الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المسألة الرابعة] :
أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة
.
فمن ادَّعَى أنه يُوحَى إليه فقد ادَّعَى منزلة النبوة، وهذا يدخل في عدم التصديق بختم النبوة وبالكذب على رب العالمين، وهذا هو الكفر.
[المسألة الخامسة] :
أنّ ختم النبوة وكون النبي صلى الله عليه وسلم خاتِم الأنبياء وخَاتَمَهُم لا يعارض نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، فإنّ نبوته عليه السلام كانت قبل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا نزل فالنبوة السابقة ملازمة له عليه السلام، ولكنه يأتي مؤمناً بمحمد صلى الله عليه وسلم حاكماً بشريعته، قاتلاً الخنزير، كاسراً الصليب، واضعاً الجزية على النصارى واليهود، كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال (لَيُوشِكَنّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ عيسى بْنُ مَرْيَمَ حَكَما عدْلا. فَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَكْسِرُ الصّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ)(1) .
وإذا نزل عليه السلام جَعَل إمام هذه الأمة منها وصلى مأموماً صلى الله عليه وسلم، وقال في ذلك (إمامكم منكم تَكْرِمة الله لهذه الأمة)(2) .
فلا يُنْظَرْ من ادَّعَى بطلان تقرير ختم النبوة بنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، فإن نبوته والوحي إليه كان سابقا لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
وإذا نزل في آخر الزمان فإنه ينزل حاكماً بالشريعة، حاكماً بالقرآن، مؤمناً بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا يوحى إليه بشيء جديد.
الحديث الذي ذكرتُ لكم أُنسِيْتُه، جاء الآن، وهو قوله صلى الله عليه وسلم (مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبياءِ قبلي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى دَاراً فََحَسَّنَهَا وزينها إلا مَوْضِعَ لَبِنَةِ منها، فَجَعَلَ النّاسُ يطوفون بهذه الدار، ويقولون ما أحسنها ما أجملها لو كملت هذه اللبنة، فأنا تلك اللبنة وبي ختم النبيون)(3) صلى الله عليه وسلم.
(1) البخاري (2222) / مسلم (406)
(2)
مسلم (412)
(3)
البخاري (3535) / مسلم (6101)
قال المؤلف رحمه الله بعدها (وإِمَامُ الأتْقِيَاءِ، وسيِّدُ المرسَلينَ)
فكونه صلى الله عليه وسلم إماماً يعني أنه يُؤْتَمُّ به.
والأتقياء هم صفوة هذه الأمة.
وفي قوله هذا إبطال لقول من قال: إنّ من الأتقياء من قد يخرج عن الائتمام بمحمد صلى الله عليه وسلم كقول بعض غلاة الصوفية من أهل الزندقة الذين رأى بعضهم أنَّهُ يَسَعُهُ الخروج على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وَسِعَ الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام.
فكل تقي جاء بعده صلى الله عليه وسلم فلا يكون تقياً إلا بالإتمام بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإتمام يكون بالإتباع كما قال عز وجل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21]، وقال عز وجل {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] .
والأتقياء جمع تقي، والتقي هو من حَصَّلَ التقوى.
والتقوى في القرآن جاءت على ثلاث مراتب:
1 -
المرتبة الأولى:
أن يتقي العذاب المؤبد بتحقيق التوحيد؛ بالإتيان بالتوحيد وبنبذ الشرك وتركه، يعني بالإسلام، وهذه هي التي جاءت في مثل قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} فخوطب الناس جميعا بالتقوى؛ يعني باتقاء العذاب المُخَلَّدْ بالإيمان بتوحيد الله عز وجل وبترك الشرك والبراءة منه ومن أهله.
2 -
المرتبة الثانية:
أَنَّ المتقي هو الذي يفعل الواجب ممتثلاً ويترك المحرم ممتثلاً، وهذه هي مرتبة المقتصدين الذين جاء فيهم قول الله عز وجل {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:32] ، من تَرَكَ المحرم امتثالاً وأتى بالواجب امتثالاً فهو من المتقين؛ لأنَّهُ اتَّقَى العذاب، والعذاب يكون يترك الواجب أو بفعل المحرم.
3 -
المرتبة الثالثة:
أن يتقي الله عز وجل بترك صغائر الذنوب وبترك ما به بأس وبترك ما لا بأس به حَذَراً مما به بأس، وهذه هي تقوى الله حق تقاته، كما قال عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:102] ، يعني خُوفُوهُ واحذروه حق الخوف والحذر، وهذه المرتبة إنما هي للسابقين بالخيرات الذين يتركون المكروهات ويَسْعون في كل المستحبات.
قال بعدها رحمه الله (وسيِّدُ المرسَلينَ) .
قوله (وسيِّدُ المرسَلينَ) معناه أنه صلى الله عليه وسلم هو المقدم في المرسلين وهو أفضلهم؛ لأنَّ السيادة فرع الفضل بكمال الصفات المحمودة في السيد.
(وسيِّدُ المرسَلينَ) من السيادة كما ذكرنا، والسيادة معناها يجمع أموراً، ومنها أن يكون أمره نافذاً وأن يكون المرجع هو.
وهذا إذا قيل في محمد صلى الله عليه وسلم (وسيِّدُ المرسَلينَ) بهذا المعنى؛ يعني أنه هو المرجع فبالنظر إلى شيئين:
1 -
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم (أَنَا سَيّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ)(1) وولد آدم داخل فيهم المرسلون.
2 -
الثاني: أنَّ رجوع الأمر إليه بالنسبة إلى الأنبياء يكون في عَرَصَات القيامة؛ حيث يذهب الناس إلى آدم ثم إلى نوح إلى آخره، ثم يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم يطلبون منه تعجيل الحساب، فيقول (أنا لها، أنا لها، فيخر تحت العرش فيحمد الله)(2) إلى آخر الحديث.
وهنا في معنى السيادة كما ذكرنا، في معنى السيادة التفضيل.
ولهذا بَحَثَ الشارح هاهنا ابن أبي العز مسألة التفضيل بين الأنبياء في هذا الموضع؛ لأنَّ من فروع السيادة أو من أسباب السيادة الفضل.
وكون النبي صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين حق -كما ذكرنا- للدليل وهو قوله صلى الله عليه وسلم (أَنَا سَيّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ) .
إذا تبين ذلك ففي المسألة مسائل:
_________
(1)
مسلم (6079) / أبو داود (4673) / الترمذي (3148) / ابن ماجه (4308)
(2)
البخاري (7510) / مسلم (500)