الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسئلة:
س1/ يقول أشكل عند قول الطحاوي: (حب الصحابة دين وإيمان)(1) ، وذلك من جهة تسمية حب الصحابة إيمان، والحب عمل القلب وليس هو التصديق، فيكون العمل داخِلَاً في مُسَمَّى الإيمان.
ج/ هذا مُشْكِلْ وقد ذكر الشارح أنه مُشْكِلٌ على أصل الشيخ، وهذا ظاهر أنه مُشْكِلْ، وما من أحد يخالف السّنة إلا ويقع في التناقض، لأنَّ الميزان الذي لا يختلف هو الكتاب والسنة، أما الرأي فيختلف، الإنسان يرى رأياً اليوم وغداً يبدو له شيء آخر، ما يلتزمه في كل كلمة، يلتزمه إذا جاء في التعريف، يلتزمه إذا جاء في الوصف ثُمَّ يخالفه في سَنَنْ كلامه وهكذا.
ولهذا بعض أهل البدع حتى في مسائل الصفات، إذا جاؤوا يتكلمون مثلاً عن الاستواء على العرش، لو تَحَقَّقَ هو من نفسه لوجد أنَّ نفسه تغلبه إلى أنَّ الله عز وجل مستوٍ على عرشه بذاته بائنٌ من خلقه حتى وهو يتكلم فيها.
لكن إذا أراد أن يُقَرِّرْ المسألة ذهب إلى ما تَعَلَّمَهُ فَثَمَّ فرق مابين الشيء الفطري وهو التسليم لكلام الله عز وجل وكلام رسوله وما يأتي في باب التعليم تارَةً.
ولهذا نبهناكم مراراً إلى غلط قول من يقول إنَّ أكثر المسلمين أشاعرة أو أكثر المسلمين ليسوا من أهل السنة والجماعة، وإنما أكثر المسلمين أشاعرة، أو أكثر المسلمين ماتريدية أو نحو ذلك، والقليل هم من يتبعون منهج السلف الصالح، هذا غلط كبير.
بل أكثر المسلمين في المسائل الغيبية على الطريقة المرضية، لكن ليس أكثر العلماء؛ لأَنَّ العلماء هم الذين عندهم ما يخالف ظاهر الكتاب والسنة، وما يُخالف الفطرة، أما لو تسأل أي عامي في البلاد التي هي بلاد لنصرة المذاهب المخالفة لطريقة السلف، إما للأشعرية والماتريدية بحسب اختلاف البلدان وتأخذ عامي وتسأله عن الاستواء على العرش، ما يستحضر إلا ما يدل عليه الظاهر وما يؤمن به، إلا إذا أتى أحد من العلماء وعَلَّمَهْ أَنَّ هذه تأويلها كذا وكذا، فيذهب إلى كلام العالم.
والإيمان بالظاهر في الصفات ما يستحضر أَنَّ الله لا يُوصَفْ بالرحمة، ما يستحضر أنَّ الله لا يوصف بالرضا.
لو تسأل عامي: هل الله يرضى؟
يقول: نعم الله يرضى، في القرآن.
هل الله يغضب؟
يقول: نعم يغضب.
فلذلك عامة الناس حتى في مسائل الإيمان، العمل، لو تسأل عامة الناس: هل العمل من الإيمان؟
أكثر المسلمين يقولك نعم العمل من الإيمان، كذلك مسائل القَدَرْ ما عندهم مبحث الجبر ولا يعرفون الجبر الداخلي لا الظاهري الذي هو الكسب عند الأشاعرة، هذه مسائل مُخَالِفَة للفطرة ومخالفة لظاهر النصوص، والناس لا يستوعبونها إلا بالدرس والتعليم.
ولهذا مِيْزَةْ هَدْيْ السلف الصالح ومِيْزَةْ طريقة أئمة الحديث أنَّهُم على ظاهر القرآن والحديث، وهذا هو الذي يسع الذكي والبليد والعامي وغير العامي والعالم وغير العالم، يسع الجميع لأنها سهلة ميسورة، وإنما فصَّلنا في المسائل وكَثُرَ الكلام لأجل كثرة المخالفين وحماية للشريعة.
مثل الإعداد بالسلاح، عندنا مال كثير نحتاج فيه إلى بناء مساجد فنذهب نبني المساجد لكن إن دَهَمَنَا عدو وَجَّهنَاه في العدو، أَخَّرْنَا بناء المساجد لأن لا يقضي ما هو موجود من الدين والمساجد.
فلهذا النفوس، نفوس المسلمين هي على ظاهر الكتاب والسنة ما عندهم التأويل والعقلانيات إلخ.
فأكثر المسلمين على طريقة السلف في الاعتقاد.
لكن، أما العلماء فهذه هي المصيبة هم الذين تعلموا، منذ نشؤوا دخلوا في مدارس تعلمهم الأشعرية بقوانينها، دخلوا في مدارس تعلمهم دين الخوارج أو دين الرافضة أو إلخ، فأخذوا منها شيئاً فشيئاً بالتعليم وبالقصد، ولهذا كما جاء في الحديث:«كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه» (2) .
المقصود من ذلك أنَّ المُعَلِّمْ قد يكون أعظم من الأبوين في التأثير أو المربي أو الذي تخالط.
ولهذا احرص تمام الحرص على أن يسلم القلب من مخالفة الكتاب والسنة في الاعتقاد.
الأعمال والذنوب فهي على باب الغفران كما قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
فَوَالله مَا خَوْفِي الذُّنُوبَ فَإِنَّهَا ******* لَعَلَى سَبِيلِ الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ
لَكِنَمَا أَخْشَى انْسِلَاخَ الْقَلْبِ مِنْ ****** تَحْكِيمِ هَذَا الْوَحْيِ وَالْقُرْآنِ
تحكيمه ليس معناه الدولة اللَّتي تُحَكِّمْ فقط، لا أنت أيضا تُحَكِّمْ الوحي والقرآن في المسائل، تعتقد ما في القرآن وتعتقد ما في السنة.
فالمقصود من ذلك أنَّ الإشكال الذي وقع فيه الطحاوي يُبَيِّنُ لك أَنَّ بعض العلماء حتى من الذين ربما أصَّلُوا شيئاً مُخَالِفاً للسنة، مثل ما أصَّلْ في مسألة الإيمان شيئاً وبَيَّنَا عدم صحت ذلك هو يُخالفه.
نحن نقول إشكال، لكن هو في الواقع مُخَالف وهو الصحيح أَنَّ حب الصحابة إيمان وحب الصحابة عمل القلب وأَدْخَلَهْ في الإيمان، حب الصحابة إيمان، خلاص واضح أنَّ هذا العمل إيمان.
ولهذا قال الشارح: وهذه الكلمة مُشْكِلَةْ على أصل الشيخ. كما ذكره السائل.
س2/ هل تُقاس الرؤية الصالحة على الكرامة؟ أي هل هي من الكرامة أم لا؟
ج/ الرؤية الصالحة ليست أمراً خارقاً للعادة، الرؤية الصالحة تحصل لآحاد الناس ليست خارقة لعادة البشر ولا لعادة بعض الجن، فهي رؤية يَضْرِبُهَا الملك، فهي رؤية صالحة وليس لها دخل في الكرامات.
أمَّا وهل هي مما قد يحتاج إليه المؤمن أو لا؟
لا، المؤمن لا يتعلق قلبه بالرُّؤَى، إذا رأى رؤية صالحة حَمِدَ الله عز وجل ولازَمَ الطاعة حتى لا يفتتن، وإذا رأى رؤية لا تسره أو فيها سوء بالنسبة له فيعمل ما أَوْصَى به النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ينفث عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله عز وجل من شرها وينقلب على جنبه الآخر، فإنها لا تضره.
س3/ هل العاصي يُعْطَى كتابه بيمينه أم بشماله؟
ج/ العاصي يُعْطَى كتابه بيمينه، أما الذي يُعْطَى كتابه يوم القيامة بشماله فهو الكافر، يُعْطَى كتابه بشماله وراء ظهره، أما المؤمن فيُعْطَى كتابه باليمين سواءٌ أكَانَ من السابقين أم من المقتصدين أم ممن ظلم نفسه، ثم يأتي بعد ذلك الحساب والوزن ثم تأتي الْمُجَازات.
س4/ هل تصح هذه العبارة: كرامات الأولياء معجزات الأنبياء، ومعجزات الأنبياء كرامات الأولياء؟
ج/ يعني ما أدري من اللي قالها، ولكنها عبارة حلوة: كرامات الأولياء معجزات الأنبياء. لو قال كرامات الأولياء معجزاتٌ للأنبياء أو كرامة الولي معجزةٌ للنبي، يعني من حيث الجنس فربما صَحَّتْ، يعني باعتبار جميع الأولياء، كرامات جميع الأولياء ما حصلت لهم إلا باتِّبَاعِهِم لهذا النبي، فكل أنواع الخوارق التي حصلت للولي الأول والولي الثاني والعاشر والمائة، كل أنواع هذه الخوارق والكرامات في مجموعها هي معجزة للنبي؛ لأنها ما حصلت لهم إلا بالإتباع، قال: ومعجزات الأنبياء كرامات الأولياء. هذا عكس الكلمة السابقة، فهي إيضاحها على ما ذَكَرْتُ لك، إذا كان المقصود أنَّ كرامات جميع الأولياء هي معجزة وآية وبرهان للنبي الذي تابعوه، فهذا صحيح.
نكتفي بهذا القدر ونراكم إن شاء الله على خير حال، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد (3)
(1) قال الطحاوي رحمه الله: وَحُبُّهُم دِينٌ وإيمَانٌ.
(2)
سبق ذكره (220)
(3)
نهاية الشريط السابع والأربعين.
: [[الشريط الثامن والأربعون]] :
الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لمجده، وأشهد أنَّ محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، أما بعد:
الأسئلة:
س/ ما معنى قول (منه بدأ وإليه يعود) ؟
ج/ قول طائفة من السلف في القرآن الكريم الذي هو كلام الله جل جلاله: (منه بدأ وإليه يعود) ، يعني منه جل جلاله بدأ قولاً وكلاماً وتنزيلاً، فلما تَكَلَّمَ به سمعه منه جبريل عليه السلام فبلَّغَهُ جبريل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم كما سمعه، وقولهم (وإليه يعود) يعني في آخر الزمان حين لا يُعْمَلُ بالقرآن فَيُكَرِّمُ الله عز وجل كلامه أن يبقى في الأرض ولا ثَمَّ من يعمل به فيُسْرَى على القرآن في ليلةٍ، من الأوراق من الصحف ومن الصدور فلا يبقى منه في الأرض آية. هذا معنى قولهم (منه بدأ وإليه يعود) .
نكتفي بهذا القدر
…
وَنُؤْمِنُ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ: مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّال، ونُزُولِ عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ عليه السلام مِنَ السَّماءِ، وَنُؤْمِنُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجِ دَابَّةِ الأرْضِ مِنْ مَوْضِعِهَا.
يريد الطحاوي رحمه الله أنَّ ما جاء في القرآن الكريم وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم من ذِكْرِ أمورٍ غيبية تكون قريباً مِنْ السّاعة، أو تكون من أشراطها فإنها داخلةٌ في الإيمان في أركان الإيمان، ويجب الإيمان بها.
ودخولها في أركان الإيمان من جهتين:
الجهة الأولى: أنَّهَا غيب والإيمان كُلُّهُ إيمانٌ بالغيب الذي أخبر به الله جل جلاله أو أخبر به نبيُّه الله صلى الله عليه وسلم.
الجهة الثانية: أنَّ من أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، ومُقَدِّمَات اليوم الآخر وأشراط الساعة التي ثبتت في كتاب الله وفي سنة محمد الله صلى الله عليه وسلم فإنَّ الإيمان بها واجب إذا بلغ المسلم الخبر في ذلك فيجب عليه التصديق بالغيب والإيمان به.
وقد خَصَّ الله عز وجل أهل الإيمان بصفة الإيمان بالغيب، فهي أَوْلَى وأُولَى صفات المؤمنين كما قال جل جلاله:{الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة:1-2] فالإيمان بالغيب يدخل فيه جميع أركان الإيمان لأنَّ الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه، هذا كله إيمانٌ بالغيب.
ويريد أيضاً رحمه الله بإيراد هذه الجملة مخالفة عددٍ من الطوائف الضّالة الذين لا يؤمنون بما يخالف ما دَلَّهُمْ عليه عقلُهُم، فإنَّ طوائف أنكرت وجود الدجال، وطوائف أنكرت نزول عسى بن مريم عليه السلام، وطوائف أنكرت طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة ونحو ذلك مما ليس مألوفاً لهم ولا يدخل في السُّنَنْ، فَنَفَوهُ لأجل ذلك.
وأهل السنة باب الغيب عندهم بابٌ واحد، فما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجب الإيمان به.
وهذه الجملة تحتها مباحث ومسائل:
[المسألة الأولى] :
الأشراط جمع شرط، والشّرط هو العلامة التي تُفَرِّقُ الشيء وتُمَيِّزُهُ عن غيره.
وأشراط الساعة المقصود به الآيات والعلامات التي تدل على قرب قيام الساعة، إما دُنُواًّ فتكون أشراطاً كبرى، وإما دِلَالَةً على القُرْبْ فتكون من جملة الأشراط الصغرى.
وقد جاء ذكر كلمة الأشراط في القرآن الكريم في سورة محمد، قال عز وجل:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أنَّ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18]، وأفادت الآية فائدتين:
- الفائدة الأولى: أنَّ الساعَةَ لها أشراط وعلامات.
- الفائدة الثانية: أنَّ أشراط الساعة قد وقعت في وقت تَنَزُّلِ القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا يعني أنَّ مِنَ الأشراط ما يكون بعيداً عن وقوع الساعة ومنها ما يكون قريباً من وقوع الساعة.
ومن الأحاديث في ذلك: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما تَذَاكَرُوا عنده الساعة قال: «إنها لن تكون حتى تروا قبلها عشر آيات» (1) ، فدلَّ ذلك على أنَّ ثمَّتَ أشراط قريبة منها سَمَّاهَا النبي صلى الله عليه وسلم آيات.
والآيات جمع آية وهي: ما يَدُلُّ دِلَالَةً واضحةً ظاهرة على المراد وعلى الشيء حيث لا يكون فيه لَبْسْ.
(1) مسلم (7467) / أبو داود (4311) / الترمذي (2183) / ابن ماجه (4055)
[المسألة الثانية] :
أشراط الساعة قَسَمَهَا العلماء إلى قسمين:
- إلى أشراطٍ كبرى.
- وإلى أشراطٍ صغرى.
ومن أهل العلم من قَسَمَهَا إلى ثلاثة أقسام:
- أشراط صغرى.
- ووسطى.
- وكبرى.
والأول هو المعتمد والثاني اصطلاح تفسيري ولكن ليس ثَمَّ ما يدل عليه من وجود الوسطى وإن كانت موجودةً وداخلة في الصغرى.
أما تعريف الأشراط الصغرى: فهي ما دلَّ الدليل على أنَّهُ مِنْ علامات قُرْبْ الساعة وليس من العشر آيات التي جاءت في الحديث أنها تكون بين يدي الساعة.
فحصلت الأشراط الصغرى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تزال تحصل وتحصل إلى بَدْءِ الأشراط الكبرى.
وسيأتي تفصيل الأشراط الصغرى والكبرى إن شاء الله.
فمن أهل العلم من جعل الأشراط الصغرى كما ذكرت لك:
- ما قَرُبَ من عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهي صغرى.
- وما بَعُد من عهده فهي وسطى إلى حدوث الأشراط الكبرى.
والأول هو المعتمد في ذلك.
[المسألة الثالثة] :
الأشراط الصغرى كثيرة جداً ومتنوعة، ولا يدلُّ كون الحَدَثْ من أشراط الساعة على مدحه أو ذمه، بل هي آيات ودلائل على القرب:
- فتارةً تكون ممدوحةً غاية المدح، منها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر باعتباره آية لمحمد صلى الله عليه وسلم، ومنها فتح بيت المقدس.
- وقد تكون مذمومةً مُحَرَّمَةً أو مكروهة، أو تكون واقِعَةً كونِيَّةً فيها ابتلاء أو عقوبة للعباد.
والمقصود من ذلك أنَّ ما جاء في الدليل أنَّهُ من آيات أو أشراط الساعة فلا يدلُّ كونه من أشراط الساعة على أنَّهُ ممدوحٌ أو مذموم إلا بدليلٍ آخر أو بحقيقة الأمر.
وأشراط الساعة الصغرى كثيرةٌ جداً جداً، فمما يشار إليه فيها ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري وغيره، حديث عوف بن مالك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أُعْدُدْ سِتَّاً بين يدي الساعة، موتي ثم فتح بيت المقدس، ثم مُوتَانٌ يَأْخُذُ فيكم كقٌعَاصِ الغنم، ثم استفاضة المال» (1)
…
إلخ الحديث.
ومنها مما حَدَثَ وهذه حدثت قريباً من عهده صلى الله عليه وسلم.
ومنها مما حَدَثَ بعيداً عن عهده صلى الله عليه وسلم، النار التي خرجت من المدينة في القرن السابع الهجرى، في نحو سنة أربع وخمسين وستمائة، وقال صلى الله عليه وسلم:«لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من الحجاز» أو «من المدينة تُضيئ لها أعناق الإبل ببُصرى» (2) .
منها ما يكون قريباً من الأشراط الكبرى.
وأشراط الساعة الصغرى والكبرى أُلِّفَتْ فيها مؤلفات كثيرة في جمعها وجمع الأحاديث التي جاءت في ذِكْرِ أشراط الساعة، وهي من العلم النافع الذي يدلُّ على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، لأنَّهُ ولا شك أخبر عن أمرٍ غيبيٍ لم يحدث، وكان خبره صِدْقاً ويقيناً.
فهذه الأخبار التي فيها أنَّهُ بين يدي الساعة يكون كذا، أو لا تقوم الساعة حتى يكون كذا، أو من أشراط الساعة كذا، أو أُعْدُدْ بين يدي الساعة كذا، هذه كلها تدلّ:
- على صدقه صلى الله عليه وسلم.
- ثُمَّ أيضاً تدلّ على أنَّ الساعة آتية لا ريب فيها؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بحدوث هذه الأمور وحدوثها حَصَلَ وكان حقاً كما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
لهذا كان التّحديث بأشراط الساعة الصغرى والكبرى وذِكْرُهَا مما يُقَوِّي اليقين ويُقَوِّي الإيمان وهو من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
(1) البخاري (3176) / ابن ماجه (4042)
(2)
البخاري (7118) / مسلم (7473)
[المسألة الرابعة] :
الأشراط الكبرى يُعْنَى بها العلامات والآيات التي تكون قريبةً من الساعة، بحيث إذا حدثت فإنَّ يوم القيامة قريبٌ جداً جداً.
وسُمِّيَتْ كبرى لأنها آيات عظيمة تحدث ليس في حُسْبَانْ العِبَادْ أنْ تحدُثْ ولم يكن لها دليلٌ قبلها أو لها ما يشابهها.
وهذه الأشراط الكبرى عشر كما جاءت في الأحاديث؛ ولكنها جاء في عدة أحاديث غير مرتبة، يعني من جهة الوقوع.
وهنا ذَكَرَ الطحاوي رحمه الله في هذه الجملة، أربعة من أشراط الساعة:
- ذكر خروج الدجال.
- ونزول عيسى ابن مريم.
- وطلوع الشمس من مغربها.
- وخروج الدابة.
وهذه أربعة من عشرة أشراط، وهُوَ إنَّمَا ذَكَرَ هنا الأشراط الكبرى لأنها هي العظيمة وهي الآيات الكبيرة التي يجب الإيمان بها
وهذه العشرة وهي مرتبة في الحدوث كما أسوقها:
- أول ما يحدث خروج الدجال.
- ثم نزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء.
- ثم خروج يأجوج ومأجوج.
- ثم ثلاثة خسوف: خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب.
- ثم طلوع الشمس من مغربها.
- ثم خروج الدابة على الناس ضحى.
- ثم الدُّخان.
- ثم خروج النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر.
وفي ترتيب الدخان هل هو قبل طلوع الشمس من مغربها أو هو بعد طلوع الشمس فيه خلاف بين أهل العلم، والأظهر هو ما ذكرت لك مِنَ الترتيب.
& خروج الدجال:
فالدجال جاءت النصوص الكثيرة بخروجه وأنه سيخرج من مَحْبَسٍ هُوَ فيه، إذا أَذِنَ الله عز وجل بخروجه، وأنَّهُ بَشَرْ من جنس البشر؛ لكنَّهُ أعور العين كأنَّ عينه عنبة طافية أو عنبة طافئة، مكتوب بين عينه (كَافْ- فَاءْ- رَاءْ) ثلاثة حرف يقرؤها كل مؤمن يعني (كافر) ، يعطيه الله عز وجل من القدرة ما تَحَارُ معه الألباب، فيقول للناس (إني ربكم) فيكون معه جنة ومعه نار وتكون فتنته تستمر في الأرض أربعين، وتكون فتنته أعظم فتنة حدثت في الأرض؛ لأنَّهُ يَدَّعِي أنَّهُ رب العالمين وأنَّ معه جنة وأنَّ معه نار وأنه يُحيي الموتى.
فيأتي في ذلك وتُحرَّم عليه مكة والمدينة والملائكة تحرسها، ويخرج إليه شاب فيقول له: أنا ربك.
فيقول له: أنت الدجال الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيقول للناس: أنا أقتل هذا ثم أحييه، فيَقْتُلُه ثم يُحْيِيه.
فيقول: قد ازددت الآن بك علماً، -يعني أنك الدجال-.
وهذا من خِيرة الناس على وجه الأرض، أو خير الناس على وجه الأرض في زمانه.
والدجال لا يخرج حتى لا يُذْكَرَ في الأرض، وما من نبي إلا حذَّرَ أمَّتَهُ فتنة المسيح الدجال، ولهذا كان من المتأكدات على المؤمن في كل صلاة قبل السّلام أن يستعيذ بالله من أربع ومنها فتنة المسيح الدجال.
وأخبار المسيح الدجال والأحاديث التي جاءت فيه كثيرةٌ متنوعة معروفةٌ في كتب السنة وفي كتب من ألَّفَ في أشراط الساعة، لكن ننبه في هذا على عدة أمور:
1-
الأمر الأول: أنَّ المسيح الدجال لم يكن حياً في عهده صلى الله عليه وسلم، والأحاديث التي جاء فيها أنَّهُ حَيْ وأنه رُئِيَ إمَّا في المدينة كقصة ابن صائد أو ابن صيّاد، أو في حبسه في جزيرةٍ خرج إليها بعض الصحابة فرأوه فقصوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل هذا لا يدلُّ أنَّهُ كان في ذلك الزمن، وأنه يبقى إلى وقت خروجه.
وإنَّمَا في قصة الجزيرة في قصة الرجل المحبوس وسؤاله عن النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث الذي رواه مسلم المعروف، من العلماء من حَكَمَ عليه بالشذوذ، ومنهم من قال خَرَجَ آيَةً، جعله الله آية للدلالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس مستمر الحياة.
والمقصود من هذا أنَّ الدجال بَشَرْ يخلقه الله عز وجل في وقتٍ من الأوقات ثم يأذَنُ بخروجه من مكانٍ هو فيه على ما يشاء ربنا جل جلاله.
2-
الأمر الثاني: أنَّ خروج الدجال يكون بعد خروج المهدي، والمهدي ليس من أشراط الساعة الكبرى، وإنَّمَا يكون قريباً من خروج الدجال.
والمهدي سُمِّيَ مَهْدِيَّاً لأنَّ الله عز وجل سيهديه ويُصْلِحُه في ليلة كما جاء في الحديث الصحيح أنَّهُ يذهب إلى مكة في حين اختلافٍ من الناس؛ يعني أنَّ الناس لا أمير لهم ولا إمام ولا جماعة، فيعود بالبيت فيخرج إلى الحرم يعني إلى مكة فيلوذ بالكعبة، ثم يأتيه الناس فيأمرونه بالخروج ويبايعونه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «يصلحه الله في ليلة» (1) ، اختلف العلماء فيه، هل معناه:
أنَّهُ يُصْلِحُهُ في أمر دينه ولم يكن صالحاً؟
أو أنَّهُ يصلحه لأمر الوَلاية وإمارة الناس؟
* والأظهر هو الثاني أنَّهُ يصلحه الله في ليلة لإمارة الناس ولقيادتهم.
وهو من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب، واسمه كاسم محمد صلى الله عليه وسلم، محمد بن عبد الله، وجاء في الأحاديث صفاته، وبلغت الأحاديث التي فيها ذكر المهدي بأسانيد صحيحة وحِسَانْ وضعاف أكثر من أربعين حديثاً.
(1) ابن ماجه (4085)
ولهذا قال طائفة من أهل العلم إنَّ أحاديث المهدي تبلغ مبلغ التواتر المعنوي، يعني الذي في جملته، لا في أفراده، يدل على أنَّ المهدي سيخرج في آخر الزمان قُرْبْ خروج الدجال.
وفي قصة المهدي أنَّهُ حين [....] يصيح صائح إنَّ الدجال خَلَفَكُم في أهليكم وأولادكم أو أموالكم، وينقسم الناس، في القصة المعروف التي لا مجال لسردها بطولها.
[.....] أنَّهُ في أثناء ولاية المهدي وغزوِهِ وجهاده وانتشار الخيرات في وقته يخرج الدجال فتعظُمُ فتنته.
& نزول عيسى ابن مريم عليه السلام:
ثم ينزل عيسى عليه السلام وهو حَيٌّ الآن، ينزل من السَّماء في دمشق عند المنارة البيضاء شرقي دمشق.
والنبي صلى الله عليه وسلم كما روى ابن ماجه وغيره أنَّهُ ينزل عند المنارة البيضاء في شرقي دمشق ثم يدرك الدجال بباب لُدْ فيقتله هناك، وأصله في مسلم (1) .
وهذا قبل وجود المنارة وقبل بناء المسجد الأموي، والمنارة البيضاء الآن معروفة في دمشق.
فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعظم ما بيَّنَهُ لأمته صلى الله عليه وسلم.
ثاني أشراط الساعة نزول عيسى بن مريم، والله عز وجل دلَّ على نزوله في القرآن بقوله عز وجل {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} [النساء:159] ، وقد جاء في الصحيح أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أنْ ينزل فيكم عيسى ابن مريم حَكَماً عَدْلاً مُقْسِطَاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال في عهده -أو في وقته- حتى لا يقبله أحد ويؤمن به أهل الكتاب» ، قال أبو هريرة رضي الله عنه واقْرَأُوا إنْ شئتم:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} (2) .
فقوله هنا {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ، المقصود به قبل موت الكتابي أو قبل موت عسى ابن مريم؟
من أهل العلم من قال بالأَوَّلْ أنَّهُ قبل موت الكتابي فيؤمن بعيسى ابن مريم.
وأكثر أهل العلم وأهل التفسير على أنَّ المقصود به {قَبْلَ مَوْتِهِ} يعني قبل موت عيسى ابن مريم لأنَّ سياق الآية والآيات قبلها يدل على ذلك، وظاهرها أيضاً وهو قوله {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} ، يعني بعيسى ابن مريم عليه السلام، {قَبْلَ مَوْتِهِ} ، يعني موت عيسى أيضاً ابن مريم عليه السلام.
وهذا في معنى الآية التي في سورة الزخرف وهي قوله جل جلاله في ذِكْرِ عيسى {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا} [الزخرف:61] ، وفي القراءة الأخرى {وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ} والعَلَمْ هو العلامة والشرط، {لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ} يعني شرط من أشراط الساعة، وهو الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة واتفق عليه [......] حتى أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه إذا ساق ذلك قال لمن يروي له هذا الحديث: فإذا رأيت عيسى ابن مريم فأقرئه منّي السلام (3) ، ويرويها مَنْ بَعْدَه لمن بعده، فإذا رأيت عيسى ابن مريم فأقرئه مني السلام، وهذا من شدة إيمانهم وتصديقهم بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي {مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4] .
عيسى عليه السلام يمكث ما شاء الله في الأرض أنْ يمكث ثم يموت ثم يُصَلَّى عليه.
& خروج يأجوج ومأجوج:
ويخرج في عهد عيسى عليه السلام يأجوج ومأجوج، وقد جاء ذكرهم في القرآن في سورتين، في سورة الكهف وفي سورة الأنبياء، قال عز وجل:{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء:96-97] ، يعني الساعة، وفي سورة الكهف:{إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} [الكهف:94] الآيات، فأفادت الآيتان فائدتين:
1-
الفائدة الأولى: أنَّ يأجوج ومأجوج موجودان اليوم وموجودان قبل ذلك فهما قبيلان أو قبيلتان أو شَعْبَانِ كبيران يعْظُمُ أمرهما عند قيام الساعة.
2-
الفائدة الثانية: أنَّهُمْ يأتون من كل حَدَبْ، قال في آية الأنبياء:{وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} ، والحَدَبْ هو الجهة، و (يَنْسِلُونَ) هذا من النَسَلَان وهو السير ليلاً، فهم يأتون من كل جهة، فربما مروا على البحيرة العظيمة فشربوا ماءها إلخ.
فخروج يأجوج ومأجوج في عهد عيسى عليه السلام، هذا من آيات الساعة الكبرى.
ثم يدعوا عليهم عيسى عليه السلام فيموتون ثم تُنْتِنُ الأرض التي هم فيها بنَتَنِ أجسادهم فيأمر الله عز وجل ريحاً أو طيوراً بحملهم في البحر.
(1) مسلم (7559) / أبو داود (4321) / ابن ماجه (4075)
(2)
البخاري (2222)
(3)
المسند (9110)
& ثلاثة خسوف: خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب:
وهذه الخسوف الثلاثة، خسوفٌ عظيمة لم يسبق أَنْ حَدَثَ مثلها.
فالزلازل وخسوف الأرض تحدث في الأرض وهي من آيات الله جل جلاله يبتلي بها ويعذِّبُ بها، ولكنها آيات عند قرب قيام الساعة لم يحدث لها مثيل، فهي غير مألوفة.
خسوف عظيمة كبيرة تكون في الشرق وفي الغرب وفي جزيرة العرب.
والخَسْفْ معروف أنَّهُ ذهاب الأرض إلى أسفلها، يعني ذهاب علو الأرض إلى أسفلها. (1)
& طلوع الشمس من مغربها:
وطلوع الشمس من مغربها جاء ذكره في القرآن وكذلك في السنة الصحيحة، كما في قوله عز وجل:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] .
والتوبة (2) لا تزال مقبولة من العبد ما لم تطلع الشمس من مغربها.
وطلوع الشمس من مغربها حقٌ وصدق وهي آية غير مألوفة؛ لأنَّ المألوف أنَّ الشمس تطلع من الشرق ثم تغرب في الغرب، فكونها تعود من حيث جاءت أو من حيث غَرَبَتْ، تعود من الغرب إلى الشرق هذه آية عظيمة غير مألوفة تجعل الناس جميعاً يؤمنون.
ولهذا إذا طلعت الشمس من مغربها فإنَّ الناس يؤمنون لكن {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} ، فيبقى بعد طلوع الشمس من مغربها الناس فيهم المؤمنون الذين آمنوا قبل طلوع الشمس من مغربها، وفيهم المنافقون والكافرون والمشركون.
& خروج الدابة على الناس ضحى:
ثم تخرج الدابة، والدابة حيوان عظيم الخِلْقَةْ يُعْطِيهْ الله عز وجل القدرة على وَسْمْ الناس، كما قال عز وجل في آخر سورة النمل:{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:82] .
{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} يعني بقيام الساعة وبطلوع الشمس من مغربها.
{أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} وفي قراءة أخرى: {تَكْلِمُهُمْ أنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} وأيضاً {إِنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} ، يعني بفتح الهمزة من {أَنَّ} وكسرها.
وقوله: {تُكَلِّمُهُمْ} و {تَكْلِمُهُمْ} قراءتان صحيحتان تدلَاّنِ على معنيين مختلفين:
1-
المعنى الأول: أنها تُكَلِّمْ وتحدِّثْ الناس، وهي آية، والعادة في الحيوان أنَّهُ لا يُكَلِّمُ الناس، فهي تكلم الناس بلغاتهم وبما يفهمون عنها.
2-
المعنى الثاني: أنها تَكْلِمْ الناس بمعنى أنَّهَا تَسِمُ الناس، والوسْمُ سَمَّاهُ الله عز وجل هنا كَلْماً لأنه يكون معه كَلْمُ الجلد والتأثير في الجلد كما يحصل في وسْمِ الدواب فإنه لا بد فيه من جُرْحٍ فيها أو من أثرٍ فيها، فتَسِمُ الناس هذا مؤمن وهذا كافر، وهذه هي الآية الثامنة.
ثم بعد ذلك تأتي وليست من الآيات تأتي ريح يرسلها الله عز وجل خفيفة في ليلة فتقبض أرواح أهل الإيمان أو يموت معها أهل الإيمان، فيبقى أهل الكفر والنفاق والشرك يتهارجون في الأرض كتهارج الحُمُرْ فلا يقال في الأرض (الله الله)(3) كما جاء في الصحيح، يعني لا يُقَال في الأرض اتق الله اتق الله، أو أذكر الله أذكر الله.
& الدخان:
ثم يكون الدخان، والدخان حَصَلَ مَرَّةً كما في سورة الدخان؛ ولكنه ليس بالآية العظيمة كالدخان الذي يحصل قرب قيام الساعة، فذاك دخان يغشى الناس من أولهم إلى آخرهم في الأرض كلها ويشتد معه الخطب والأمر.
ومن أهل العلم من قال: إنَّ الآية في سورة الدخان المقصود بها ما هو في قرب قيام الساعة، وفي الأحاديث والسنة أنَّ الدخان حَصَلَ في المسلمين، يعني قد رآه المسلمون والمشركون في مكة، وهذا غير هذا.
& خروج النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر:
وآخرها نار تخرج من جنوب الجزيرة من قعر عدن؛ يعني يبدأ خروجها من هذا الموطن، ثم تنتشر في الأرض فتحيط بالناس تحشُرُهُمْ إلى أرض المحشر، تبيت معهم وتَقِيلُ معهم، وهذا أيضاً آية عظيمة أنَّ ناراً تتحرك تمشي تقف مع الناس ومع خوفهم حتى تحشر الناس إلى أرض المحشر.
ثم بعد ذلك يحصل النفخ في الصور: النفخة الأولى، نفخة الفزع والصّعق، ثم تكون أربعون وتكون نفخة البعث أعاننا الله عز وجل على كربات يوم القيامة وغفر الله لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
(1) انقطاع في الشريط والله أعلم
(2)
نهاية الوجه الأول من الشريط الثامن والأربعين
(3)
مسلم (392) / الترمذي (2207)
[المسألة الخامسة] :
الناس في ما كتبوا من أهل العلم في أشراط الساعة ما بين مُصِيبٍ مُدَقِّقْ وما بين متساهل.
ولهذا المؤلفات في هذا الباب كثيرة جِدَّاً، يعني وما بين كُتُبٍ مُؤَلَّفَة مستقلة وما بين شروحٍ في كتبٍ مطولة.
لكن ينبغي لطالب العلم أنْ يتحَرَّزْ في هذا الأمر وذلك لأنَّ أشراط الساعة أمرٌ غيبي، والأمور الغيبية يجب أنْ يُسَلَّمَ لها إذا صح فيها دليل، إذا كان الدليل من كتاب الله جل جلاله أو كانَ الدّليل مما صح من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها ما في جنس أخبار الغيب بأنه لا يُتَعَرَضُ لها بمجاز ولا بما يَنْفِيْ حقيقتها ولا بالتأويل الذي يصرفها عن ظواهرها.
فباب التأويل والمجاز مرفوضٌ في مسائل الغيب جميعهاً، أو رَدْ هذه الآيات بالعقلانيات وأنَّ العقل يُحيلُ مثل هذا، هذا كله مردود.
ولهذا تجد في الكتب المؤلفة والشروح، ربما ما يصرف الأحاديث عن ظاهرها والواجب هو التسليم لها.
وهذا يَدْخُلْ في مقتضى الشهادة بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه من مقتضى الشهادة معناها تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، فكل ما أخبر به من أمور الغيب ومن قصص السالفين ومما لم تُدْرِكْهُ فيجب التصديق به والإيمان بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم يُبَلِّغُ عن ربه جل جلاله وتقدست أسماؤه.
والناس في مسائل أشراط الساعة كما ذكرت لك في أول الكلام:
- منهم من يتأولها وينفي ما لا يدل عليه العقل، ويأخذ بما دلَّ عليه العقل.
- ومنهم من يتأول بعضاً.
- ومنهم من يؤمن بها على ظاهرها كما جاءت لأنها أمورٌ غيبية وهذا هو الذي ينبغي.
لهذا تجد مثلاً أنَّ في نزول عيسى عليه السلام والمهدي إذا جاء أنَّهُ يكون مثلاً بالسيف وبالخيل، والسيف والخيل قال فيها صلى الله عليه وسلم:«إني لأعرف -أو لأعْلَمُ- أسماء خيولهم وألوانها» (1) ، أو كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، وهذا تأكيد للحقيقة.
وكذلك أشراط الساعة الأخرى مثل خروج الدجال وأن يسمع به الناس:
فمِنَ الناس من قال أنَّ الدجال مثلاً يركب الطائرة، مما أُلِّفْ في هذا الباب، يركب الطائرة وأنه يَسْمَعْ الناس بخبره عن طريق كذا وكذا من الآلات التي هي موجودة الآن، وهذا مما لا يصلح أنْ يُثْبَتْ ولا أنْ يُنْفَى.
بل الواجب في مثل هذا التسليم للخبر لأنه إثباته فيه إثبات أنَّ هذه الأشياء ستبقى إلى خروجه، وهذا ما ليس لنا به علم، والنفي أيضاً نفيٌ بما لم نُدْرِكْ علما.
والواجب في هذا التسليم وأن لا يخوض الناس في عقليات تنفي ظاهر الأدلة.
فنؤمن بها كما جاءت ولا ندخل فيها كما ذكرت بتأويلٍ أو بمجازٍ يصرفها عن ظواهرها.
(1) مسلم (7463)
[المسألة السادسة] :
عيسى ابن مريم عليه السلام إذا نزل فإنَّهُ ينزِلُ تابِعَاً لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنَّهُ ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وَجَبَ على من يكون حَيَّاً أنْ يؤمن به.
ولهذا عيسى عليه السلام إذا نَزَلْ وكان الإمام يُصَلِّيْ بالناس أو يريد الصلاة، فيأتي يَتَأَخَّرْ ليتقدم عيسى عليه السلام، فيقول عيسى عليه السلام (لا، إمامكم منكم تَكْرِمَةُ الله لهذه الأمة)(1) .
وهذا فيه الدِّلالة من أول وهلة ومن أول لحظة على أنَّهُ تابعٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم، وليس رسولاً مُتَجَدِّدَاً يعني كما كان قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولهذا إذا نزل عليه السلام فإنه يكون حاكماً بكتاب الله عز وجل وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وينطَبِقُ في حَدِّهِ عليه السلام أنَّهُ صحابي أيضاً لأنَّهُ رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج حياًّ وينزل بعد ذلك مُتَّبِعَاً له ويموت على اتِّبَاعِهِ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم.
وهذا ينطبق عليه حد الصحابي أنَّهُ من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ساعَةً مؤمناً به ومات على ذلك.
ولهذا بعض أهل العلم ربما ألْغَزْ فقال: مَنْ رجل مِنْ أمة محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل من أبي بكر بالإجماع؟
ربما ألْغَزْ بعض أهل العلم وليس من الألغاز السائرة -يعني المشهورة- مَنْ رجل مِنْ أمة صلى الله عليه وسلم هو أفضل من أبي بكر بالإجماع؟
والجواب أنَّهُ عيسى عليه السلام لأنَّهُ تفضيله لأنه رسول ومن أولي العزم من الرسل وهو من أتْبَاعِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم بعد نزوله.
فبعد أنْ ينزل ويُخَاطَبْ ويحكم في الأرض بشريعة الإسلام لأنَّ شريعة الإسلام ناسخةٌ لما قبلها من الشرائع.
(1) مسلم (412)
[المسألة السابعة] :
أشراط الساعة ربما حَلَا لبعض الناس أنْ يُنَزِّلَهَا على الواقع الذي يعيش فيه، دون تحقيقٍ في انطباقها على ما ذكر.
ولهذا ألَّفَ مَنْ أَلَّفْ من المعاصرين في أنَّ هذه العلامة أو هذا الشرط هو كذا بعينه.
وهذا مما لا يتجاسر العلماء عليه بل يتحرون فيه أَتَمْ التَّحَرِّيْ فإنَّ تطبيق الواقع على أنَّهُ هو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم هذا يحتاج إلى علم لأنَّهُ إخبارٌ بما تؤول إليه أحاديثه صلى الله عليه وسلم وهذا يحتاج إلى علم، والله عز وجل يقول:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} [الأعراف:53] ، يعني ما تؤول إليه حقائق أخباره، وهذا ربما لم يظهر لكل أحد، -يعني الآية في يوم القيامة لكن انتظار التأويل يعني ما تؤول إليه حقائق الأخبار-.
بعضها ظاهر مثل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، انشقاق القمر، موت النبي صلى الله عليه وسلم، الموتان يعني الطاعون الذي حصل، طاعون عمواس في سنة 18 من الهجرة ونحو ذلك، مثل النار التي خرجت من المدينة.
لكن في بعضها يكون ثَمَّ اشتباه، هل هو منطبق أو ليس بمنطبق، هل هو تمت، يعني هل الصفات منطبقة أو ليست كذلك.
ولهذا كما ذكرت لك في أول الكلام أنَّ أشراط الساعة إيرادُهَا من الشارع إنما هو لأمرين:
1 -
لأجل الإيمان بها.
2 -
ثُمَّ لتكون دِلَالَةْ من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
فوجود الأحاديث أو ذِكْرِ الشيء من أشراط الساعة لا يقتضي مدحاً ولا ذمَّاً ولا نستفيد منه حكماً شرعياً.
مثلاً حديث: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد» (1) ، وكما في حديث عمر المشهور في قصة جبريل، قال: أخبرني عن السَّاعة، قال:«ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» ، قال: فأخبرني عن أشراطها، قال:«أنْ تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان» (2) .
منهم من طَبَّقْ (أنْ تلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا) على عصرٍ من العصور أو على وضعٍ من الأوضاع.
ومنهم من طَبَّقَ (الحفاة العراة العالة رعاء الشاء) على وقتٍ من الأوقات.
ومثل ما جاء من نُطْقْ الحديد، مثل (وأَنْ تُحَدِّثَ المرأة عَذَبَةُ سوطه)(3) .
ومثل الحديث الذي في السنن: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد» ، هل هذا يقتضي ذمّ هذا الفعل أو لا يقتضي ذمَّاً ولا مدحَاً؟ يعني هل يُحكم عليه بالكراهة لأجل هذا الحديث؟
المعتمد عند أهل العلم أنَّ مثل هذه الأحاديث لم تَرِدْ للأحكام الشرعية وإنما وردت للإخْبَارِ بها لتكون دليلاً على نبوته صلى الله عليه وسلم ولابتلاء الناس بالإيمان بخبره صلى الله عليه وسلم حتى يظهر المُسَلِّمْ له صلى الله عليه وسلم من غير المُسَلِّمْ.
لهذا احذر من التطبيق، وخاصَّةً في ما يشتبه.
قد مَرَّتْ أَزَمَاتْ ومَرَّتْ فِتَنْ ومَرَّتْ أشياء، من الناس من طَبَّقْ فأخطأ في ذلك، وهو ربما بَنَى على تطبيقه أشياء من التصرفات أو الآراء أو الأحوال فأخطأ في ذلك خطأً بليغاً، وظَهَرَ بيان خطئه.
لهذا ما المقصود من إيراد أهل السنة والجماعة الإيمان بأشراط الساعة؟ وذكر أشراط الساعة وتقسيمات ذلك؟
ليس المقصود منه التطبيق، وإنما المقصود منه ما ذكرت لك من الأمرين العظيمين:
1 -
الأمر الأول: دلالة من دلالات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كي يدخل ذكر أشراط الساعة في دلائل النبوة.
2 -
الأمر الثاني: أنْ يُبتلى الناس بالإيمان بها كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
نكتفي بهذا القدر، وعلى العموم مباحث أشراط الساعة كثيرة وأُلِّفَ فيها عدة مؤلفات يمكن أنْ ترجعوا إليها للمزيد، حتى الشارح ابن أبي العز ررحمه الله اقْتَضَبَ جداً في شرحه فاقتصر على إيراد الأحاديث الواردة في هذا الباب.
من أفضلها كتاب "النهاية" للحافظ ابن كثير لأنه مُحَرر، ومن الكتب المعاصرة كتاب أشراط الساعة ليوسف الوابل، وكذلك كتاب:"إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة" للشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله، ونحو هذه الكتب.
(1) أبو داود (449) / النسائي (689) / ابن ماجه (739)
(2)
سبق ذكره (9)
(3)
الترمذي (2181)