الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسئلة:
س1/ قال عز وجل {وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [البقرة:135] ؟
ج/ معلومٌ أنَّ موسى عليه السلام جاء بالحنيفية مثل دين إبراهيم، جاء بالإسلام، وعيسى عليه السلام جاء بالحنيفية عبادة الله وحده دون ما سواه.
لكن اليهودية المُحَرَّفَة والنصرانية المُحَرَّفَة هذه إبراهيم عليه السلام بريءٌ منها، ولهذا قال عز وجل {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67] ؛ لأنَّ كل طائفة ادَّعَتْهُ على ضلالها.
فاليهود حَرَّفُوا دينهم وأرادوا أم ينسبوا التحريف إلى إبراهيم، وهو أنهم يدعون إلى الإبراهيمية، وكذلك النصارى، وكذلك المشركون ينسبون أنفسهم إلى إبراهيم الخليل وهو بريء من هؤلاء وهؤلاء عليه السلام.
س2/ هل تنصحون بإهداء كتب موسى الموسوي للرافضة؟
ج/ نعم، كتبه نافعة وتنفع القوم، تقيم الحجة عليهم أو تهز ثقتهم بأصولهم.
س3/ ما رأيك في مقولة لأحد الشباب ممن ينتسب إلى الدعوة يقول (إنَّ زمن القرآن وَلَّى بسبب وجود القنوات الفضائية فلابد أن نواجه الشباب بغير القرآن أن نكون عصريين) هذه رسالة في توجيه الشباب؟
ج/ ما أظن المسلم يقول هذا الكلام، ما أظن احد من الشباب يقول زمن القرآن ولّى هكذا بهذا النص، ما أظن أحد يصلي يقول هذا الكلام (زمن القرآن ولَّى) لا ما يمكن أحد يقول هذا.
لكن يجب على الإنسان أن يتحرى في ألفاظه، وكما تعلمون الحديث «وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفا» (1) قد يقول كلمة ويقول مقصدي زين، وليست المسألة بالمقاصد، لازم أن تتقي الله عز وجل في ألفاظك، أن تخاف الله بما تنطق به حتى مع أهلك وحتى مع أولادك وحتى في عملك، المسلم وقور يتحَرَّى في لفظه ويتحرى في تعامله؛ لأن اللسان يحاسب عليه، تحاسب على لسانك في كل ما تقوله.
حديث معاذ معلوم لديكم وهو قوله صلى الله عليه وسلم «كُفَّ عليك هذا» حديث معاذ الطويل قال «وكف عليك هذا» قال: يا رسول الله أَوَ مؤاخذون بما نقول؟ قال «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على مناخرهم -أو قال على وجوههم- إلا حصائد ألسنتهم» (2) .
ألحظ أنا من بعض طلبة العلم أو بعض الشباب أو بعض أهل الخير إذا جاوا يمزحون ما يهمه وش يقول أي كلام، هذا سيئ للغاية، أحيانا يطلقون كلاما قبيحا.
اضرب لكم مثال، مثلاً يأتي ذكر القبر مثلاً وأنه نور يجيء واحد ويقول والله كهرباء زين، مثل هذا الكلام حرام وقد يهوي به القائل، أو يقول كشاف ألف شمعة أو مثل هذا الكلام؛ يعني قد يحصل أنهم يتناقلون مثل هذا الكلام ويقولونه بينهم؛ لكن مثل هذا لا يجوز البتة.
الأمور الشرعية وطِّنْ نفسك على الهيبة فيها، لأنَّ هذا من تعظيم شعائر الله، {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] ، تطلق لفظ لا تلقي له بالا وآخر لا تلقي له بالا، ما تدري يعاقبك الله عز وجل بسلب الإيمان منك وأنت لا تشعر.
فلذلك يجب على الشباب وعلى طلاب العلم أن يمزحوا بما مزح به النبي صلى الله عليه وسلم ما يأتون للأمور الشرعية ويتعرضون لها بأقوال ليست كالتوقير.
س4/ أشكل علي قول بعض المؤلفين في كتب القرآن وغيرها أنَّ (الـ) في قوله تعالى {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] للاستغراق عند أهل السنة خلافاً للمعتزلة بناءً على خلافهم لخلق أفعال العباد فلا يقولون بأنها للاستغراق؟
ج/ تحتاج إلى نظر، يعني معنى الاستغراق هل فعلاً المعتزلة ينكرون الاستغراق هنا؟ ما أعلم.
لكن الحمد (الألف واللام) هنا استغراق الجنس؛ يعني جنس أو أجناس الحمد جميعا لله رب العالمين يعني مُسْتَحَقَّة لله عز وجل، وأجناس الحمد خمسة:
حمد لله في ربوبية، وحمد في الألوهية، وحمد في الأسماء والصفات، وحمد في الشرع، وحمد في الكون والقدر.
فأجناس الحمد كلها لله، إيش علاقة هذا بخلق أفعال العباد؟
ما أعلم، وأظن -إذا ما خانتني الحافظة- أظن أن الزمخشري يقول إنها للاستغراق في فاتحة التفسير وقال أل للاستغراق أظنه يقول ذلك. فيحتاج إلى مراجعة.
س5/ هل يجوز أن نَصِفَ القدر بالظلم؟
ج/ لا يجوز لأنَّ القدر فعل الله عز وجل وتقديره فلا يوصف بالظلم {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49] .
س6/ أعرف أناسا جُلُّ مجالسهم الكلام في أعراض علمائنا الكبار من أنهم لا يفقهون واقع المسلمين وفتاواهم في حيضٍ وغيره، ما أفعل مع هؤلاء وكيف التوجيه؟
(1) الموطأ (1782) / الترمذي (2314) / ابن ماجه (3970)
(2)
الترمذي (2616) / ابن ماجه (3973)
ج/ أظن حصل من السنين الماضية ما فيه كفاية في وضوح هذه المسألة، وأنَّ من استعجل فوقع في أعراض العلماء أو استنقص رأيهم بَانَ الأمر على خلافه، وأنَّ مصالح الناس في الحال وفي المآل هي بقول أهل العلم الكبار، ورحم الله سماحة الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فقد كان لموقفه في الأزمة من الخير العظيم على الناس في ذلك الوقت وإلى وقتنا الحاضر ما لم يدركه إلا العالمون بالشرع وأحوال ما يُصْلِحُ الناس.
والواجب علينا جميعا ونحن طلاب علم وكلكم حريصٌ على الخير أن نكون متقين لله عز وجل، الكلام والغيبة ومحرمة، الكلام في الأعراض والغيبة محرمة.
ومن العجب أن يأتي شاب صغير لم يدرك من العلم شيئا فضلاً عن أنه يدرك الواقع، ويقع في حق كبارٍ من أهل العلم الذين عرفوا العلم وعرفوا الواقع؛ ولكن هل الواقع هو الأخبار السياسية؟
هل الواقع هو التفصيلات؟
هل الواقع هو تفصيلات الكيد؟
أم الواقع هو واقع الأعداء وكيف تُطَبِّقُ حالهم على الشرع؟ أو تُطَبِّقُ حالهم على ما في القرآن والسنة؟
يعني لا تنفك المسألة من وجود أعداء للإسلام والمسلمين، وهؤلاء الأعداء فَصَّلَهُمْ الله عز وجل في القرآن قال سبحانه {للهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا} [النساء:45] بَيَّنَ لنا الله عز وجل حال اليهود وتفاصيل عداوة اليهود لنا والنصارى {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} لكن هل من شرط العالم أن يتتبع جميع الجرائد ويقرأها والأخبار والقنوات الفضائية والتحليلات السياسية حتى يكون فقيها بواقع؟
لاشك أنَّ هذا ليس بمقصود.
والأحكام الشرعية لابد أن تكون عن فَهْمْ وفقه؛ لكن ليس كل ما عَلِمَهُ الناس يكون مؤثراً في الفتوى أو في الحكم أو في التصرفات، فهناك أشياء تُعْلَمْ لا قيمة لها ولا أثر، وليس كل ما يُعْرَضْ لكم أو تسمعونه أو ينقل يكون صحيحاً؛ لأن الناس الآن يُضَلُّونَ بالأخبار، الأخبار والإعلام يُضِلْ وينوع الأقوال، ويجعل الناس يتصرفون تصرفات ويبنون أحكامَاً على ما نُقِلْ، ربما بعضكم ينظر في الأخبار التي تُعْرَضْ سواءٌ كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية أنَّ تفاصيل الخبر واحدة تُنْقَلْ في جميع الوسائل، في الجرائد في أمريكا وفي أوربا وفي الشرق وفي المسموع في الأخبار، الصياغة متقاربة؛ بل الصورة الواحدة أحيانَاً المعروضة في أخبار في قنوات، تجد أن الصورة الواحدة تتردد في الأخبار في جميع القنوات، من الذي صاغ الخبر الأساسي؟ ومن الذي صَوَّرْ؟ ومن الذي فعل؟ ومن الذي ينشر هذه الأخبار في العالم؟
والناس يدورون حول هذه الأخبار، لاشك أنَّ هناك تسلط إعلامي عالمي على المسلمين وعلى غيرهم؛ يعني لتكون المواقف السياسية ولتكون رغبة الناس ولتكون آراء الناس على نحوٍ ما.
لهذا فالذي ينبغي لطلاب العلم أولاً أن ينشغلوا بالعلم عن غيره؛ لأنَّ الأمة بل الدّين والجهاد الآن جهاد علم، الناس بحاجة إليكم، بحاجة إلى طلبة علم إذا ضيعتم الوقت في قيل وقال دون فائدة، نحن مرينا قبلكم بمراحل كان بعض الناس يتتبعون المجلات، يشترون المجلات الحوادث ومجلة الوطن العربي وأنا أذكر من ثلاثين سنة ومجلة كذا وجريدة وجرائد متنوعة لا فَقِهُوا في السياسة ولا فقهوا في العلم فضاعوا بين هذا وهذا.
الناس بحاجة إليكم بحاجة إليكم في العلم النافع في توحيد الله عز وجل، وفي بيان السنة وفي بيان الأحكام الشرعية، فتعلموا العلم النافع واتركوا المسائل الكبار لأهل العلم فإن هذا أنفع لكم.
طالب ينظر إذا رأى تحليلاً جيداً في مجلةٍ مأمونة أو فيه خبر يتعلم ويفهم؛ لكن أن يَنْقُدْ على أهل العلم إذا لم يتتبعوا مثل تَتَبُعِهِ هذا ليس بنَصَفَةْ ولا بعدل فضلاً أن يكون مأمورا به في الشرع.
فلنقي ألسنتنا من الغيبة ولنحفظ قليل أعمالنا -وإن أثابنا الله عز وجل عليها- من الضياع والغيبة كما تعلمون وقوع في العرض فلابد أن يؤخذ ممن اغتاب أن تؤخذ منه المظلمة يوم القيامة.
والله المستعان، يعني الواحد الذي يعرف نفسه وحريص على الآخرة وما يقربه إلى الله عز وجل يُضَيِّعْ نفسه بهذا اللسان الذي يقع دون عمل.
وكثير من الأعمال النافعة -وأنتم انظروا- التي بقيت ونفعت في دينهم وفي دنياهم هي أعمال أهل العلم الكبار هي التي هادية ونافعة، وما أحسن قول ابن الوردي في لاميته:
ملك كسرى عنه تغني كسرة ****** وعن البحر اجتزاء بالوشل
البحر كثير لكنه مالح لا تشرب منه، والوشل ماء عذب قليل لكنه يطفئ الظمأ ويروي الغَلَّةْ.
س/ مقولة (من لم يُكَفِّر الكافر فهو كافر) هل هي صحيحة وهل هي على اطلاقها؟
صحيحة، من م يُكَفِّر الكافر الذ ي نصَّ الله عز وجل على تكفيره فهو كافر، والميتدع..... لا، هذه ما هي بقاعدة.
أمَّا اللي نصَّ عليها أهل العلم أنَّ من لم يكفر الكافر فهو كافر، ويقصدون بالكافر، ابن تيمية ذكرها في موضع قال (والمقصود الكافر الذي جاء كفره في الكتاب والسنة، لأنه تكذيب للكتاب والسنة) ، أمَّا لو كل واحد، هذا ما يكفر، هذا يكفر، يصير، لكن لابد من رجوعه إلى أصل.
يعني مثلاً واحد يجي ويقول (والله فرعون مسلم) فيه من يقوله، وفيه من الصوفية من يقول (الجلال والدوافي وشركت، وابن عربي، أو يجي ويقول (أبو لهب أنا لا أكفره) أو يقول أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ما أكفره؟، وهو قد ثبت كفره بالكتاب والسنة وأنكر الكتاب والسنة.
في هذا القدر كفاية وبارك الله فيكم وعليكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد (1) .
(1) نهاية الشريط الواحد والخمسون
: [[الشريط الثاني والخمسون]] :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
الأسئلة:
س1/ هل الميت يعلم عن الأحياء أخبارَهم؟ فقد سمعتُ من بعض أهل العلم من يقول ذلك وآخر ينفيه، وآخر من يقول هذه المسألة لا أحد يسأل عنها لأنها من علم الغيب؟
ج/ هذه المسألة من المسائل المهمّة جداً، وكما ذكر السائل تنوَّعَتْ أقوال العلم فيها ما بين نافٍ مطلقاً وما بين مثبتٍ مطلقاً وما بين مفصلٍ للمسألة بحسب ما ورد في الدليل.
والصواب في ذلك التفصيل.
- فمن نَفَى مطلقاً بأنَّ الأموات لا يسمعون ولا يعلمون؛ بل انقطع سبيلهم، استدلوا بقول الله عز وجل:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] ، واستدلوا أيضاً بأنَّ الميت انقطع من هذه الدنيا وارتحل إلى الآخرة وهو مشغولٌ عن هذه الدنيا بالآخرة، وهو في حياة برزخ، وحياة البرزخ مختلفة عن هذه الحياة، فَصِلَتُه بهذه الحياة تحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل على سماعه مطلَقَاً فلذلك وجب نفيه لدلالة قوله {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} ، ولم يدل أيضاً الدليل على أنَّ الملائكة تُبَلِّغْ الأموات الأخبار والأحوال، فبنوا على هذا النفي العام بأنَّ الميت لا يسمع شيئاً.
- والقول الثاني أنَّ الأموات يسمعون مطلقاً ويُبَلَّغُون، يعني يسمعون ما يحدث عندهم ويُبَلَّغُونَ ما يحصل من أهليهم وأقاربهم من خيرٍ وشر، فيأنسونَ للخير ويستاءون للشر، وهؤلاء بَنَوا كلامهم على أنَّ في الأدلة ما يدل على جنس سماع الميت لكلام الحي:
كقوله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ» (1) ، واستدلوا بهذا على أنه يسمع.
ويستدلون أيضاً ببعض الأحاديث الضعيفة كحديث التلقين، حديث أبي أمامة الضعيف في التلقين ونحوه بأنه يسمع بعض السماع.
ويستدلون أيضاً بما ورد من الأحاديث بأنَّ الملائكة تُبَلِّغْ الميت بأخبار أهله من بعده، ويعرضون عليه ما فعلوا فإن وجد خيراً فَرِحْ واستبشر وإن بُلِّغ غير ذلك استاء من أهله.
ويستدلون أيضاً بما يحصل للأحياء من رؤيةٍ لأرواح الأموات في المنام، وأنهم ربما قالوا لهم فعلت كذا وفعلت كذا وأتانا خبرك بكذا ونحو ذلك.
وهؤلاء أيضاً في مسألةٍ خاصة استدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صناديد قريش لمَّا دَفَنَهُم في القليب ورماهم فأطَلَّ عليهم صلى الله عليه وسلم، وقال لهم «هل وجدتُّم ما وعد ربكم حقا؟ فإنّي وجدت ما وعد ربي حقاً» ، قالوا له: يا رسول الله أتُكَلِّمُ أمواتاً؟ قال: «ما أنتم بأسمع لي منهم» (2)، واستدلوا بهذا اللفظ:«ما أنتم بأسْمَعَ لي منهم» على أنهم يسمعون، وإذا كانوا يسمعون فإنهم لهم نوع تعلق بالدنيا فلا يمنع أن يُبَلَّغُوا ويُقَوِّيْ ما جاء في هذا الباب من أحاديث.
- والثالث وهو الصواب، التفصيل، وهو أنَّ المَيّت يسمع بعض الأشياء التي ورد الدليل بأنه يسمعها، والأصل أنَّ الميت لا يُسَمَّع لقوله:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} ، وأنه أيضاً لا يسمع، فما خَرَجَ عن الأصل احتاج إلى دليل، وكذلك التبليغ -تبليغ الأخبار- أيضاً خلاف الأصل، ولهذا كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الله جعل له ملائكة سيّاحين في الأرض يُبَلِّغُونَهُ من أمته السلام.
وهذا هو الأقرب للدليل، وهو الأظهر من حيث أصول الشريعة، وهو أنَّ الميت لا يسمع كل شيء، لا يسمع من ناداه، لا يسمع من أتاه يُخْبِرُهُ بأشياء، وأنه لا دليل على أنّه يُبَلَّغ ما يحصل لأن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ الأحاديث الواردة في ذلك بأنه يُبَلَّغ ونحو ذلك أنها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها الحجة.
فينحصر إذاً سماعه فيما دل الدليل عليه، وهو أنه يسمع قرع النعال وأنَّ أهل بدر سمعوا، يعني أنَّ المشركين من صناديد قريش سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم، لهذا في الرواية الثانية الصحيحة أيضاً أنه قال لما قالوا له: أتكلم أمواتاً؟ قال: «ما أنتم بأسمع لي منهم الآن» (3) وهذه الرواية ظاهرة الدلالة بأنَّ إسْمَاعَهُمْ وتكليمهم هو نوع تبكيت وتعذيب لهم، وزيادة «الآن» زيادة صحيحة ظاهرة وبها يجتمع قول من نفى وقول من أثبت، فيكون الإثبات بالسماع فيه تخصيصٌ لهم بتلك الحال لازدياد تبكيتهم وتعذيبهم أحياء وميتين.
(1) البخاري (1374) / مسلم (7395)
(2)
البخاري (1370) / مسلم (7403)
(3)
البخاري (3980) / النسائي (2076)
والعلماء ألَّفُوا في هذا أيضاً تواليف في الثلاث اتجاهات، يعني في القول الأول والثاني والثالث، وابن القيم رحمه الله في كتاب (الرّوح) توسَّعَ في هذا على القول الثاني، توسَّعَ فيه على القول الثاني، لكنه ليس هذا القول أو غيره موافقاً لقول المشركين الذين يجيزون مناداة الميت وسؤال الميت الحاجات وطلب تفريج الكربات وإغاثة اللهفات، وفي النذر والنذور أن يخاطبوه ليستغيثوا به أو يستشفعوا به. هذا غير داخل في المسألة، لكن هذه المسألة أساس يُرَوِّجُ به من دعا إلى الشرك لأنهم يعتمدون على مثل هذه الأقوال.
ألّف ابن القيم كتاب الروح وبَحَثْ في هذه المسألة وتوسع فيها جداً حتى أنه رحمه الله نقل منامات وحكايات في هذا المقام، هي من قبيل الشواهد على طريقته، لكن العبرة بما دلّ عليه الدليل من الكتاب والسنة ولا مُتَمَسَّكْ في كلام ابن القيم لمن زعم أنَّ الموتى يُغِيثُونْ وأنهم يسمعون ويجيبون من سألهم إلخ. بل ابن القيم رحمه الله مع ما أورد فإنه ردَّ على المشركين والخرافيين وأهل البدع والضلال الذين يصفون الأموات بأوصاف الإله جلّ الله عمَّا ادَّعى المدَّعُون.
وهناك من ذهب إلى المنع مطلقاً، وعدد من أهل العلم ومذهب الحنفية بالخصوص و (التواليف) طائفة من الحنفية في هذا الباب على هذا الأساس من أنَّ الأموات لا يسمعون أصلاً، فكيف يُبَلَّغُون وكيف يجيبون، والصواب اللي عليه الدليل هو التفصيل الذي مرَّ ذِكْرُهُ.
سلام النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على البكري قاعدة مهمَّة في فحوى كلامه، وهو أنَّ الميت على القول بسماعه، وسماع النبي صلى الله عليه وسلم بخصوصه فإنّه لا يسمع بقوة هي أكبر من قوته في الدنيا، لا يسمع البعيد لأنَّ إعطاءه قوة أكبر من قوته في الدنيا على السَّمَاع، هذا باطل ولم يدلَّ عليه أصل ولم يقل به أحد، ولهذا جاء في بعض الآثار، أو جاء في بعض الأحاديث وإن كان فيها مقال، طبعاً فيها تعليل والبحث معروف:«من سلَّمَ عَلَيَّ عند قبري أجبته أو رددت عليه، ومن سلَّمَ علي بعيداً بُلِّغتُهُ» . وهذا الصواب أنه من قول بعض السلف، يعني إستظهاراً، في أنه من سلّم قريباً أُجِيب ومن سلّم بعيداً بُلّغ، ولا يصح الحديث في ذلك.
المقصود من هذا أنَّ تبليغ سلام من سَلَّمَ للنبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنَّهُ ليس عنده قوة تحضر في كلِّ مكان، من سَلَّمَ عليه صلى الله عليه وسلم عند قبره فله حكم من سَلَّمَ عليه عند القبر، يَرُدْ عليه السلام. والآن القبر بعيد، قبر النبي صلى الله عليه وسلم الآن بعيد، ليس قريب، وبينك وبينه أربع جدران كبيرة، فإذا تَكَلَّمَ المرء خافتاً بأدب وسَلَّمْ (السلام عليك يا رسول الله) بهدوء، فإنه لو كان صلى الله عليه وسلم حياً في مكانه أي في غرفته، في حجرته التي دُفِنَ فيها لَمَا سمع. ولهذا ليس ثَمَّ فيه إلا التبليغ، يعني أنه يُبلَّغ، الملائكة تبلغه من سَلَّمَ عليه، لأنَّ الذي يُسَلّم بعيد ولا يَسْمَع.
ذكر ابن تيمية أنه لم يَدُلَّ دليل على أنه يُعطَى قوّة غير القوة التي كانت معه في الدنيا، ولو قيل أنَّ الميت عامةً يسمع، فإنه لا يسمع من يُكَلِّمُهُ من خلف المقبرة، أو بينه وبينه عشرين متر (20م) يتكلم بهدوء، أو نحو ذلك فإن هذا من وسائل الاعتقادات الباطلة أو من وسائل الشرك والخرافة.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فحياته حياةٌ كاملة برزخية ولا شك أكمل من حياة الشهداء، على كل حال.
س2/ هل يجوز أن يقال لليهودي والنصراني يا أخ فلان؟ وما المراد بقوله سبحانه: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ} [الشعراء:161] ؟
ج/ الأخوة تختلف، فيه أُخُوَّةْ نسب، وثَمَّ أُخُوَّةْ دين، وفيه أخوة في صناعة، والأخ يُطلَقُ على المُصَاحِبْ أيضاً والقريب، فما يأتي في قصص القرآن مِنْ جَعْلِ النبي أخاً للمشركين الذين كَذَّبُوه، هذا من قبيل أُخُوَّةْ النسب لأنه منهم نسباً كما نصَّ على ذلك أهل العلم، أمَّا أُخُوَّةْ الدِّين أو أُخُوَّةْ الملة أو أُخُوَّةْ المحبة فهذه لا شك منفية وباطلة.
ولهذا من قال لليهود والنصارى إخواننا ويقصد بذلك التودُّد فهذا يدخل من الموالاة المحرَّمَة، وإذا كان له للنصراني نسب أو صلة أو كان مشترك معه في صناعة أو في تجارة ويَقْصِدْ هذا الاشتراك فهذا له بابٌ آخر وفيه نوع موالاة ومُقَارَبَة والواجب تجنُبُهَا، أما أُخُوَّةْ النسب والقبيلة فهذه أمرها واسع كما في القرآن.
س3/ ما حكم الرقية على الكافر والحيوان؟
ج/ الرقية هي دواء وعلاج فلا يختَصُّ بها مسلم أو آدمي، فإذا رَقَى كافراً فلا بأس، إذا رقى أيضاً حيواناً فلا بأس فهي دواء وعلاج، حديث أبي سعيد الخدري المعروف «بأنهم مَرُّوا بقومٍ فاستطعموهم أو استضافوهم فلم يُضَيِّفُوهُمْ، فلُدِغَ سَيِّدُ أولئك القوم، فأتوا لهؤلاء النفر من الصحابة، فقالوا: أفيكم راق؟ قالوا: نعم ولكن لا نرقي إلا بجُعْلٍ. فجَاعَلُوهُمْ على قطيعٍ من الغنم ثم جَعَلَ يرقي بفاتحة الكتاب ويتفل ويقرأ فاتحة الكتاب ويتفل حتى برأ كأن لم يصبه شيء. فلما أتوا للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا، قصوا عليه القصة، فقال: «وما يدريكم أنها رقية!! اضربوا لي معكم بسهم» .
فالرقية علاج وقراءة القرآن على الكافر نوع إسماعٌ له أيضاً القرآن وليست من جنس مس المصحف، والله عز وجل قال:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] ، ففيها علاج وفيها إقامة لِحُجَّةٍ من الحُجَجْ عليه ونحو ذلك.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَخْتِمَ لَنَا بِهِ، وَيَعْصِمَنَا مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْآرَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَالْمَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ، مِثْلَ الْمُشَبِّهَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، مِنَ الَّذِينَ خَالَفُوا السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَحَالَفُوا الضَّلَالَةَ، وَنَحْنُ مِنْهُمْ بَرَآءٌ، وَهُمْ عِنْدَنَا ضُلَّالٌ وَأَرْدِيَاءُ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ.
هذه هي الجملة الأخيرة من هذه العقيدة المباركة، عقيدة أبي جعفر الطحاوي رحمه الله حيث بَيَّنَ فيها أصول الاعتقاد في الله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه، وبيَّنَ فيها تفاصيل الكلام على مسائل كثيرة تدخل تحت أركان الإيمان الستة، وذَكَرَ فيها كعادة من ألَّف في عقائد السلف ما يتصل بذلك من الكلام في الصحابة وما وقع من الفتن والكلام في من الأحق بالخلافة، والكلام في العشرة المبشرين بالجنّة، وما أشبه ذلك من المسائل المتصلة بمسائل الإيمان، وكذلك ذكر عِدَّةَ مسائل تتعلق بالقول في أهل العلم، وأننا لا نذكر أهل العلم سواءٌ أكانوا من أهل الحديث والأثر أو من أهل الفقه والنظر إلا بالخير ومن ذَكَرَهُم بغير الخير فهو على غير السبيل، وما شابه ذلك من المسائل.
وهذه المسائل التي ذَكَرَهَا حقّ، ويُقِرُّها عامَّة الأئمة إلا فيما استُثْنِي مما وافق فيه أبا حنيفة رحمه الله في بعض مسائل الإيمان ونحوه، مما لاحظنا عليه ولاحظ عليه العلماء من قبل وبعض الألفاظ التي تجنُّبُهَا أولى، كما مرّ معنا في مواضعه.
فلما ذَكَرَ ذلك كله قال (فَهَذَا دينُناً واعْتِقَادُناً ظَاهِراً وَبَاطِناً. وَنَحْنُ بُرَآءُ إلى الله مِنْ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وبَيَّنَّاهُ) .
ولا شك أَنَّ أبواب الاعتقاد متعلقة بالقلب، فالقلب أشد ما يكون في التغير، وأشد ما يكون في التقلُّب، ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم أنَّهُ كان يقول «يا مقلّب القلوب صرِّف قلوبنا إلى طاعتك» (1) ، «يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك» (2) ، ونحو ذلك مما ورد في الآثار.
فالقلب يَتَقَلَّبْ سريعاً وأكثر شيء يتقَلَّبُ فيه القلب قول القلب وعمل القلب واعتقاد القلب؛ لأنَّ هذه مبناها على العلم، والعلم ينفع ويذهب، فكلما ترك شيئاً من العلم كلما أثَّرَ ذلك على القلب، فإذا ترك مسائل العقيدة أَثَّرَ ذلك على عقيدة القلب إما أَثَّرَ بنقص العلم وهذا له أثر في اليقين والاعتقاد الحق، أو أَثَّرَ بوجود الشبهة مع عدم العلم أو ضعف العلم.
والشيطان أفرح ما يكون من الإنسان أن يَتَغَيَّرَ قلبه، لأنه إذا تغير قلبه فإنَّ الجوارح تتغير كما قال صلى الله عليه وسلم «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (3) ، ففساد القلب يكون بالشبهات وبالشهوات، فإذا عَرَضَت الشُبُهَاتْ وتَمَكَّنَتْ، وسبب تمكنها نقص العلم فإنَّ القلب يفسد، وأعظم ما تعرض الشبهات في مسائل العقيدة.
لهذا ما زال الأئمة وأهل العلم والنَّصَحَة للأمة حق النصيحة لأئمة المسلمين ولعامّتِهِم مازالوا يوصون بالاهتمام بالتوحيد والعقيدة؛ لأنَّهُ أقرب ما يكون تغَيُّرْ القلب في العقيدة لأنهها تُنْسَى، وقد تبقى المُجْمَلَات لكن التفصيلات تُنْسَى، ثُمَّ تأتي ذنوب القلب شيئاً فشيئاً وتقع الشُّبْهَة وتقع المِريَة ويقع الرَّيْبْ في القلب، ثمّ يُضِرُّ الإنسان بنفسه شيئاً فشيئا.
لهذا من أعظم الأدعية التي علمنا إياها ربنا عز وجل الدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم في الصلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:5] ، والهداية للصراط طلب بأنْ يُهْدَى إلى الصراط، والصراط هو الإسلام والقرآن والسنة، والإسلام والإيمان والقرآن والسنة له تفاصيل، تفاصيل مختلفة، الإسلام شيء يتعلق بالقلب وشيء يتعلّق بالجوارح والعمل، والإيمان يتعلَّقْ بالقلب، والقرآن ثَمَّ أشياء كثيرة فيه آيات التوحيد وفي الغيبيات، هذه كلها عقائد والسنة كذلك.
_________
(1)
مسلم (6921)
(2)
الترمذي (2140)
(3)
سبق ذكره (345)
فإذاً طلب الهداية إلى الصراط المستقيم في الحقيقة لمن أَحْسَنَ هذا الطلب وطلبه بحق وتضرّع إلى الله عز وجل به، رغبةً في تحقيق هذا المراد الأعظم هو عدم رضاً عن النفس؛ لأنَّ النفس لابد أن يكون فيها نقص عن تمام الهداية للصراط المستقيم، فلا دعاء الإنسان أحوج إليه من هذا الدعاء، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، ولهذا كان من لطف الله عز وجل بعباده أن جَعَلَ هذا الدعاء هو أوَّل دعاء في القرآن وأوَّل سؤال في القرآن، وهو أوَّل سؤال واجبٍ أيضاً في الصلاة، يعني أوَّل سؤال في الصلاة واجب -دعاء الاستفتاح ليس بواجب-، هو الهداية للصراط، وهذا من أعظم الأدعية لأنَّ القلب يتقلب، والإيمان يتغيّر، والإسلام يتغير في العبد وهذا كله بحكم ضعف العلم وزيادته وضعف التطبيق وزيادته.
لهذا أحسَنَ العَلَّامة أبو جعفر الطحاوي رحمه الله حين دعا بهذا الدعاء في خاتمة هذه الرسالة والعقيدة الطيبة، فقال (نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَخْتِمَ لَنَا بِهِ، وَيَعْصِمَنَا مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ) ، وهذا يُبَيِّنْ مقام هذا السؤال عند هؤلاء العلماء الربّانيين لأنهم يسألون الله الثبات على الإيمان الذي شَرَحَ في هذه العقيدة أركانها، وبَيَّنَهَا ومع ذلك هو أشد ما يكون حاجة إلى الثبات على الإيمان وإلى الخَتْمِ له في حياته به لشدة معرفته بأنَّ هذا الإيمان يُسْلَبْ سواءٌ أكان سَلْبَاً كاملاً أم سلب بعض كماله أو بعض التفاصيل فيه أو بعض أجزائه.
فدعا بهذا الدعاء المتضمن الثبات على الإيمان، والذي تَضَمَّنَ أيضاً العصمة من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة.
وهل مثل هذا العالم الذي عَلِمَ أحوال هذه الفرق الضالة من المُشَبِّهَة والمعتزلة والجهمية والجبرية والقدرية ومن نحا نحوهم والمرجئة والخوارج والرافضة وأشباه هؤلاء، هل من عَلِمَ هذا العلم الواسع يخشى على نفسه؟
نعم، من عَلِمْ خَشِيَ وهذا هو الواقع لأنَّ الشيطان حريص ولأن الإنسان ضعيف جداًّ.
فلما كان الأمر كذلك كان واجباً على العبد وجوب وسائل أن يحرص على أمرين:
1-
الأمر الأول: العلم النافع بالعقيدة الصحيحة والتوحيد بدلائله من الكتاب والسنة، وأن يكون ذلك ظاهراً في قلبه لا شُبْهَةَ عنده فيه مُسْتَحْضِرَاً له، مُرَاجِعَاً له في كل حال، حتى يسلم قلبه من أن يكون فيه فجوة يدخل منها شيطان.
2-
الأمر الثاني: لا بُدَّ من إستغاثته بالله وسؤاله لمولاه أن لا يُزيغَ قلبه بعد إذ هداه.
هذه مسألة عظيمة، وسؤال جليل، وإنما يَعْرِفُ شدة الخطر من علم حَقَّ الله عز وجل وما له من الأسماء والصفات وعلم أثر هذه الأسماء والصفات في ملكوت الله عز وجل، فكم تَقَلَّبْ قلب أحد وكم ضَلَّ فلان وخُذِلْ فلان، وكم ضل من إنسان وكم زاغ من قلب إلخ
…
فنسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يُثَبِّتَنَا على الإيمان وأن يختم لنا ولوالدين ولأحبابنا به، وأن يعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتَفَرِّقَة والمذاهب الرَّدِيَّة إنه سبحانه جواد كريم.
والأهواء المختلفة هذه منها ما هو كفري ومنها ما هو دون ذلك.
وإمام الحنفاء ابراهيم عليه السلام دعا بتلك الدعوات الصالحة التي قال فيها {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كًثِراً مِنَ النَّاسْ} [إبراهيم: 35-36] ، فَجَعَلَ الأصنام المُضلة لكثيرٍ من الناس لما يقع في القلوب منها أو من أوليائها من الشبهة، فسأل ربه أن يُجَنِّبَهُ وأن يُجَنِّبَ بنيه عبادة الأصنام.
وهذا يدلّ على عظم خوف الخليل إبراهيم عليه السلام من هذا الزَّيْغْ وهو الكامل وهو الخليل وهو المجْتَبَى عند ربه عز وجل.
ولذلك تحفظون كلمة إبراهيم التيمي، من التابعين رحمه الله عند تفسير هذه الآية كما رواه ابن جرير وغيره، حين تلا هذه الآية قال (ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم)(1) .
وهذا يدل على أنَّ الناصح حقاًّ لنفسه وللأُمَّةْ ولأئمة المسلمين وعامّتهم حقاً، من نصح حقاًّ، فإنه يوصيهم بالاهتمام بتوحيد الله عز وجل الذي هو حقّ الله على العبيد وبتصفية القلب من أدران العقائد الفاسدة؛ لأنَّهُ بصلاح القلب وبسلامة عقيدته يُبارِكُ الله جل جلاله في قليل العمل، فإنَّ في العمل القليل يُبَارَكْ ويزيد ويضاعفه الله عز وجل إذا سلِمَ القلب وسلمت العقيدة فإنَّ الله يبارك، أما إذا كان العمل كثيرا والعقيدة فاسدة فإن هذا ليس بشيء.
(1) تفسير الطبري (7/460)
ومن محاسن كلام أبي الدرداء الذي ذَكَرَهُ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتابه "فضل الإسلام": أنَّ أبا الدرداء رضي الله عنه كان يقول (يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يَغْبِنُونَ سَهَرْ الحمقى وصومهم؟ ولمثقالُ ذَرَّةِ من بر مع تقوى ويقين) ، (بِرْ) يعني في الأعمال الظاهرة مع تقوى لله عز وجل وخوف ويقين في اعتقاده ويقين فيما ضَمَّهُ قلبه، قال (ولمثقال ذرة من بر مع تقوى ويقين، أعظم من أمثال الجبال عبادة من المغترين)(1) . وهذا هو الواقع ومن تَأَمَّلَ الكتاب والسنة وَجَدَ ذلك صحيحاً.
فنسأل الله العصمة من الأهواء المختلفة وأن لا يُزيغَ قلوبنا بعد إذ هداها.
وهذه الجملة إلى آخره فيها مسائل:
(1) حلية الأولياء (1/211)