقولات في تاريخه معروفة، وحصل ردود عليه بعد ذلك، حتى وصلنا إلى استقراء منهج السلف في القرن السادس والسابع هجري وكَتَبْ في ذلك ابن تيمية الرسالة المشهورة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) ، وفي كتبه جميعاً يذكر الإمام أبا حنيفة بالخير وبالجميل ويترحم عليه وينسبه إلى شيءٍ واحد وهو القول بالإرجاء، إرجاء الفقهاء دون سلسلة الأقوال التي نُسِبَتْ إليه لأنَّهُ يوجد كتاب أبي حنيفة الفقه الأكبر وتوجد رسائل له تدل على أنَّهُ كان في الجملة يتابع السلف الصالح إلا في هذه المسألة، في مسألة دخول الأعمال في مُسَمَّى الإيمان.

وهكذا درج العلماء على ذلك كما قال الإمام الطحاوي إلا -كما ذكرت لك- بعض من زاد، غلا في الجانبين:

إما غلا من أهل النظر في الوقيعة في أهل الحديث وسَمَّاهُمْ حَشْوِيَّةْ وسَمَّاهُم جهلة.

ومن غلا أيضاً من المنتسبين للحديث والأثر فوقع في أبي حنيفة رحمه الله أو وقع في الحنفية كمدرسة فقهية أو في العلماء.

والمنهج الوسط هو الذي ذكره الطحاوي وهو الذي عليه أئمة السلف.

لمَّا جاء الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب أصَّلَ هذا المنهج في الناس وأنْ لا يُذْكَرَ أحد من أهل العلم إلا بالجميل وأن يُنْظَرْ في أقوالهم وما رَجَّحَهُ الدليل فَيُؤْخَذُ بِهِ وأن لا يُتَابَعْ عالم فيما أخطأ فيه وفيما زل؛ بل نقول هذا كلام العالم وهذا اجتهاده والقول الثاني هو الراجح.

ولهذا ظهر بكثرة في مدرسة الدعوة القول الراجح والمرجوح ورُبِّيَ عليه أهل العلم في هذه المسائل تحقيقاً لهذا الأصل.

حتى أتينا إلى أول عهد الملك عبد العزيز رحمه الله لمَّا دَخَلْ مكة، وأراد العلماء طباعة كتابة السنة لعبد الله بن الإمام أحمد وكان المشرف على ذلك والمراجع له الشيخ العلامة الجليل عبد الله بن حسن آل الشيخ رحمه الله رئيس القضاة إذ ذاك في مكة، فَنَزَعَ هذا الفصل بكامله من الطباعة، فلم يُطْبَعْ لِأَنَّهُ من جهة الحكمة الشرعية كانَ لَهُ وقته وانتهى، ثُمَّ هو اجتهاد والسياسة الشرعية ورعاية مصالح الناس أن يُنْزَعْ وأن لا يُبْقَى وليس هذا فيه خيانة للأمانة؛ بل الأمانة أن لا نجعل الناس يَصُدُّونَ عن ما ذكره عبد الله بن الإمام في كتابه من السنة والعقيدة الصحيحة لأجل نُقُولٍ نُقِلَتْ في ذلك.

وطُبِعَ الكتاب بدون هذا الفصل وانْتَشَرَ في الناس وفي العلماء على أَنَّ هذا كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد.

حتى طُبِعَت مُؤَخَّرَاً في رسالةٍ علمية أو في بحثٍ علمي وأُدْخِلَ هذا الفصل -وهو موجود في المخطوطات معروف- أُدْخِلْ هذا الفصل من جديد، يعني أُرْجِعْ إليه، وقالوا إنَّ الأمانة تقتضي إثباته إلى آخره.

وهذا لاشك أَنَّهُ ليس بصحيح، بل صنيع علماء الدعوة فيما سبق من السياسة الشرعية ومن معرفة مقاصد العلماء في تآليفهم واختلاف الزمان والمكان والحال وما استقرت عليه العقيدة وكلام أهل العلم في ذلك.

ولما طُبِعْ كُنَّا في دعوة عند فضيلة الشيخ الجليل الشيخ صالح الفوزان في بيته، وكان داعياً لسماحة الشيخ عبد العزيز رحمه الله، فطَرَحْتْ عليه أول ما طُبِعْ كتاب السُّنَّة الطبعة الأخيرة التي في مجلدين إدخال هذا الباب فيما ذُكر في أبي حنيفة في الكتاب وأًنَّ الطبعة الأولى كانت خالية من هذا لصنيع المشايخ.

فقال رحمه الله في مجلس الشيخ صالح قال لي: الذي صنعه المشايخ هو المُتَعَيِّنْ ومن السياسة الشرعية أن يُحْذَفْ وإيراده ليس مناسباً. وهذا هو الذي عليه منهج العلماء.

ص: 675

زاد الأمر حتى صار هناك تآليف يُطْعَنْ في أبي حنيفة وبعضهم يقول أبو جيفة ونحو ذلك، وهذا لاشك أنه ليس من منهجنا وليس من طريقة علماء الدعوة، ولا علماء السلف لأننا لا نذكر العلماء إلا بالجميل، إذا أخطؤوا فلا نتابعهم في أخطائهم، وخاصَّةً الأئمة هؤلاء الأربعة؛ لأنَّ لهم شأنَاً ومقاما لا يُنْكَرْ.

نكتفي لهذا القدر أسأل لكم التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

ص: 676

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

الأسئلة:

س1/ هل في هذه الكلمة محذور شرعي وهي صورة لقطعة من الذُّرَة ومكتوب عليها: (هذه من خيرات الطبيعة) حيث أنها تنتشر دعاية لمثل هذا في الشوارع؟

ج/ هذا صحيح رأيناه في الشوارع، هذه الكلمة كلمة فيها سو؛ ء لأنَّ الخير من الله عز وجل، والطبيعة مطبوعة ليست طابعة للأشياء، فعيلة بمعني مفعولة، هي مطبوعة، طَبَعَهَا الله عز وجل وجعلها على هذا النحو من سُنَنِهِ، فالله عز وجل هو الذي جعل سُنَّتَهْ أَنَّ الماء ينزل وأَنَّ الأرض تُنبِتْ وأنَّ الأرض تتنوع، ما ينتج منها. ولهذا هذه الكلمة فيها مخالفة فينبغي بل يجب تجنبها حفظَاً لنعم الله عز وجل على عباده.

س2/ في قوله تعالى {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] هل إذا غلب على الظن عدم الانتفاع يجوز السكوت عن المنكر؟

ج/ هذه المسألة اختلف فيها العلماء، وقد ذكرت لكم الخلاف أظن في شرح الواسطية (1) أو في بعض المواضع، والآية استدَلَ بها جماعة من العلماء منهم الشيخ تقي الدين ابن تيمية شيخ الإسلام ومنهم ابن عبد السلام في القواعد وجماعة، وذكر هذا أيضاً ابن رجب عن بعض أهل العلم في شرحه على الأربعين.

والآية فيها دليلْ على أنَّ الذِكْرَى مأمور بها إذا كانت ستنفع؛ لأنَّ الله قال {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى} أَمَرَ بالتذكير إذا كانت الذكرى ستنفع.

هل يدخل هذا في النهي عن المنكر، أم هذا في التذكير بما ينفع الناس؟

ظاهر لكلمة {الذِّكْرَى} أنها تشمل الأمر بالمعروف وتشمل النهي عن المنكر؛ لأنَّ التذكير يشمل هذا وهذا في القرآن والسنة.

لهذا قال طائفة من العلماء ممن سَمَّيْنَا ومن غيرهم: إنَّهُ للمرء أنْ يترك الإنكار إذا غَلَبَ على الظن عدم الانتفاع، كذلك يجوز له أن لا يُذَكِّرْ إذا غَلَبَ على الظن عدم الانتفاع، أما إذا غلب على الظن الانتفاع بالإنكار أو الانتفاع بالذِّكْرَى فهنا يجب عليه أن يُنْكِرْ ويحب عليه أن يأمر بالمعروف بحسب الحال، هذا قول.

الجمهور على خلاف ذلك وهو أنَّ الأحاديث دَلَّتْ على أَنَّ المنكر إذا رُئِيَ وَجَبَ تغييره، لهذا قالوا سواءٌ غلب على الظن أو لم يغلب على الظن فلابد منه حفاظاً على ما أجب الله عز وجل.

ولهذا قال سبحانه وتعالى لمَّا ذَكَرَ حال أهل القرية {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:164] ، فَدَلَّ على هذا أنَّ المعذرة مطلوبة وأن لا يُسْكَتْ عن المنكر؛ لكن هذا لا يَدُلُّ على الوجوب، وحال الصحابة بكثيرٍ من أحوالهم وخاصَّةً لما دَخَلُوا على الولاة -ولاة بني أمية والأمراء- فيما سكتوا عنه وفيما لم يُنْكِرُوهُ، قال ابن عبد السلام ويُلْمِحُ إليه كلام ابن تيمية أيضاً أنهم أخذوا بأنه غلب على ظنهم أنهم لا ينتفعون بذلك لِعِلْمِ الواقع في المنكر ولأجل أنَّهُ يعلم أنَّهُ لو أُنْكِرَ عليه فإنه لن يستجيب.

المقصود من ذلك أن العلماء لهم في ذلك ثلاثة أقوال:

1 -

القول الأول: أنه يجب الإنكار مطلقا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

2 -

القول الثاني: أنَّهُ يجب مع غلبة الظن، وإذا لم يغلب على الظن فإنه يجوز له أن ينكر (2) .

3 -

والقول الثالث: وهو المتوسط بينهما أنَّهُ لا يجب ولكن يستحب إذا غلب على الظن عدم الانتفاع.

وهذا معناه أنَّ الإنسان لا يُؤَثِّمْ نفسه فيما غلب على الظن عدم الانتفاع.

وهذا يحصل في المسائل التي يغلب فيها الظن على عدم الانتفاع مثل المنكرات المنتشرة، مثل مثلاً حلق اللحى، ومثل الإسبال، ومثل كشف المرآة لوجهها، ومثل رؤية المجلات رؤية صور النساء المحرمة في المجلات، أو مثل هذه يغلب على الظن من الناس عدم الانتفاع مطلقاً أو عدم الانتفاع في وقتها؛ يعني بحسب الحال.

لكن إذا غَلَبَ على الظن أنه إذا وَعَظَهُ أو أَمَرَهُ أو نهاهُ أنه ينتهي ولو في الوقت نفسه، فهذا يتعين عليه.

يعني دَخَلَ في المسألة مثل غيرها مع القدرة؛ لكن إذا كان يظن أنَّهُ إذا قال له لا تحلق لحيتك أو هذا حرام أنه لن ينتفع، فلا يجب عليه حينئذ ويسلم من الإثم.

المقصود السلامة من الإثم في مثل هذه الحال، والله المستعان كلٌ في هذا الباب مقصر، نسأل الله عز وجل أن يعفو عنا وعنكم.

(1) في الشريط الثامن والعشرون من شرح العقيدة الواسطية، وهو مفرغ أيضاً والحمد لله

(2)

- لعل الشيخ أراد (يجوز أن لا ينكر)

ص: 677

[المسألة الخامسة] :

كرامات الأولياء ترجع إلى نوعين:

- ترجع إلى القُدْرَةْ.

- وترجع إلى التأثير.

والقُدْرَةْ والتأثير قد يكونان في الأمور الكونية وقد يكونان في الأمور الشرعية.

1 -

القسم الأول: كرامات ترجع إلى القدرة:

القدرة قد تكون في الكونيات وقد تكون في الشرعيات:

@ النوع الأول من القُدْرَةْ: قدرة في الكونيات:

مثال القُدْرَةْ في الأمور الكونية: أن يُقْدِرَهُ الله عز وجل على ما لم يُقْدِرْ عليه غيره من الناس؛ بأن يَسْمَعْ ما لم يسمعوا، أو أن يَقْدِرْ من حيث المشي أو القُدْرَةْ البدنية على ما لم يقدروا، أو أنَّهُ يَغْلِبْ بما لم يَقْدِرُ عليه الواحد في العادة.

يعني أنه راجعٌ إلى قُدْرَةٍ -يعني الكونيات- إلى قُدَرٍ في السماع، في الآلات، في السمع أو في البصر أو في القوى والأركان.

هذا له مثال أو له أمثلة، فمن القدرة في السمعيات سَمَاعْ سارية كلام عمر رضي الله عنه وهو في المدينة حيث كان يخطب، فقال (يا سارية الجبل الجبل) ، يعني الزم الجبل، وسارية كان في بلاد فارس وسَمِعَ الكلام.

وهذا لاشك قدرة في السماع خارقة للعادة أُوتِيَهَا.

وكذلك هي من جهة عمر رضي الله عنه قُدْرَةْ في الإبصار حيث إنَّهُ أَبْصَرَ ما لم يُبْصِرُهُ غيره، فقال: يا سارية الجبل الجبل. فنظر إلى سارية ونظر إلى الجبل ونظر إلى العدو وكأنَّ الجميع أمامه، ولهذا قال: الزم الجبل.

هذه قدرة في الآلات، في السمع وفي البصر.

كذلك قد تكون القدرة في القُوَى -يعني هذه في الكونيات- قد تكون القدرة في القُوَى بأن يَغْلِبْ ما لم يغلبه مثله، وبأن يمشي مثلاً على الماء مثل ما حصل لسعدٍ ومن معه، سعد بن أبي وقاص، ومثل أن ينوم نومة طويلة كأصحاب الكهف لا يتغير فيها البدن ولا يتأثر فيها أكثر ثلاثمائة وتسع سنين وهكذا.

ومثل إحياء الفرس، يُعْطَى قوة فيمسح على الفرس أو يأمره بأن يحيى فيحيى له فرسه.

ومثل أن يدخل في النار فلا تؤثر فيه أو فلا تأكله النار.

المقصود هذه القدرة راجعة إلى قُدَرٍ في الكونيات يُكْرِمُ الله عز وجل بها العبد بحيث تكون فيما يحصل له في ملكوت الله عز وجل.

@ النوع الثاني من القُدْرَةْ: قدرة في الشرعيات:

ونقصد بالشرعيات يعني المسائل الدينية، فيكون عنده قدرة بأن يستقبل من العلم والدين ما لا يستقبله غيره من جهة الحفظ -حفظ الشريعة- أو الفهم الذي يُؤتيه الله عز وجل من خَصَّهُ من أوليائه أو ما شابه ذلك، فعنده قدرة في فهم الشرعيات وفي فهم مراد الله وفي الحفظ وفيما أُعْطِيَ بمزيد عن عادة أمثاله.

هذا يكون بالإكرام إذا خَرَجَ عن مقتضى العادة، صار خارقَاً للعادة في حال بعض الناس.

2-

القسم الثاني: كرامات ترجع إلى التأثير:

التأثير قد يكون أيضاً في الكونيات وقد يكون التأثير في الشرعيات.

@ النوع الأول من التأثير: تأثير في الكونيات:

يعني تأثيرٌ يرجع إلى تأثيرٍ في الكون بأن يُؤَثِّرْ في المكان الذي هو فيه، أو في أبصار الناس بأن لا يروه، مثل ما حصل مثلاً للحسن البصري رحمه الله حيث دَخَلَ عليه بعض الشُّرَطْ لِطَلَبِهِ فلم يروه، دخلوا وداروا في المكان وهو جالس في وسط الدار فلم يروه، وأشباه ذلك مما فيه تأثيرٌ في قُدَرْ الآخرين.

الأول قُدْرَةْ في نفسه والتأثير يكونُ في قُدَرِ الآخرين، التأثير في خصائص الأشياء، التأثير في خاصية الهواء، خاصية الماء ونحو ذلك، هذا قد يؤتيه الله عز وجل بعض أوليائه لحاجتهم إليه كما ذكرنا.

@ النوع الثاني من التأثير: تأثير في الشرعيات:

يعني أن يُؤَثِّرْ في ما هو مطلوب شرعَاً، إذا عَلَّمَ فإنَّهُ يقع تعليمه موقع النفع أكثر من غيره، يعني بشيءٍ لا يُسْتَطاع عادة، يكون فيه الأمر زائِدْ عن العادة، له قَبُولْ والكلام يقع موقعه أكثر مما اعتداده الناس في أمثال أهل العلم، كذلك تأثير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا أمر ونَهَى فإنه يؤثر التأثير البالغ بحيث لا يُعَارَضْ، ومثل أن يُؤَثِّرْ في الناس في هدايتهم إذا وعظ، إذا قال لفلان من الناس افعل كذا أطَاعَهْ، إذا وعظ رق قلبه، إذا أَمَرَ بالتوبة أُطِيع ونحو ذلك مما هو خارجٌ العادة إلَّا أنَّ الناس من عادتهم أن يطيعوا ولا يطيعوا.

هذا التقسيم ذكره شارح الطحاوية في هذا الموقع، وشيخ الإسلام قَسَمَهُ في الواسطية -كما تعلمون- إلى أنَّ الخوارق التي تجري على يدي الولي وتُسَمَّى كرامة:

- تارةً تكون في العلوم والمكاشفات.

- وتارةً تكون في القدرة والتأثيرات.

فَجَعَل القدرة والتأثير باباً واحداً، وجَعَلَ العلم والمكاشفة جعله باباً آخر.

وهذا التقسيم أيضاً ظاهر، وهي تقاسيم باعتبارات مختلفة.

ص: 678

[المسألة السادسة] :

ذكرنا لكم أنَّ الخوارق ثلاثة أقسام:

- خارقٌ للعادة جرى على يدي نبي ورسول، وهذا يسمى آية وبرهان ومعجزة.

- وخارقٌ للعادة جرى على يدي ولي، وهذا يسمى كرامة.

- وخارقٌ للعادة جرى على يدي شيطان أو عاصي أو مبتدع أو من ليس مطيعاً لله ومُتَّقِيَاً له، فهذا يسمى حالاً شيطانياً.

فالفرق بين هذه الثلاثة أشياء واضح:

1 -

أولاً: أنَّ الأمْرَ الخارق للعادة بحسب من يضاف إليه:

- فإذا أضيف إلى النبي صار اسمه آية وبرهانا ومُعْجِزَاً.

- وإذا أضيف إلى الولي فإنه يُسَمَّى كرامة.

- وإذا أضيف إلى أصحاب الكهانة والسحر والشعوذة فيُسَمَّى حالاً شيطانياً.

2-

ثانياً: أنَّ خرق العادة الذي يجري للولي لا يكون مصحوباً بِدَعْوَى النُّبُوَة، فقد يجري للأولياء أحوالٌ عظيمة لكنها مع عدم دعوى النبوة.

فإذا ادَّعَى مع تلك الأحوال النبوة صار شيطاناً، وصار ما يُسَاعَدُ به إنما هو من جهة الشياطين والسحرة وأشباه ذلك.

3-

ثالثاً: أنَّ ما تُخْرَقُ به العادة للنبي أوْسَعْ بكثير وأعظم من مما تُخْرَقُ به العادة للولي، فخَرْقُ العادة للولي محدود بالنسبة لخرق العادة للنَّبِي.

وخَرْقُ العادة للسحرة والكهنة الشياطين وأهل الشعوذة وأهل العصيان الذين يَدَّعُونَ الأحوال هذه ليست خرقاً للعادة في الحقيقة ولكنها قُدْرَةْ مما أَعْطَى الله الشيطان أن يوهم به الناس وأن يُضِلَّ الناس به، من جهة التخييل تارة، ومن جهة تصَوُّرِهِ وتَشَكُّلِهِ في صُوَرْ وأشكال تارة أخرى.

أما خرق العادة بالنسبة للأنبياء، فالأنبياء يَخْرِقُ الله عز وجل لهم العادة أي عادة الجن والإنس في زمانهم، حتى يكون ما يُعْطَوهُ آيةً وبُرْهَانَاً؛ لأنَّ الساحر والكاهن قد يُعارِضُ النبي بما أُعْطِيَ من خارقٍ للعادة بما يمكِنُ للشياطين أن تُمِدَّ بِهِ هذا الساحر والكاهن إلى آخره.

لكن جَعَلَ الله عز وجل الخارق للعادة بما لا يمكن للإنسي ولا للجني لو اجتمعت أن يُعْطَوا ذلك، كما قال عز وجل {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] ، فالقرآن آية، برهان، وهكذا آية موسى عليه السلام، الآيات التي أوليتها موسى لا تستطيعها السَّحَرَة ولا الكهنة، وكذلك ما أعطى الله عز وجل عيسى من الآيات، وكذلك كل نبي ورسول لا يستطيعه أهل زمانهم من الإنس والجن لو اجتمعوا، فإنهم لا يستطيعون ذلك.

ولهذا صار مثلاً حمل الشيء الكبير العظيم من بلدٍ إلى بلد لا يدخل ضمن معجزات الأنبياء كما حصل في قصّة سليمان عليه السلام: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل:39] ، هذا حَمْلْ لِمُدَّةْ أنْ يقومَ بالمقام، {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:40] ، فصار جَلْبْ هذا الشيء من مكانٍ إلى مكان، من اليمن إلى أرض سليمان عليه السلام في فلسطين، صار جَلْبُهُ ليس من آيات الأنبياء ولا من براهين الأنبياء، فصار في حق الذي أُوتي علماً من الكتاب: كرامة (1) .

: [[الشريط السابع والأربعون]] :

وما قام به الجن هذا مما يَقْدِرُونَ عليه، فَخَرْقُ الجن للعادة بما لا يستطيع البشر قُصَارَى ما عندهم أنْ يأتوا به قبل أن يقوم من هذا المقام، يعني ذلك الجني الذي قال تلك الكلمة، وهذا الذي أُكرِمْ، أُكرِمْ بأن يَدْعُوَ فيُؤْتَى بالعرش إلى سليمان عليه السلام.

وهذا من جهة هو كرامة لمن أُعْطِي، ومن جهة أخرى هو أيضاً آية لسليمان عليه السلام بالنظر إلى تسخير هذا الإنس والجن له مما لا يُسَخَّرُ معه الإنس والجن والطير لغير نبيِّ من الأنبياء.

المقصود من ذلك:

- أنَّ خارق النبي آية وبرهان؛ لأنه يَخرِقُ عادة الجن والإنس في ذلك الزمان.

- أمَّا خارق الولي فهو محدودٌ بالنسبة إلى خارق النبي في أَنَّهُ تُخْرَقُ له العادة التي لا يستطيعها الإنس ولا بعض الجن.

لأنَّ اجتماع الإنس والجن، هذا خاص -يعني لو أرادوا أن يحدث شيء- هذا لا يمكن لأنَّ معجزة النبي أكبر وأعظم، وأما الولي فإنَّهُ بِحَسَبِ مَنْ هُوَ فيهم لأنها كرامة وليست آيةً ولا برهاناً على رسالةٍ ولا نبوة؛ بل هو خاصٌ بما يُكْرَمُ به هُوَ.

- أمَّا خوارق الشياطين والسحرة بما يُولُونَ به أولياء الشياطين من الإنس فهذه محدودة:

& وقد تكون تَخْيِيلاً -يعني تصوير للعين-.

& وقد تكون تَشَكُّلاً لكن تَشَكُّلْ من الجني في صورة إنسي أو في صور حيوان أو ما أشبه ذلك.

لهذا قد يظهر الجني في صورة إنسان، في صورة العبد الصالح ويكون في مكانٍ آخر، مثل ما قال ابن تيمية رحمه الله في موضع (كان وَقَعَ بأصحابي شِدَّةْ، قال: فَرَأَوا صورتي عندهم فاستغاثوا بي، ثم أخبروني فَأَعْلَمْتُهُم أَنِّي لم أَبْرَحْ مكاني -يعني في دمشق وهم كانوا خارج دمشق-، وإنما هذا جني تَصَوَّرَ بي) .

وهذا مما أَقْدَرَ الله عليه الجن، لكن لا يَقْلِبُونَ الحال؛ لكن يتشكلون في صورة ينظر إليها الإنسي أنَّ هذا هو صورة فلان، من قَبِيْلِ التَّشَكُّل، لكن ليس ثَمَّ مادة وقلب حقيقي.

لكن قد يدخلون في جسد حيوان، قد يدخلون في جسد إنسان، هذه مسألة التَّلَبُّسْ مسألة أخرى لكن من حيث التَّشْكِيلْ والتَّصْوِير هذا من جهة التخييل، أو من جهة إظهار الشيء بدون حقيقة مادية؛ لأنهم هم ليس لهم مادة يعني مثل مادة الإنسان.

لهذا صار صاحب الخوارق الشيطانية، هذا ليس بكرامة وإنما هو من جهة الشيطان، ولا يُعْطِيه الله عز وجل على ذنبه ومعصيته واستعانته بالشياطين، فيستعين بالشياطين على ذلك.

4-

رابعاً: أنَّ كرامة الولي لا تبلغ جنس آية النبي.

هذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة؛ -يعني أهل الحديث- في أنها لا تبلغ جنسها وإنْ شَرِكَتْهَا، يعني اشتركت معها في الصورة فلا تبلغ جنسها.

يعني قد يدخل النار فلا يحترق، وإبراهيم عليه السلام دخل ناراً فلم تضره أو صارت برداً وسلاماً عليه؛ لكن لا يشتركان في الجنس، وإن اشتركوا في النوع.

يعني إنْ اشتركوا لكن هذه قدْرَهَا ليس كَقَدْرِ هذه، صفة النار هذه ليست النار كصفة هذه، وصفة ما يحصل للولي ليس كصفة ما يُعْطَاهُ النبي.

وأما الأشاعرة وطائفة فإنهم قالوا تتساوى، تتساوى الكرامة بآية وبرهان النبي والمعجزة من حيث الجنس، لكن الفرق بينهما أنَّ النبي يقول: أنا نبي، وأما الولي فيقول: أنا تابعٌ للنبي.

والأول مثل ما ذكرت لك هو المتَعَيِّنْ لأنَّ الله عز وجل فَرَّقَ بين ما يُعْطِيهْ النبي من خرق العادة وما يُعْطِيهْ غيره فقد قال فيما يُعْطِيهْ للنبي: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء:88] ، وأما ما يُعْطِيهْ الإنسي فإنَّه قد يكون محدوداً.

مثلاً أصحاب الكهف ناموا تلك النومة، ولم يتأثروا ثلاثمائة وتسع سنين، فيه من يعيش أكثر من ذلك.

وهذا أقل مما يحصل للأنبياء في جنس ما يُعطَوْن.

(1) نهاية الشريط السادس والأربعين.

ص: 679

[المسألة السابعة] :

أنكرت المعتزلة وجماعات كرامات الأولياء وقالوا: إنَّ إثبات كرامات الأولياء يعود على معجزات الأنبياء بالإبطال؛ لأنَّ الجميع خرقٌ للعادة، وما عَادَ على معجزات الأنبياء بالإِبْطَالْ فهو باطل.

فالجواب عن ذلك أنَّ الله عز وجل أثبت هذه الأنواع الثلاث:

أثبت الآيات والبراهين التي يعطيها للأنبياء.

وأثبت جل جلاله كرامات الأولياء.

وأثبت عز وجل مخاريق السحرة وتخييلات السحرة.

فَكُلُّ هذه في القرآن وفي السنة، وكلها تشترك في أنها أمور خارقة للعادة، فعدم الإيمان بها هو ردٌ للقرآن فيما دَلَّ عليه.

وقد لا تكون الدِّلالة عندهم قطعية وبذلك لا تدخل المسألة في الكفر؛ لكن ظاهر أنَّ القرآن فيه هذا وهذا.

فمثلاً مريم عليها السلام أُعْطِيَتْ أشياء وليست بِنَبِيَّة لأنَّهُ ليس في النساء نَبِيَّةْ كما هو معلوم، {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37] ، وكذلك قصة أصحاب الكهف، وهؤلاء جميعاً ليسوا بأنبياء.

المقصود من ذلك أنَّ جنس الكرامة هذا ثابِتْ في القرآن وفي السنة وقَصَّهُ الله عز وجل، فَنَفْيُ الكرامة لأنها خارق للعادة هذا رَدٌّ لما أثبته الله عز وجل، والله عز وجل فَرَّقَ بين هذا وهذا.

وأما أنها تشتَبِهْ مع خارق الأنبياء فهذا ليس بصحيح كما ذكرنا لك من الفروق السّابقة لأنَّهُ ثَمَّةَ فُروق ما بين كرامات الأولياء وما بين معجزات الأنبياء.

وطَرَدُوا المعتزلة هذا الباب فقالوا: كل الخوارق الشيطانية وكل الخوارق التي تجري للعقل والسحر والأشياء كل هذه مما يدخل في باب خرق العادة، لا نؤمن به ويُرَدْ.

وكُلُّهُ جَرْيَاً منهم على هذا الأصل، وهو أنَّهُ يعود على آيات الأنبياء بالإِبْطَال.

ص: 680

[المسألة الثامنة] :

مما يشتبه بالكرامة: الإعانة الخاصة مِنَ الله عز وجل لبعض عباده، فقد يُعِينُ الله عز وجل بعض العباد بأشياء يُفَرِّجُ بها عنهم الهم والكرب والضيق لكن لا تدخل في باب الكرامة؛ لأنها ليست أموراً خارقة للعادة، فَثَمَّ فَرْقْ بين نِعَمِ الله تعالى المتجددة مما يُنَجِّي الله به مثلاً عبده من حادث أو من مرض أو نحو ذلك ولا يكون هذا الإنْجَاءْ من الخوارق للعادة.

فلذلك يُفرَّقْ ما بين جنس النِّعَمْ التي يُعطيها الله عز وجل خاصة العباد وما بين الكرامات، فليس كل ما يُنْعِمُ الله عز وجل به على العبد من الأمور العظيمة كرامة؛ بل الكرامة ضابطها أنها أمرٌ خارقٌ للعادة جرى على يدي ولي.

ولهذا أصحاب الطُّرُقْ والذين يريدون صرف وجوه الناس إليهم قد يُعَظِّمُون ذِكْرْ بعض الإِنْعَامْ حتى يجعلوه كرامةً، فيُغْرُونَ الناس بأنهم أولياء وأنهم أُكْرِمُوا بكذا وكذا إلخ.

والله عز وجل يُنعم على عباده بأنواع النِّعَمْ الدينية، والشرعية والكونية، وهذه الأنواع من الإِنْعَامْ هذه ليست دائماً مما تُخرَقُ به العادة، لهذا نقول الكرامة مما تُخْرَقُ به العادة.

ص: 681