المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأسئلة: س/ هل المعتزلة والكلابية في تأويل تلك الصفات مجتهدين عند - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: ‌ ‌الأسئلة: س/ هل المعتزلة والكلابية في تأويل تلك الصفات مجتهدين عند

‌الأسئلة:

س/ هل المعتزلة والكلابية في تأويل تلك الصفات مجتهدين عند تأويلها، وإذا كانوا مجتهدين فهل يُنْكَرُ عليهم وهل يحصل لهم ثواب على اجتهادهم لقوله عليه السلام «من اجتهد فأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر» (1) ؟

ج/ أولاً هم مجتهدون نعم؛ لكن لم يُؤْذَنْ لهم في الاجتهاد، لأنَّهُم اجتهدوا بدون أن يأذن لهم الشرع بالاجتهاد.

فالاجتهاد يكون في المسائل التي له فيها أن يجتهد، أمَّا مسائل الغيب والصفات والجنة والنار والشيء الذي لا يُدْرِكُهُ الإنسان باجتهاده فإنَّهُ إذا اجتهد فيه فيكون تعَدَّى ما أُذِنَ له فيه، والمُتَعَدِّي مُؤَاخَذ.

ولهذا هم لاشك أنَّهُم ما بين مبتدع بدعته كُفْرِيَّة وما بين مبتدع بدعته صغرى، يعني بدعة معصية.

والواجب على كل أحد أن يعلم أنَّ اجتهاده إنما يكون فيما له اجتهاد فيه، وهذا يختلف باختلاف الناس فيها، علماء الشريعة يجتهدون في الأحكام الشرعية، الأحكام الدنيوية التي فيها مجال الاجتهاد، أما الغيب فلا مجال فيه للاجتهاد ولم يُؤْذَنْ لأحَدٍ أن يجتهد فيه بعقله.

لكن إنْ اجتهد في فهم النصوص في حمل بعض النصوص على بعض، في ترجيح بعض الدِّلَالاتْ على بعض، هذا من الاجتهاد المأذون به سواء في الأمور الغيبية أم في غيرها.

لكن أن يجتهد بنفي شيء لدلالَةٍ أخرى ليست دلالة مصدر التشريع الذي هو الوحي من الكتاب والسنة، -في الأمور الغيبية مصدر التشريع الكتاب والسنة- فإنَّهُ ليس له ذلك.

فلذلك لا يدخل هؤلاء من المعتزلة والكلابية ونفاة الصفات أو الذين يخالفون في الأمور الغيبية لا يدخلون في مسألة الاجتهاد وأنَّهُ إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطا فله أجر، وإنما هم مأْزُورُونَ لأنَّهُم اجتهدوا في غير ما لهم الاجتهاد فيه، والواجب أن يُسَلِّمُوا لطريقة السلف وأن يُمِرُّوا نصوص الغيب كما جاءت وأن يؤمنوا كما دَلَّتْ عليه.

لهذا نقول: قد يكون لهذا المبتدع أو لهذا الموافق للمبتدعة أو لهذا المُتَأَوِّلْ أو لهذا المتكلّم في الغيب برأيه وعقله مع وزره وإثمه وبدعته، قد يكون لهم من الحسنات ما يمحو تلك السيئات؛ لأنَّ البدعة والتأويل وأشباه ذلك معصية، بدعة صغرى معصية وكبيرة من جنس غيرها من الذنوب -يعني من جنس غيرها بأنَّهُ يأثم فيها- لكنها هي أعظم لأنَّ جنس البدع أعظم من جنس الكبائر والذنوب، قد يكون له حسنات عظيمة مثل مقام عظيم من الجهاد في سبيل الله، أو نُصرة للشريعة في مسائل كثيرة ونحو ذلك، ما يُكَفِّرُ الله عز وجل به خطيئته أو تكون حسناته راجحة على سيئاته، ولكن من حيث الأصل ليس له أن يجتهد، وهو آثمٌ بذلك؛ لكن ربما يكون عَفْوُ الله عز وجل يدركه.

ولهذا لمَّا ذكر ابن تيمية في أول الواسطية -وهذه مهمة- قال: هذا اعتقاد الفرقة الناجية الطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة.

وعقدوا له المحاكمة على هذه العقيدة قالوا: ما تعني بقولك الفرقة الناجية؟

قال يعني الناجية من النار.

قال: هل يعني هذا أنك تقول إنَّ من لم يؤمن بهذه العقيدة ويقول بها بجميع ما أوردت أنَّهُ من أهل النار؟

قال: لم أقل هذا ولا يلزم من كلامي لأنَّ هذه العقيدة هي عقيدة الفرقة الناجية الطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة فمن اعتقدها فهو موعود بالنجاة وبالنصر، موعود بالنجاة من النار، «كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي» (2) ومعلوم قطعاً أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يكن عندهم تأويل ولا خوض في الغيبيات باجتهاد ورأي، وأنَّ من لم يعتقد هذا الإعتقاد فهو على ذنب، وقد يغفر الله له فلا يُدخله النار لا يعذبه بالنار ابتداء يغفر له الله؛ لأنَّ هذا دون الشرك؛ وقد يغفر الله عز وجل له بحسنات ماحية، وقد يغفر الله عز وجل له بمقام صدق في الإسلام كجهاد ونحوه إلى آخره؛ لكنه مُتَوَعَّدْ لأنَّهُ أتى أو قال بغير دليل.

لهذا ليس لأحدٍ أن يجتهد في الغيبيات بما لم يُوقَفْ فيه على دليل.

س2/ أليس الغضب والرضا مُتَعَلِّقْ حصوله بِمُسَبَّبات، ليس كما قَرَّرْنَا إنَّهُ متعلق بالمشيئة والقدرة، فإذا حصل سبب الرضا حصل رضا الله عز وجل، فمثله يُقَالُ في الغضب، فيُقَال رضا الله أو غضبه متعلقٌ بمشيئته إذا حصل السبب، وضح لي ما اشتبه عليَّ.

ج/ هذا الذي تفضل به أو ذكره السائل غير خاص بالغضب والرضا، كلها يعني المغفرة متعلقة بسبب، الرحمة متعلقة بسبب، إجابة الدعاء متعلقة بسبب، كلام الله عز وجل تنزيله القرآن متعلقٌ بسبب {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] ، هذا متى صار؟

بعد أن تكلمت وجادلت.

{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَأنَّهُمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب:18] ، هذا بعد سبب.

(1) سبق ذكره (347)

(2)

سبق ذكره (344)

ص: 617

إذاً فتعليقه بالسّبب الذي من العبد ليس هو بحث في الصفات البحث المراد، إنما المُرَاد أنَّهُ يتّصف الله عز وجل بهذه الصفة إذا شاء سبحانه وتعالى، إذا شاء سبحانه وتعالى فإنَّهُ يتصف بها؛ يعني إذا أراد الله عز وجل أن يغضب غَضِبْ، وقد لا يغضب، فلا يلزم من وقوع الشيء الذي يغضب عليه الله عز وجل أن يغضب سبحانه وتعالى بل قد يغضب وقد لا يغضب، وإذا وقع ما يرضى عنه عز وجل فإنَّ رضاه سبحانه وتعالى متعلق بمشيئته وقدرته.

أما الأسباب من العبد فهذه في الجميع.

س3/ هذا يقول: صفة الغضب والرضا كصفة الكلام قديمة الأصل متجددة الآحاد، هل يقال بهذا؟

ج/ الكلام يختلف عن صفة الغضب والرضا، كلام الله عز وجل منه الكلام الكوني الذي به تُكُونْ المخلوقات، فالله عز وجل خلق الماء بكلامه الكوني، وخلق العرش بكلامه الكوني عز وجل، وخلق الهواء بكلامه الكوني، وخلق القلم بكلامه الكوني، وخلق اللوح المحفوظ بكلامه الكوني، خلق السموات والأرض ومن فيها من المكلفين وما فيها من المخلوقات ومن يغضب عليه ويرضى عليه بكلامه الكوني.

الغضب والرضا صفةٌ فعلية تقوم بمشيئته عز وجل وبقدرته، أما أنَّهُا كالكلام في هذا فلا أعلم هذا ممن قرره أهل العلم بأنَّهُا قديمة النوع حادثة الآحاد، أنا لا اعلمه ممكن نبحثها زيادة أو يبحثها أحد الإخوان ويفيدنا فيها.

شيخ الإسلام له رسالة مستقلة ترى في المسألة ممكن إني أُرَاجِعْهَا، اللي هي رسالة في الصفات الاختيارية، [.......] تعرفونها؟ ليست في الفتاوى، مستقلة في مجموعة الرسائل التي طبعها الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله، أول رسالة فيه رسالة في الصفات الاختيارية وبحث كل هذا، يمكن مراجعتها ونجدد المعلومة في الدرس القادم إن شاء الله.

س6/ يقول: نرجو من فضيلتكم -وتقرأه على ما هو عليه- التعليق على هذه الكلمة، إلى آخره.

ج/ الكلمة أعرفها، وأعرف من قالها وهذه الطريقة في الأسئلة أنا لا أحبها من قديم، الواحد لا يأتي يعني يأخذ المتكلم أو يأخذ الشيخ أو المعلم يسأله عن كلمة لا يُعْرَفْ.

هُوَ ربما لا يَعْرِفْ من قالها، ثُمَّ يُقَال أنَّ فلان يقول في الشيخ الفلاني كذا وكذا، هذه كلمة معروفة يعني أُثِيْرَتْ هذه الأيام، لهذا ينبغي أن يكون السؤال واضحاً حتى يكون الجواب واضحاً.

المقصود أنَّ كون الأشاعرة من أهل السنة والجماعة أم لا، فبعض علماء الحنابلة المتأخرين أو أكثر المتأخرين ممن صَنَّفُوا في عقيدة السلف وهم لم يُحَقِّقُوا في هذا الأمر عَدّوا أهل السنة والجماعة ثلاثة فئات:

أهل الحديث والأثر، والأشاعرة، والماتريدية.

مثل ما فعلها السَّفَاريني وفعله أيضاً غيره، وهذه مشت على كثيرين وتبنَّاهَا أخيراً بعض الجماعات الإسلامية وَوَسَّعُوا الكلام فيها كما هو معلوم.

ولكن في الحقيقة كلمة أهل السنة نعم، الجميع من أهل السنة ولاشك؛ لأنَّهُم جميعا يحتجون بالسنة ويؤمنون بها إلى آخره؛ لكن كلمة الجماعة كُلٌّ يدعيها، فالأشاعرة يقولون نحن أهل السنة والجماعة، الماتريدية يقولون نحن أهل السنة والجماعة، وربما لا يُفَرَّقْ بينهما فالجميع يقولون أهل السنة والجماعة يعنون الأشاعرة والمارتريدية، وأهل الحديث والأثر يقولون نحن أهل السنة والجماعة إلخ..

لكن إذا نظرت للحقيقة، كُلٌ يَدَّعِي وَصْلَاً بالجماعة؛ لكن هل يصح ادِّعَاؤُهُ أم لا يصح؟

كلمة (الجماعة) هنا معناه الذي لم يُفَرِّقْ في الدين، ما كانت عليه الجماعة الأولى وهم الصحابة والتابعون، فهل أقوال هؤلاء فَرَّقَتْ في الدين، وهل هي على ما كان عليه الأوائل أم لا؟

إذا أتى الجواب جاءت النتيجة، فإذا كان فعلاً هم على ما كان عليه الأوائل؛ يعني الأشاعرة ونحوهم وبعض الفرق الموجودة الآن والجماعات الإسلامية وغيرها، إذا كانوا على ما كان عليه السلف فحافظوا على الجماعة الأولى ممن لم يُفَرِّقُوا بين دليل ودليل خاصة في الأمور الغيبية في مسائل العقيدة، ولم ينفوا شيئاً بل أثبتوا كما أثبت الله عز وجل، فإنَّ هؤلاء من الجماعة، لكن إذا كانوا يُفَرِّقُونَ ويَتَأَوَّلُون ويَتَعَرَّضُون للغيبيات بما يتعرضون له؛ بل يخالفون في معنى كلمة التوحيد، في أول واجب، وفي الإيمان يخالفون وفي القدر يخالفون، وفي الصفات يخالفون، وفي مسائل أُخَرْ أيضاً في العقيدة يخالفون ما كان عليه السلف كيف نقول أنَّهُم متمسكون بالجماعة.

ص: 618

التمسك بأهل السنة والجماعة ليست دعوة وليست مِنْحَةْ يمنحها الإنسان باختياره، نقول فلان من أهل السنة والجماعة أو لا، ليست مزاجاً وليست عقلاً وليست هِبَات تُوَزَّعْ على الناس، هذا وصف جاء في الكتاب والسنة بأنَّ الذي فَرَّقَ دينه ليس من الجماعة، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] ، نقول: إنّناَ نَصِفُ الله عز وجل بالسمع والبصر ما نتأول؛ لكن الغضب والرضا نتأوله يعني نقول هي الإرادة. معنا أنه ما يغضب؟ نقول: نعم ما يغضب.

طيب الذي يعبد الصنم، نقول مثلاً: خالد ابن الوليد لما علا جبل أحد فأصبح يرمي النبل على النبي صلى الله عليه وسلم والسهام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة وقُتِلَ من قُتِلْ من شهداء أحد، في تلك الحال كان مغضوباً عليه أو مرضيا عنه؟

عندهم أنَّهُ مرضي عنه لأنَّ بعد خمس سنين أو ست سنين سيسلم.

إذاً فثَمَّ مخالفة ودخول في صفات الله بالعقليات، هذا خطا كبير.

الأصل الأصيل عندهم أنَّ الشرع تَبَعٌ العقل، ولهذا يقول قائلهم (العقل هو القاضي والشرع هو الشاهد)

(القاضي) يعني الذي يقضي في الخصومات هو العقل لكن الشرع شاهد، يأتي الدليل من الكتاب والسنة فيقول هذا شاهد، لكن يرجع إلى عقله، إن كان صحيح أمضاه، وإن لم يصح ما احتج به وقال: لا، لازم نشوف له طريقة.

هذه لاشك أنَّهُا ليست طريقة الجماعة.

الجماعة هم الذين لم يُفَرِّقُوا في الدين، أخذوا ما جاء من الله عز وجل وما جاء من الرسول صلى الله عليه وسلم أخذاً واحداً.

نفرق!! نأخذ بآية ونقول هذه نُسَلِّمْ، نُمِرُّهَا، نُثْبِتُهَا، وآية أخرى لا، ما نُثْبِتْ.

لماذا تُفَرِّقْ بين هذا وهذا؟ ما الفرق بين مسائل الصفات بعضها مع بعض؟

لماذا تُثْبِتْ وتنفي؟

لماذا تقول يُرَى الله في الآخرة ثُمَّ تقول لكن إلى غير جهة؟

تَرُدُّ على المعتزلة بخلق القرآن وأنت تقول أنَّ الذي بين أيدينا مخلوق لكن القديم غير مخلوق؟

إذاً فيه أشياء كثيرة عند الأشاعرة والماتريدية وأشباههم خالفوا فيها الجماعة قبل أن تتغير الجماعة.

الجماعة ما هي؟

قبل أن تحدث هذه الأقوال، يعني قبل أن يحدث القول في الصفات ما الذي كان عليه المسلمون قبل ذلك؟

مائة سنة الناس ما يعرفون التأويل يكونون على ضلال؟، أو يكون غيرهم أدرك الصواب وهم لم يدركوه وفيهم الصحابة؟

هذا ما يمكن.

حَدَثْ الخوارج، قول الخوارج، ننظر إلى ما كان عليه الناس قبل ظهور الخوارج، قبله الصحابة ما الذي كانوا عليه في مسائل الإيمان ومسائل الأسماء والأحكام التكفير إلى غير ذلك ما الذي كانوا عليه؟

لاشك أنَّ هذا هو الجماعة.

الجماعة في مسألة الإيمان ومسألة الأحكام والأسماء هي ما قبل ظهور الخوارج.

ظَهَرَ بعد ذلك القدرية، غيلان الدمشقي ومعبد الجهني إلى آخره.

في مسائل القدر ما الجماعة قبل خروجهم؟

يعني تبحث عما قبل، هل ما قبل فيه شيء يدل على؟

ما فيه شك أنه لا يوجد.

ولهذا عندك الذين ذَكَرُوا أنَّ الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، نقول لهم: أهل السنة نعم؛ لكن الجماعة نحن نود ونرغب ونتمنى أنَّهُم من أهل السنة والجماعة حقيقة، وليست منحة ولا هوى؛ لكنهم هل كانوا على الجماعة؟

لاشك أنَّ أهل العلم أُمَنَاء في الأوصاف التي عَلَّقَهَا الله عز وجل بمن وعده بالنجاة.

أمناء في الأوصاف لا يجوز لهم أن يُوَزِّعُوا الأوصاف بمحض اجتهادهم هذا كذا وهذا كذا.

لا هم أمناء على الشريعة.

فلابد أن يُؤَدُّوا الشريعة على ما أؤتمنوا عليه.

يُطَاعُون ما يطاعون، لكن لابد يكون ما عنده.

نعم يأتي أسلوب ما يقول به وهو أن يقول بالتي هي أحسن، هذا رعاية مصالح ومفاسد.

لكن الكلمة في نفسها لابد أن تكون حقاً واضحةً، لا مداهنة فيها ولا مجاملة.

الجماعة وصف شرعي من تَحَقَقَ به وُصِفَ به، ومن لم يتحقق به فإنَّهُ لا يوصف به.

ولاشك أنَّ هذا مما الناس فيه متنوعون -خاصة المنتسبين للعلم والبحث-.

فممن يغلو في أحد الطرفين وممن يتساهل فيجعل الأمور تمشي ودون أمانة في الحكم، ومنهم من توسط، وهم الذين تمسكوا بهدي السلف الصالح وبطريقة الجماعة لأنَّهُم لم يقولوا على الله عز وجل بلا علم.

أسأل الله عز وجل أن يوفّقكم جميعا لما فيه صلاحكم في دنياكم وفي آخرتكم، وأن يقينا وإياكم العثار وأن يبارك لنا في الأعمار إنَّهُ سبحأنَّهُ رحيم جواد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

ص: 619

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

الأسئلة:

س1/ أليس البحث والتدقيق في بعض الأمور الغيبية والمستقبلية وكثرة المباحثات والمُطَارَحَات فيها، يعتبر من فضول العلم وإشغال النفس فيه إشغالٌ بالمفضول عن الفاضل، وذلك كبحث هل الحوض قبل الصراط أو بعده، وكبحث كفتي الميزان، وهل هما حقيقتان أم لا، ونحو ذلك من المسائل؟

ج/ هذا السؤال مفيد؛ لأنَّهُ يُنبِئْ عن رغبة في طريقة السلف في بحث المسائل العلمية العَقَدِيَّة، سواءٌ كانت من مسائل الغيب خالصةً أم من المسائل التي جرى فيها البحث.

والأصل لكل مؤمن أن يكون طالباً للحق الذي ذكره الله عز وجل في كتابه أو ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه.

وطلب الحق في هذه المسائل أو طلب العلم في معنى آي القرآن أو حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو طلب العلم النافع.

والآي والأحاديث التي فيها ذِكْرُ المسائل الغيبية، تارةً يكون بَحْثُ أهل العلم فيها فيما دلَّ عليه النص، وتارةً يكون البحث فيها من جهة الرد على الذي خالف النص.

أمَّا الأول كبحث الميزان مثلاً، هل له كفتان أم لا؟

فإنه جاء في القرآن أنَّ الميزان يُوضَعْ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء:47]، وقال أيضاً {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ} [المؤمنون:102-103] الآية، وكذلك قولك {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] .

وهذا فيه إثبات الميزان والموازين، وأنَّهَا توزن بها الأعمال، وأنَّهُ يعلَمُ الناس؛ يَعْلَمْ المؤمن إذا ثَقُلَ الميزان وإذا خفّ، وهذه الإيمان بها واجب لأنَّ الله عز وجل أخبر بها، هذه المسائل الغيبية، والسنة دلَّتْ على أنَّ الميزان له كفتان كما في أحاديث كثيرة، وأنَّ مقتضى الوزن أن يكون له كفتان.

لهذا من دار حول دِلَالَةْ الكتاب والسنة فهذا عقيدة، وليس من فضول العلم بل هذا من العلم النافع الذي يُؤْمَرْ طالب العلم بِتَتَبُّعِهِ والإيمان به؛ لأنَّهُ ما أخبر الله عز وجل به إلا ليُؤْمَنْ به ويُعْتَقَدْ، وما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إلا لأنَّهُ من العلم النافع.

أما المسألة الثانية أو الشق الثاني فإنَّهُم يبحثون في مسائل لم يَدُلَّ الدليل على عين المسألة ولكن لابد من الخوض فيها ردًّا على المخالفين.

الأصل في هدي الصحابة رضوان الله عليهم هو إمرار النصوص التي جاء في الكتاب والسنة والإيمان بها والعلم بذلك والحرص عليه وتتبع العلم في هذه المسائل، هذا ظاهر.

لكن تفصيلُ الكلام في مسائل لم يأتِ الدليل بها ومن جهة التعريفات ومن جهة الدلائل وبزيادة بعض الألفاظ الإيضاحية أو ذِكْرْ بعض المسائل الخلافية، مثل هل الحوض قبل أو الصراط قبل؟، وهذه المسائل ليس فيها نص عن الصحابة، ليس فيها قول واضح عنهم، ونَشَأَ القول في كثير من المسائل لأجل المخالفين، فكثير من مسائل الأسماء والأحكام التي يتكلم فيها الخوارج والمعتزلة لم يتكلم فيها الصحابة بالتفصيل، تكَلَّمْ فيها من بعدهم ردَّاً على هذه الفئات لمَّا قويت ولم يندحر شرها.

كذلك في مسائل القدر فإنَّ الصحابة تكلموا في الرد على القدرية النفاة الذين أنكروا العلم، واشْتَدَّ إنكارهم على ذلك وأتوا بالأدلة التي فيها إثبات أنَّ مِنْ قَدَرِ الله عز وجل علمه سبحانه وتعالى بالأشياء قبل حدوثها العلم السابق الأزلي وأن الأمر (1) ليس بمستأنف، بل كل شيء يجري بقدر.

ثم بعد ذلك أتى الذين ضلوا في هذا الباب فأتوا بمسائل جديدة.

فإذاً بحث أهل السنة والجماعة في المسائل ليس بحثاً فضولياً، وإنما هو بحث لتثبيت دلائل الكتاب والسنة بنفيه، لأنَّ الواجب الدفاع عن القرآن والسنة، وإبقاء دلالة القرآن والسنة وتوجيه الناس إلى الإيمان بهما وعدم البعد عنهما.

فإذا جاء من يُشَكِّكْ في دلالة الآية على العقيدة أو دلالة السنة على العقيدة بأقوال وتعريفات وَجَبَ الدخول معه بقدْرِ ما يُدْفَعُ به شره، والصائل يجب دفعه بحسب القدرة، والصِّيال العلم على أصول الشريعة على الكتاب والسنة هذا أعظم من الصِّيال على الأبدان لأنَّ الصيال على الأبدان مؤقت ويذهب بذهاب بعض الأبدان، لكن الصيال على الشريعة به تحريف الشرع.

(1) نهاية الوجه الأول من الشريط الثالث والأربعين.

ص: 620

فلهذا صار أعظم الجهاد: الجهاد بالعلم، أعظم من جهاد العدو الذي هو الجهاد غير المتعين، جهاد العلم أعظم؛ لأنَّهُ به حفظ الشريعة وليس حفظ الثغور أو حفظ بيضة أهل الإسلام بها، حفظ الشريعة وبقاء هذه الشريعة للناس حتى يتحقق قول الله عز وجل {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان:52] وأعظم ما يوغر العدو المحافظة على العلم والبقاء عليه، والآن بل قبل ذلك بأزمان إلى الآن الشهوات والحروب على الأبدان هذه فيها مد وجزر؛ يعني تارَةَ يقوى أمر المؤمنين وتارة يضعف، والله عز وجل يقول {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] لكن الصِّيال على العلم وعلى الكتاب والسنة وعلى دلائل ذلك وإلقاء الناس في الشُّبَهْ وبعدهم عن دلائل الشرع هذا هو الذي يزيل الإيمان والذي به تحصل الشُّبَه ويَقْوَى جانب الشيطان في البُعْدْ عن الدِّيَانة.

لهذا ما يتكلم فيه أهل العلم وخاصَّةً المحققين ليس من فُضُولِ العلم في مسائل الاعتقاد لأنَّ هذا بحسب الحال.

نعم قد يأتي زمان يكون فيه بحث بعض المسائل من الفضول؛ لأنَّهُ ليس ثَمَّ حافز إليها في ذلك الزمن، فيكون بقاؤها عند طائفة قليلة من أهل العلم كفرض كفاية؛ لكن بَحْثُهَا -وليس ثَمَّ حاجة إليها- ليس هذا من صنيع أهل العلم.

لذلك العلماء يذكرون للناس في كل زمان ما يحتاجون إليه، وليس كل ما يعلمون أو ليس كل ما في الكتاب ينقلون إليهم؟ لا، ما يحتاجون إليه بحسب ما يعلمون من الزمن وما فيه من مضادة للأدلة ونحو ذلك.

لهذا مثلاً تجد أنَّهُ عندنا في الدروس نُفَصِّلْ في أقوال الأشاعرة والماتريدية والردِّ عليها أكثر من أقوال المعتزلة؛ لأنَّ المعتزلة أقوالهم الباقية الآن أقوال قليلة مثل يعني بعض المسائل المشهورة، أما الآن أكثر التآليف وأكثر المضادَّةْ والذين ينسبون إلى السلف التأويل، إنما هي من جهة الأشعرية والماتريدية ونحو ذلك، فَفَهْمُ مذهبهم الآن لطلاب العلم لأجل كثرة الاختلاط وكثرة الكتب المؤلفة في التشكيك في حقيقة مذهب السلف، هذا هو المتعين، لهذا يختلف هذا باختلاف البلد واختلاف الزمان والمكان.

قد يذهب ذاهِبْ من طلاب العلم إلى بلد ويرى الحاجة فيها إلى تفصيل أقوال لا يحتاجها بلد آخر في بعض المسائل، يكون في بلد الناس لا يعلمون، فَذِكْرُهَا والتفصيل فيها ليس من المناسب.

فطالب العلم يكون ربانياً يُعَلِّمْ الناس ما يحتاجون إليه في جهادهم في فهمهم للشريعة وفي جهادهم ضدّ الذين عقدوا ألوية البدعة.

س2/ من قَسَمَ الدعاء إلى دعاء عبادة ودعاء مسألة، أين دعاء الثناء؟

ج/ دعاء الثناء هو دعاء العبادة، لأنَّ الثناء على الله عز وجل عبادة، فإذا أثنى على الله عز وجل في دعائه فدعا دعاء عبادة.

س3/ ذكرتم في كتابكم المنظار أنَّ الخوف من الجن يدخل في خوف السِّرْ الذي عَدَّهُ العلماء من الشرك الأكبر، فهل هذا على إطلاقه؟ وهل ينطبق ذلك على من يخاف إيذاء الجن في المناطق الموحشة كالصحاري والبيوت المهجورة؟

ج/ لا، خوف السر ضَبَطَهُ العلماء في شرح كتاب التوحيد في مسألة الخوف.

خوف السر: أن يخاف المرء من غير الله عز وجل في إيصال الأذى إليه بدون سبب.

هذا هو الذي يختص الله عز وجل به، الله عز وجل يُقَدِّرْ على العبد مرض بدون سبب يعلمه، يُقَدِّرْ الموت بدون سبب بدون ما يعلم، أما إذا كان الشيء له سبب ظاهر أو كان له سبب؛ لكنه يخشى أن يكون الجني يتسبب فيه فيما، ويكون سبب طبيعي مثل الخوف من الدخول في الأماكن المهجورة أو في الظلام أو نحو ذلك يخاف من الشياطين أو الجن هذه أسباب.

لكن خوف السر أن يخاف أن يناله الولي أو أن يناله الجني أو نحو ذلك بغير سبب؛ يعني أن يعتقد أنَّ عنده قوة وتَصَرُّفْ حيث يؤذيه بدون سبب.

هذا ليس بحاصل ما ممكن للجني أن يؤذي العباد بدون سبب، الجني هو مثل الإنسي ما يؤذي بدون سبب.

فإذا خاف أن يوصله إلى الإيذاء بدون أسباب يعني لا اعتداء من الإنسي ولا فعل أو شيء يدل عليه من الجني، فهذا لا يجوز.

وإذا كان الخوف -الخوف الطبيعي- ليس خوف اعتقاد وإنما ناتج عن ضعف الإنسان، وليس خوف اعتقاد في الجن وإنما يخاف من إيذائهم واعتدائهم في مثل البيوت، فهذا قد يدخل في الخوف الطبيعي الذي يخشاه الإنسان ولا يدخل في الخوف المحرم ولا في الخوف الشركي.

فإذاً المسألة ليس على إطلاقها لكن يوضحها لك ضابط خوف السر الذي وصفته لك.

س/ [......]

بدون سَبَبٍ يمكنهم أن يعملوه، ليس بدون سبب ظاهر، قد يقول هو سبب خفي، قد يعمل ويقول للجني سبب خفي ما أدري عنه، لكن هو بدون سبب يمكنهم أن يعملوه.

مثل مثلاً أن يتسلط الجني، يخاف من الجني أن يؤذيه دائماً، يخاف من الجني أن يتسلط على أولاده، لماذا يخاف؟ يخاف لاعتقاد ليس خوفاً طبيعياً، خوف اعتقاد، يعتقد الجن يتسلطون.

ص: 621

مثل ما كان الكفار الذين نزلوا وادياً قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه. يظنون كل وادي له جني يمسكونه وأنَّهُم يعتدون على الناس، وهذا هو الذي نزل في قوله تعالى {وَأنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6] لأنَّهُ سببه الخوف، خوف من شيء لا يملكون، فهذا خوف اعتقاد، خوف السر خوف اعتقاد، يعني يعتقد أنَّ هذا الذي خاف منه يُوصِلُ الأذى إليه بدون سبب يعلمه بدون سبب معقول؛ ولكنه هو عنده القدرة، فإذا اعتقد هذا الاعتقاد في الولي أو في الجني أو نحو ذلك فهذا هو خوف السر.

أما خَاف من مكان مظلم أو خاف من جن هذا قد يدخل في الخوف الطبيعي في بعض الحالات، ليس خوف اعتقاد.

س4/ هل يجوز قراءة الأخبار الموجودة في كتب الأدب عن الصحابة وما جرى بينهم من الردود؟

ج/ يجوز لمن يقوى على فهم العقيدة أو عنده أصل شرعي يرجع إليه.

س5/ ما يحل بالمسلمين هذه الأيام في الشيشان فهل يجوز القنوت لهم في الفرائض؟

ج/ القنوت، قنوت النوازل هذا مربوط بإذن الإمام، إذن ولي الأمر، وليس لآحاد الناس أن يقنتوا لمن شاءوا، ونزلت بالصحابة رضوان الله عليهم نوازل كثيرة فما قَنَتُوا إلا إذا أذِنَ ولي الأمر فإنَّهُ يقنط.

والذي جرى عليه الأمر في هذه البلاد أنَّهُ إذا جرت الفتوى على القنوت فإنَّهُ يُرْفَعْ بذلك إلى ولي الأمر فيأذن بالقنوت، إذا جاءت الفتوى، وهنا لابد من فتوى ليس لأحدٍ من الناس في مسجده أن يقنت دون إذن، فالناس في هذا تبعٌ للإمام.

مع أنَّ القول الصحيح في هذا أنَّهُ لا تقنت كل المساجد؛ لأنَّهُ لمَّا حَصَلْ القنوت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما قَنَتَ هو في مسجده الأعظم صلى الله عليه وسلم، أما المساجد الأخرى مسجد قباء والمساجد الأخرى مسجد العالية ومسجد بني [زُرَيْرْ] المساجد الأخرى لم تقنت في المدينة وإنما قَنَتَ المسجد الأعظم.

لهذا الرواية الثالثة عن الإمام أحمد في المسألة أنَّ الناس تبعٌ للإمام إذا قَنَتَ، ليس إذا أذِن.

يقصدون بالإمام يعني في المسجد الأعظم، فليس كل مسجد يَقْنُتْ، وهذا في الحقيقة هو أولى الأقوال وأحظاها بالدليل، أنَّهُ ليس كل المساجد تَقْنُتْ؛ لأنَّ هذا دعاء وإذا قام به بعض المؤمنين كفى عن الآخرين.

كذلك إذا جاء الإذن بوقت ليس له أن يجعله في وقت آخر؛ يعني جاء الإذن مثلَا أن يُقْنَتَ في الفجر فَيُقْتَصَرْ على الفجر، ليس له أن يقنت في المغرب أو في العشاء لأنَّ هذا تَبَعْ الفتوى وليس لآحاد الناس في المساجد أن يجتهدوا.

ص: 622

وَنُحِبُّ أَصْحَابَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلَا نُفْرِطُ (1) في حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُم؛ وَلَا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُم، وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُم، وَبِغَيْرِ الخَيْرِ يَذْكُرُهُم، ولا نُذْكُرُهُم إِلَاّ بِخَيْرٍ، وَحُبُّهُم دِينٌ وإيمَانٌ وإحْسَانٌ، وَبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ.

هذه الجملة من المسائل العظيمة لتعلّقها بخير الخلق من هذه الأمة وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والكلام في الصحابة صار عقيدةً في حُبِّهِم وبُغْضِ من يُبْغِضُهُم لقيام طوائف من أهل البدع والضلال في شأن الصحابة بما يخالف الدلائل من القرآن والسنة التي أوجبت حُبَّهم ونُصْرَتَهُم والذبَّ عنهم رضي الله عنهم أجمعين، وذكَرتْ عدالتهم وفضلهم وسابقتهم.

فخالف في ذلك من خالف من الخوارج والصابئة والرافضة من الخوارج والناصبة والرافضة وطوائف في شأن الصحابة جميعاً أو في شأن بعض الصحابة.

فكان منهج أهل السنة والجماعة وعقيدتهم أن يُثنَى على جميع الصحابة وأن نُحِبَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً الحب الشرعي الذي ليس فيه إفراط بالتجاوز عن الحد المأذون به والغلو، وليس فيه تفريط بذم بعضهم أو سب بعضهم، أو أن يكون ثَمَّ تَبَرُؤْ من بعضهم أو أن لا تُثْبَتْ العدالة لهم.

فلابد في حبّهم من الاعتدال، فلا غلو ولا تفريط في الحب بسلب بعض ما يَجِبُ لهم مما يُحَبُّونَ فيه، إذ الواجب أن يُحَبَّ جميع الصحابة على مجموع أعمالهم، فهم خيرة هذه الأمة وهم خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الأصل كما هو معلوم أنَّ هذا ليس من مسائل الاعتقاد لأنَّ مسائل الاعتقاد هو ما يجب على المرء أن يعتقده في أمور الغيب، فصارت من مسائل الاعتقاد لأنَّهُا مِمَّا تَمَيَّزَ به أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية بما خالفوا فيه الفرق الأخرى.

فكان المسلمون على جماعة في اعتقادهم وفيما يقولون به ثُمَّ خالفت الفرق المختلفة كالخوارج والرافضة والناصبة وأشباه هؤلاء في مسائل.

فصار أهل السنة في هذه المسائل التي خالف فيها أهل البدع والضلال والفِرَقْ التي خالفت الجماعة، صار القول فيها من الاعتقاد؛ لأنَّهُم خالفوا الفرق التي خالفت في الاعتقاد.

وهذا من جنس مسائل أخرى في مسائل التعامل والحب، أو في مسائل المنهج والسلوك وأشباه ذلك مما سبق أن مَرَّ معنا.

وقد مَرَّ معنا مثلاً مسألة المسح على الخفين، مسألة المسح على الخفين لاشك أنَّهُا مسألة من الفقه ولا تدخل في الاعتقاد دخولاً واضحاً لكن لمَّا خالف فيها من خالف دخلت في مسائل الاعتقاد.

وحب الصحابة رضوان الله عليهم والموقف من الصحابة وعقيدة المسلم في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم صارت عقيدة لمُخَالَفَتِهَا اعتقاد الضالين في هذا الباب.

ويمكن أن نُفَرِّعْ الكلام في مسائل.

_________

(1)

قال الشيخ صالح: نُفْرِطُ يعني نتجاوز الحد أما نفرّط لا، وَلَا نُفْرِطُ في حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُم.

ص: 623

[المسألة الأولى] :

صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم من صَحِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِلُقِيِّهِ ولو ساعةً مؤمناً به ومات على ذلك.

أو يقال الصاحب والصحابي: من لَقِيَ النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة مؤمناً به ومات على ذلك.

والصحابة هم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا اللُّقِي الذي سمعته في التعريف يختلف:

- منهم من صَحِبَهُ والتقى به مدة طويلة.

- ومنهم من قَلَّ ذلك.

- ومنهم من تقدّم.

- ومنهم من تأخر.

وهذا يُبَيِّنُ لك أنَّ نوع الصحبة وقَدْرْ الصُّحْبَة يختلف فيه الناس ويختلف فيه الصحابة فليسوا على مرتبة واحدة كما سيأتي.

والصحابة كلهم أثنى الله عز وجل عليهم بدون استثناء وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال عز وجل {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} إلى أن قال {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29] ، وقال عز وجل {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنَّهُارُ} [التوبة:100] ، وكذلك قوله عز وجل {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] ، حتى سُمِّيَتْ هذه البيعة بيعة الرضوان؛ لأنَّ الله رَضِيَ ما عملوه، رَضِيَ بَيْعَتَهُمْ فَسُمِّيَتْ بيعة الرضوان، ومنها أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (1) كذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفس محمد بيده فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدكم ولا نصيفه» (2) وقال أيضاً عز وجل {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10] والآيات في فضل الصحابة بِمُجْمَلِهِمْ في أنواعٍ من الدلالات والأحاديث كثيرة جداً وصُنفت مصنفات في ذلك.

وهذه الآيات والأحاديث تفيد في شأن الصحابة أمور:

1-

الأول: أنَّ الصحابِيَّ إذا مات على الإيمان فإنَّهُ موعودٌ بالمغفرة والرضوان.

2 -

الثاني: أنَّ الصحابة كلهم عدول لتعديل الله عز وجل لهم وثنائه عليهم.

ومعنى العدالة هنا أنَّهُم عُدولٌ في دينهم وفيما يروون وينقلون من الشريعة، وأنَّ ما حَصَلَ من بعضهم من اجتهاد، فإنَّهُ لا يقدح عدالتهم ولا يُنْقِصُهَا، لِمُضِيِّ ثناء الله عز وجل عليهم مطلقاً.

3-

الثالث: أنَّ سبَّ الصحابة ينافي ما دَلَّتْ عليه الأدلة من الثناء عليهم، وهو منهيٌ عنه بالنَّصْ، فلذلك أفادت هذه الآيات حُرْمَةْ سبِّ الصحابة كما سيأتي تفصيل الكلام على ذلك إن شاء الله.

4-

الرابع: أنَّ الآيات دلَّتْ على أنَّ الصحابة يتفاوتون في المنزلة وفي المرتبة وأنَّهُم ليسوا على درجة واحدة.

(1) البخاري (2652) / مسلم (6635)

(2)

سبق ذكره (414)

ص: 624

[المسألة الثانية] :

حب الصحابة فرض وواجب وهو من الموالاة الواجبة للصحابة، وهذا الحب يقتضي أشياء:

- الأول: قيام المودة في القلب لهم.

- الثاني: الثناء عليهم بكل موضع يُذْكَرُونَ فيه والترضي عنهم.

- الثالث: أن لا يَحْمِلَ أفعالهم إلا على الخير فكلُّهُم يريد وجه الله عز وجل.

- الرابع: أن يَذُبَّ عنهم؛ لأنَّ مِنْ مقتضى المحبة والولاية؛ بل من معنى المحبة والولاية النُّصْرَةْ، أَنْ يَنْصُرَهُمْ إذا ذُكِرُوا بغير الخير أو انتقص منهم منتقص، أو شَكَّكَ في صدقهم أو عدالتهم أحد، فإنَّهُ واجبٌ أن يُنْتَصَرَ لهم رضي الله عنهم.

ولذا توَسَّطَ أهل السنة والجماعة في الحب بين طرفين: بين طرف المُفْرِطِينْ وطرف المتبَرِّئِين.

@ أما الغلاة والمُفَرِّطُون في الحب فهم الذين جعلوا بعض الصحابة لهم خصائص الإلهية كما فعل طائفة مع علي رضي الله عنه، وكما فعل طائفة مع أبي بكر، أو غلو بما هو دون الإلهية بأن يجعلو هذا الحب يقتضي انتقاص غيرهم، فيُحِبُّ أبا بكر وينتقص علياً، أو يحبّ علياً رضي الله عنهم وينتقص أبا بكر، هذا إفراط وغلو.

فالوسط هو طريقة الصحابة وأهل السنة فإنَّ الحب يقتضي موالاة الجميع وأن لا يَغْلُوَ المسلم في أي صحابي؛ بل يُحِبُّهُم ويَوَدُّهُم ويذكرهم بالخير ولا يجعل لهم شيئا من خصائص الإلهية.

بل أجمع أهل العلم أنَّ من ادَّعَى في صحابيٍ أنَّ له شيئاً من خصائص الإله، أو أنَّهُ يُدْعَى ويُسْأَلْ كما يُعْتَقَد في علي رضي الله عنه ونحوه أنَّهُ كافر بالله العظيم.

وهذا الغلو وقع فيه كثير في الأمة بعد ذلك فأُقِيْمَتْ المزارات والمشاهد والقبور والقباب على قبور الصحابة، كقبر أبي أيوبٍ الأنصاري قرب اسطنبول، وكقبر أبي عبيدة بن الجراح في الأردن، وكقبر عدد من الصحابة كالحسين والحسن وعلي إلى آخره في أمصارٍ مختلفة.

فجعلوا قبورهم من فَرْط المحبة أوثاناً يأتون فيسألون ويدعون ويستغيثون ويتقربون للصحابة، وهذا إفراط وليس هو الحب المأذون به؛ بل هذا حبٌ معه الشرك المُحَقَّقْ إذا وصل إلى سؤال الميت ودعائه والتقرب إليه.

@ وفي المقابل يكون فِعْلُ طائفةٍ ضالة أخرى تتبرأ من الصحابة جميعاً كفعل الزنادقة، أو تتبرأ من أكثر الصحابة كفعل الرافضة والخوارج، أو تتبرأ من طائفة من الصحابة كفعل النواصب ومن شابههم.

فهؤلاء تبرؤوا.

@ ومنهم من يعتقد أنَّهُ لا حُبَّ ولا ولاء إلا بِبَرَاءْ.

يعني لا يصلح حب صحابي وولاء صحابي إلا بالتبرؤ ممن ضَادَّهْ.

فيجعلون في ذلك أنَّ حب علي رضي الله عنه والولاء لعلي والحسن والحسين يقتضي بُغْضَ أبي بكر وبُغْضَ عمر وبُغْضَ عثمان ومن سلب هؤلاء حقهم كفعل الرافضة عليهم من الله ما يستحقون.

لهذا كان مُعْتَقَدْ أهل السنة والجماعة في هذا أنَّ التبرؤ من الصحابة واعتقاد أنَّهُ لا موالاة إلا بالبراءة أنَّ هذا ضلالٌ وقد يوصل إلى الكفر، كما سيأتي في المسألة إن شاء الله.

لذا قال بعدها (وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُم، وَبِغَيْرِ الخَيْرِ يَذْكُرُهُم) وهذا من مقتضى المحبة الوَسَطْ، ودين الله وسط بين الغالي والجافي، فإننا من ذَكَرَهُمْ بخير أحببناه ومن ذَكَرَهُمْ بغير الخير أبغضناه؛ لأنَّ من مقتضى المحبة والولاية أن يُحَبَّ من يُحِبُّهُمْ وأن يُبْغَضَ من يُبْغِضُهُمْ.

ص: 625

[المسألة الثالثة] :

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراتب، يختلفون في منزلتهم.

1 -

فأعظم الصحابة وأرفع الصحابة العشرة الذين بُشِّرُوا بالجنة في مكانٍ واحد، وهم الذين يشتهر عند الناس أنهم العشرة المبشرون بالجنة.

والذين بَشَّرَهُمْ النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة أكثرمن عشرة، عددهم كثير من الصحابة؛ ولكن خُصَّ هؤلاء بفضلٍ لأنَّهُم بَشَّرَهُم صلى الله عليه وسلم بالجنة في مكان واحد، وفي حديثٍ واحد ساقَهُم صلى الله عليه وسلم «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الحنة، وسعد في الجنة» (1) إلى آخر العشرة.

فهؤلاء هم أفضل الصحابة وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الذِّكْرْ؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رَتَّبَهُمْ كترتيبهم في الفضل، فأبو بكر أفضل ويليه عمر ثم يليه عثمان ثم يليه علي إلى آخره.

2 -

يلي هؤلاء المهاجرون -أعني جنس المهاجرين- الذين أسلموا في مكة وتقدم إسلامهم وصبروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصابَرُوا حتى هاجروا.

3 -

ثُمَّ الذين شهدوا بدراً من المهاجرين والأنصار فهم يلونهم في الفضل.

4 -

ثُمَّ جنس الأنصار الذين سبقوا وأثنى الله عليهم بقوله {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة:100] والمراد بالسَّبْقْ هنا السبق إلى الإيمان به صلى الله عليه وسلم وتصديق رسالته والجهاد معه، فهذا هو بالسَّبْقْ الذي له الفضل العظيم.

5 -

ثُمَّ بعد ذلك يليهم من أسلم قبل الفتح، ويُقْصَدْ بالفتح هنا صلح الحديبية أو فتح مكة وهو الذي جاء فيه قول الله عز وجل {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10] فالذي أسلم وآمن وأنفق وجاهد من قبل صلح الحديبية أو من قبل فتح مكة فإنَّهُ أفضل ممن بعدهم.

ولذلك يُقَالُ لكثيرٍ من الصحابة مُسْلِمَةْ الفتح، يعني الذين أسلموا بعد فتح مكة.

وهؤلاء -وهم الفئة الأخيرة-: مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بعد الفتح إلى عام الوفود.

ثُمَّ بعد ذلك دخل الناس في دين الله أفواجاً، يعني السنة التاسعة والعاشرة حتى حَجَّ النبي صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم أقل الصحابة منزلة.

وهذا الترتيب لِما دلَّتْ عليه الأدلة من التفضيل.

والمراد بهذا التفضيل الجنس؛ يعني جنس هذه الطائفة على جنس هذه الطائفة.

يعني التفضيل في الظاهر باعتبار الجنس، فقد يكون في بعض الطبقات من هو أفضل ممن قبله.

وهذا من حيث التَّنْظِيرْ لا من حيث التَّطْبِيقْ لأنَّنَا لا نعلم دليلاً يَدُلُّ على أنَّ فلاناً من المتأخرين أفضل من فلان من المتقدمين، أو أنَّ فلاناً من الأنصار أفضل من فلان من المهاجرين؛ لكنه من حيث الجنس فُضِّلَ ما فَضَّلَتْهُ الأدلة أو ما دَلَّتْ الأدلة على تفضيله جِنْسَاً؛ لكن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في المفاضلة بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد ظاهر، وعبد الرحمن بن عوف من العشرة المبشرين بالجنة، وهؤلاء هم أفضل الصحابة، هؤلاء فَضْلُهُمْ بأعيانِهِمْ ظاهر، وأهل بدر أيضاً قد يدخلون في أنَّ فضلهم بأعيانِهِمْ؛ لكن الكلام على الجنس مع الجنس.

ولمَّا وَقَعَ خالدٌ في مَسَبَّةِ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا أصحابي» إلى آخر الحديث، فخَصَّ المُتَقَدِّمْ باسم الصُّحْبَةْ فَكَأَنَّ الذي أسلم من بعد الفتح وقاتل لقِصَرِ إسلامه وقِصَرْ صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وقِلَّةِ نُصْرَتِهِ بالنسبة إلى من قبله، كأنَّهُ صارَ تَحْقِيقُ اسم الصحبة عليه ليس كتحقيق من كان قبله، بل هذا هو الواقع، ولهذا خَصَّ النبي صلى الله عليه وسلم السابقين باسم الأصحاب دون غيرهم مع اشتراك من أسلم بعد ذلك باسم الأصحاب؛ ولكن لأجل طول الصُّحْبَةْ صار عبد الرحمن بن عوف وسُلِبَ الاسم عن خالد بن الوليد لأجل هذه الحيثية، وإلا فالكل صاحب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه تخصيص بالاسم لأجل مزيد الفضل وتَحَقُّقْ الصفة اللازمة في مقتضى الصحبة.

(1) أبو داود (4649) / الترمذي (3748) / ابن ماجه (133)

ص: 626

[المسألة الرابعة] :

الصحابة رضوان الله عليهم بشر يُصيبون ويُخطئون ويجتهدون فيما يجتهدون فيه، وربما وافق بعضُهُمْ الصواب، وربما لم يوافق الصواب.

لهذا الواجب على المؤمن من مُقْتَضَى المحبة والنُّصْرَةْ أن يحمِلَ جميع أعمال الصحابة على إرادة الخير والدِّيْنْ وحب الله عز وجل وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنَّ ما اجتهدوا فيه:

- إما أن يكون لهم فيه الأجران إذ أصابوا.

- وإما أن يكون لهم فيه الأجر الواحد إذ أخطؤوا.

وكُلُّ عَمَلٍ لهم مما اجتهدوا فيه حتى القتال فإنَّهُ مَعْفُوٌّ عنهم فيه لأنَّهُم مجتهدون، فلا نَحْمِلُ أحداً من الصحابة على إرادة الدنيا المحضة -يعني فيما اجتهدوا فيه من القتال- وإنما نحملهم على أنَّهُم أرادوا الحق واجتهدوا فيه فمن مُصيبٍ ومن مخطئ.

ولهذا كان الصحابة وهم يتقاتلون يُحِبُّ بعضهم بعضاً، ولا يتباغضون كما أَبْغَضَ طائفة منهم من جاء بعد ذلك من أهل البدع، فلم يكن أحَدُهُمْ يَذُمُّ الآخر ذَمَّاً يقدح في دينه، أو يقدح في عدالته، وإنما بين من يُصَوِّبُ نفسه ويُخَطِّئُ غَيْرَهْ وبين من يعتزل أو يُثْنِي على الجميع وأشباه ذلك.

وهذا هو الواجب في أننا نحمل أفعالهم على الحق والهدى، وإن كان بعضهم يكونُ أصوبَ من بعض، أو يعضهم يكون مصيباً والآخر مخطئاً.

وما جرى من الصحابة من الشِّجَار فيما اجتهدوا فيه والقتال أو ما اجتهد فيه الصحابة في المسائل العملية في علاقتهما بعض الصحابة الآخرين، فهذا لا يُبْحَثُ فيه وإنما يُذْكَرُونَ بالخير، ونعتمد على الأصل الأصيل وهو أنَّ الله عز وجل أثنى عليهم، وخاصَّةً أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله عز وجل فيهم قوله {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة} [الفتح:18] ، وكانوا إذ ذاك بين ألف وأربعمائة وألف خمسمائة قد رضي الله عنهم وأرضاهم.

ص: 627

[المسألة الخامسة] :

سَبُّ الصحابة تَبَرُؤٌ منهم، وإذا سَبَّ بعضاً فهو تَبَرُؤٌ ممن سب أو بَعْضُ تَبَرُؤٍ ممن سب.

لأنَّ حقيقة السبّ عدم الرضا عن من سُبَّ، وكُرْهْ ما فَعَلْ وإلا فإنَّ الراضي يحمد ويُثْنِي، والمُبْغِضْ هو الذي يسب ويتبرأ.

لهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الصحابة فقال «لا تسبّوا أصحابي» وهذا يقتضي التحريم، فكل سَبٍّ للصحابة محرم، وأكَّدَّ ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله «من سبَّ أصحابي فقد آذاني» وأذيته صلى الله عليه وسلم محرمة وكبيرة وكذلك إيذاء الصحابة فقد قال عز وجل {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58] ، وإيذاء الصحابي احتمالٌ للإثم المُبِيْنْ، وهذا دخولٌ في المحرّمات الشديدة.

ومعنى السَّبْ أن يَشْتُمْ بِلَعْنٍ، أو يَتَنَقَّصْ، أو يطعن في عدالتهم، أو في دينهم، أو أن يتنقصهم بنوعٍ من أنواع التنقص عمَّا وصفهم الله عز وجل به، وهذا يختلف بأنواع:

- فقد يشتم بعض الصحابة، فهذا سب.

- قد يَتَنَقَّصْ من جهةٍ دينية.

- وقد يَتَنَقَّصْ من جهة دنيوية لا تُنْقِصُ من عدالته.

مثلاً في الجهة الدينية أن يقول: أنَّهُ لم يكن مؤمناً مُصَدِّقَاً، كان فيه نفاق. أو أن يقول عن الصحابة: كان فيهم قلة علم، أو بعضهم فيه قلة دِيَانَة، أو كان فيهم شَرَهْ على المال أو حب للمناصب، أو كان في بعضهم رغبة في النساء، جاهدوا لأجل النساء، أْكَثُروا من النساء تلذذاً في الدنيا، هم طُلَّابُ دنيا.

إمَّا في وصفهم جميعاً أو في وصف بعضهم.

هذه أمثلة لأنواع السب والقدح الذي قد يرجع إلى قدحٍ في دينهم، وقد يرجع إلى تنقصٍ لهم في عدالتهم وما أشبه ذلك. (1)

: [[الشريط الرابع والأربعون]] :

وسَبُّ الصحابة رضوان الله عليهم كما أنَّهُ مُحَرَّمْ قد اختلف العلماء في هل يكون كفراً أم لا يصل إلى الكفر؟

وكما ذكرتُ لك فإنَّ السَّبَّ مورِدُهُ البُغْضْ؛ لأنَّهُ إذا أْبَغَضَ مُطْلَقَاً أو أَبْغَضَ في جزئية فإنه يَسُبْ، فإنَّ السَبَّ مورده البُغْضْ، ينشأ البغض والكراهة ثم ينطلق اللسان -والعياذ بالله- بالسب.

لهذا الطحاوي هنا قال في آخر الكلام (وَبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ)

فيقصد بالكفر هنا الكفر الأصغر ليس الكفر الأكبر، أو ما يشمل -وهو الذي حمله عليه شارح الطحاوية- أو ما يشمل القسمين، قد يكون كفراً أكبر وقد يكون أصغر، والنفاق قد يكون نفاقاً أكبر وقد يكون نفاقاً أصغر بحسب الحال ويأتي تفصيل الكلام في ذلك.

والإمام أحمد رحمه الله وعلماء السلف لهم في تكفير من سَبِّ الصحابة روايتان:

1 -

الرّواية الأولى: يَكْفُرْ وسَبَبُ تكْفِيرِهِ أَنَّ سَبَّهُ طعنٌ في دينه وفي عدالة الصحابي، وهذا رَدٌّ لثناء الله عز وجل عليهم في القرآن، فرجع إذاً تكفير السابِّ إلى أنَّهُ رَدَّ ثناء الله عز وجل في القرآن والثناء من النبي عليهم في السنة.

2 -

والرواية الثانية: أنَّهُ لا يكفر الكفر الأكبر، وذلك لأنَّ مَسَبَّةْ مَنْ سَبَّ الصحابة من الفِرَقْ دَخَلَهُ التأويل ودَخَلَهُ أمر الدنيا والاعتقادات المختلفة.

@ والقول الأول هو المنقول عن السلف بكثرة، فإنَّ جمعاً من السلف من الأئمة نَصُّوا على أنَّ من سَبَّ وشَتَمَ أبا بكر وعمر فهو كافر، وعلى أنَّ من شَتَمَ الصحابة وسبَّهُمْ فهو زنديق، بل قيل للإمام أحمد كما في رواية أبي طالبٍ: قيل فلانٌ يشتم عثمان، قال: ذاك زنديق. وأشباه هذا.

وهذا هو الأكثر عن السلف لأنَّ شَتْمْ الصاحب تكذيبٌ للثتاء أو رد للثناء، سواءٌ كان شتمه لأجلٍ تأويلٍ عَقَدِي أو لأجل دنيا.

وقد فَصَّلَ في بحث السَّبْ ابن تيمية في آخر كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول، وذكر الروايات والأقوال في ذلك ثم عَقَدَ فصلاً في تفصيل القول في الساب.

وما فَصَّلَ به حَسَنْ، وما يدور كلامه عليه رحمه الله وأجزل له المثوبة أنَّهُ يُرْجِعُ السَّبُّ إلى أحوال:

فتارَةً يكون كفراً أكبر، وتارةً يكون محرماً ونفاقاً، ولا يتفق الحال؛ يعني ليس السَبُّ على حالٍ واحدة.

فيكون للسّاب مراتب أو أحوال:

1-

الحالة الأولى: أن يَسُبَّ جميع الصحابة بدون استثناء ولا يَتَوَلَّى أحداً منهم، فهذا كفر بالإجماع، يَسُبُّ جميع الصحابة، هذا فعل الزنادقة والمادِّيِينْ والملاحدة الذين يقدحون في كل الصحابة، فيقول: هؤلاء الصحابة جميعاً لا يفهمون، هؤلاء طلاب دنيا، بدون تفصيل، كل الصحابة ولا يستثني أحداً.

فمن سَبَّ جميع الصحابة أو تَنَقَّصَ جميع الصحابة بدون استثناء، تقول له: أتستثني أحدا؟، فلا يستثني أحداً، فلا شك أنَّ هذه زندقة، ولا تصدر من قلبٍ يحب الله عز وجل ويحب رسوله ويحب الكتاب والسنة ومن نقل السنة وجاهد في الله حق جهاده.

2-

الحالة الثانية: أن يَسُبَّ أكثر الصحابة تَغَيُّظاً من فِعْلِهِمْ كالغيض الذي أصاب مَنْ عَدَّ نفسه من الشيعة وهو من الرافضة، أو نحوهم ممن سَبُّوا أكثر الصحابة الذين خالفوا -كما يزعمون- خالفوا علياً أو لم ينتصروا لعلي وأثبتوا الولاية لأبي بكر وعمر ثم عثمان، وأشباه ذلك فيَسُبُّونَهُمْ تَغَيُّظَاً وحَنَقَاً عليهم واعتقاداً فيهم.

فهؤلاء أكثر السلف على تكفيرهم ونَصَّ الإمام مالك على أنَّ من سَبَّ طائفة من الصحابة تَغَيُّظَاً؛ يعني غَيظَاً من موقفهم في الدين، فإنَّهُم كفار لقول الله عز وجل في آية سورة الفتح {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29] ، فالذي يكون في قلبه غَيْظْ ويَغْتَاظْ مِنَ الصحابة ألحقه الله عز وجل بالكفار، واستدلَّ بها مالك رحمه الله إمام دار الهجرة على أَنَّ من سَبَّهُمْ أو سَبَّ طائفة منهم تَغَيُّظَاً فهو كافر، وهذا صحيحٌ ظاهِرْ.

3-

الحالة الثالثة: أن يَسُبَّ بعض الصحابة لا تَغَيُّظَاً؛ ولكن لأجل عدم ظهور حُسْنْ أفعاله، مثلاً يقول:

هؤلاء بعض الصحابة فيهم قلة علم أو فيهم جشع، أو هذا ما يفهم، أو فيه حب للدنيا، أو نحو ذلك، فهذا ليس بكفر، وإنما هذا محرم لأنه مَسَبَّةْ وهو مخالفٌ لمقتضى الوَلَايَةْ.

وهذا هو الذي يُحْمَلُ عليه كلام من قال من السلف: إنَّ سابَّ الصحابة أو من سَبَّ بعض الصحابة لا يكفر، فيُحْمَلْ على أنَّ نوع السب هو أنَّهُ انْتَقَصَ في ما لا يظهر لَهُ وَجْهُهْ، إمَّا في -مثل ما ذكرت- نقص علم أو في رغبة في دنيا أو نحو ذلك، ولا يُعَمِّمْ وإنما قد يتناول واحد أو اثنين أو أكثر بمثل هذا.

وهذه المسائل، كونه يَقِلْ عِلْمُهُ أو يقول يحب الدنيا، هذا ليس طعنَاً في عدالته لأنَّ قلة العلم ليست طعناً في العدالة، وحب الدنيا بما لا يؤثر على الدين ليس طعناً في العدالة -العدالة يعني الثقة والدين والأمانة-، وإنما هذا انتقاص وتَجَرُّؤْ عليهم بما لا يجوز فعله، ويخالِفُ مقتضى المحبة.

هذا هو الذي يصدق عليه أنَّهُ لا يدخل في الكفر فهو محرم؛ لأنه ليس فيه رد لقول الله عز وجل ولكن فيه سوء أدب وانتقاص ودخولٌ في المسبة.

والواجب في أمثال هؤلاء أن يُعَزَّرُوا؛ وذلك لِدَرْءِ شَرِّهِمْ والمحافظة على مقتضى الثناء من الله عز وجل على صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم.

4-

الحالة الرابعة: أن ينتقص الصحابي أو أن يَسُبَّهُ لاعتقادٍ يعتقده في أَنَّ فِعْلَهُ الذي فَعَلَ ليس بالصواب، وهذا في مثل ما وقع في مقتل عثمان وفِعْلْ علي رضي الله عنه وفِعْلْ معاوية ونحو ذلك، فقد يأتي ويَنْتَقِصْ البعض؛ لأنَّهُ يرى أنَّهُ في هذا الموقف بذاته أنَّهُ كان يجب عليه أن يفعل كذا، لماذا لم يفعل كذا، وهذا يدل على أنَّهُ فَعَلَ كذا، وهذا أيضاً أخف من الذي قبله لأنه متعلق بفرد وبحالة.

وهذا محرمٌ أيضاً، وهل يُعَزَّرْ في مثل هذه الحال أو لا يُعَزَّرْ؟

هذا فيه اختلاف، ولاشك أنَّ قوله وفِعْلَهْ فيما فَعَلْ دُخُولٌ في المسبّة والانتقاص وهذا محرم ودون الدخول في رَدِّ ثناء الله عز وجل أو في انْتِقَاصٍ عام، إنما هذا يجب في حقه التوبة من الله عز وجل والإنكار عليه.

وهل يُعَزَّرْ أو لا؟

اختلف العلماء في مقتضى التَّعْزِيْرْ، التَّعْزِيْرْ المقصود به التَّعْزِيْرْ بالجلد أو بالقتل، أما التَّعْزِيْرْ بالقول والرَّدْ عليه وانتقاصه هذا واجب.

5-

الحالة الخامسة: ربما تشتبه علي لكن تراجعونها أكثر، نتركها راجعونا أنتم.

(1) نهاية الشريط الثالث والأربعين.

ص: 628

[المسألة السادسة] :

في قول الطحاوي رحمه الله (وَحُبُّهُم دِينٌ وإيمَانٌ وإحْسَانٌ) :

1-

أولاً: حبُّ الصحابة دِيْنْ: لأنَّ الله عز وجل أثنى عليهم، وتصديق خبر الله عز وجل وانعقاد الوَلَاية لا شك أنَّ هذا دين؛ بل من أعظم الدين.

والصحابة اجتمع ذلك في حقهم من ناحيتين:

أ - الناحية الأولى: أنَّ الله عَقَدَ الوَلَاية بين المؤمنين فقال {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] ومعنى الوَلَاية المحبة والنصرة، وأعظم المؤمنين إيماناً هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهم من الوَلَاية والمحبة والنصرة أعلاها، كذلك قال الله عز وجل {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10] فأثنى على هؤلاء لأجل اتِّصَافِهِمْ بالدين ولاشك أنَّ حب الصحابة من هذه الجهة دين.

ب - الناحية الثانية أنَّ تصديق خبر الله عز وجل فيما أثنى الله به عليهم في آياتٍ كثيرة، سواءٌ ما أثنى به على المهاجرين والأنصار كجنس، أو ما أثنى به على أهل بيعة الرضوان، أو ما أثنى به على السابقين، أو ما أثنى به على جميع مَنْ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} هذا يشمل الجميع، {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} هؤلاء حُبُّهُم لثناء الله عز وجل وتصديق خبر الله هذا لاشك أنَّهُ دين، وقال الله عز وجل في آخر سورة الفتح {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29] .

وحرف الجر في قول الله عز وجل {مِنْهُم} (مِنْ) هذه، أهل السنة والجماعة؛ بل أهل السنة الذين يخالفون الرافضة والخوارج يجعلون (مِنْ) هنا بَيَانِيَّةْ لبيان الجنس، والآخرون من الرافضة يجعلونها تبعيضية، وهي لبيان الجنس.

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} لو لم يقل {مِنْهُم} لصارت تشمل كل مؤمن عَمِلَ الصالحات، وهذا يدخل فيه أجناس التابعين وتبع التابعين ومن وَلِيَهُمْ إلى يوم القيامة، فأراد تخصيص جنس الصحابة بهذا الفضل وهو الوعد بالمغفرة والأجر العظيم، فقال {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ليس على الإطلاق {مِنْهُم} يعني مِنَ الصحابة مِنَ الذين مع محمد {مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} .

وليست (مِنْ) هاهنا تبعيضية لأنَّها لا تنطبق عليها شروط التبعيض في هذا الموطن وإنما فسَّرَهَا بأنها تبعيضية الرافضة ومن شابههم، وهو الموجود في تفاسيرهم، يريدون أن يكون هذا الوعد لبعض الصحابة لا لكل الصحابة.

و (مِنْ) هنا لبيان الجنس وليست لبيان وليست للتبعيض كقولك: الكتاب من ورق، هذا لبيان جنسه أو ما شابه ذلك.

أما التبعيض فهذا لا يكون في الوصف، يكون الثاني بعض الأول.

وهنا جاء وعداً بالوصف فقال {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [النور:55] فلا يكون التبعيض في مثل هذا السياق.

لهذا كان عامة بل كان كل مفسري السلف والأئمة على أنَّ (من) هنا لبيان الجنس لاتفاق آخر الآية مع أول الآية.

2-

ثانياً: أن حبهم إيمان: لأنَّهُ واجبٌ أَوجَبَهُ الله عز وجل، وما أَوجَبَهُ الله عز وجل فهو من شُعَبِ الإيمان، فَحُبُّ الصحابة إيمان، والنبي صلى الله عليه وسلم نَصَّ في بعض الصحابة على أَنَّهُ إِيمانْ بقوله «آية الإيمان حُبُّ الأنصار، وآية النفاق بُغْضُ الأنصار» (1) .

3-

ثالثاً: أنّّ حبَّهم إحْسَانٌ: لأنَّهُ يدل على أنَّ المُحِبْ لهم مُحْسِنْ في دينه وأتى بما يجب عليه وما يتقرب به إلى ربه من أنواع إحسانه وصِدْقِهِ في دينه.

طبعاً (وَحُبُّهُم دِينٌ وإيمَانٌ وإحْسَانٌ) كل هذه تتبعض، ليست شيئاً واحداً، فالناس في حب الصحابة يختلفون، وأجرهم على قدر كثرة محبتهم ونصرتهم وفقههم لفضائلهم.

(1) البخاري (17) / مسلم (128)

ص: 629

[المسألة السابعة] : (1)

في قول الطحاوي رحمه الله (وَبُغْضُهُم كُفْرٌ ونِفَاقٌ وطُغْيَانٌ) :

1-

أولاً: بُغْضُ الصحابة كُفْرْ:

أ - فإذا كان البُغْضُ للدين أو للغيض كما فَصَّلْنَا فيكون الكفر هنا كفراً أكبر.

ب - وإذا كان البُغْضْ لأجل الدنيا -كما قد تَتَنَاوَلْ النُّفُوسُ الكَرَاهَةَ والبُغْضَ لِأَجْلِ الدنيا-، فهذا كفرٌ أصغر ولا يصل إلى الكفر الأكبر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا ترجعوا بعدي كفرا يضرب بعضكم أعناق بعض» (2) .

وكون بعض الصحابة قاتل بعضاً آخر، هذا فيه دخول في خصال الكفار، لهذا قال «لا ترجعوا بعدي كفارا» ، ولاشك أنَّهُ قد يكون الباعث على ذلك البغض والكره لأنَّ القتال يكون معه ما في النفس؛ لكن مع تقاتل الصحابة فإنَّ بعضهم لم يُسُبَّ بعضاً يعني بلسانه والنفس قد يوجد فيها ما لا يسلم منه البشر.

فإذاً الكفر هنا قد يكون كفراً أصغر وقد يكون كفراً أكبر بحسب نوع البغض.

2-

ثانياً: بُغْضُ الصَّحابة نِفَاقٌ: لأنَّ آية النفاق أن يُبغِضَ من نقل هذا الدين وحفظ الإسلام في الناس وجاهد في الله حق الجهاد وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمنافقون في عهده صلى الله عليه وسلم كانوا يُبْغِضُونَ الصحابة ويَتَوَلَّونَ الكفار، ووصفهم الله عز وجل في ذلك بقوله {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} [التوبة:67] .

والنفاق هنا:

أ - قد يكون نفاق أكبر اعتقادي بحسب حال البُغْضْ.

ب - وقد يكون نفاق عملي بحسب نوع البغض وعدم المحبة.

3-

ثالثاً: بغض الصَّحابة طُغْيَانٌ: يعني أنَّ بُغْضَهُمْ طغيان، طَغَى فيه صاحبه وجاوَزَ الأمر.

فالله عز وجل أَمَرَ بِحُبِّهِمْ أو أَمَرَ بِمُوَالاتِهِمْ، وهذا معناهُ أنَّهُ أَمْرٌ بِحُبِّهِمْ وأثنى على من تَرَضَّى عنهم واستغفر لهم ولم يكن في قلبه غِلٌّ لهم، وهذا معناه أنَّ الذي خالَفَ ذلك فهو قد طَغَىَ وتجاوز الحد في ذلك.

(1) هذه المسألة لم يجعلها الشيخ مستقلة وإنما جعلها مع ما قبلها وقد جعلتها مسألة مستقلة حتى لا تشتبه المسائل.

(2)

البخاري (121) / مسلم (232)

ص: 630

[المسألة الثامنة] :

العلماء صَنَّفُوا في الصحابة مُصَنفَاتْ في بيان ما يجب لهم وفي الثناء عليهم وذكر أخبارهم وسيرتهم، ولاشك أنَّ الدّفاع عن الصحابة والتأليف في ذلك مِنْ الجهاد، وخاصَّةً في الأزمنة التي يكثر فيها أو يوجد فيها من يقدح في الصحابة أو في بعضهم، فإنَّ مِنْ مُقتَضَى الوَلاية أن يُنْصَرْ الصحابة بالتآليف وبالرَّدْ وبالذبِّ عنهم وبِبُغْضِ من يُبْغِضُهُمْ.

وهذا يقتضي أنَّ مِنَ الجهاد في سبيل الله ومن المحافظة على الدّين أن يُنَالَ وأن يُرَدْ وأن يُجَاهَدْ مَنْ يقدح في الصحابة أو يطعن في عدالتهم أو يُشَكِّكُ في صدق بعضهم وفي حفظه ونحو ذلك.

وهذا هو الذي صنعه أئمة الحديث فإنهم رحمهم الله تعالى لم يُصَنِّفُوا المُصَنَّفَات لحُبِّ التَّصْنِيفْ في الغالب؛ ولكن لأجل نُصْرَةْ الدين وأَفْرَادْ ما أوجب الله عز وجل البيان فيه.

التأليف في الصحابة إما التآليف المستقلة أو في ما في كتب أهل الحديث، مناقب الصحابة، مناقب المهاجرين، مناقب أبو بكر، مناقب عمر إلخ..، كما في كتاب المناقب في البخاري، أو كتاب فضائل الصحابة في مسلم، أو غير ذلك كما هو معروف فهذا من الجهاد في سبيل الله ومن البيان للأمة.

فالذي ينبغي لطلاب العلم خاصَّةً في هذا الزمن أن ينتبهوا لهذه الأصول، وأن يعلموا ما فيها، وأن تكون عُدَّتُهُم دائمة في هذا البحث للجهاد إذا جاء ما يستوجبه في المواطن التي تُنْتَقَصُ فيها مكانة الصحابة من المبغضين لهم أو لبعضهم قبّحهم الله.

نكتفي بهذا القدر.

ص: 631