الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المسألة الثانية] :
لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ
، فعلماء الحديث والأثر وأهل الفقه والنظر ربما حصل منهم أغلاط لأنَّهُم غير معصومين، وهذه الأغلاط التي قد تحصل منهم حُصُولها من نِعَمِ الله عز وجل.
ولمَّا سُئِلَ بعض الأئمة عن غلط العالم؛ كيف يغلط العالم، كيف يخالف السنة، كيف يكون في سلوكه مُقَصِّرْ، كيف يغيب عن ذهبنه في مسألة التدقيق ويتساهل؟
فقال (لئلا يُشَابِهْ العلماء الأنبياء) ، لأنَّ النبي هو الذي لا ينطق عن الهوى، هو الذي يصيب في كل شيء وهو الذي يُتَّبَعْ في كل شيء، فإذا كان العالم على صوابٍ كثير وربما وقع في اجتهاد هو عليه مأجور ولكنه أخطأ في ذلك، لم يكن عند الناس رَفْعْ لعالم في منزلة النبي فَيُتَّبَعْ على كل شيء، فيحصل في النفوس التوحيد والبحث عن الحق من الكتاب والسنة والنظر فيما يُبَرِّئْ الذمة في ذلك.
وهذه عبوديات في القلب يسلكها الناس مع وجود هذا الخلاف بين أهل العلم.
ولهذا إذا نظرت في هؤلاء الذين عَنَاهُمْ الطحاوي (أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر) هو عَنَى بهم أوَّلِيًّا الأئمة الأربعة:
- أبو حنيفة: وهو من أهل الفقه والنظر ليس هو من أهل الحديث والأثر.
- والإمام مالك والشافعي وأحمد: وهؤلاء هم أئمة أهل الحديث كما أنهم أئمة أهل الفقه في المذاهب المتبوعة المعروفة.
هؤلاء بينهم خلاف في مذاهبهم، أبو حنيفة يذهب إلى قول، مالك يذهب إلى قول، الشافعي يذهب إلى قول، الإمام أحمد يذهب إلى قول.
هؤلاء منهم من يكون قوله هو الصواب، ومنهم من يكون قوله خلاف الأولى، أو يكون قوله مرجوحاً وهكذا.
فالعالم يُدَقِّقْ ويَتَحَرَّى من الأقوال ولا يُقَلِّدُ عالماً في كل ما قال؛ لأنَّ المسائل كثيرة جداً وهو بشر فقد يتهيأ له في المسألة أَنْ يُدَقِّقْ وفي مسألة أخرى لا يدقق وهكذا.
لهذا وجب على أهل الإيمان أنْ يَتَوَلَّوا جميع العلماء وأن يذكروهم بخير وأن لا يذكروا أحداً منهم بسوء، وخلافهم فيما اختلفوا فيه راجعٌ إلى أسباب يأتي ذكرها إن شاء الله.
فليس منهم أحد أراد المخالفة وإنما كلهم أراد المتابعة وتَحَرِّيْ الحق ولكن ربما أصاب وربما لم يصب.
[المسألة الثالثة] :
قوله في أول الكلام (وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ السَّابِقِينَ) الطحاوي رحمه الله توفي أول القرن الرابع الهجري وعاش أكثر حياته في القرن الثالث، ويَعْنِي بعلماء السلف السابقين من كان سلفاً له؛ يعني من سَبَقَه من أهل العلم، وهذا يَصِحُّ أن يُعْتَبَرَ سلفاً باعتبار.
فكلمة السلف أو علماء السلف إذا أطلقت فلها اصطلاحان:
1-
الإصطلاح الأول: تُطْلَق ويرادُ بها من سَلَفَ العَالِمْ ومن سَبَقَه.
وهذا الإطلاق فيه سَعَة، ولهذا استعملها أناس في القرن الرابع وفي القرن الخامس وفي السادس، إلخ.. ويعنون بالسلف من سبقهم؛ لأنهم كانوا سَلَفَاً لهم، يعني كانوا سابقين لهم.
2-
الاصطلاح الثاني: وهو المعتمد عند المحققين أنَّ كلمة علماء السلف يُعْنَى بها علماء القرون الثلاثة المفضلة من الصحابة والتابعين وتبع التابعين، ومن كان من الأئمة على هذا النحو وإن لم يكن من تبع التابعين.
فهؤلاء هم الذين شَهِدَ لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية «خير الناس قرني ثم الذي يلونهم ثم الذين يلونهم» (1) قال الراوي (فلا أدري أذَكَرَ بعد قرنه ثلاثة قرون أو أربعة قرون) .
والقرن هنا المراد به الجيل من الناس وليس القرن الزمني الذي هو مائة سنة.
(قرني) يعني الذين اقْتَرَنْ زمانهم بي، وهم الجيل من الناس، انقضى الصحابة أتى التابعون، انقضى التابعون أتى تبع التابعين وهكذا.
وهؤلاء هم الذين قَلَّت فيهم البدع وقَلَّ فيهم الخلاف للسنة، وكثر فيهم الخير بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم وبشهادة الواقع أيضاً.
فإذاً كلمة السلف، علماء السلف يُعْنَى بها وقد تطلق على من سلف، وسبق على ما ذكرت لك من الإصطلاح الخاص.
(1) سبق ذكره (624)
[المسألة الرابعة] :
الطحاوي في هذه الجملة قَسَمَ العلماء إلى قسمين، قالَ (أَهْلُ الْخَيْرِ وَالْأَثَرِ، وَأَهْلُ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ) فجعل العلماء على فئتين:
- الفئة الأولى: أهل الأثر.
- والفئة الثانية: أهل الفقه والنظر.
@ وأهل الأثر: هم الذين اعتنوا بالحديث روايَةً ودراية، -الدراية يعني بها الفقه-، ويدخل فيهم الإمام مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن جرير وجماعات على هذا النحو.
@ وأهل الفقه والنظر هم الذين غَلَّبُوا القواعد المستنبطة الكلية على السُّنَنْ المروية، وهم أصحاب الرأي والنظر في مدرستيه الكبيرتين:
& في المدينة التي كان يتزعمها الإمام ربيعة المشهور بربيعة الرأي.
& وفي الكوفة التي كان يتزعمها الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمهم الله تعالى أجمعين.
أهل الفقه والنظر يعتنون بالسنة؛ ولكن عنايتهم بالسنة قليل، وأهل الحديث والأثر يعتنون بالنظر لكن عنايتهم بالأقيسة وبالتَّقْعِيد قليلة.
ولهذا صار هناك في الأمة في الاجتهاد صارت هناك مدرستان:
- مدرسة أهل الحديث والأثر....
- ومدرسة أهل النظر.
ولا تُقَابِلْ بين أهل الحديث وأهل الفقه؛ لأنَّ هذه المقابلة لا حقيقة لها.
وإنما المُقَابَلَة بين أهل الحديث والأثر وبين أهل الفقه والنظر.
وكلمة النظر أرادها الطحاوي لأنَّ الجميع موصوفون بالفقه وبالعناية به يعني استنباط الأحكام من الأدلة؛ لكن من جهة النظر والقياس والعقليات والقواعد هذه اعتنى بها الحنفية وأهل الرأي ولم يعتنِ بها أهل الحديث والأثر، وإنما اعتنوا باستخراج الفقه من الأدلة بدون تحكيمٍ للأقيسة على الدليل.
مثاله: مثلاً عند الحنفية -أهل النظر- الحديث المرسل أقوى من المسند، فإذا اجتمع حديثان: مُرْسَلٌ ومُسْنَدْ حُكِمَ في الفقه بالمرسل ولم يُحْكَمْ بالمسند، لماذا؟
لدليلٍ عقلي عندهم، وهو أنَّ المُرْسِلْ من أهل الفقه من علماء التابعين لا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا وهو متحققٌ به لأنَّهُ من أهل الفقه، وأمَّا الروايات المُجَرَّدَة فإنها يدخلها الغلط ويدخلها ما يدخلها.
ولاشك أنَّ هذا تعليل عقلي ولكنه ليس بمنطقي.
أيضاً ينظرون إلى القواعد أنَّهَا قطعية والأدلة غير المتواترة أنها ظنية فيقولون:
إذا صار هناك قاعدة أو قياس كلي فإنه يكون قطعياً في الدلالة على محتواه، وأما الدليل فيكون ظنياً: إما ظَنِّيْ الرواية -يعني إذا كان من السنة-، وإما أن يكون ظَنِّيْ الدلالة، أيضاً غير قطعي الدلالة من الكتاب أو من السنة.
فَيُحْكَمْ بالقاعدة ويُصْرَفْ ظاهر الدليل لأجل أنَّهُ يحتمل الظن والقاعدة قطعية.
ونحو ذلك من الخلاف المؤَسَّسْ على مشارب شتى.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وذكره شارح الطحاوية وجماعة (إنَّ العلماء فيما اختلفوا فيه من عدم الأخذ بالدليل من الكتاب والسنة يمكن أن يرجع إلى عدة أسباب) ، ومن أهم هذه الأسباب.
- أولا: أنْ لا يثبت عند الإمام صحة الدليل.
- الثاني: أن يكون منسوخا أو مُؤَوَّلاً.
- الثالث: أن يكون مُعَارَضَاً بما هو أقوى عند الإمام من ذلك الدليل، إمَّا مُعَارَضْ بدليلٍ آخر وإما مُعَارَضْ بقاعدة كما عند الحنفية.
- الرابع: أن يكون للإمام هذا شرط في الرواية ليس هو شرط الإمام الآخر في الحديث.
مثلاً عندك الإمام الشافعي يقول حدثني الثقة ويعني به إبراهيم بن أبي يحيى، فإذا عَرَفْ الإمام أحمد أو غيره أَنَّ الرواية عن إبراهيم بن أبي يحيى هو عندهم ليس بثقة بل هو بضعيف بل ربما كان أدنى من ذلك مما اتُّهِمْ به بالكذب ونحو ذلك.
فهو عند إمام ثقة فيما يرويه يأخذ بروايته، وعند آخر ليس بشيء فلا يأخذ بروايته.
وهذا يُبَيِّنُ لك أنَّ اختلاف الأئمة من أهل الفقه والنظر وأهل الحديث والفقه والأثر في ذلك اختلاف ليس راجعاً إلى عدم الأخذ بالدليل؛ ولكنه راجع إلى فهم الدليل، وما هو الدليل الذي يُسْتَدَلُ به وكون الدليل راجحاً غير مرجوح.
ولهذا لا يوجد في مسألة أن يقال: ليس للعالم هذا دليل. (1)
: [[الشريط السادس والأربعون]] :
أنا لا أعلم مسألة يقال ليس للإمام أبي حنيفة فيها دليل أو ليس للإمام أحمد فيها دليل أو ليس للإمام مالك فيها دليل، كلٌ منهم لا يقول قولاً ولا يذهب إلى مذهب إلا بدليل.
والأدلة أعم من النصوص من الكتاب والسنة لأن جِمَاعْ الأدلة عند أهل الأصول يرجع إلى ثلاثة عشرة دليلاً وتصير بالتفريق كما ذكره أهل الأصول وذكره القرافي في الفروق إلى عشرين دليلاً.
فهذه الأدلة منها ما هو مُتَّفَقٌ على الاستدلال به ومنها ما هو مُخْتَلَفٌ في الاستدلال به، فقد يكون الدليل دليلاً عند الإمام مالك وليس دليلاً عند الإمام أحمد مثل عمل أهل المدينة، وقد يكون الدليل مرعياً عند أبي حنيفة وهو قاعدة ولا يكون مرعياً عند الشافعي بورود دليلٍ من السنة في خلاف ذلك وهكذا.
فإذاً مأخذ العلماء اجتهادي، وواجبٌ حينئِذْ إذْ كانت هذه مآخذهم أن لا يُذْكَرُوا إلا بالجميل، وأن لا يُذْكَرْ العالم حتى فيما أخطأ فيه وابتعد في الخطأ حتى إباحة المالكية لأكل لحم الكلب وحتى في إباحة الحنفية لشرب النبيذ يعني غير المُسْكِرْ لا يُشَنَّعْ عليهم في ذلك لأنها اجتهادات فيما اجتهدوا فيه.
(1) نهاية الشريط الخامس والأربعون.
[المسألة الخامسة] :
الواجب على طلبة العلم الذين يريدون أن يسلُكُوا هذا السبيل أن يُلْزِمُوا أنفسهم مع أهل العلم السابقين والأئمة الذين أشادوا للدين بنياناً وللعلم أركاناً، واجبٌ عليهم أن يدافعوا عنهم وأن يُثْنُوا عليهم وأن ينشروا في الناس سيرتهم حتى يُقْتَدَى بهم وحتى يقوى ركن علماء الشريعة.
وهكذا أيضاً واجبٌ على طلاب العلم أن لا يقعوا في أحدٍ من العلماء بسوء، فمن أصاب من أهل العلم من أهل الحديث والأثر أو من أهل الفقه والنظر فقد أحسن ويُثْنَى عليه ويُتَابَعْ فيما أصاب فيه، ومن أخطا فأيضاً قد أحسن إذ اجتهد؛ لكن الصواب من الله تعالى.
وهذا لا يدخل في العلماء الذين نشروا الشّرك والبدع والخرافات ولم يكن لهم حظ لا من الحديث والأثر ولا من الفقه والنظر، وإنما سَخَّرُوا جهدهم في مخالفة السنة في البدع، فأرادوا نشر البدعة ونشر الخرافة ودافعوا عن الشرك وعَلَّقُوا الناس بالموتى وعَلَّقُوا الناس بالبدع والاحتفالات وأشباه ذلك.
فهؤلاء لا يدخلون في هذا الكلام الذي ذكره؛ لأنهم أرادوا ما خالفوا به إجماع الأئمة الأربعة.
هؤلاء يُرَدْ عليهم وربما يُحتَاج من باب التعزير إلى ذكرهم بما فيهم حتى يحذرهم الناس.
* تنبيه أخير: إلى أنَّ قول الطحاوي في أول الكلام (وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ السَّابِقِينَ) قال بعدها (وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ) ، كلمة (وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ) فيما أفهم أنه لا يريد بها التابعين عند أهل الاصطلاح؛ يعني التابعين الذين صحبوا الصحابة، وإنما يريد بهم من تبع علماء السلف على اصطلاحه؛ لأنَّ التابعين ما فيهم هذا التقسيم أهل الحديث وأهل النظر، التابعون والصحابة ما فيهم هذا التقسيم أهل الحديث وأهل النظر إنما هذا التقسيم فيمن بعدهم.
قال بعدها رحمه الله (وَلَا نُفَضِّلُ أَحَدًا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، وَنَقُولُ: نَبِيٌّ وَاحِدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ)
يريد العلاّمة الطحاوي في هذا أن يُقَرِّرَ عقيدةً عظيمة وهي أنَّ أفضل الناس هم الأنبياء، وأنَّ النبي أفضل من جميع الأولياء، وأنَّ أهل السنة والأثر والجماعة هؤلاء لا يُفَضِّلُونَ ولياً على نبي؛ بل كل نبيٍ أفضل من جميع الأولياء.
وأدْخَلَهَا في العقيدة مع أنها مسألة تفضيل لِصِلَتِهَا بالنبوة وبالوَلاية؛ ولأنَّهُ ظهر في عصره طائفة ممن زعموا أنَّ الولي قد يبلغ مرتبةً أعظم من مرتبة النبي.
وهذه الطائفة التي تُفَضِّلُ الأولياء على الأنبياء تشمل فئتين كبيرتين:
1-
الفئة الأولى: الباطنية في زمنه من إخوان الصَفَا والإسماعيلية ومن شايعهم، وكذلك ربما دخل فيها طائفة من أهل الرفض والتشيع، فإنهم يُفَضِّلُونَ بعض الأولياء على بعض الأنبياء.
2-
الفئة الثانية: هم غلاة المتصوفة في ذلك الزمن الذين تَزَعَّمَهُم الحكيم الترمذي، محمد بن علي بن حسن الترمذي في كتابٍ سَمَّاهُ (خَتْمْ الوَلَاية) كما سيأتي بيانه.
فأراد أن يُبَيِّنْ أهل العقيدة الصحيحة لهذه الطائفة ولهذه الفئات جميعاً وأنَّنَا نعتقد أنَّ الولي مهما بلغ من الصلاح والطاعة فإنَّه حسنة من حسنات النبي الذي تَبِعَهُ، فإنَّمَا علا مقداره وظهر شأنه في متابعته للنبي لا باستقلاله، على الأنبياء جميعاً صلوات الله وسلامه.
ونذكر هنا مسائل.
[المسألة الأولى] :
تفضيل الأولياء على الأنبياء هذا نَشَأْ مع عقيدة عند المتصوِّفَة ومن شابههم -يعني غلاة المتصوفة- وهي ما أسموه بِخَتْمِ الوَلَاية.
ويعنون بِخَتْمِ الوَلَاية أنَّهُ كما أنَّ للأنبياء نبياً خاتماً لهم، فكذلك للأولياء وليٌ خاتمٌ لهم، وكما أنَّ خاتم الأنبياء أفضل من جميع الأنبياء، فكذلك خَاتَم الأولياء هو أفضل من جميع الأولياء.
وعقيدة خَتْمْ الوَلَايَة ذَكَرَهَا الحكيم الترمذي في كتابٍ سَمَّاه (خَتْمْ الوَلَاية) وقد طُبِعَتْ منتخبات منه قديماً، وأَسَّسَ فيها القول بأنَّ الأولياء يُخْتَمُونَ، وأنَّ الولي في باطنه قد يبلغ مقاماً يَتَلَقَّى فيه من الله عز وجل مباشرة، وأنَّ الولي قد يكون أفضل من النبي، وهذه لم يَنُصَّ عليها ولكنها تُفْهَمْ من فحوى كلامه.
ولاشك أنَّهُ غَلِطَ في ذلك غَلَطَاً فاحشاً، وإن كان هو من أهل العناية بالحديث كرواية، ومن أهل الخير والصلاح كما وصفه بذلك ابن تيمية؛ لكنَّهُ غَلِطَ في هذه البدعة الكبرى التي ابتدعها في الأمة والشرور التي حدثت من القول بوحدة الوجود وتفضيل الولي على النبي والاستقاء من الله عز وجل مباشرة إنَّمَا حدثت بعد هذا الكتاب وهذه النظرية الباطلة التي تُبْطِلُ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم على الحقيقة.
وهذا لم يَخْتَصَّ به الحكيم الترمذي؛ بل تبعه عليه أُنَاس منهم ابن عربي في كتابه (الفصوص) وفي كتابه (الفتوحات المَكِيَّة) ، ومنهم محمد بن عثمان المرغني السوداني الذي له طريقة معروفة عند أهل السودان (الطريقة الختمية) ، ومنهم التيجاني، هؤلاء كانوا في القرن الثالث عشر، وصّرَّحْ المرغني في كتابه (تاج التفاسير) صَرَّح بهذه العقيدة، ومنهم التيجاني عند أهل المغرب فيما يعتقدون فيه ووُصِفَ به.
هؤلاء يعتقدون أنَّ الولاية تُخْتَم؛ لكن ادَّعَى ابن عربي أنَّهُ هو الذي خَتَمَ الأولياء، وادَّعَى الميرغني أنَّهُ هو الذي خَتَمَ الأولياء وادَّعَى أيضاً التيجاني أنَّهُ هو الذي خَتَمَ الأولياء.