الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم دعا آخراً ب
قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)
وهذه الجملة رُوِيَتْ في حديث لكن لا يصح، وهي دعاءٌ طيب.
ومعنى (وَلِيَّ الْإِسْلَامِ) يعني ناصر الإسلام؛ لأنَّ الولي هو الناصر، والله عز وجل وَعَدَ بنصر دينه سبحانه وتعالى قال عز وجل {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح:28] . وقال أيضاً عز وجل {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]، ونحو ذلك كقوله في آخر الصّافات {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171-173] .
فقوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ) يعني اللهم يا ناصر الإسلام وأهله، فالله عز وجل وَعَدْ بنُصرة دينه ونصرة أهل الإسلام ووعده حق.
فنسأل الله عز وجل الذي وَعَدَ بنصر الإسلام ونصر أهل الإسلام أن يثبتنا على هذا الدين حتى نلقاه، وأن يرينا نَصْرَ دينه وإعجاز كلمته وإعلاء رايته إنه سبحانه على كل شيء قدير.
وَنَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وعَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ.
قال رحمه الله (وَنَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وعَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ)
هذه الجملة يريد بها تقرير ما دلَّتْ عليه الأدلة العامة والخاصة في أنَّ الصلاة عند أهل الأثر، أتباع الصحابة رضوان الله عليهم تُقَامُ خلف كل إمام؛ إمام عام وهو ولي الأمر أو إمام خاص وهو إمام المسجد -سواءٌ أكانَ براً أو كان فاجراً- إذا كان من أهل التوحيد؛ يعني من أهل القبلة.
وهذا يريد به مخالفة من ضلُّوا عن سبيل السلف فيمن لم يُصَلُّوا إلا خَلْفَ من يماثلهم في العقيدة أو يماثلهم في العمل أو يكون سليماً من الفجور، يعني لا يصلون إلا خلف من يعلمون بِرَّهُ وتقواه ونحو ذلك.
وهذا صنيع الخوارج وكل أنواع المُتعصِّبَة من الضُلَاّل من أهل الفرق جميعاً.
فكل فرقة من الفِرَقْ تُكَفِّرْ الفرقة الأخرى أو تُضَلِّلُها ولا يرون الصلاة خلف الآخرين، ولو كانوا مبتدعةً أو كانوا فجاراً، فإنهم يقولون: لا نصلي إلا خلف من نعلم دينه أو خلف من هو مثلنا في الاعتقاد.
بل زاد الأمر حتى صار أصحاب المذاهب المتبوعة: الشافعية والحنفية المالكية لا يصلي أحدٌ منهم إلا خلف من كان على مثل مذهبه الفقهي، وهذا مخالف لهدي السلف الصالح في أعظم مُخَالَفَةْ في مسائل البِدَعْ والاعتقاد، ومسائل الفقه كذلك مخالفتها شنيعة جداً.
وكذلك يرون الصلاة على كل ميتٍ من أهل القبلة ما دام أنَّه مات على التوحيد ولم يُعرَفْ بكفرٍ أو نفاق.
وتحت هذه الجملة مسائل:
[المسألة الأولى] :
الصّلاة خلف الإمام الأعظم أو الأمير الخاص هذه سُنَّةٌ ماضية دلَّ عليها سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ودلَّ عليها عمل السلف الصالح.
أما السّنة ققد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم كما في البخاري وغيره أنه ذكر الأئمة والأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فقال «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم» (1) .
وكان السلف إذا صلَّوا خلف من يعلمون فجوره فإنهم لا يفارقونه لأجل فجوره، كما صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى خلف أمير الكوفة الفجر وصلاها أربعاً فقال ذاك الأمير: أزيدكم؟ يعني هل أنا نَقَصْتُ من الصلاة وكان في سُكرِهِ، فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك في زيادة (2) .
فلم يحمله فِعْلُ الكبيرة، شرب الخمر وما ظهر من أماراتها من تضييع عدد الركعات من أن لا يصلي خلفه لأنَّ مصلحة الاجتماع وعدم التفرق عن الأمير أعظم من هذه المصلحة الخاصة.
كذلك لما أُمِّرَ الحجاج بن يوسف الثقفي على الحج في سنةٍ من السنوات من قِبَلِ خلفاء بني أمية وحَجَّ بالناس، فجاء يوم عرفة وكان ابن عمر هو مفتي الحج بأمر ولي الأمر، فجاء ابن عمر للحجاج وقال له: اخرج إلى الصلاة -لمَّا قَرُبَ الزوال- لأنَّ هذه هي السنة أن يصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً في أول وقت الظهر.
فقال: أُخْرُجْ إلى الصلاة.
فقال الحجاج: أفي هذه الساعة يا أبا عبد الرحمن؟
قال: نعم أترغب عن السنة؟
فخرج فصلى الحجاج وصلى خلفه ابن عمر وصلى وراءه المسلمون. (3)
وهذه أيضاً ثبتت عن أنس في صلاته خلف الحجاج، وعدد من الصحابة رضوان الله عليهم وجمعٌ كثير من التابعين صَلَّوا خلف من يعلمون فجوره ويعلمون إسرافه بقتلٍ أو معاصٍ كبائر ونحو ذلك.
والصلاة خلف هؤلاء سُنَّةٌ ماضية وعمل للسلف، لذلك صار من المتقرر في قواعد أهل السنة والجماعة أن يصلي المرء خلف الإمام على أي حالٍ كان ما دام أنه مسلم، ويصلي خلف الأمير -الأمير العام أمير البلد-، ويصلي خلف الأمير المُقَيَّدْ أيضاً -أمير السفر أو أمير الحج أو المسؤول أو نحو ذلك-؛ لأنَّ مصلحة الاجتماع مطلوبة والخلاف شر، وهذه صارت سُنَّةْ ماضية لأهل السنة والجماعة.
(1) البخاري (694)
(2)
الإستيعاب (1/492)
(3)
الموطأ (896) / النسائي (3009)
[المسألة الثانية] :
مما نَصَّ عليه السلف أيضاً في هذا الأصل أنَّ الصلاة نراها ونفعلُهَا خلف كل إمامٍ بر أو فاجرٍ أو أيضاً ممن نجهل عقيدته.
وقد بَدَّعَ الأئمة الأربعة وأئمة السلف من قال لا أصلي خلف أحدْ إلا بعد أن أعلم عقيدته؛ بل يُصَلَّى خلف مستور الحال، ومن لا نعلم حاله ولا نبحث ولا نمتحن الناس في عقيدتهم قبل الصلاة، ونرى هل هو موافق أم ليس بموافق، هل هو مبتدع أم ليس بمبتدع.
نرى ظاهر الأمر، وما دام أنَّ ظاهر الأمر السلامة فإننا نصلي خلفه دون بحث.
فإذاً على هذا الأصل لا يجوز امتحان الناس في عقيدتهم عند إرادة الصلاة، ولا بَحْثْ أَمْرْ الباطن وإثارة الباطن؛ لأنَّ الأصل الظاهر.
وهذا هو الذي نصَّ عليه الأئمة الأربعة وجماعة كثيرون من أئمة السلف، وقرَّرَهُ المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة.