المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأسئلة: س1/ يقول ذَكَرْتَ أنَّ لفظ (أهل السنة والجماعة) صار عَلَمًا - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: ‌ ‌الأسئلة: س1/ يقول ذَكَرْتَ أنَّ لفظ (أهل السنة والجماعة) صار عَلَمًا

‌الأسئلة:

س1/ يقول ذَكَرْتَ أنَّ لفظ (أهل السنة والجماعة) صار عَلَمًا على من اقتدى بالصحابة، وذكرت أنَّ هذا اللفظ يُرَادُ به أهل الحديث والأثر، ألا ترى أنَّ هذه الألفاظ مُحْدَثَةْ ليست على نهج الله، فقد قال الله تعالى {هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ} [الحج:78] ، فلماذا لا نلتزم بهذا المصطلح القرآني حتى وإنْ صارَ عَلَمَاً على طائفة معينة؟ فلماذا لا نلتزم به ونترك غيرها من المصطلحات الحادثة؟ وجزاكم الله خيرا.

ج/ أولاً قبل الدخول في الجواب استعمال لفظ (المصطلح القرآني) هذا استعمال حادث -والأخ عنده يعني رغبة في الاتِّبَاع-، لفظ المصطلح القرآني أو المصطلحات القرآنية هذه من الألفاظ الحادثة التي مرت قرون الإسلام ولا تعرف هذا اللفظ، وهذا لأنَّ كلمة (المصطلح) تعني اصطلاح، والاصطلاح هو أنْ يكون هناك من اصطلح مع غيره على هذه التسمية.

والله عز وجل أنزل القرآن بلسانٍ عربيٍ مبين، فإذاً العلماء يقولون: الدِّلالات القرآنية، الألفاظ القرآنية، المعاني، الآيات، ونحو ذلك مما هو مُسْتَعْمَلْ عند السلف.

أما ما جرى السؤال عليه، فالتأصيل الذي ذكره صحيح، والتطبيق قاصر.

أمَّا التأصيل فهو صواب؛ في أنَّهُ لا يُحدَثُ ألفاظ وأسماء يُجْمَعْ الناس عليها ويَتَعَصَّبُونَ لها، وهي ليست من الألفاظ الشّرعية؛ لأن َّهذا نوع من الفُرْقَةْ والخلاف والافتراق.

ولهذا قال العلماء: الله عز وجل سَمَّى أتباع محمد صلى الله عليه وسلم مسلمين ومؤمنين، وَسَّمى منهم المهاجرين، وسَمَّى منهم الأنصار، وسَمَّى منهم الأعراب، وسَمَّى منهم إلى آخره، وهذه التسميات لأجل مجيئها في القرآن فهي شرعية، وهذه التسميات الشرعية إذا تُعُصِّبَ لها مع أنَّهَا شرعية صارت مذمومةً حاشا اسم الإسلام والإيمان.

لهذا لما قام رجل من المهاجرين لأجل خلاف وقال: يا للمهاجرين. ينتخي بهم، وقام غلام من الأنصار فقال: يا للأنصار. ينتخي بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم» (1) لم؟

لأنَّ النخوة هنا والتَّعَصُّبْ صار لطائفةْ من المؤمنين وللفظٍ ليس هو لفظ الإسلام والإيمان أو المسلمين والمؤمنين فصار هذا مُحْدِثَاً للتفرق، ولهذا قال (أبدعوى الجاهلية) ؛ لأنَّ الجاهلية هم الذين ينتخون ويتعصبون للأسماء دون غيرهم.

فكذلك الأسماء المحدَثَة في الأمة إذا تُعُصِّبَ لها دون غيرها فإنه يكون ذلك مردوداً على أصحابه، مثلاً اسم الحنابلة، اسم الشافعية، اسم المالكية، اسم السعوديين، اسم المصريين، اسم الشرقيين المغاربة الشُّوام إلى آخره، هذه أسماء إذا كانت في الأمَّة لأجل التعريف فإنَّ هذا الأمر فيه واسع؛ لكن إن كان ثَمَّ تَعَصُّبْ عليها وذم لما خالفها لأجل الاسم، أن يمدح الشافعية لأجل أنهم شافعية، أو يذم الحنابلة لأنهم ليسوا بشافعية، أو العكس فإنّ هذا من التعصُّبْ المذموم، وهو من التفرق والأخذ بالشعارات أو الأسماء التي لم يُدُلَّ عليها الدليل.

إذا تَبَيَّنَ هذا الأصل وهو ما ذكره السائل جزاه الله خيرا في سؤاله، فإنَّ لفظ السنة والجماعة لفظان شرعيان قد ثبتا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» (2) ، وسنَّتُهُ هي سنته وسنة الخلفاء الراشدين هي ما كان عليه الجماعة في وقت الخلفاء الراشدين، وفي الجماعة قال صلى الله عليه وسلم في الفِرَقْ «كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «هي الجماعة» ، فالله عز وجل أَمَرَ باتِّبَاعِ نبيه صلى الله عليه وسلم فقال {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7] ، مطلقاً في كل مسألة {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] ، مطلقاً في كل مسألة يعني الأخذ بالسنة.

فإذاً الأصل باتباع السنة واتباع الجماعة والثناء على اتباع السنة والثناء على الالتزام بالجماعة، هذا الأصل موجود في النصوص.

جاء في أواخر زمن الصحابة، في عهد عثمان وفي عهد علي رضي الله عنه بدأ خروج أهل الأهواء، وأهل الأهواء وهم الخوارج مثلاً في أول الأمر ثُمَّ الشيعة ثم المرجئة ثم القدرية، هؤلاء أهل الأهواء صارت لهم هذه الأسماء وهم مسلمون لا نُكَفِّرُهُمْ؛ لكن ليسوا آخذين بكل الحق فصار الاسم الذي سُمُّوا به عَلَمًا لهم على ترك بعض الحق والافتراق.

فإذاً تَبَقَّى الطائفة الأولى التي كانت مواصلة للمأمور به من السنة والجماعة يبقون يُقَابَلُونْ، إن قلنا هؤلاء -أعني من مشى على الطريق ولزم السنة والجماعة- هؤلاء هم المسلمون، فماذا نسمي الآخرين؟

نقول: هؤلاء هم المسلمون أيضاً، إذاً لم يَصِرْ فرقاً بين السنة والبدعة وما بين الاتباع والمخالفة ولا ما بين الخارجي والصحابي.

(1) البخاري (4905) / مسلم (6748)

(2)

أبو داود (4607) / الترمذي (2676) / ابن ماجه (42)

ص: 500

فإذاً لَزِمَ الفَرْقُ، واسم الإسلام من ورع الصحابة رضوان الله عنهم وعدلهم أنَّ الذين قاتلوهم وضَلَّلُوهُمْ لم يُخْرِجُوهم من الإسلام بل أبقوا عليهم اسم الإسلام واسم الإيمان؛ لكن من كان على وَفْقْ ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين تميَّزُوا بالاسم الذي هو الاسم الأصلي وهو أنَّهُمْ أهل السنة وأهل الجماعة، ولا يَصِحْ أن يقال إنهم مسلمون فقط؛ لأنه إن قيل إنهم مسلمون فغيرهم أيضاً مسلمون، وهذا التخصيص لهم هو في الأصل مطابق لقولهم مسلم، ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم المسلم يُقابل المنافق، المؤمن يقابل المنافق، والمسلم هم أهل السنة والجماعة، فلم يكن ثَمَّ فرق في عهده صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر ما بين المسلم وما بين أهل السنة والجماعة؛ الدلالة واحدة، مسلم مؤمن أهل السنة والجماعة الكل واحد لا فرق.

متى ظهر الاعتناء بأهل السنة والجماعة؟

لَمَّا ظَهَر الاختلاف.

والاعتناء بالاسم تمييزاً ليس ثناءً فقط لمن اتبع للسنة والجماعة؛ ولكن هو أيضاً عدل مع من خالف؛ لأنَّ الذي خالف لو قلنا هؤلاء مسلمون لكان ألئك نقول كفار، كيف تُخَصُّونَ أنتم بالمسلمين والآخرون؟

فإذاً صار عند السلف من كان على الطريقة الأولى يقال له أهل السنة والجماعة ومن كان مُخَالفاً يقال له أهل الأهواء المرجئة الخوارج إلى آخر ذلك.

ولهذا أجمع أئمة الإسلام على صحة هذه التسمية من أهل الحديث؛ بل ومن غيرهم من الأشاعرة والماتريدية على أنَّ تسمية أهل السنة والجماعة صحيحة، وهذا اتفاقٌ منهم على ذلك، فالتسمية صحيحة مُجْمَعْ عليها؛ لكن دلالتها مُخْتَلَفْ فيها، والاختلاف في الدلالة لم يرد له ذكر في السؤال، إنما كان السؤال في إحداث الاسم فإيضاحه بما مر، والله الموفق.

س2/ ما يجده المسلم من ميل ومحبة للكافر إذا أحسن إليه كالطبيب والدكتور فهل يؤثر على الولاء والبراء، وكذلك محبة الزوج المسلم لزوجته الكتابية، هل يؤثر على الولاء والبراء علماً بأنه لو أبغضها لما تزوجها؟

ج/ الحب هنا ليس مطلقاً، ما أحب الكافر مطلقاً ولا أحب الكتابية مطلقاً، وإنما أحبَّ ذاك لأجل النفع الذي وصل إليه منهم، وهذا محبة في واقع لنفسه لأمر دنيوي، ولهذا ذكر العلماء أنَّ محبة الرجل لزوجه الكتابية لا بأس به؛ لأنه كما ذكر لو لم يحبها أو يكون لها مودة في قلبه لما أبقاها معه.

لكن المحبة التي هي في الولاء والبراء، لأنَّ الحقيقة الولاء والبراء هي المحبة والبغض:

المحبة لدينه ومن أحب الكافر لدينه فإنه يكفر.

أو المحبة لدنياه مُطلقَاً وهذه مُوادة له لا تجوز ونوع موالاة.

والثالث محبةٌ مُقَيَّدَة لأجل النفع المُقَيَّد الحاصل له منه فهذه فيها سعة لأجل أنَّ النفوس جُبِلَتْ على حب من أحسن إليهم.

والذي ينبغي من جهة الكمال أن يكون تعامل المرء مع الكفار تعاملاً ظاهرياً بالعدل ولا يكون في قلبه ميل لهم ولا مودة لهم، وإنما إذا أحسنوا إليه فإنه يحسن إليهم.

استدل أهل العلم (1) على هذه الصورة الثالثة بحديث أظنه حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وكانت أمها مشركة وقدمت عليهم في المدينة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أمها قالت: أَأَصِلُ أمي؟ قال: «نعم صِلِي أمك» (2) والصلة المراد بها في هذا الحديث أنها تكرمها إكرام الولد لوالده إذا قدم عليه، وهذا الإكرام لا يخلو؛ بل لابد فيه من مودة.

والاستدلال الثاني وهو استدلال ضمني بأنَّ الله عز وجل نهى عن الإحسان إلى المحاربين وأَذِنَ بالصلة والإحسان لمن لم يحارب من الكفار فقال عز وجل {لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:8،9] ، وقوله هنا {أَن تَوَلَّوْهُمْ} في وصف المحاربين يدل على أنَّ غير المحاربين له نوع موالاة جائزة بالإحسان والمودة الجزئية ونحو ذلك، وهذا واضح بالمقابلة.

المقصود من ذلك أن يعلم أنَّ الولاء والبراء للكافر -يعني للمعين- ثلاث درجات:

1-

الدرجة الأولى: موالاة ومحبة الكافر لكفره، وهذا كفر.

الدرجة الثانية: محبته وموادته وإكرامه للدنيا مطلقاً، وهذا لا يجوز ومحرم ونوع موالاة مذموم.

الدرجة الثالثة: وهو أن يكون في مقابلة نعمة أو في مقابلة قرابة، فإن نوع المودة الحاصلة أو الإحسان أو نحو ذلك في غير المحاربين هذا فيه رخصة.

(1) انتهى الوجه الأول من الشريط السادس والثلاثين.

(2)

البخاري (2620) / مسلم (2372)

ص: 501

وَنَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

يقول العلامة الطحاوي رحمه الله (وَنَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ.)

يريد بذلك أَنَّ أهل السنة والجماعة المتبعين للآثار لا يُعَارِضُون الآثار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الكرام بالأقْيِسَةْ أو بالدِّلالات العقلية، وإنما يجعلونها مُقَدَّمَةً على ما هو دونها من القياس والدلالة العقلية ونحو ذلك؛ لأنَّ منهج الاستدلال عندهم أنْ يُؤْخَذَ بما جاء في الكتاب والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما جاء في القرآن حق وما جاءت به السنة حق، والحق يعضد الحق ولا يعارضه أو يناقضه؛ بل هذا يدل على هذا كما السنة تدل على القرآن وتُبَيِّنُهْ.

وهذه المسألة كما هو ظاهر مسألة المسح على الخفين هي من مسائل الفقه لا من مسائل العقيدة؛ ولكن أُدْخِلَتْ في مسائل الاعتقاد لأجل أنَّ أهل السنة تميَّزُوا عن عدد من الفرق بأنَّهُمْ يرون المسح على الخفين، والمخالف في ذلك هم الخوارج -أعني طائفةً منهم- والرافضة وعدد من الناس مختلفون في أماكنهم لا يُنْسَبُونَ إلى فرقة من الفرق.

فلأجل مخالفة تلك الفرق صارت المسألة من المسائل العقدية؛ لأنَّهَا تُمَيِّزْ أهل العقيدة الحقة من الفرق الباطلة، فصارت هذه المسألة وهي المسح على الخفين صارت عَلَمَاً يُفَرَّقُ به ما بين السني وما بين الرافضي والخارجي ونحوهما.

ولهذا فإنَّ مسائل الاعتقاد أعني المسائل التي تُذْكَرْ في العقيدة في مصنفات أهل السنة في الماضي وفي الحاضر على أقسام منها:

1-

القسم الأول: ما هو في بيان الأركان الستة.

2-

القسم الثاني: ما تميَّز به أهل السنة عن غيرهم في مسائل المعاملة؛ معاملة ولاة الأمر أو معاملة المبتدع أو معاملة العصاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو التعامل مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجاته صلى الله عليه وسلم وهكذا.

3-

القسم الثالث: ما هو من المسائل الفُروعية لكن القول بها صار عَلَمَاً لأهل السنة في مقابلة بعض فرق الضَّلالْ، فتُذْكَرْ في العقائد؛ لأنها مَيْزَةٌ لهم في مقابلة الفِرَقْ التي خالفت في ذلك.

4-

القسم الرابع: أخلاق أهل السنة وصفاتهم التي تَحَلَّوا بها من العبادة واحتقار النفس والعمل الصالح والأمر والجهاد والدعوة والإحسان إلى الخَلْقْ والتواضع ونحو ذلك من المسائل التي ربما ذكرها بعض الأئمة في مصنفات الاعتقاد.

وهذه المسألة التي ذكرها الطحاوي هنا من القسم الثالث وهي المسائل الفروعية التي صارت عَلَمَاً لأهل السنة في مقابلة بعض الفرق الضالة.

وهاهنا مسائل:

ص: 502

[المسألة الأولى] :

في قوله (وَنَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ) ، كلمة (أرى) و (نَرَى) إذا قالها العالم فيعْنِي بها ما رآه عِلْمَاً وما رآه شرعاً، ليست رَأْيَهُ المجرد عن الدليل بأنواع الأدلة.

وهذا هو الموافق لهذه المسألة ولغيرها، فإذا قال الإمام أَرَى أن يكون كذا فيكون مُعْتَمِدَاً على أحد الأدلة.

وأنواع الأدلة عند الأصوليين ثلاثة عشر دليلاً منها وهو أولها النص من القرآن، والنص من السنة، ثم الإجماع ثم القياس إلى آخر الأدلة المعروفة.

والذي يَرَى هنا في قوله (نرى) المقصود بهم أهل السنة، وهؤلاء منهم أهل الأثر ومنهم بعض الفرق التي تخالف في الصفات، فهذه المسألة -كما ذكرتُ لك- خالف فيها الروافض والخوارج وعدد من العلماء أو من الناس المختلفين في فرقهم.

ص: 503

[المسألة الثانية] :

(الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ) جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو متواتر لأنه منقولٌ عن نحو ثمانين من الصحابة رضوان الله عليهم، فَنَقْلُهُ من حيث الدّليل بالسنة متواتر، وكذلك نَقَلَهُ فئام من الأمّة؛ بل نقلته الأمة جيلاً بعد جيل بالرؤية وبالعمل، فهو متواترٌ نقلاً ومتواترٌ عملاً.

وأمَّا المسح على الجوارب فليس كذلك؛ لأنَّهُ نُقِلَ عن نحو سبعة أو ثمانية من الصحابة أو أكثر بقليل، ولهذا المسح على الجوربين فيه خلافٌ فقهي معروف عند أهل السنة.

أما المسح على الخفين فهو أصل من الأصول العظيمة في العمل؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تواتَرَ عنه المسح وفَعَلَهُ صحابته وتواتر عنهم ونقلوه نقلاً قولياً وعملياً.

والآثار فيها مسحه صلى الله عليه وسلم على الخفين في أسفاره وفي الحضر أيضاً، كما قال صلى الله عليه وسلم «يمسح المقيم يوما وليلة، ويمسح المسافر ثلاثة أيام بلياليهن» (1) ، فهذا معنى قوله في السفر والحضر؛ لأنَّ السُّنَّةَ ماضية في هذا وهذا.

(1) مسلم (661) / النسائي (128) / ابن ماجه (552)

ص: 504

[المسألة الثالثة] :

مما أُسْتُدِلَّ به على المسح على الخفين من القرآن قوله عز وجل في آية الوضوء {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] ، أسْتُدِلَّ به على أنَّ المسح هنا -مسح الأرجل- يُرَادُ به المسح على الخفين، والقراءة هكذا بالجر هي أحد القراءتين السبعيَّتَين، هاهنا قراءتان:

- القراءة الأولى {وَأَرْجُلَكُمْ} بنصب الأرْجُل عطفاً على المغسولات.

- والثانية {وَأَرْجُلِكُمْ} عَطْفَاً على الرأس عند أصحاب هذا القول؛ يعني فتكون مجرورة.

وهذا الاستدلال فيه نظر، وإن كان محلُّهُ كتب الفقه؛ لكن من باب الاستطراد نذكره، فيه نظر لأنَّ المسح على الخفين لا يكون إلى الكعبين، وإنما يَمْسَحُ ظاهر الخف على ظاهر القدم، وليست السُّنَّة أن تُسْتَوعَبْ الرجل مسحاً إلى الكعبين، ولهذا صار القول الظاهر في الآية على قراءة الجر أنَّ لها توجيهين:

1-

التوجيه الأول: أن يكون هذا الجر لأجل المجاورة، والجر بالمجاورة أسلوب عربي معروف كثير الاستعمال، ومنه قول الله عز وجل {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود:26] ، مع أنَّ الألم وصف للعذاب، وأما اليوم فهو ظرف ولا يُوصف اليوم بأنه مؤلم أو ليس بمؤلم، ولهذا صار الظاهر هنا في هذه الآية أنَّ معناها إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم، يعني عذاباً أليماً في يوم، كما هو القول الأظهر من قولي العلماء هنا.

وجُرَّ هنا لأجل المجاورة فهي أسهل في اللفظ ولأجل الختام قال {عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} ، وأما في لغة العرب فهو كثير معروف ومنه قول الشاعر:

فظلّ طُهَاةُ اللحم ما بين مُنْضِجٍ خفيفاً شواءٍ أو قَدِيرٍ مُعَجَّلِ

(ما بين منضج خفيفاً شواء) ؛ لأنها مفعول لاسم الفاعل.

(خفيف شواء) فجر شواء لأنها مضاف إليه.

ثم قال (أو قديرٍ) مع أنَّ حقها أن يقول أو قديراً لأنها معطوفة على ما يُنْضَجْ لكنه جَرَّهَا بالمجاورة.

2-

التوجيه الثاني: أنَّ قراءة الجر إذا كانت معطوفة على الرأس فإنه يكون المسح هنا بأنَّ العطف في مقام تسليط الفعل الأول على الجملة الثانية أو على الاسم الثاني.

فكأنه قال: وامسحوا برؤوسكم وامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين.

والمسح هنا لما جَعَلَ له غاية وهي أنه إلى الكعبين دلَّ على دخول الكعبين في المسح، وهذا يدل على أنَّ المسح المراد به هنا الغسل الخفيف؛ لأنَّ العرب تُطْلِقُ على الغسل مسحاً لأنَّهُ إمرارٌ خفيف وهو موجودٌ في اللغة، ومنه قوله تعالى {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص:33] يعني مَرَّ عليها قتلاً على خفة.

فالمسح يكون بمرورٍ على خِفَّة، فالمسح الذي هو من الغَسْلْ هو غسل خفيف وهو مستعمل عندهم حيث يقولون مثلاً تَمَسَّحْتُ للصلاة إذا أراد أن يكون وضوؤه خفيفاً.

ص: 505

[المسألة الرابعة] :

قراءة الجر هذه بأبْعَدَ من أن تكون دليلاً على المسح على الخفين؛ قيل إنَّهَا دليلٌ على إبطال المسح على الخفين، وهذا هو الذي يتوجه إليه من يتكلم على الآية وذَكَرَهُ عندكم الشارح والرَّدُّ بَأَوْجَهْ أن يكون بالوجهين السالفين.

ص: 506

قال بعدها (وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ مَاضِيَانِ مَعَ أُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، لَا يُبْطِلُهُمَا شَيْءٌ وَلَا يَنْقُضُهُمَا)

يريد بذلك رحمه الله تقرير مسألة من المسائل الفقهية التي صار القول بها عَلَماً على أهل السنة مُخَالَفَةً للروافض والخوارج أيضاً، وهي أنّ الإمارة والوِلاية يُمْضَى مع أهلها -يعني مع الأمير أو ولي الأمر- في الطاعة والمعروف والحج والجهاد والعبادات جميعاً، سواءٌ أكان براً أو فاجراً، وسواءٌ أكان مطيعاً أم عاصياً، وسواءٌ أكان كاملاً كالخلفاء الراشدين أم كان يخلط عملا صالحاً وآخر سيئاً كغيره.

وذلك لأنَّ الحج عبادة عظيمة يجتمع فيها الخلق الكثير فلابد أن تُقَام عبادةً لله عز وجل، ثم لابد أن يكون فيها ولها أمير يُسَيِّرُ الناس وإلا لكانوا فوضى فيما يرون؛ لأنَّ أهواء الناس لا حد لها ولا غاية لها.

والجهاد فيه مقابلة الأعداء والنكاية بهم وإذلال العدو وهذا لا يكون إلا بولاية، والولاية هي التي تُسَيِّرُ هذا الأصل، وبر ولي الأمر أو عدم بِرِّهِ، صلاحه أم فساده هذا يرجع إلى نفسه، وهذه الأمور -أمور العبادات- من المعروف الذي يجب على المسلم أن يطيع فيه ومِنَ البر والتقوى التي يجب أن يتعاون مع ولاة الأمر فيه، كما قال عز وجل {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] ، الخطاب لجميع المؤمنين بجميع طبقاتهم.

ونذكرهنا بعض المسائل:

ص: 507

[المسألة الأولى] :

أنّ المُخَالِفْ في هذا الأصل هم الروافض والخوارج أو من شابه الخوارج.

* أما الروافض فامتنعوا من الحج والجهاد مطلقاً حتى يخرج المعصوم؛ وهو الإمام الثاني عشر من أئمتهم وهو المدعو محمد بن عبد الله العسكري الذي يزعمون أنه دَخَلَ السرداب وكان صغيراً، دخلت به أمه وهم ينتظرون خروجه، فلم يَحُجُّوا، أو رأوا أنَّ الحج غير قائم، لا يرونه إلا مع معصوم وكذلك الجهاد لا يرونه إلا مع معصوم.

وليتهم أخذوا بهذا وانتظروا خروجه ولم يُشْغِلُوا المسلمين ببدعهم وفتنتهم.

* وأما الخوارج فعندهم أنَّ هذه الأعمال إنما هي تبع للوِلاية، والوِلاية عندهم لا تصلح في مَنْ لم يكن بَرَّاً فلا بد أن يكون الإمام براً صالحاً تقياً كاملاً حتى يُجَاهَدَ معه وحتى يُحَجَّ معه، وإلا نَصَّبُوا لهم أميراً وصاروا يجاهدون معه ويحجون معه ولا يدينون بدين الجماعة، وهذا ظهر منهم في خلافهم لعثمان رضي الله عنه ثُمَّ وفي خلافهم لعلي رضي الله عنه ثُمَّ في قتالهم لخلفاء بني أمية إلى آخره.

وممن يشبه الخوراج في ذلك من لم ير الطاعة -الطاعة في الحج والجهاد وما فيه مصلحة عامة للمسلمين وما هو من البر والتقوى والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- إلا مع الإمام الصالح الذي ليس عنده فساد أو ليس عنده محرمات.

وهذا قولٌ يُلْحَقُ بأقوال الخوارج؛ لأنَّ الحج والجهاد وكل أنواع المعروف أوْجَبَ النبي صلى الله عليه وسلم الطاعة فيها فقال «إنما الطاعة في المعروف» (1) والمعروف هو ما عُرِفَ في الشرع أنه ليس بمعصية وأعلاه الطاعات التي يُتَقَرَّبُ بها إلى الله عز وجل.

(1) سبق ذكره (478)

ص: 508