المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ قوله (ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره) - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: ‌ قوله (ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره)

وَلَا شَيْءَ مِثْلُهُ، وَلَا شَيْءَ يُعْجِزُهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ

هذه الجمل الثلاث وهي‌

‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

تفصيلٌ لما يعتقده في توحيد الله عز وجل.

والتوحيد -كما ذكرنا- منقَسِمٌ إلى الأقسام الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الإلهية.

فذَكَرَ هذه الأقسام الثلاث في قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ) .

فقوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) راجِعٌ إلى توحيد الأسماء والصفات والأفعال.

وقوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ) راجع أو مُثْبِتٌ لتوحيد الربوبية.

وقوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ) مثبتٌ لتوحيد العبادة والألوهية.

وقدَّمَ رحمه الله ما يدل على توحيد الأسماء والصفات بعد ذِكْرِ توحيد الإلهية في قوله (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) ؛ لأنَّ النزاع كائنٌ في توحيد الإلهية وفي توحيد الأسماء والصفات.

فَمَعَ أهل الشرك النزاع في توحيد الإلهية، وهو الذي كان النزاع فيه ما بين الرسل وبين أقوامهم.

ولهذا قَدَّمَ ما يعتقده بقوله (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) لأنَّ هذا هو حقيقة النزاع بين الرسل وبين أقوامهم.

ثم قال (وَلا شيءَ مثْلُهُ) لأن هذا هو حقيقة النزاع ما بين أهل السنة والجماعة وما بين مخالفيهم من المبتدعة على أصنافهم من المجسمة والمعطلة والنفاة وأشباه هؤلاء.

وأيضا قَرَنَ بينهما لأنَّ البدع بريد الشرك، فإنَّ تَرْكَ تنزيه الله عز وجل عن مماثلة المخلوقين تؤدي إلى الشرك به عز وجل، ولهذا قال من قال من السلف (المعطِّل يعبد عدما والممثل يعبد صنما)(1) .

فالتمثيل ثَمَّ اقترانٌ بينه وبين الشرك؛ لأنَّ الممثل اتَخَذَ صورَةً جَعَلَهَا على صفات معينة فصارت صنماً له، كما أنَّ المشركين عبدوا الأصنام واتخذوها آلهة.

وأما قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ) فهو توحيد الربوبية كما سيأتي ذلك مفصلا.

إذاً فترتيب المصنف الطحاوي رحمه الله لهذه الجمل الأربع ترتيبٌ مناسب، وهو مَتَنَقِلٌ بِفَهْمٍ في أمور الاعتقاد وموقف أهل السنة وأهل الإسلام من مخالفيهم.

والجملة الأولى في هذا اليوم هي قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) والكلام عليها يكون في مسائل:

_________

(1)

مجموع الفتاوى (5/196) / الصواعق المرسلة (1/148)

ص: 13

[المسألة الأولى] :

أنَّ قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) مأخوذٌ من قول الله عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، ومن قوله عز وجل {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ، ومن قوله عز وجل {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65] ، ومن قوله سبحانه {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال َإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:74] ، وأشباه هذه الأدلة التي تدل على أنَّ الله سبحانه لا يماثله شيء من مخلوقاته.

ص: 14

[المسألة الثانية] :

أنَّ قوله (لا شيءَ مثْلُهُ) راجِعٌ لنفي المماثلة.

وهذا هو الذي جاء في الكتاب والسنة أنْ يُنْفَى عن الله عز وجل أن يُمَاثِلَ أحداً أو شيئاً من خلقه، وكذلك يُنْفَى عن المخلوق أن يكون مُمَاثِلَاً لله عز وجل.

وإذا كان كذلك، فالمماثلة أو التمثيل أو المِثلِيَّة تُعَرَّفُ بأنها المساواة في الكيف والوصف:

والمساواة في الكيفية راجعة إلى أَنْ يكون اتصافه بالصفة من جهة الكيفية مُمَاثِلٌ لاتصاف المخلوق، كقولهم: يد الله كأيدينا وسمعه كأسماعنا وأشباه ذلك.

وأما المماثلة في الصفات فهي أن يكون معنى الصفة بكماله التام في الخالق كما هو في المخلوق.

إذا تِقِرَّرَ ذلك، فإنَّ اعتقاد المماثلة في الكيفية أو في الصفات على النحو الذي ذكرتُ هذا تمثيل يَكْفُر صاحبه.

ولهذا كَفَّرَ أهلُ السنة النصارى، وكَفَّرَ أهلُ السنة المُجَسِّمَة؛ لأنَّ النصارى شَبَّهُوا المخلوق بالخالق، وشَبَّهُوا عيسى بالله عز وجل، والمُجَسِّمَة شَبَّهُوا الله عز وجل ومثَّلُوه بخلقه.

ص: 15

[المسألة الثالثة] :

الفرق ما بين المماثلة والمثلية وبين التشبيه.

ولتقرير ذلك تنتبه إلى أنَّ الذي جاء نفيه في الكتاب والسنة إنما هو نفي المماثلة.

أما نفي المشابهة؛ -مشابهة الله لخلقه- فإنها لم تُنْفَ في الكتاب والسنة؛ لأنَّ المشابهة تحتملُ أن تكون مشابهةً تامة، ويحتمل أن تكون مشابهةً ناقصة.

فإذا كان المراد المشابهة التامة فإنَّ هذه المشابهة هي التمثيل وهي المماثلة، وذلك منفِيٌ، لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] .

فإذاً لفظ المشابهة ينقسم:

- إلى مُوَافِقٍ للمماثلة، الشَبِيهْ موافِقٌ للمثيل وللمِثِلْ.

- وإلى غير موافق.

يعني قد يشترك معنى الشبيه والمثيل ويكون المعنى واحداً، إذا أُريْدَ بالمشابهة المشابهة التامة في الكيفية وفي تمام معنى الصفة.

وأمَّا إذا كان المراد بالمشابهة المشابهة الناقصة وهي الاشتراك في أصل معنى الاتصاف، فإنَّ هذا ليس هو التمثيل المنفي، فلا يُنْفَى هذا المعنى الثاني، وهو أن يكون ثَمَّ مشابهة بمعنى أن يكون ثَمَّ اشتراك في أصل المعنى.

وإذا كان كذلك فإنَّ لفظ الشبيه والمثيل بينهما فرق -كما قَرَّرْتُ لك- ولفظ المشابهة لفظ مجمل لا يُنْفَى ولا يُثْبَتْ.

وأهل السنة والجماعة إذا قالوا: إنَّ الله عز وجل لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء يعنون بالمشابهة المماثلة.

أما المشابهة التي هي الاشتراك في المعنى فنعلم قَطْعَاً أنَّ الله عز وجل لم ينفها؛ لأنه سبحانه سَمَّى نفسه بالملك {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] ، {الْمَلِكُ الْحَقُّ} (1) وسَمَّى بعض خلقه بالمَلِكْ {وَقَالَ الْمَلِكُ} (2) وأشباه ذلك من الآيات، وكذلك سَمَّى نفسه بالعزيز، وسَمَّى بعض خلقه بالعزيز، وكذلك جَعَلَ نفسه سبحانه سميعاً، وأخبرنا بصفة السمع له، والبصر، والقوّة، والقدرة، والكلام، والاستواء، والرحمة، والغضب، والرضا وأشباه ذلك، وأثبت هذه الأشياء للإنسانِ فيما يناسبه منها.

فَدَلَّ على أَنَّ الاشتراك في اللفظ وفي بعض المعنى ليس هو التمثيل الممتنِع؛ لأنَّ كلام الله عز وجل حق وبعضه يفسر بعضاً.

فَنَفَى المماثلة سبحانه بقوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، وأثبت اشتراكاً في الصفة.

وإذا قلتُ اشتراكَاً ليس معنى ذلك أنها من الأسماء المُشْتَرَكَة في الصفات، ولكن أثْبَتَ اشتراكاً في الوصف يعني شَرِكَةً فيه، فإنَّ الإنسان له مُلْكْ والله عز وجل له الملك، والإنسان له سمع والله عز وجل له سمع، والإنسان له بصر والله عز وجل له بصر، وهذا الإثبات فيه قَدْرٌ من المشابهة، لكنَّهَا مُشَابَهَةٌ في أصل المعنى، وليست مشابهة في تمام المعنى ولا في الكيفية.

فتحَصَّلَ من ذلك أنَّ المشابهة ثلاثة أقسام:

1 -

الأول: مشابهة في الكيفية، وهذا ممتنع.

2 -

الثاني: مشابهةٌ في تمام الاتصاف ودلالة الألفاظ على المعنى لكمالها، وهذا ممتنع.

3 -

الثالث: مشابهة في معنى الصفة - في أصل المعنى - وهو مطلق المعنى وهذا ليس بمنفي.

ولهذا صار لفظ التمثيل، ونفي التمثيل، ونفي المِثْلِيَّة شرعياً؛ لأنه واضح، دلالته غير مجملة.

وأما لفظ المشابهة فإنَّ دلالته مجملة فلم يأتِ نفيه.

ونحن نقول إنَّ الله عز وجل لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء سبحانه وتعالى.

ونعني بقولنا (لا يشابهه شيء) معنى المماثلة في الكيفية أو المماثلة في تمام الاتصاف بالصفة وتمام دلالة اللفظ على كمال معناه.

(1) طه:114، المؤمنون:116.

(2)

يوسف:43، 50، 54.

ص: 16

[المسألة الرابعة] :

أَنَّ إثبات الصفات لله عز وجل قاعدته مأخوذةٌ من هذه الجملة (وَلا شيءَ مثْلُهُ) .

فإثبات الصفات مأخوذ من قوله سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، فنفى سبحانه وتعالى وأَثْبَتْ.

وعند أهل السنة والجماعة أنَّ النفي يكون مُجْمَلَاً (لا شيءَ مثْلُهُ) ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وأنَّ الإثبات يكون مُفَصَّلَاً {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .

وهذا بخلاف طريقة أهل البدع فإنهم يجعلون الإثبات مُجْمَلَاً، والنفي مُفَصَّلَاً، فيقولون في صفة الله عز وجل: إن الله ليس بجسمٍ ولا بشبحٍ ولا بصورةٍ ولا بذي أعضاء ولا بذي جوارح ولا فوق ولا تحت ولا عن يمين ولا عن شمال ولا قُدّام ولا خلف وليس بذي دم ولا هو خارج ولا داخل. إلى آخر تصنيفهم للمنفيات، وإذا أتى الإثبات، إنما أثبتوا مُجْمَلَاً.

فصار نفيهم وإثباتهم على خلاف ما دَلَّتْ عليه الآية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .

فطريقة أهل السنة أنَّ النفي يكون مُجْمَلَاً وأن الإثبات يكون مُفَصَّلَاً على قوله سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .

والنفي المُجْمَلْ فيه مدح، والإثبات المُفَصَّلْ فيه مدح.

والنفي المُجْمَلْ والإثبات المُفَصَّلْ من فروع معنى استحقاق الله عز وجل للحمد.

والله سبحانه أثْبَتَ أنه مَحْمُودٌ ومُسَبَّحٌ في سماواته وفي أرضه عز وجل، كما قال سبحانه {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] ، وكقوله {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الروم:18] ، وكقوله {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:17] ، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (1) ، ونحو ذلك.

والجمع بين التسبيح والحمد هو جَمْعٌ بين النفي والإثبات؛ لأنَّ التسبيح نفي النقائص عن الله فجاء مُجْمَلَاً، والحمد إثبات الكمالات لله عز وجل فجاء مفصلاً.

فإثبات الكمالات من فروع حمده ـ، ولهذا صار محموداً عز وجل على كل أسمائه وصفاته، وعلى جميع ما يستحقه سبحانه، وعلى أفعاله عز وجل.

وتنزيهه سبحانه بالنفي - يعني بالتسبيح - أنْ يكون ثَمَّ مُمَاثِلْ له سبحانه وتعالى.

فمعنى (سبحان الله) تنزيهاً لله عز وجل عن أن يماثله شيء أو عن النقائص جميعاً.

والحمد إثبات الكمالات بالتفصيل.

فإذاً من نَفَى مُجْمَلَاً وأثْبَتَ مُفَصَّلَاً، فإنه وافق مقتضى التسبيح والحمد الذي قامت عليه السموات والأرض.

ومن نفى مُفَصَّلَاً وأثبت مُجْمَلَاً، فقد نافى طريقة الحمد والتسبيح الذي قامت عليه السماوات والأرض.

لهذا صارت طريقة القرآن أن يكون النفي مُجْمَلَاً والإثبات مُفَصَّلَاً، وطريقة أهل البدع بعكس ذلك.

(1) الجمعة:1، التغابن:1.

ص: 17

[المسألة الخامسة] :

أنَّ قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ، الذي هو دليل (وَلا شيءَ مثْلُهُ) ، قد اختلَفَ فيه المفسرون في معنى الكاف في قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) .

والكاف هنا، على أي شيء تدل؟ على أقوال:

1 -

القول الأول: أنَّ الكاف هذه بمعنى مِثْل، فيكون معنى قوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ليس مِثْلَ مِثْلِه شيء، مبالغة في النفي عن وجودِ مِثْلِ المِثْل، فكيف يوجد المِثْلْ، فنَفْيُه من باب أولى.

ومجيء الكاف بمعنى الاسم هذا موجود في القرآن وكذلك في لغة العرب:

- فأما مجيئه في القرآن -مجيء الكاف بمعنى الاسم، وهي حرف- كما في قوله عز وجل {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74] ، فقوله (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) عَطَفَ الاسم على الكاف التي هي في قوله (كَالْحِجَارَةِ) ؛ (فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ) ، ومعلوم أنَّ الاسم إنما يُعْطَفُ على الاسم فقوله (فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ) يعني فهي مثل الحجارة أو أشد قسوة من الحجارة.

- ومجيئه في اللغة أيضاً ظاهر ومحفوظ، كقول الشاعر:

لو كان في قلبي كقدر قُلَامَةٍ ****** حبا لغيركِ ما أتتكِ رسائلي

فقوله (لو كان في قلبي كقدر قلامة) هذا جَعَلَ شبه الجملة الجارّ والمجرور (في قلبي) مُقَدَّمْ، وجَعَلَ الاسم (كقدر) لكون الكاف بمعنى (مِثْل) ؛ يعني لو كان في قلبي مِثْلُ قَدْرِ قُلَامة.

وهذا التوجيه الأول لطائفة من المفسرين في أنَّ الكاف هنا بمعنى (مِثْل) على ما ذكرنا.

وهذا التوجيه لهم وجيهٌ وظاهرٌ في اللغة ومستقيمُ المعنى أيضاً في الآية.

2 -

القول الثاني: أنَّ الكاف في قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) هذه صلة، وهي التي تُسَمَّى عند النحويين زائدة؛ وزيادتها ليس زيادَةً للفظ، وإنما هو زيادَةٌ لها لكون المعنى زائداً.

فليست زائدة بمعنى أن وجودها وعدم وجودها واحد، حاشا وكلا أنْ يكون في القرآن شيء من ذلك، وإنما تُزادْ ليكون مبالغةً في الدلالة على المعنى.

فقوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) تكون الكاف صلة ومجيء الصلة في مقام تَكْرَارِ الجملة تأكيداً.

كما حَرَّرَهُ ابن جِنِّي النحوي المعروف في كتابه (الخصائص) حيث قال:

إنَّ الصلة والزيادة تكون في الجمل لتأكيدها وتكون مقام تكريرها مرتين أو أكثر. أو كما قال.

فيكون معنى قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) : ليس مِثْلَه شيء، ليس مثله شيء، ليس مثله شيء، وهو السميع البصير. وهذا تفهمه العرب في كلامها.

وجاءت الزيادة بالصلة في مواضع كثيرة من القرآن كقول الله عز وجل {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] .

فقوله {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ} يعني: فبرحمة من الله لنت لهم، فبرحمة من الله لنت لهم. يعني ليس من جهتك وإنما هو رحمة من الله سبحانه وتعالى.

وكقوله عز وجل {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة:13] يعني: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم، فبنقضهم ميثاقهم لعناهم، وكقوله {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] في أحد وجهي التفسير.

إذا تقرر لك ذلك فإنَّ الوجه الأَوْلى من هذين التفسيرين هو الثاني من كون الكاف صلة زائدة في مقام تكرير الجملة؛ يعني أنَّ النفي أُكِّد فتكون أبلغ من أنْ يُنْفَى مِثْلْ المِثْل؛ لأنه قد يُشْكِلْ في نفي مثل المثل أن يكون (1)

: [[الشريط الثاني]] :

نفيُ المِثْليِةِ الأولى ليس مستقيماً دائماً، أو ليس مفهوماً دائماً.

أما الثاني فإنه واضح من جهة العربية، وواضح من جهة العقيدة، وواضح من جهة دلالته على تأكيد النفي الذي جاء في الآية.

هذا خلاصة الكلام على قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) .

(1) انتهى الشريط الأول

ص: 18