الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسئلة:
س1/ ذَكَرَ أحد الباحثين أنَّ الإرجاء أثَّرَ على بعض العلماء فلم يُكَفِّرُوا تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً، فهل هذا الكلام على إطلاقه؟
ج/ هذا الكلام غير صحيح، فليس لمسألة تكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً صلة بالإرجاء.
فالنزاع جارٍ ما بين أهل السنة في تكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً، وليس في هذا فحسب؛ بل في تكفير من ترك رُكناً من أركان الإسلام، تكفير تارك الصلاة وغيره، ترى من ترك ركناً من أركان الإسلام الزكاة والصيام والحج، عن الإمام أحمد أيضاً وعن غيره، حتى الإمام أحمد ثَمَّ خلاف عنده -يعني في الروايات- في تكفير من ترك رُكْنَاً من أركان الإسلام.
ومن العجائب أنَّ الإمام أحمد رحمه الله له في هذه المسألة خمس روايات في هل يكفر من ترك أركان الإسلام العملية -يعني غير الشهادتين-:
الرواية الأولى: أنه يكفر بترك أي ركن من أركان الإسلام.
الرواية الثانية: أنه يكفر بترك الصلاة والزكاة.
والثالثة: يكفر يترك الصلاة والزكاة إذا قاتل عليها الإمام؛ يعني إذا قاتَلَ في الزكاة الإمام، ليس مطلق الترك.
والرابعة: يكفر بترك الصلاة فقط.
الخامسة: نسيت الخامسة.
المقصود أنّ الخلاف في تكفير من ترك رُكْنَاً من الأركان تهاوناً وكسلاً ليس له صلة بالإرجاء، وما ذكره الباحث محل نظر.
س2/ ما هو ضابط الإعراض الذي هو من نواقض الإسلام؟
ج/ الإعراض ذَكَرَهُ العلماء في باب حكم المرتد، وذَكَرَهُ إمام الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الناقض العاشر في رسالته النواقض، قال: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به.
والدليل على أنَّ الإعراض ناقِضْ من النواقض قول الله عز وجل {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُون} [الأحقاف:3]، في أول سورة الأحقاف {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف:3] ، وكذلك قوله جل جلاله {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:24] ، ونحو ذلك {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [فصلت:4] ، ونحو ذلك من الأدلة.
والإعراض ضابطه أنه لا يتعلم الدين ولا يعمل به، ليس له هِمَّةْ في معرفَةِ توحيدٍ ولا عبادة لا من جِهَةِ العلم ولا من جهة العمل؛ يعني جميعاً، لا من جهة العلم ولا من جهة العمل جميعاً؛ بل لا يهمه الأمر وليس من شأنه هذا الأمر مع تمكنه من ذلك.
مثاله شخص في بلدنا عنده الوسائل كافية، والكتب موجودة، والدراسة موجودة، وأهل العلم موجودين، والخُطَبْ والجُمَعْ، ولا يهتم بهذا أبدا، مُعْرِضْ تماماً؛ مادِّي لا يهتم لا بصلاةٍ ولا بسماع آية ولا بسماع خطبة ولا يتعلم.
هذا هو الذي يكفر بالإعراض، لا يتعلم الدين ولا يعمل به، لا يرفع به رأساً ولا يهمه لا من قريب ولا من بعيد، ولو احتاج خبزاً لمعيشته لذهب وبحث حتى يأتي به، لو احتاج لأمر في بيته لذهب حتى يأتي به، وأما الدين فهو مُعْرِضٌ عنه لا يتعلم ولا يعمل، فهذا هو ضابط الإعراض.
لا يبحث عن علم ولا يهتم به -يعني في توحيد الله عز وجل وفي بيان الواجب ومعرفة ما أنزل الله عز وجل- ولا يهتم بالعمل جميعا؛ يعني علم وعمل لا يهتم بهما.
أما إذا كان عنده علم ولم يعمل أو كان عنده عمل ولا يعلم هذا لا يُسَمَّى مُعْرِضَاً.
وتطبيقها على المُعَيَّنْ صعب جداً، فلان مُعْرِضْ تماماً.
غالب أهل القبلة بل لا يوجد أحد من أهل القبلة يعني من يَصِحْ ممن شهد أن لا إله إلا الله أو عنده انتساب أنه لا يهتم أصلاً، مُعْرِضْ تماما.
لكن قد يكون أحياناً تأتي دعوة للتوحيد مثل ما حصل في وقت إمام الدعوة، يعني أناس يرون جهاد قائم ودعوة ومُجَادَلَة ومجاهدة باللسان ومجاهدة بالسنان، وهو لا يهتم، لا يسأل، يقول أنا ما علي منهم ولا عَلي من هذا الدين، ولا يعني لنفسه؛ يعني مادي.
يمكن أنك تُلَخِّصْهَا المُعْرِضْ هو المادي البحت، لا يتعلمه ولا يعمل به.
س3/ قال بعضهم: إنَّ جُلْ السلف الصالح كانوا من الصوفية، فهل هذا صحيح؟
ج/ الصوفية ما نشأت إلا في القرن الثاني الهجري؛ يعني بعد سنة مائة وخمسين (150) كَنِحْلَةْ بَدَأَتْ تتأطر في عُزْلَةْ وأَوْرادْ وأشياء.
والسلف الصالح القرون الثلاثة المفضلة الصحابة والتابعون وتبع التابعين.
فهذا الكلام الرد عليه من جهات كثيرة؛ لكن ليس كلاماً ذا بال.
س4/ ذكرت في الدرس السابق الخلاف في تعريف الإيمان وأنَّ الخلاف صوري من وجه وحقيقي من وجه آخر، أرجو إعادة هذه النقطة وذلك لأهميتها؟
ج/ ذكرنا لكم أنَّ عدداً من أهل العلم قالوا: إنَّ الخلاف صوري أو لفظي يعني، غير معنوي وغير حقيقي. وذكرنا أنَّ هذه المسألة لها جهتان:
الجهة الأولى: جهة الحكم.
والجهة الثانية: جهة امتثال الأوامر العلمية والعملية.
من جهة الحكم ومرتكب الكبيرة وخروجه من الإيمان و [.....] ، المرجئة -مرجئة الفقهاء- كحماد بن أبي سليمان والإمام أبي حنيفة ومن تبِعَهُمْ ليس ثَمَّ خلاف مع بقية أهل السنة في الحكم، فهم لا يُكَفِّرُونَ مرتكب الكبيرة، وأيضاً لا يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب؛ بل الحنفية من أشد الناس في التكفير وفي الحكم بالردَّة كما هو معروف من كتبهم.
ولهذا ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان لما ذَكَرَ الخلاف -وهذه احتج بها بعضهم وليست في محل الاحتجاج- قال: (وأغلبُ أو قال أكثر الخلاف الذي بين أهل السنة في مسألة الإيمان لفظي) .
وهذا نستفيد منه فائدتين:
الفائدة الأولى: أنَّ مرجئة الفقهاء لا يُخْرَجُونَ من أهل السنة في هذه المسألة إِخْرَاجَاً مُطلقاً؛ بل يُقَيَّدْ يُقال أنهم من أهل السنة إلا في مسألة الإيمان، فهم من جملة أهل السنة إلا في هذه المسألة.
فشيخ الإسلام في كتابه الإيمان يُدْخِلْ مرجئة الفقهاء خاصة في عموم أهل السنة؛ لأنَّ الخلاف كما قال أكثَرُهُ لفظي.
الفائدة الثانية: أنَّ قوله أكثره لفظي يدلُّ على أنَّ ثَمَّةَ منه ما ليس كذلك، وهو الذي ذكرته لك أنه من جهة الأوامر واعتقاد ذلك، وامتثال جهة الأوامر العملية والعلمية.
س5/ ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى أنَّ الإيمان والإسلام إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا فهل هذا التقسيم كان معروفا، مُجْمَعَاً عليه عند السلف؛ لأنَّ الأحناف فيما أعلم يُدْخِلُونَ العمل في مسمى الإسلام؟
ج/ الإسلام والإيمان هل هما شيء واحد؟ أم هما أمران مختلفان؟ وهل إذا اجتمعا افترقا أو لا؟
هذه مسألة فيها خلاف كبير بين السلف، مسألة الإيمان والإسلام، الخلاف فيها:
- من قال الإيمان والإسلام واحد.
- أو قال هما شيئان مختلفان.
- أو قال إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.
فالكل من أقوال أهل السنة، الخلاف في هذه المسألة لا يُخْرِجْ القائل من أهل السنة.
[....] فثَمَّ جَمْعْ قالوا الإسلام هو الإيمان، واستدلوا عليه بقوله تعالى {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35-36] .
ومنهم من قال لا، الإسلام شيء والإيمان شيء مختلف تماماً عنه، ويستدلون عليه بقوله {قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] ، فجعل الإيمان شيئًا وجعل الإسلام شيئا آخر، وكذلك حديث جبريل قال الإسلام كذا والإيمان كذا.
والثالث الذي هو التحقيق أنّ الإسلام لابد له من إيمان حتى يَصِحْ، والإيمان لابد له من إسلام حتى يصح، فليس ثَمَّ مسلم بلا أي قَدْرْ من الإيمان وليس ثَمَّ مؤمن بلا أي قدْر من الإسلام؛ بل لابد هذا وهذا، والإسلام على كماله والإيمان على كماله قد يُطلق الإسلام مع الإيمان فيُعْنَي بالإيمان ما جاء في حديث جبريل:
- الأعمال: الباطنة؛ يعني الإيمان الباطن.
- والإسلام الظاهر.
مثل ما جاء في الحديث الذي رُوي في مسند الإمام أحمد قال «الإسلام علانية والإيمان في القلب» (1) فيجتمعان فتكون هذا دلالته على حديث جبريل، تكون دلالته الشهادتين والأركان العملية الأربع، والإيمان التصديق الباطن مع العلم.
ويفترقان فيكون الإسلام يدل على الإيمان، ويكون الإيمان يدل على الإسلام.
المسألة الخلاف فيها سائغ، يعني من خالف فيها، الخلاف منقول عن أئمة السنة؛ ولكن التحقيق هو ما ذكرنا.
زادني الله وإياكم من كل خير ومن حمل الفقه في الدين، وغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا ومن له حق علينا، ووفق ولاة أمورنا وعلماءنا لكل خير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. (2)
(1) المسند (12404)
(2)
انتهى الوجه الأول من الشريط الواحد والثلاثون.
وَالْإِيمَانُ: هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
قال رحمه الله (وَالْإِيمَانُ: هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى)
لَمّا ذَكَرَ الإيمان وأنَّهُ الإقرارُ باللسان والتصديق بالجنان، ومَرَّ معك أنَّهُ لابد فيه من العمل وهو جزء مسماه، عَرَّفَ الإيمان الذي يُصَدَّقْ به والذي يُقَرْ به.
ما هو الإيمان؟
(الْإِيمَانُ: هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ)
تصديق بالجنان بأي شيء؟ وإقرار باللسان بأي شيء؟
فذَكَرَ لك أركان الإيمان الستة المعروفة التي دلَّ عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
وهذه الأركان الستة تسمى أركان الإيمان؛ لأنها جاءت حصراً في جواب سؤال وهو قول جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن الإيمان؟
قال «الإيمانُ أن تؤمن باللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكتبهِ، وَرُسُلِهِ، واليومِ الآخِر، وَالقَدَرِ: خَيْرِهِ وشَرِّهِ» (1) قال: صدقت.
وسُمِّيَت أركان الإيمان هذه عند أهل السنة والجماعة وعند غيرهم أيضاً؛ لأنها جاءت جواباً على سؤال، والأصل في الجواب أنه يقتضي الحصر والحد الأدنى مما يَصْدُقُ عليه الجواب، وذِكْرُهَا للتنصيص عليها في القرآن والسنة:
أما في القرآن فجاءت في غير موضع كقول الله عز وجل {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177] .
و {الْبِرَّ} هنا المقصود به الإيمان.
وكذلك قوله {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة:285] .
وكذلك قوله جل جلاله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:136] .
وفي القَدَرِ قوله عز وجل {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:2]، وكذلك قوله جل جلاله {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] .
ومن السنة حديث عمر رضي الله عنه الذي رواه مسلم في الصحيح -المعروف بحديث جبريل- حيث جاء أعرابي في الحديث المعروف لديكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يُرَى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، إلى أن سأله عن الإيمان فقال أخبرني عن الإيمان فذكر هذه الستة.
وكذلك هو في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وهذه الأصول الستة، أركان الإيمان الستة هي التي يجب التصديق بها والإقرار بها لساناً؛ يعني يُقِرْ بلسانه أنَّهُ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وكذلك يعتقد بقلبه مُصَدِّقَاً بهذه الأشياء الستة.
وقد مر معنا فيما قبل تفصيل الكلام على هذه الأركان الستة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، ويأتي الكلام على الإيمان باليوم الآخر تفصيلاً، وتتمة الكلام على الإيمان بالقدر.
وعلى هذه الجملة نذكر بعض المباحث والمسائل.
_________
(1)
سبق ذكره (9)
[المسألة الأولى] :
أنَّ هذه الستة يُعَبَّرُ عنها بالأركان، وكلمة الأركان سواءً أركان الإسلام أو أركان الإيمان أو غير ذلك هي تسمية اصطلاحية، لم يأتِ بها الدّليل أنَّ هذا ركن.
فالأدلة ليس فيها تفريق في المباني ما بين الركن وما بين غيره من حيث التّسمية.
وفي العبادات أيضاً ليس في الأدلة تسمية الأركان أركاناً والواجبات واجبات.
والعلماء من جهة الاصطلاح وما دلَّ عليه الدليل:
- جعلوا ما يقوم عليه الشيء ويسقُطُ بسقوطه رُكناً.
- وجعلوا ما يتمّ به الشيء على جهة اللزوم جعلوه واجباً.
ولهذا سَمُّوا أركان الإسلام الخمسة أركاناً وهي واجبات؛ لأنَّ الركن أعظم من الواجب فيُسَمَّى واجباً وهو ركن بسقوطه يسقط البناء.
ومما يدلّك على أنَّ التسمية اصطلاحية أنهم مع اتِّفَاقِهِم على أنَّ أركان الإسلام خمسة فهم اختلفوا اختلافاً شديداً فيمن ترك ركناً من هذه الأركان الخمسة غير الشهادتين والصلاة والزكاة؛ يعني من ترك الصيام أو ترك الحج فهل يقال انهدم إسلامُه.
وكذلك في أركان الإيمان هل من تَرَكَ بعض أفراد هذه الأركان يعني شكَّ أو تَرَكَ الإيمان ببعض ما يتصل باليوم الآخر لجهله أو لتأويله أو نحو ذلك هل يسقط الركن في حقه؟ أو ما تتصل به مسائل القدر هل يسقط الركن في حقه؟ مما للعلماء فيه بحث.
هذا مهم لك لأجل أنَّ تسمية الركن تسمية اصطلاحية، ولا يعني أن تُرَتِّبَ عليها أنَّ ذهاب ما تظن أنه الركن أو بعض أفراده أنَّهُ يعني عدم صحة الإيمان أو عدم صحة الإسلام أو الكفر.
وحقيقة الركن في الاصطلاح هو ما تقوم عليه ماهية الشيء ولا يُتَصَوَّرُ بدونه.
والإيمان بالله عز وجل ركْنٌ، فمن لم يؤمن بالله لم يصحّ إيمانه، كذلك الإيمان بالملائكة وأنهم موجودون وعلى نحو ما فصَّلنا لك في القَدْرِ المُجْزِئِ من الإيمان هذا ركن.
فلكل ركنٍ من هذه الأركان الستة قَدْرٌ يَصِحُّ به، وهناك شيء زائد قد يكون واجباً؛ ولكن يأثم الإنسان على عدم الإيقان به ولكن ليس داخلاً في حد الركن؛ يعني بمعنى إذا سَقَطْ أو لم يأت به فإنه لا يَصِحّ إيمانه.
فإذاً الإيمان إقرارٌ باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، وما يتصل بأركان الإيمان الستة هذه تصديق بالجنان على نحو ما فصلنا لك سابقا في القَدْرِ المجزئ من كل مسألة وركن منها.
من تتمة البحث مسألة أركان الصلاة وواجبات الصلاة، ثَمَّ خلاف كبير بين العلماء هل هذا ركن أو هذا واجب؟ ولماذا سَمَّوا هذا ركناً وهذا واجباً؟ إلى آخره مما له صلة بفهمك لمعنى الركن ومعنى الواجب.
[المسألة الثانية] :
خلاصة الكلام على هذه الأركان السّتة بحيث يمكنك معه أن تُقَرِّرْ حقيقة الإيمان وعقيدة السلف فيما يتصل بهذه الأركان الستة.
1-
أولاً الإيمان بالله:
الإيمان بالله ثلاثة أقسام:
@ إيمان بالربوبية: يعني إيمان بأنَّ الله واحد في ربوبيته، في تدبيره لهذا الملكوت، وفي رجوع كل شيء إليه.
@ إيمان بالألوهية: يعني بأنَّ الله واحد في استحقاقه العبادة، ولا أحد معه يستحق شيئا من العبادة.
@ إيمان بالله في أسمائه وصفاته: يعني بأنَّ الله واحدٌ في أسمائه وصفاته ليس له مثيلٌ ولا ند وليس له كُفُو وليس له سَمِيٌ في أسمائه وصفاته من جهة الكيفية ومن جهة تمام المعنى وشمول ما دلّ عليه الاسم والصفة من المعنى.
2-
ثانياً الإيمان بالملائكة:
الإيمان بالملائكة إيمانٌ بأنهم موجودون، وهذا الإيمان فيه إجمال وتفصيل، وكلُّ من عَلِمَ شيئاً مما جاء في الدليل من كتاب الله جل جلاله أو في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم الصحيحة فإنه يجب إيمانه به، كما ذكرنا لك سابقاً أنَّ القَدْرَ المجزئ للإيمان بالملائكة الإيمان بوجود الملائكة، وأنهم عُبَّادْ لله عز وجل لا يُعبَدُون.
3-
ثالثاً الإيمان بالكتب:
وهو الإيمان بكل كتاب أنزله الله عز وجل ما عَلِمْنَا منه وما لم نعلم، إيماناً إجماليا في المجملات -يعني فيما لم نعلم- وتفصيلياً فيما وقفنا على اسمه من كتب الله عز وجل.
4-
رابعاً الإيمان بالرسل:
الإيمانبالرسل أيضاً على نفس المنوال؛ إيمانٌ بأنَّ الله عز وجل أرسَلَ رُسُلاً وأيّدهم بالبراهين والآيات والمعجزات، وجعلهم هُدَاةً إلى الحق دالّين عليه، وهم كثير منهم من قُصَّ علينا ومنهم من لم يُقَصَّ علينا، فتؤمن بهم إجمالا ونؤمن بهم تفصيلا فيما بلغنا تفصيله.
هذه كلها جمل سبق الكلام عليها مُفَصَّلاً -تذكرون- في مواضعها.
5-
خامساً الإيمان باليوم الآخر:
القَدْرْ المُجْزِئْ منه أن يؤمن العبد ويوقن ويُصَدِّقْ بأنَّ هناك يوماً يبعث الله فيه العباد فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ثُمَّ تحته مباحث كثيرة من الحال في البرزخ، ثم ما بعد النفخة الأولى، ثم ما بعد النفخة الثانية، ثم اجتماع الناس في العَرَصَات -عرصات القيامة-، ثم الحوض، ثم الصحف، ثم الميزان والصراط والظُلْمَة والنار والجنة والحساب والاقتصاص وانقسام الناس كل ما في القرآن من ذلك.
واليوم الآخر كثيرٌ تفاصيله في القرآن جداً، وكذلك في السنة كثيرٌ تفاصيله.
ويمكن أن يضبطه طالب العلم من جهة التفصيل بأن يُرَتِّبَ ما جاء فيه من الأدلة في القرآن أو في السنة، يرتبها في قلبه من حين نفخة البعث إلى دخول أهل الجَنة الجنة ودخول أهل النّار النار.
تُرَتِّبْ ما يحدث على مراحل:
النفخة، ما يحصل بعدها، مسير الناس، كيف يجتمعون، ما يحصل أثناء اجتماعهم بما جاء في الأدلة، ثم بعد ذلك ما هي الأشياء التي تحصل تباعاً شيئاً فشيئاً وتفاصيل ذلك إلى دخول أهل الجنة الجنةَ وأهل النار النارَ، وسيأتي تفصيلٌ للكلام على اليوم الآخر إن شاء الله تعالى في آخر هذه العقيدة المباركة.
6-
سادساً الإيمان بالقدر:
ذكرنا لك أنَّ مراتب الإيمان بالقدر أربع، وأنه يجب على العبد والقَدْرْ المجزئ من الإيمان به أن يعلَمَ أنَّ كل شيء يحصل إنما هو بإذن الله وبمشيئته وبعلمه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن الرب جل جلاله قَدَّرَ كل شيء إجمالاً وتفصيلاً.
الإيمان بالقدر كما ذكر قال (وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) والخير والشر والحلو والمر في القَدَرْ المقصود بها ما يضاف للعبد من القَدَرْ -يعني المقدور- فالقَدَرْ له جهتان:
- جهة صفة الله عز وجل وفعل الله عز وجل: وهذه مرتبطة بعددٍ من صفات الرب جل جلاله: أولها العلم، والثاني الكتابة والمشيئة والخلق والحكمة وهي وضع الأمور مواضعها اللائقة بها الموافقة للغايات المحمودة منها، والعدل في حُكْمِهِ عز وجل القدري وهو وضع الأمور والمقادير في مواضعها، هذه جهَةٌ تتعلق بالله جل جلاله.
- جهة تتعلق بالعبد: وهي المقدُورْ، وقوع المقدور وقوع المُقَدَّر عليه، وقوع القَدَرْ عليه أو حصول القَدَرْ وهذه تسمى المقدُور، وتسمى القضاء كما أسلفنا لكم في الفرق ما بين القَدَرْ والقضاء. هذا المُقَدَّر هو الذي ينقسم إلى خير وشر وإلى حلو ومر.
أما الجهة الأولى وهي صفة الله عز وجل فليس فيها شر؛ بل كلها خير؛ لأنَّ الله عز وجل طيبٌ ولأنه سبحانه ليس في أفعاله إلا الجميل والخير وما يؤولُ إليه فِعلُهُ وقَدَرُهُ هوالحكمة وما ينبغي أن تكون الأمور عليه.
لهذا صحّ عنه صلى الله عليه وسلم في دعائه في الليل أنه قال في ثنائه على ربه عز وجل «والشر ليس إليك» (1) ؛ يعني أنّ الشر ليس إلى الله عز وجل فِعْلاً وليس إلى الله عز وجل إضافة، فلا يُنْسَبْ الشر إلى الله سبحانه وتعالى لا من جهة الفعل ولا من جهة إضافة الشر إليه، وإنما هو شَرٌ بالنسبة إلى العبد فيؤمن بما كان خيراً، له بما كان حسنة في حقه، ويؤمن بما كان شراً في حقه أو كان سيئة تسوؤه في حقه، وكذلك ما كان حلواً وما كان مُرَّاً.
وهذا للعباد فيه أحوال عظيمة، وهو الذي يظهر من العبد الإيمان به؛ يعني الإيمان بالمَقْدُورْ، يعني ما موقفه من المقدور هذا شر وخير بالنسبة إليه.
لكن معظم الناس -حاشا أهل العلم والحكمة- لا ينظرون إلى الجهة الأولى وهي جهة فعل الله عز وجل وعلمه ومشيئته وتقديره وخلقه ونحو ذلك في وقوع المُقَدَّرَاتْ عليهم أو فيما يرون من تقدير الله عز وجل الناس، هذا حاله كذا وهذا حاله كذا، لا ينظرون إلى الجهة الأولى، في الغالب يكون نظرهم من جهة الإضافة إليه، هذا حلو بالنسبة له هذا شر، ينظر إلى الناس هذا جاءه كذا وما جاءه كذا، هذا من صفته كذا وليس من صفته كذا.
ولأجل هذا نُصَّ على الخير والشر والحلو والمر هنا، وأصله -التنصيص عليه- في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال «أن تؤمن بالقدر خيره وشره» (2) وفي الحديث الآخر أيضا قال «خيره وشره وحلوه ومره» (3) ، وهذا هو الذي يُحَاسِبْ العبد نفسه عليه فيما يراه حاصلاً من المُقَدَّرْ.
ومن جهة الإيمان بالقَدَرْ يأتي كثير من السّيئات التي يُصَاب العبد بها، وهي جهة سوء الظن بالله عز وجل.
ولهذا كان الإيمان بالقدر خيره وشره فيما يضاف إلى العبد من وقوع المُقَدَّرَات كان الإيمان به عظيماً؛ لأنَّ أكثر الخلق يُسيئون الظن بالله عز وجل وهذه من سِمَةِ أهل الجاهلية {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:154]، يأتيه الشيطان في خاطره فيما وقع عليه مما يسوؤه من الشر يقول: غيري كذا وأما لا أستحق هذا أو كيف يحصل هذا ونحو ذلك.
ولقد أحسن ابن القيم رحمه الله حينما ذكر سوء الظن بالله عز وجل وقال في أواخر بحثه (ففتش نفسك فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمة وإلا فإني لا إِخالُك ناجيا)(4)
وقلَّ من يسلم من سوء الظن بالله عز وجل ومن الاعتراض.
فهو أعظم وأكثر من التَطَيُّرْ؛ لأنَّ التَطَيُّرْ يحصل أحياناً؛ ولكن وقوع المُقَدَّرَات هذا كل لحظة.
ولهذا ينبغي للعبد في إيمانه بالقدر خيره وشره؛ بل يجب عليه أن يُحَسِّنْ الظن دائما بالله عز وجل، وأن يُسَلِّمَ لما أراده الله عز وجل بعبده من الأمور الكونية.
(1) مسلم (1848) / أبو داود (760) / الترمذي (3422) / النسائي (897)
(2)
سبق ذكره (9)
(3)
ابن حبان (168) / المعجم الكبير (13581) / مصنف ابن أبي شيبة (30429)
(4)
زاد المعاد (3/196) / إغاثة اللهفان (2/256) / مفتاح دار السعادة (2/71)
[المسألة الثالثة] :
الإيمان إقرارٌ وتصديقٌ وعمل، وهذه الأركان أركان الإيمان الستة لا يظهر تعلُّقُها بنفسها بالعمل، فهي كلها أمور اعتقادية بحتة، فأين العمل في هذه الأركان الستة؟
الجواب عن هذا من جهتين:
أ - الجهة الأولى:
أنَّ العمل مُتَضَمَّنٌ في هذه الأركان الستة:
فالإيمان بالله إيمانٌ بربوبيته وألوهيته وبالأسماء والصفات.
والإيمان بتوحيده في العبادة يعني بأنه هو المستحق للعبادة وحده عز وجل فيه التوجه إليه بالعبادة.
وكذلك الإيمان بالربوبية فيه الاعتراف له بالربوبية.
وهذا يَلْزَمُ منه أن يُعْبَدْ أو أن يُشْكَرْ أو نحو ذلك وهذا مَدْخَلٌ للعمل في الإيمان.
الإيمان بالملائكة يتصل به العمل من جهة المراقبة، باعتقاده أنَّ الملائكة موجودون وأنَّ منهم من يُرَاقب العبد ويكتب ويحسب عليه {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] .
الإيمان بالكتب فيها الإيمان بأعظم الكتب وهو القرآن، والإيمان بالقرآن فيه العمل بما في القرآن من أوامر ونواهٍ والحكم به، وهذا عمل.
الإيمان بالرسل فيه الإيمان بمحمدصلى الله عليه وسلم؛ بل هو أعظم أركان الإيمان بعد الإيمان بالله جل جلاله، والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه رسول لابد فيه من العمل.
الإيمان باليوم الآخر وأن الله يحاسب العباد فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، هذا يَبْعَثُ على العمل في أن يَتَقِيَ السوء ويعمل بالخير.
الإيمان بالقدر كذلك من جهة أنه متضمّن إلى أنَّ العبد لا يعمل عملاً يسخط الله عز وجل فيما قدر، ويعمل عملاً يشكر الله عز وجل به فيما قدر.
لأنَّ القدر إما خير يستوجب الشكر، أو شر بالنسبة للعبد (1)
: [[الشريط الثاني والثلاثون]] :
يستوجب الصبر، وهذه أعمال.
هذه هي الجهة الأولى من التعلق.
ب - الجهة الثانية:
أنه لا يُتصَوَرُ في الشرع أنَّ ثَمَّ إيمان بلا إسلام، كما أنَّهُ لا يُتَصَوَّرْ أن ثمة إسلاماً بلا إيمان.
فكل إسلامٍ لابد فيه من قَدْرٍ من الإيمان يصح معه الإسلام الظاهر.
كذلك كل إيمان بهذه الأركان السّتة الباطنة الاعتقادية لابد معه من عملٍ، من إسلامٍ، يُصَحِّحُ هذا الإيمان.
ولهذا كان من الشرطِ في صحة الإسلام أن يكون ثَمَّ إيمان، وفي صحة الإيمان أن يكون ثَمَّ إسلام.
فلا يُتَصَوَّرُ مسلمٌ ليس معه من الإيمان شيء، ولا يُتَصَوَّرُ مؤمنٌ ليس معه من الإسلام شيء.
فإذاً دَخَلَ العمل بدخول الإسلام -وهو أركان الإسلام- في صحة هذا الإيمان، فالإيمان المُنْجِي إيمانٌ لابد معه من إسلام، وهذا ظاهرٌ بَيِّنْ في أنَّ الله لا يقبل عمل أحدٍ حتى يكون مؤمناً.
(1) انتهى الشريط الواحد والثلاثون.
قال بعدها (وَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ كُلِّهِ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، وَنُصَدِّقُهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى مَا جَاءُوا بِهِ) .
(نَحْنُ) يعني به أهل الإسلام -أهل القبلة-.
(مُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ كُلِّهِ) يعني بأركان الإيمان الستة.
وفي الإيمان بالرسل للتنصيص على ذلك وكذلك الإيمان بالكتب، (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ؛ وذلك لأنَّ الله عز وجل أثنى على عباده بعدم التفريق بين الرسل؛ لأنَّ الرسل جميعاً جاءوا بشيءٍ واحد قال عز وجل {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] ، وهذا قول أهل الإيمان بثناء الله عز وجل عليهم، وكذلك قول الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِوَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء:150] ، وهذا فيه الذم الشديد لهؤلاء اليهود.
(نُصَدِّقُهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى مَا جَاءُوا بِهِ) يعني أنَّ الرسول الذي بُعِثَ إلى قومه برسالةْ فكل ما قاله عن الله عز وجل حَقْ ما عَلِمْنَا منه وما لم نعلم، فلم يَقُل رسولٌ من لدن نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم قولاً ينسبه إلى الله عز وجل ويجعله من شريعته، من دينه ولا يكون في ذلك مُحِقَّاً؛ بل كل ما قالته الرسل فيما بلَّغوا عن الله عز وجل حق يجب التصديق به إجمالاً فيما لم نعلم وتفصيلاً فيما عَلِمْنا وعُلِّمنا.
والرسل صلوات الله وسلامه عليهم دينهم واحد -كما سيأتي في المسألة التالية-.
يريد الطحاوي بذلك أنَّ نَفْسَ أهلِ السنة وأهل القبلة سليمة تجاه رسل الله عز وجل فيؤمنون بالجميع ويُسَلِّمُونَ للجميع، خلافاً لأهل الملل الباطلة الزائغة الذي يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض {وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [النساء:150] .
على هذه الجملة بعض المسائل:
[المسألة الأولى] :
الرّسل دينهم واحد، والله عز وجل لم يبعث رسولاً إلا بدين الإسلام.
ولكن الشّرائع تختلف كما قال عز وجل {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48]، وقال {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19] ، وقال {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] يعني سواءٌ أكان من قبل محمد صلى الله عليه وسلم أم كان بعد محمد صلى الله عليه وسلم، لا يقبل الله من أحد إلا الإسلام.
فالرّسل جميعا دينهم واحد كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «الأنبياء إخوة لعلاّت الدين واحد والشرائع شتى» (1) .
وهذا يُبَيِّنُ لك أنَّ أهل الإسلام وخاصَّةً أهل السنة والجماعة لا يقولون ولا يعتقدون بأنَّ الأديان التي جاءت من السماء متعددة، كما يقول الجاهل الأديان السماوية، فالسماء التي فيها الرب جل جلاله وتقدس في علاه ليس منها إلا دينٌ واحد، وهو الإسلام، جاء به آدم عليه السلام، وجاء به نوح وجاء به جميع المرسلين إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فدين موسى عليه السلام الإسلام، ودين عيسى عليه السلام الإسلام، ودين إبراهيم عليه السلام الإسلام، وهكذا، فجميع المُرسلين جاؤوا بدين الإسلام الذي لا يقبل الله عز وجل من أحد سواه {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} .
ومن الباطل قول القائل الأديان السّماوية، ففي هذا القول تفريق بين الرسل؛ لأنَّ الرسل دينهم واحد نُصَدِّقُهُمْ كلهم على ما جاءوا به لم يأتوا بعقائد مختلفة ولا بأخبار مختلفة غيبية، فكل الرسل يُصَدِّقُ بعضهم بعضاً فيما أخبروا به عن غيب الله عز وجل، ما يتعلق بأسماء الله عز وجل، بصفاته بذاته العلية عز وجل، بالجنة بالنار، فالأخبار ليس فيها نسخ، الأخبار ليس فيها تغيير ما بين رسول ورسول، فالأمور الغيبية كل ما جاءت به الرسل فيها حق.
لهذا نُصَدِّقُ إجمالاً بكل ما جاءت به الرسل، ونحبهم جميعاً ونتولاهم جميعاً، وننصرهم جميعاً ننصر دينهم -دين الإسلام- الذي جاءت به الرسل جميعاً.
(1) سبق ذكره (4)
[المسألة الثانية] :
شرائع الرسل تختلف وهي التي تُضَافْ إليها الملة، فيقال اليهودية، يقال النصرانية ونحو ذلك، هذا باعتبار الشرائع، باعتبار اختلاف الشرائع.
والشريعة هي: ما لا يختص بأمور الغيب مما يتعلق بالأمور العَمَلِيَّة، الله عز وجل يَشْرَعُ ما يشاء بما يوافق حكمته البالغة تقدس ربنا وجل في علاه.
فإذاً الفرق ما بين الدين العام والشريعة:
- أنَّ الدين العام هو ما يتصل بالغيب.
- والشريعة هي ما يَخْتَلِفُ به من جهة العمل.
ولهذا تجد بين بعض الرسالات ربما كان في الشرائع اختلاف في بعض الوسائل، مثلاً وسائل الشرك، ففي بعضها ما يُبَاح وفي بعضها مُنِعَتْ.
مثلاً اتخاذ التماثيل كان مباحاً في شريعة موسى وسليمان {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبإ:13] ، كذلك بعض أنواع التوسل، بعض أنواع الانحناء والتحية، هذه وسائل راجعة إلى جهة العمل ليس على جهة الاعتقاد الغيبي وما يختص الله عز وجل به.
هذه منعُهَا مَنْعُ وسائل، فهي راجعة إلى الشرائع وما يَشْرَعُهُ الله عز وجل لكل أمة.
أما العقيدة المتصلة بالغيب فهذا هو الدين العام، دين الإسلام العام الذي بعث الله به جميع المرسلين.
محمد صلى الله عليه وسلم له خصوص وهو أنَّ رسالته جمعت دين الإسلام وشريعة الإسلام.
فالاسم -اسم الإسلام الكامل- الأحق به محمد صلى الله عليه وسلم لأنَّ شريعته سَمَّاهَا الله الإسلام ولأنَّ الدين الذي جاء به الإسلام، كما جاءت به جميع الرسل.
فجمع الله له ما بين شريعة الإسلام ودين الإسلام فصار مُخْتصاً بهذا الإسلام دون غيره.
[المسألة الثالثة] :
(لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) خلافاً لكل أهل الملل والديانات.
ويجوز أن نقول ديانات؛ لأنَّ لكل أمَّةٍ دين، لكن ما نضيفها إلى السماء؛ يعني ما نقول ديانات سماوية، الديانات اليهودية والنصرانية إلى آخره باعتبار ما هي عليه.
هذه جميعا فَرَّقَتْ بين الرسل.
ولهذا في الحقيقة من فَرَّقَ بين الرسل فليس له حَظٌ في الإيمان بالرسل، حتى إنَّ رسولهم الذي أُرْسِلَ إليهم ما دام أنهم فرَّقُوا فليس لهم حظ في الإيمان به.
فإذاً نقول: حقيقةً النصارى لم يؤمنوا بعيسى، حقيقةً اليهود -بعد تحريف الدين- لم يؤمنوا بموسى عليه السلام، وإنما أحبّوا وآمنوا بشيء وضعوه في أذهانهم سَمَّوهُ عيسى وسموه موسى وسموه داوود وسموه سليمان، وإلا فالرسل مُتَبَرِّئون ممن عبدهم أو ممن لم يؤمن بكل رسول.
من الذي آمن؟
المسلمون آمنوا بكل رسول.
لهذا الأحق بحماية ميراث الأنبياء جميعاً والرسل وبالدفاع عنهم وبأن يَرِثَ ما ورَّثُوهُ هم أهل الإسلام، ولهذا جعل الله عز وجل القرآن مهيمنا على كل كتاب.
قال بعدها (وَأَهْلُ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ لَا يُخَلَّدُونَ، إِذَا مَاتُوا وَهُمْ مُوَحِّدُونَ)
هذه الجملة يقرر فيها الطحاوي رحمه الله عقيدة أهل الأثر وأهل السنة في أهل الكبائر، مُخَالِفين في اعتقادهم ذلك لطوائف الضلال من الخوارج والمعتزلة والوعيدية بعامة.
فأهل السنة في أهل الكبائر وسط ما بين فرقتين غالية كالخوارج والمعتزلة وجافية كالمرجئة.
وسَطٌ ما بين من يقول (يخرج من الإيمان بكل كبيرة) وما بين من يقول (لا يضر مع الإيمان كبيرة) .
فيعتقد أهل السنة والجماعة أنَّ أهل الكبائر من هذه الأمة مُتَوَعَّدُونَ بالنار؛ لكن إذا دخلوها وكانوا مُوَحِّدِينَ فإنهم لا يخلدون فيها، وقد يعذِّبهم الله عز وجل وقد يغفر لهم.
وهذه مسألة واضحة من جهة الصّلة بمباحث الإيمان -كما سيأتي-، وسبق أن تكلمنا عن القول أو صلة البحث في الكبائر وأهل الكبائر مع الإيمان والمسألة المُسَمَّاةْ بمسائل الأسماء والأحكام.
ودليل الطحاوي على هذه الجملة من النصوص كثير لا يُحْصَى-يعني كتقعيد-أنَّ كل آية فيها ذِكْرُ وَعْدٍ لأهل الإيمان فإنه يدخل فيها أهل الكبائر؛ لأنهم يدخلون في أنهم مؤمنون.
وكل وعيد جاء لأهل الكفر بالخلود في النار فإنه يخرج منه أهل الكبائر من هذه الأمة إذا ماتوا موحّدين؛ لأنهم ليسوا من أهل الإشراك والكفر.
فنصوص الوعد تشمل أهل الكبائر، ونصوص الوعيد للكفار لا يدخُلُهَا أهل الكبائر، وإنما لأهل الكبائر من هذه الأمة وعيدٌ خاص في أنهم قد يُعذَّبون وقد يُغفر لهم، وأنهم يَؤُول بهم الأمر بتوحيدهم إلى الجنة.
ومن ذلك قول الله عز وجل في وعد أهل الإيمان {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29] ، وهذا في حق الصحابة رضوان الله عليهم، وكان منهم بالنَّصْ من عَمِلَ بعض الكبائر، وكذلك قوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:96] ، وكذلك قوله {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [النساء:57، 122] ، ونحو ذلك من آيات الوعد التي فيها وَعْدٌ لأهل الإيمان بدخول الجنة تشمل أهل الكبائر لأنهم مؤمنون.
ومِنَ السّنة ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من دخول الموحد الجنة وإن زنى وإن سرق إذا مات على التوحيد.
والمسألة مشهورة؛ يعني الأدلة فيها أنواع «يَخْرُجُ من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» (1) ، «أخْرِجُوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» (2) ، «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» (3) ، «من قال لا إله إلا الله مُخْلِصَاً من قلبه أو نفسه دخل الجنة» (4) كما رواه البخاري عن أبي هريرة؛ يعني أنواع النصوص في وعد المؤمنين بعامة، وكذلك في التنصيص على أنه يدخل الجنة وإن حصلت منه الكبيرة.
نذكر هنا مسائل:
_________
(1)
الترمذي (2598)
(2)
الترمذي (2593)
(3)
أبو داود (3116)
(4)
البخاري (99)
[المسألة الأولى] :
(أهل الكبائر) يُسَمَّى من ارتكب الكبيرة أنه من أهل الكبائر، أو يُوصَفُ أنه من أهل الكبائر إذا اجتمع فيه وصفان:
- الأول: العلم.
- والثاني: عدم التوبة.
فإذا عَلِمْ أنَّ هذا الفعل معصية واقتَحَمَهُ وكان مَنْصُوصَاً عليه أنَّهُ من الكبائر فيكون من أهل الكبائر.
والثاني أن لا يكونَ أَحْدَثَ توبة فإذا أحدث توبة فلا يُوصَفُ أنه من أهل الكبائر.
والكبائر جمع كبيرة، والكبيرة اختلف فيها العلماء اختلافاً كبيراً، على أقوال شتى -ذكر لك عددا من الأقوال الشارح ابن أبي العز-:
- فمن أهل العلم من قال هي سبع مُقْتَصِراً على حديث «اجتنبوا السبع الموبقات» (1) .
- ومنهم من قال هي سبعون -يعني من جهة العدد-.
- ومنهم من قال كل معصية كبيرة.
وهذه الأقوال ليست جيدة؛ بل الجميع غلط، فلا يُحَدُّ العدد بِحَدْ لعدم النص عليه، وليست كل معصية كبيرة للفَرْقِ في القرآن -كما سيأتي-، وكذلك ليست هي سبعين؛ يعني لم يثبت في العدد ولا في أنَّ كل معصية كبيرة شيء يمكن أن يُستَدَلَ به على ذلك.
ولهذا صار أجود الأقوال في الكبيرة قولان:
1-
القول الأول: أنّ الكبيرة ما فيه حَدٌ في الدنيا أو عيدٌ بنار أو غضب.
2-
والقول الثاني: أنّ الكبيرة هي المعصية التي يُؤَثِّرُ فِعْلُهَا في أحد مقاصد الشّرعْ أو كُلِّيَاتِهِ الخمس، مقاصد الشّرع العظيمة أو في أحد كلياته الخمس.
والقول الأول هو المعروف عن الإمام أحمد وعددٍ من أهل العلم من أهل السنة.
والقول الثاني اختاره جمع من العلماء كالفقيه العز بن عبد السلام في قواعده، وقوّاهُ جمعٌ ممن تبعه في ذلك، وذكره النووي أيضاً في شرحه على مسلم من الأقوال القوية في المسألة.
هذان القولان قريبان.
والقول الأول عُرِّفَتْ فيه الكبائر بـ (ما فيه حد في الدنيا أو وعيد) .
(حد في الدنيا) يعني ما رُتِّبَ عليه حَدْ مَحْدُودْ، مثل السرقة فيها حد كبيرة، الزنا فيه حد كبيرة، شرب الخمر فيه حد كبيرة، السحر فيه حد كبيرة، الشرك بالله عز وجل هو رأس الكبائر، وكُلُّ ما رُتِّبَ فيه حد، فهذا ضابط لمعرفة أنه كبيرة.
(أو وعيد) ما تُوُعِّدَ عليه بالنار، فِعْلٌ تَوَعَدَ الله عز وجل عليه بالنار، جاء في الكتاب أو السنة التَوَعُّدْ عليه بالنار، قتل النفس هذا فيه حد وأيضاً تَوَعُّدْ بالنار، والخيانة، وأكل المال بالباطل أكل مال اليتامى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10] ، وأشباه ذلك، فما كان فيه حد أو كان توعد بنار فهذا ظاهر في أنه كبيرة.
ابن تيمية أضاف (ما نُفِيَ فيه الإيمان -لا يؤمن-، أو جاء فيه -ليس منا-) :
ما نُفِيَ فيه الإيمان (لا يؤمن) : يعني أضاف على التعريف الأول ما نُفِيَ فيه الإيمان «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» (2) يقول: عَدَمُ أَمْنِ الجار من البوائق والاعتداء عليه هذا صار من الكبائر؛ لأنه نَفَى فيه الإيمان، ونَفْيُ الإيمان لا يُطْلَقُ عند ابن تيمية إلا على نَفْيِ الكمال الواجب، ولا يُنْقِصْ الكمال الواجب عنده إلا ما كان كبيرة.
أو جاء فيه (ليس منا) : ليس منا من فَعَلَ كذا، ليس منا من غش، «من غشنا فليس منا» (3) ، «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» (4) هذا يدُلْ على أنَّ الفعل كبيرة عند ابن تيمية؛ لأنَّ النفي هذا (ليس منا) يقول يتوجَهُ إلى أنَّهُ ليس من أهل الإيمان وهذا النفي يرجع إلى الأول في أنه فَعَلَ كبيرة.
وذكرت لكم مرة أو أكثر أنَّ ابن عبد القوي في منظومته في الآداب الطويلة ذكر التعريف بقوله:
فما فيه حد في الدُّنى أو تَوَعُدٌ ****** بأخرى فَسَمْ كبرى على نَصِّ أحمدِ
وزاد حفيد المجد أو جا ****** وعيدُه بنفي لإيمان وطرد لمُبْعَدِ
يعني جَمَعَ قول الإمام أحمد واستدراك ابن تيمية عليه.
والتحقيق أن يُقال هذه الأقوال أعني هذين القولين قريبة، وهي صواب، وما كان فيه قَدْحٌ في مَقْصَدْ من مقاصد الشارع أو ضروري من الضروريات الخمس وصار إِحْدَاثُهُ أو فِعْلُهُ مَضَرَّتُهُ وإِفْسَادُهُ يرجع إلى هذه فهو في الحقيقة يكون في الشرع مُرَتَّبَاً عليه حد أو يكون في الشرع مُرَتَّبَاً عليه لعن أو طرد أو وعيد.
يدخل في التعريف الأول -يعني على كلام ابن تيمية- اللعن، كل ما فيه لعن أيضاً يدخل في حد الكبيرة -سبق أن ذكرنا لكم شيئا من ذلك-.
(1) سبق ذكره (264)
(2)
سبق ذكره (264)
(3)
مسلم (294) / ابن ماجه (2224)
(4)
البخاري (1294)
[المسألة الثانية (1) ] :
هل الإصرار على الصغيرة يُصَيِّرُهَا كبيرة أم لا؟
يعني من أَصَرَّ على كبيرة قلنا هو من أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أم لا؟
للعلماء في ذلك قولان:
القول الأول:
أنَّ الإصرار على الصغيرة يُصَيِّرُهَا كبيرة، كما جاء عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم كابن عباس وغيره.
- القول الثاني:
أنَّ الصغائر تختلف، وأنَّ الإصرار على الصغائر لِمَنْ تَرَكَ الكبائر لا يبقى معه صغيرة؛ لأنَّ الله عز وجل جعل الصلاة إلى الصلاة مُكَفِّرَات لما بينهن، إذا اجتُنِبَتْ الكبائر وجعل رمضان إلى رمضان مُكَفِّرَاً لما بينهما إذا اجتُنِبَتْ الكبائر، وهكذا العمرة إلى العمرة، وهكذا الحج ليس له جزاء إلا الجنة، الحج المبرور «ومن حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (2) ، ونحو ذلك من الأذكار التي يمحو الله بها السّيئات، كذلك اتْبَاع السّيئة الحسنة، وهذا يَدُلُّ على أنَّ الموحد الذي لم يفعل الكبائر فإنَّ هذه العبادات العظيمة بفضل الله عز وجل تمحو عنه الصغائر التي وقعت منه، فلا يُتَصَوَّرْ أنَّ الصغائر تجتمع في حقه فتتحول إلى كبيرة، وهذا النّظر ظاهر من حيث الاستدلال.
ومن قال: إنَّ المُدَاوَمَة على الصغائر تحولها إلى كبيرة. يحتاج إلى دليل واضح من الكتاب أو السنة، والأدلة كما ذكرت تدلُّ على أنَّ الصغيرة من الموحد تُكَفَّرْ، فلا تجتمع عليه؛ ولكن هذا بشرط اجتناب الكبائر كما قال عز وجل {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفَّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} [النساء:31] .
نقف هنا، ونكمل بقية المسائل على بحث الكبائر في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
وفّقكم الله لما يحب ويرضى، وجمعنا على الحق والهدى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(1) هذه المسألة لم يجعلها الشيخ مستقلة وإنما هي تابعة لما قبلها، وقد جعلتها في مسألة مستقلة تنبيهاً عليها.
(2)
البخاري (1521)