المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأسئلة س1/ هل يكون اتباع ما لا علة عقلية له أعظم - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: ‌ ‌الأسئلة س1/ هل يكون اتباع ما لا علة عقلية له أعظم

‌الأسئلة

س1/ هل يكون اتباع ما لا علة عقلية له أعظم أجراً من اتّباع ما دل النقل والعقل عليه؟

ج/ لا، من كان بالتسليم وبالبرهان فهو أعظم، والتسليم والبرهان، البرهان بأنواعه.

س2/ كيف يكون البرهان بالتجربة في أمور العقيدة؟

ج/ الدرس ما أدري فُهِمْ أو ما فهم.

المقصود العقيدة هذه برهانها ديني والذي قد قلنا حس وتجربة ومتابعة هذا هو (البرهان العقلي) واضح؟

هذا تأصيل مهم في منهج التلقي ومعرفة الدليل والاستسلام له لأنه ما يسوغ لطالب علم العقيدة بالخصوص أن يكون غير مُبَرْهَنْ، العقيدة ليست قضايا نظرية! لا، برهانية لكن نوع من البرهان، برهانية واضحة مثل هذه اللّمبة التي أمامنا مثل الشمس في رابعة النهار، ما عندنا شك في ذلك؛ لكنها بأنواع البرهان الذي ذكرت.

نكتفي بهذا القدر وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

ص: 152

الحمد لله الذي مَنَّ على عباده بالهداية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

الأسئلة

س1/ هذا سائل يقول: ذكر ابن التّين في شرحه للبخاري في مسألة إثبات اليدين لله عز وجل: أنَّ يدي الله عز وجل لا توصف بأنها جارحتان وذكر خِلافاً، فهل إثبات اليدين يقتضي كون أنهما جارحتان، أرجو توضيح ذلك؟

ج/ الجواب أنَّ معتقد أهل السنة والجماعة مبني على متابعة الكتاب والسنة، وعلى أن لا يُتجاوز القرآن والحديث، نُمِرَّ ما جاء على ظاهره لا نتجاوز القرآن والحديث، فإثبات صفة اليدين لله عز وجل، هذا لأنها جاءت في القرآن وفي السنة، كما قال عز وجل {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64] ، وكما قال عز وجل في سورة ص {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] ، وكما قال {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس:71] ونحو ذلك من الآيات، وفي السنة أيضا أحاديث كثيرة في هذا الباب.

فإذا تَقَرَّرَ ذلك، فإثبات صفة اليدين لله عز وجل لا يُتجاوَزْ فيه ما جاء في الكتاب والسنة، فلا نقول اليدان جارحتان، ولا نقول اليدان كأيدينا، ونحو ذلك مما فيه مجاوزة، اليد معروفة كلّ يعقل معنى اليد؛ لكن لا تُشَبَّهْ يد الرحمن عز وجل بيد عباده؛ بل على قاعدة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، فإثبات الصفات إثبات وجود وإمرار على ظاهرها لما اشتملت عليه الصفة من المعنى، لا إثبات كيفية، فلا نَدْخُلُ في الصفات متوهمين بأوهامنا ولا مجتهدين بآرائنا؛ لأنَّ الباب باب غيبي لا يخاض فيه بالآراء والأوهام، وهكذا كل صفات الرب عز وجل مثل صفة الوجه صفة العينين وصفة السمع والبصر وصفة الإتيان والمجيء والاستواء والرحمة والرضا والغضب، وسائر صفات الرب عز وجل كلها تُثْبَتْ؛ لأنها جاءت في النصوص جاءت بالحق المطلق بالكتاب والسنة، وما لم يأت بالكتاب والسنة فلا نثبته ولا نطلقه على صفات الله عز وجل إذْ ذلك زيادة على ما عُلِّمْنَا، والله عز وجل قال ناهيا {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36] فمن زاد على ما جاء في النصوص في الصفات فقد قفا ما ليس له به علم. (1)

: [[الشريط الثاني عشر]] :

س3/ قال في سؤاله: إذا ثَبَتَتَ لله تعالى صفة بلفظ معين، فهل يجوز أن يُطْلَقَ على الله عز وجل مُرَادف هذه الصفة، مثل قول بعض العامة الله يشوف، يريدون أنه يرى؟

ج/ هذا إذا كان من باب الخبر فلا بأس؛ لكن من باب إثبات الصفة فلا يجوز لأنَّ الصفات توقيفية.

س4/ ما هو التسلسل الواجب والممتنع والممكن؟

ج/ هذا ذكرناه فيما مضى في أول شرح العقيدة الطحاوية ويمكن أن ترجع إلى شرح الطحاوية ففيها تفصيل ذلك.

س5/ ذكرتم مسألة مهمة في تقعيد العلوم، ولكن هل لكم أن تنبهوا الطلاب إلى أنّ معرفة هذه لا تعني تطاولهم على القواعد وعدم الاعتداد بها لأدنى سبب؟

ج/ نعم هذه التي ذكرناها ليس تعليما لها؛ ولكنه تنبيه لمَّا سأل السائل عن مسألة لفظ الجلالة هل الأسماء هي قديمة إلى آخره.

س6/ هل التّرضي على أهل الشجرة دعاء لهم بأن يرضى الله عنهم أو تقرير رضا الله عز وجل؟

ج/ هذا سؤال جيد وهو مبني على أنَّ قول القائل: رضي الله عنه، رحمه الله. هذا دعاء في أصله، فإذا كان قد أُمْتُنَّ عليهم بذلك من الرب عز وجل فالترضي معناه التحقيق تحقيق ذلك والدخول في تأكيده؛ لأنَّ الله سبحانه منَّ عليهم {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] .

س8/ الحروف المقطعة هل هي من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، أو يوجد من يعلمه من العلماء؟

ج/ الحروف المقطعة اختلف أهل العلم فيها إلى اثني عشرة قولاً، وهذه الأقوال جماعها قولان:

الأول أنه يُعْلَمُ معناها.

والثاني أنه لا يُعْلَمُ معناها.

ومن قال يُعْلَمُ معناها اختلفوا فيها إلى أقوال، والصحيح أنَّ معناها معلوم معروف، وأنه لا يقال لا يُعْلَمُ معناها؛ لأنها ذُكِرَتْ -كما بينتُ لكم مرارا- للتحدّي، فهذه الأحرف المقطعة ليست أوائل كلمات، وليس مجموعها يدل على أسماء الله عز وجل، وليست أسماء للسور كما هي أقوال مختلفة في المسألة، وإنما هذه الأحرف المقطعة هي الأحرف التي يُنشئ بها العرب كلامهم، والتي بها يُفاخرون في إنشاء الأشعار وإنشاء الخطب، فإذا كان كذلك فهذا القرآن من هذه الأحرف، تكَلَّمَ الله عز وجل بالقرآن بلسان عربي مبين، فإذا كان كذلك، فتكلموا بمثل هذا القرآن أو بمثل عشر سور مثله، أو بمثل سورة، والجميع عجزوا عنه، ولهذا هذه الأحرف المقطعة الصحيح أنه لا يقال لا يعلمها إلا الله؛ بل هذه الأحرف المقطّعة جُعِلَتْ في صدر السّور للتحدّي؛ تحدّي الكفار أن ينشئوا مثل هذا القرآن الذي هو من هذه الأحرف.

(1) انتهى الشريط الحادي عشر.

ص: 153

فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ، حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ، وَصَافِي الْمَعْرِفَةِ، وَصَحِيحِ الْإِيمَانِ، فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، مُوَسْوَسًا تَائِهًا، زَائِغًا شَاكًّا، لَا مُؤْمِنًا مُصَدِّقًا، وَلَا جَاحِدًا مُكَذِّبًا.

قوله (فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ، حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ، وَصَافِي الْمَعْرِفَةِ، وَصَحِيحِ الْإِيمَانِ)

هذه الجملة فيها النهي عن أنْ يتعدى المؤمن ما عُلِّمَهُ في الكتاب والسنة وأن يقتصر عليه.

وذلك لأنَّ ما لم يُعَلَّم إياه من أمر التوحيد والإيمان والعقيدة فإنَّ الخير فيما عُلِّمناهُ، والتعدي على ما عُلِّمناه فيه خوض فيما لم يأتِ لنا به علم وهذا منهيّ عنه، كما قال عز وجل {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36] ، فشيء في أمور الغيبيات لم يرد النص في الكتاب ولا في السنة فإنه يُسْكَتُ عنه ولا يُتَكَلَمُ فيه، وإذا كان معارضاً لما في الكتاب والسنة فيُرَدْ؛ لأنَّ الحق فيما قال ربنا عز وجل وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم.

فقوله (فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ)

يعني ما لم يأتِهِ به علم، رام شيئاً، أراد علماً لم يأتنا فيه علم وهو الدليل البرهان من الكتاب والسنة.

(وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ)

كما ذكرنا لكم أنَّ ثمة أشياء قد تشتبه فواجب على المسلم أن يُسَلِّم بما جاء في النص من الأمور الغيبية، فإذا لم يقنع بالتسليم الفهم، ورام شيئاً محظوراً عنه ودخل في أقوال وعقليات وآراء فإن هذا الذي فَعَل يَحْجِبُهُ عن خالص التوحيد.

قال (حَجَبَهُ مَرَامُهُ)

وهو طلبه لشيء لم يرد فيه العلم.

(عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ) .

(خَالِصِ التَّوْحِيدِ) يعني كامل التوحيد، التوحيد الذي لا شيء يُكَدِّره.

خالص: الشيء الخالص الذي لا شيء يكدّره، صافي خالص وسامي.

فمن بحث في أشياء لم يأت بها العلم الشرعي لم يأت بها الدليل فإنَّ توحيده ناقص، وهذا يدلّ على أنَّ من خاض في المُشَكِّكاتْ واستمر معها مُتَشكّكاً ولم يُسَلِّم فإنه لابدّ وأن يُحجب عن خالص التوحيد.

ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في تائيته القدرية:

وأصلُ ضلالِ الخلْقِ مِنْ كُلِّ فِرقَةِ ****** هو الخوضُ في فعْلِ الإلهِ بعلَّةِ

فإنَّهمُ لم يَفْهَمُوا حِكْمَةً لَهُ ****** فصاروا على نَوْعٍ مِنَ الجاهليَّةِ

خاضوا في شيء لم يأت لهم به خبر ولم يأت لهم به دليل، فخاضوا في أفعال الله عز وجل.

فكل من خاض في أشياء غيبية لم يأت بها الدليل فإنه يُحْجَبُ عن خالص التوحيد.

ولهذا واجب في مسائل الإيمان أن لا يُتَجَاوَزْ فيها ما جاء في الأدلة، واجب في مسائل القدر أن لا يُتَجَاوَزْ فيها ما جاء في الكتاب والسنة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح «إذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا» (1) يعني أمسكوا عن أن تخوضوا في هذه الأشياء في غير ما عُلِّمْتُمْ.

فمن خاض في شيء لم يُعَلَّمْهُ فإنه يُحْجَبُ عن خالص التوحيد؛ لأنه قد يقوده ذلك إلى الشك وعدم الاستسلام.

قال (وَصَافِي الْمَعْرِفَةِ)

المعرفة في كلام أهل العلم تتناوب مع العلم.

إذا قيل المعرفة فيراد بها العلم، ولهذا قَسَمَ طائفة من العلماء التوحيد إلى قسمين:

- توحيد المعرفة والإثبات.

- توحيد القصد والطلب.

وتوحيد المعرفة والإثبات يعني توحيد العلم؛ يعني التوحيد العلمي الخبري، والتوحيد الطلبي الإرادي.

والمعرفة إذا كانت بذلك بهذا المعنى فلا بأس بذلك.

ونبهتكم مرارا على أنَّ كلمة المعرفة جاءت بمعنى العلم في السنة كما روى أصحاب الصحيح أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ «إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم عرفوا ذلك» (2) يعني علموا ذلك وأقرّوا به ونحو ذلك، هذا من المعنى الجائز الذي ورد.

وأكثر ما جاء في القرآن بل كل ما جاء في القرآن أنَّ المعرفة أضيفت لمن يُذَمْ وليس لمن يُمْدَحْ، كما قال عز وجل {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} [النحل:83] ، وكما قال {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:20] ، ونحو ذلك من الآيات، وهذا سبق بيانه.

فإذاً قوله (وَصَافِي الْمَعْرِفَةِ) يعني وصافي العلم، فالعلم الصافي لا يؤتاه إلا من سَلَّم.

وهذا أمر عجيب لأنَّ العلم الشرعي وخاصَّة التوحيد يؤتاه العبد بشيئين سلوكيين من أعمال القلوب:

1 -

الأمر الأول:

أنْ لا يعترض، فإذا اعترض حُجِبْ.

2 -

والأمر الثاني:

أن يعمل، فإذا تعلم الإخلاص عَمِلَ به، تُفتح له من أبواب الإيمان والعلم بالإيمان والإخلاص ما لا يُفتح للآخرين؛ بل المرء نفسه يجد في حاله في تارات من حياته أو تارات من طلبه للعلم مرةً يُفْتَح له لإخلاص كان عنده وصدق وعمل صالح كان عنده، ومرات يُحْجَبْ عنه كثير من أنواع الإخلاص وأنواع العلوم القلبية والأعمال القلبية.

فهذان الأمران مهمان:

- الأول عدم الاعتراض.

- والثاني العمل بمفردات التوحيد ومفردات الإخلاص.

فصفاء العلم يكون بهذين الشيئين.

حتى الأمور العملية -أمور الصلاة، الأحكام الفقهية من العبادات في المعاملات وغير ذلك-، إذا علمت شيئا فَسَلَّمْتَ للدليل، وسَلَّمْتَ لكلام أهل العلم، فعَمِلْتَ بذلك أورثك الله عز وجل ثباتاً في هذا العلم الذي عَلِمْتَهُ وفهماً لِمَا لم تعلم، كما قال بعض السلف (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم) (3) وقد قال عز وجل في سورة النساء {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:66] .

{لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} إذا فعل المرء ما يُوعَظ به؛ يعني في القرآن والسنة خير أن تعمل ما وُعِظْتَ به وأشد تثبيتا للإيمان وللعلم.

ولهذا عدم الاعتراض في أمور العقائد والتوحيد على النصوص يُعْطَى العبد به نور ويَخْلُصْ توحيده وتصفى معرفته وعلمه ويَصِحَّ إيمانه كما ذكر رحمه الله.

وكذلك في الأمور العملية إذا عَمِلَ بعد العلم وسَلَّم ولم يعترض فإنه يصفى من جهة العمل ويكون إيمانه وعمله داعياً له إلى العلم وإلى الازدياد من العمل.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من أهل صحة الإيمان وصفاء العلم.

قال (فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، مُوَسْوَسًا تَائِهًا، زَائِغًا شَاكًّا، لَا مُؤْمِنًا مُصَدِّقًا، وَلَا جَاحِدًا مُكَذِّبًا.)

وهذا كثير في الذين عرضت لهم الشكوك وساروا معها ولم يقنعوا بما دلهم عليه الكتاب والسنة.

فإنهم يبقون متشككين حائرين ليسوا مؤمنين وليسوا كفاراً، تارة يَنْزَعُ إلى هؤلاء بِشَكِّهِ، وتارَةً يكون مع أهل الإيمان بتصديقه، وتارَةً يعرض له التكذيب، وتارَةً يعرض له التصديق، تارَةً يعرض له الإقرار وتارَةً يعرض له الإنكار، فليس في قلبه يقين للحق، ليس في قلبه علم لا شك فيه؛ بل هو متردد بل هو ذو ريب وذو شك، والله عز وجل وصف المنافقين بأنهم لا يزالون في ريبهم فقال سبحانه {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة:45] .

* ننبه إلى أنَّ قوله (فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَالتَّصْدِيقِ.... مُوَسْوَسًا تَائِهًا) ونحو ذلك، الوسوسة هذه لها حالات إذا عَرَضَتْ فلم يتكلم بها العبد، وحَكَّمَ العلم على قلبه فإنَّ هذه الوسوسة دليل الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم لمَّا سُئِلَ فقيل له (إن أحدنا ليجد في نفسه أشياء لا يتجاسر أن يتكلم بها) قال «أو قد وجدتم ذلك، ذلك صريح الإيمان» (4) يعني أنَّ الشيطان إذا لم يتمكن من العبد إلا أَنْ طَرَحَ في قلبه بعض الوساوس فهذا يدل على أنَّه لم يستطع عليه؛ بل هو مؤمن وهذا دليل صريح الإيمان الذي في القلب.

لكن هذا في حق من؟

من تعْرِضُ له هذه الأشياء ثم ينفيها بالعلم، فإنَّ كل أحد لا يسلم من هذه العوارض التي تأتي والشكوك أو الوساوس التي يُلقيها الشيطان لكن صاحب العلم ينفيها ولا يستأنس لها، وأما الذي يستأنس لها ويسير معها ويبحث متشككاً حائراً كما ذكرنا ولم يستسلم فإنَّ هذا هو الذي وُصِفَ هنا بقوله (فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ) إلى آخره.

هذه المسائل التي سمعتموها وما سيأتي تأصيلية، في مسائل التلقي والموقف من العقل، والاستسلام للنص، ووحدة مصدر التلقي، وأنَّ العقيدة مأخوذة بالاستسلام، ونحو ذلك والمباحث العقدية يأتي بعد ذلك بقية ما أورده المصنف.

ثم قال رحمه الله (وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ دَارِ السَّلَامِ لِمَنِ اعْتَبَرَهَا مِنْهُمْ بِوَهْمٍ، أَوْ تَأَوَّلَهَا بِفَهْمٍ)

هذا سبق أن ذكرنا الرؤية رؤية الرب عز وجل والمباحث فيها والرد على أهل الزيغ فيها وتقرير مذهب أهل السنة والجماعة أهل الحديث في ذلك، سبق أن ذكرنا ذلك بتفصيل.

_________

(1)

تقدم ذكره (68)

(2)

البخاري (7372)

(3)

حلية الأوليا (6/163) عن عبد الواحد بن زيد قال (كان يقال من عمل بما علم فتح الله له ما لا يعلم) .

(4)

مسلم (357) / أبو داود (5111)

ص: 154

قال هنا (وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ دَارِ السَّلَامِ لِمَنِ اعْتَبَرَهَا مِنْهُمْ بِوَهْمٍ أَوْ تَأَوَّلَهَا بِفَهْمٍ، إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ تَرْكِ التَّأْوِيلِ وَلُزُومِ التَّسْلِيمِ)

(دَارِ السَّلَامِ) التي هي الجنة {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنعام:127] ؛ لأنَّ فيها السلامة بجميع أنواعها؛ السلامة في البدن والسلامة في القلب، والسلامة في الخواطر، حتى اللغو لا يسمعون وحتى كما قال {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} [الغاشية:11] ، حتى ما يُؤذي السمع فلا يُسْمَعْ، وخرير الأشجار وحركة الأوراق ألحان في الجنة، فكل ما فيها سلام، وتحية أهلها السلام.

قال (وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ لِأَهْلِ دَارِ السَّلَامِ لِمَنِ اعْتَبَرَهَا مِنْهُمْ بِوَهْمٍ)

يعني أنَّ الإيمان بالرؤية فرض؛ لأنَّ الله عز وجل ذكرها في كتابه وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، فهي عقيدة الإيمان بها فرض، فمن تأول الرؤية فلا يصح إيمانه.

وهذا ليس للرؤية فحسب، بل كل من تأَوَّلَ شيئاً من الغيبيات فلا يصح إيمانه به، لأنَّ الإيمان بالأمور الغيبية إيمانٌ بما دلَّ عليه ظاهر اللفظ، إيمانٌ بما دلَّ عليه ظاهر الصفة، إذ كانت قاعدة السلف أمِرُّوهَا كما جاءت لا يُتجاوز القرآن والحديث.

قال (لِمَنِ اعْتَبَرَهَا بِوَهْمٍ، أَوْ تَأَوَّلَهَا بِفَهْمٍ) .

(اعْتَبَرَهَا بِوَهْمٍ) من تخيَّل شيئاً ما.

(أَوْ تَأَوَّلَهَا) يعني سلَّط على نصوص الرؤية التأويل.

قال في التعليل (إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ تَرْكِ التَّأْوِيلِ وَلُزُومِ التَّسْلِيمِ) .

يعني أنَّ تأويل الرؤيا وتأويل الصفات الحق هو ترك التأويل وهذا يأتي بيانه في المسائل.

فتأويل الصفات هو ما تؤول إليها حقائقها، والعقل والقلب لا يدرك الغيبيات، فلذلك عدم إدراكه للغيبيات يدلُّ على أنها على ظاهرها.

فقوله هنا (وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ) إلى آخره علَّلَهُ بقوله (إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ) يعني إلى الرب عز وجل من الصفات جميعاً تأويلُ ذلك الحق هو (تَرْكِ التَّأْوِيلِ وَلُزُومِ التَّسْلِيمِ، وَعَلَيْهِ دِينُ الْمُسْلِمِينَ) .

وهذه الجملة من كلامه واضحة المعنى فيما ذكرت لك لكن ينبني عليها لفهم مراده مسائل:

ص: 155

[المسألة الأولى] :

التأويل لغةً: هو ما تؤول إليه الأشياء، آلَ الأمر إلى كذا؛ يعني صار إلى كذا، والتأويل هو إِيَالُ الأشياء إلى نحو ما، هذا في اللغة.

تأويل الرؤية: ما تَؤُولُ إليه الرؤية، تأويل الطاعة ما تَؤُولُ إليه الطاعة {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [الإسراء:35] يعني وأحْسَنُ عاقبة، أَحْسَنُ مآلاً.

فإذاً كلمة تأويل هذه اسم مصدر: آلَ الشيءُ، يَؤُولُ، إِيَالَاً، وتَأْويْلَاً، فَإِيَالُهُ؛ نهايته تسمى تأويله.

والكل يشترك في المعنى الأول اللغوي الذي ذكرته لك.

ص: 156

[المسألة الثانية] :

التأويل في استعمال أهل العلم أو فيما جاء في الكتاب والسنة وفيما جرى عليه كلام العلماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

1-

القسم الأول: التأويل بمعنى التفسير.

تأويل كذا يعني تفسيرَه، {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي} [يوسف:100] يعني هذا تفسير {رُؤْيَاي} .

و [ذهب] قول العلماء في تفسير القرآن (قول أهل التأويل) ؛ مثل ما يستعمل الإمام ابن جرير في تفسيره ويكثر منه، فيقول (قال أهل التأويل) يعني أهل تفسير القرآن.

2-

القسم الثاني: تأويل الأخبار وتأويل الأمر والنهي.

تأويل الخبر ما تؤول إليه حقيقة الخبر.

يعني أنه إذا ذُكِرَ شيء لك فأُخْبِرْتَ به فتَأْوِيْلُهُ حينما تراه كما قال عز وجل {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} يعني تأويل ما ذَكَرَ الله في سورة الأعراف من خبر يوم القيامة من الجنة والنار {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ} [الأعراف:53] إلى آخر الآية.

قوله {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} يعني ما يؤول إليه حقيقة الخبر وهو ما سيراه الناس.

فتأويل كل خبر في الأمور الغيبية هو حقيقته التي هي عليه.

فتأويل الجنة هو حقيقة الجنة، تأويل النار حقيقة النار.

فهذه الأخبار التي أَخْبَرَ الله عز وجل بها من الغيبيات تأويلها هي حقائقها في الأمور الغيبية، ولهذا قال عز وجل {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7] على من وقف عند لفظ الجلالة.

لأنَّ أَحَدَاً لا يعلم التأويل إلا الله؛ يعني تأويل المتشابه.

يُعنى بهذا التأويل ما تؤول إليه حقائق هذه الأشياء، يعني ما هي عليه وهذه لا يعلمها إلا الله.

لا يعلم حقيقة الصفات إلا الله، لا يعلم حقيقة الجنة والنار إلا الله، لا يعلم حقيقة يوم القيامة إلا الله، لا يعلم حقيقة ما في السماء إلا الله، لا يعلم حقيقة الصراط وأحوال البرزخ إلا الله عز وجل.

فهذه الحقائق لا يعلمها إلا الله؛ لكن المسلم يعلم المعاني في الأمور الغيبية، أُخبرنا في الأمور الغيبية بأشياء لها معنى فنعتقدها، وأما حقيقة ما هي عليه بكمالها من جهة المعنى والكيفية، هذه لا يعلمها إلا الرب عز وجل.

لهذا صَحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّهُ قال (ليس في الجنة من دنياكم إلا الأسماء)(1) .

يعني أنك تعرف أصل المعنى، أما الحقائق فالمسألة ليست بمقدور الناس أن يفهموا حقيقة ما في الجنة.

حقائق الأخبار إذاً، حقيقة الخبر من جهة تمام المعنى ومن جهة كيفية الأمور الغيبية هذه لا يعلمها إلا الله.

فيكون الوقف عند الآية {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} .

والراسخون في العلم لا يعلمون تأويل الأخبار بمعنى حقائق الغيبيات على ما هي عليه من جهة الكيفية ومن جهة تمام المعنى.

أمَّا الأمرُ والنهي: فالله عز وجل أَمَرَ بأوامر ونَهَى عن نواهي: فتأويل الأمر امتثاله، وتأويل النهي الانتهاء عنه؛ لأنَّ الله عز وجل قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59] ؛ يعني وأحسن امتثالاً لأمر الله عز وجل وأحسن عاقبة.

فإذاً كل من أُمِرَ بِأَمْرٍ فتأويلُ الأمْرِ؛ يعني ما تؤول إليه حقيقة الأمر هو أنْ يمتثله.

فمن لم يمتثل فلم يستسلم للأمر ولم يطع في ذلك.

تأويل النهي هو ما تؤول إليه حقيقة النهي وهو امتثاله - امتثال النهي يعني أن يجتنب النهي؛ أي ما نُهِيَ عنه.

ثم يزيد على الأمرين:

- في الامتثال بالأوامر عاقبة أو جزاء الامتثال.

- وفي الإنتهاء جزاء الانتهاء عما نهي عنه بالنواهي.

فإذاً التأويل بالأمر والنهي يشمل شيئين:

- الأول: أن يمتثل الأمر ويجتنب النهي.

- والثاني: ما سيراه في الآخرة من جزاء الأمر، وما امتثله، ومجازاة العبد على انتهائه عن ما نهي عنه.

3 -

القسم الثالث التأويل بمعنىً حادث لم يأتِ في القرآن وفي السنة.

وهو أنْ يُصرَفْ دليل عن ظاهره لِحُجَّة.

وهو صحيح إذا كان بضابطه الذي ضبطه به أهل العلم.

ويُعَبِّرْ عنه الأصوليون بقولهم: صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره لقرينة.

وهذا للأصوليين فيه تفصيلات حيث أنَّه ينقسم إلى ثلاثة أقسام.

لكن هذا المعنى من التأويل صحيح، يعني أنَّ النصوص ربما صُرِفَ اللفظ إلى غيره، صُرِفَتْ دلالة الدليل إلى آخر لدليل آخر لقرينة.

(1) انظر تفسير الطبري (البقرة/25)

ص: 157

[المسألة الثالثة] :

هذا التأويل الأخير هو الذي به تسلَّط (1)[.....]

[.....] وأوَّلوها بالتأويلات.

فنصوص الرؤية حَرَّفُوهَا وسَمَّوا تحريفهم تأويلاً.

ونصوص إثبات الصفات من الوجه واليدين والرحمة والرضا من الصفات الذاتية والصفات الفعلية جميعا حَرَّفُوهَا وسمَّوا تحريفهم لها تأويلاً.

وهذا هو الذي أراده الطحاوي بقوله (إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ تَرْكُ التَّأْوِيلِ وَلُزُومِ التَّسْلِيمِ) ؛ لأنَّ تأويلهم له كان باطلاً، وحقيقة التأويل أن يُتْرَكْ التأويل.

يعني التأويل المطلوب شرعاً أن يُترك التأويل، وهذا يحتاج على تطبيق.

فالتعريف، عَرَّف الأصوليون التأويل بأنه صرف اللفظ -يعني الذي جاء بالدليل- عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره لقرينة.

هنا القرينة لابد أن تَدُلَّ على أنَّ الظاهر غير مراد حتى يُمكن أن يُصرَفْ اللفظ عن ظاهره لأنّ الظاهر هو الأصل.

فإذا أردنا أن نُؤَوَّلْ الظاهر لابد من قرينة.

هذه القرينة هي التي بها قلنا الظاهر غير مراد.

فأتوا بهذه القرينة وسَلَّطُوهَا على نصوص الصفات.

فقالوا في الرؤية مثلاً: الرؤية ظاهرها يقتضي التجسيم، يقتضي التحيز، يقتضي التشبيه - رؤية الرب عز وجل-، يعني أنَّهُ يكونُ مُتَحِيِّزَاً حتى يمكن أن يراه الناس، لابد أن يكون في جهة حتى يمكن أنَّ الناس يروه، لابد أن يكون في مقابلة العينين حتى تراه العينين، وهكذا.

فلَّمَا كانت هذه القرينة العقلية عندهم وهي أنَّ الله عز وجل لا يشبه المخلوق ولا يماثل المخلوق، قالوا: إذاً الرؤية تُؤَوَّل لأنَّ معناها الظاهر غير مراد قطعاً؛ لأنَّ فيه تمثيلاً وتشبيهاً لله بخلقه.

وهذا ينطبق على جميع الصفات، فيمكن أن تُطَبِّقْ هذه القاعدة على كل ما أُوِّلَ من النصوص في الصفات والأمور الغيبية سواءً كان في الصفات الذاتية أو الصفات الفعلية.

ونناقش هؤلاء -وأنا أريد منكم أن تتابعوا معي؛ لأني أريد كلمة مهمة لبناء ما بعدها عليها-:

هؤلاء جاءوا بشيءٍ سَمَّوهُ قرينة فحَكَّمُوهُ على النص، فسَمَّوا هذا الذي فَعَلُوهُ تأويلاً.

ونحن بقاعدة الأصوليين -بتعريف الأصوليين- نناقشهم، هل طبقتم التأويل حقا؟ أم أنكم عملتم شيئاً سَمَّيتُمُوهُ تأويلاً؟

القاعدة ما عليها غبار، القاعدة صحيحة.

فنقول هنا (صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره لقرينة) :

لصرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره لابد أن يكون الظاهر الذي صُرِفَ عنه معلوم المعنى حتى نصرفه إلى غيره؛ ونقول هذا الظاهر الأول غير مراد لأنَّهُ لا يصلح، حتى يمكن أن نصرفه.

وهذا في التقعيد واضح.

صفات الرب عز وجل في ظاهرها المتبادِرْ منها أصل المعنى، وليس ظاهراً في الكيفية وليس ظاهراً في كل المعنى.

إذاً فعندنا في النص ثلاثة أشياء:

- عندنا أصل المعنى الذي نفهم به، نفهمه من اللغة.

- وعندنا كمال المعنى، تمام الصفة، كمال معنى الصفة.

- وعندنا ثالثا الكيفية.

فإذاً ظاهر النص مشتمل على أصل المعنى؛ يعني على إثبات الصفة من حيث الوجود، صفة الرحمة {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هذا فيه إثبات صفة الرحمة؛ لكن ما هو كمال معنى الرحمة؟

ليس واضحاً في النص، إِذْ النصوص فيها أصل إثبات الصفة.

فإذاً صرف اللفظ عن ظاهره المتبادِرِ منه إلى غيره لقرينة، هم لم يصرفوا الظاهرَ، وإنما صَرَفُوا شيئاً تَوَهَّمُوهُ زيادةً على الظاهر.

فالظاهر يجب الإيمان به والاستسلام له.

فهم تَوَهَّمُوا للظاهر شيئاً زائداً على دلالة النص، توهموا تمام معنىً وتوهموا كيفيةً.

فإذاً لم يقتصروا على الأمر الأول؛ وهو أنَّ النص جاء في الصفات وفي الأمور الغيبية لأصل المعنى وإنما توَّهَمُوا كيفية، فقالوا: كيف أن الإنسان يرى الله عز وجل بعينيه؟

معناه أنَّ الله عز وجل يكون متحيز، وسوف يكون في جهة، وسوف يكون إلى آخره من الأمور الباطلة.

ونقول هذه زائدة على النص.

فإذن التأويل الذي سُلِّطَ على النص في الحقيقة سُلَّطَ على ما في الأوهام ولم يُسلَّط على النص، فإنكم تَخَيَّلْتُم أنَّ النص يشمل الثلاث هذه جميعاً: في أصل المعنى وفي تمامه وفي الكيفية، ثُمَّ سَلَّطْتُم التأويل عليها.

فسلطتم إذاً التأويل ليس على اللفظ وإنما على ما تَوَهَّمْتُمُوهُ من اللفظ.

فإذاً قاعدة التأويل في الحقيقة لم تُطَبَّقُوهَا وإنما طبَّقتم ما في أذهانكم.

لهذا نقول: إنَّ إثباتَ الصفة هو إِثْبَاتُ وجودٍ لمعنى وليس إثبات تمام المعنى أو الكيفية.

فالقرينة التي بها تَسَلَّطُوا على النص هي قرينة المماثلة أو المشابهة.

فيقولون: هذا يقتضي التمثيل، يقتضي التشبيه، يقتضي التجسيم، فلذلك يُؤَوَّلْ.

(1) انتهى الوجه الأول من الشريط الثاني عشر.

ص: 158

فالقرينة عندهم عقلية بحتة وليست نصاً، القرينة عقلية في أنَّ هذه الأشياء ظاهرها يماثل صفات المخلوقين، يشابه صفات المخلوقين، فلذلك يجب أن نَنْفِي هذا الظاهر.

وهذا في الحقيقة ليس هو ظاهر النص.

ظاهر النص ليس فيه الكيفية، ظاهر النص ليس فيه كمال المعنى.

وإنما ظاهر النص الذي يجب الإيمان به أنَّ فيه أصل اتصاف الله عز وجل بالصفة.

فنؤمن بأنَّ الله عز وجل ذو وجه عز وجل، وأنه سبحانه مُتَّصِفٌ بصفة السمع.

لكن كيف يسمع؟

يسمع دبيب النملة على ظهر الصخرة الملساء.

كيف حصل هذا السمع؟

تمام معنى السمع لا نستطيع أن ندخل فيه، وإنما نقول الله عز وجل موصوفٌ بصفة السمع وله من هذه الصفة كمالها؛ كمال هذه الصفة، الكمال المطلق.

لكن هل نستطع أن نخوض في تفصيلاته؟

لا نستطيع.

كذلك صفة الوجه، صفة اليدين، إلى غير ذلك من الصفات.

فإذاً هو إِثْبَاتُ وجود لا إثبات كيفية، إثبات اتصاف بالصفة لا إثبات كيفية.

فإذاً الذين سَلَّطُوا القرينة سَلَّطُوهَا بشيءٍ مُتَوَهَّمْ، فلهذا لا يَصِحُّ أن يُقَال إنهم طَبَّقُوا قاعدة التأويل، بل هم حرَّفوا؛ لأنهم جعلوا للنص دِلَالَة بأوهامهم خلاف دلالة النص، ثم بعد ذلك سلطوا عليها تأويلهم.

لهذا قال طائفة من أهل العلم (كل مُؤَوِّلْ مُمَثِّلْ، كل مُؤَوِّلْ مُشَبِّهْ) .

لأنه لا يمكن أن يُؤَوِّلْ إلا وقد قام في قلبه من دِلَالَةِ النص التشبيه أو التمثيل، هذا واحد.

الأمر الثاني نقول لهم: إذا لم تُسَلِّمُوا بذلك وقلتم:

إنَّ تأويلنا كان لأصل المعنى وليس لما قام في أوهامنا وفي أذهاننا.

فنقول يلزم من ذلك أن تُأَوِّلُوا صفة السمع، يلزم من ذلك أن تُأَوِّلُوا صفة البصر، يلزم من ذلك أن تُأَوِّلُوا صفة الكلام، فما الفرق بين صفة الكلام لله عز وجل وصفة السمع والإرادة والحياة وصفة الرحمة؟ ما الفرق بينها؟ ما الفرق بين هذه الصفات وبين صفة اليدين؟

فإذاً في صفة السمع: للمخلوق سمع، فالمشابهة حاصلة بحسب أفهامهم.

فالنص الذي به أَثْبَتُّمْ صفة السمع والبصر وصفة الكلام هو النص الذي أُثْبِتَتْ به سائر الصفات.

فلِمَ لم تتعرضوا لهذا بتأويل وتَعَرَّضْتُم للآخر بتأويل؟

إنْ كان الآخر أخذتم كما قلتم أصل المعنى فأوّلتم، فهذه أنتم أخذتم أصل المعنى فيلزمكم التأويل.

إذاً فالحاصل من هذا أنَّ كل مؤول لا يصح أن يقال إنه مُؤَوِّل؛ بل هو مُحَرِّفْ لأَنَّ التأويل لا ينطبق على قاعدته، لا ينطبق على هذه الحالة.

فالنصوص الغيبية بابها باب واحد، تطبيق القاعدة الأصولية التي هي التأويل لا يصلح على هذه المسائل، المسائل الغيبية لما ذكرته لك.

تتميم للمسألة، إذاً قول الطحاوي هنا دقيق للغاية يُتنبه لقوله، قَالَ (إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ تَرْكِ التَّأْوِيلِ) .

إذا أردت أن تُطَبِّقْ قاعدة التأويل فتخرج منها وسَتَسْتَنْتِجْ منها أنَّ التأويل تَرْكُ التأويل.

كيف؟

إذا قلنا إنَّ القرينة غير ممكنة؛ لأنَّ هذا المعنى غيبي، فإذاً سينتج منه أنَّ القاعدة غير منضبطة.

فإذاً التأويل سَيُؤَدِّيْكَ إلى ترك التأويل؛ لأنَّ القاعدة غير جائية وسارية في مسائل الغيبيات.

وهذه كلمة دقيقة منه رحمه الله (إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ تَرْكِ التَّأْوِيلِ وَلُزُومِ التَّسْلِيمِ) لأنك لو طَبَّقْتَ قاعدة التأويل نَتَجَ منها تَرْكُ التأويل.

التأويل: يعني أن تترك التأويل.

ص: 159

[المسألة الرابعة] :

مِثْلُ التأويل في تسليطه على نصوص الغيبيات ما يسمى بالمجاز.

والتأويل والمجاز يُستخدَمَانِ في مباحث الصفات والأمور الغيبية بعامة، يستخدمها أهل البدع الذين لم يُسَلِّمُوا للنصوص دِلَالَتِهَا.

(المجاز) لم يأتِ هذا اللفظ لا في القرآن ولا في السنة ولا في كلام الصحابة ولا في كلام التابعين ولا في كلام تبع التابعين.

يعني انقضت القرون الثلاثة المفضلة ولم يُستعمل هذا اللفظ، فلفْظُهُ حادث.

والألفاظ الحادثة بحسب الاصطلاح:

- إن كان هذا المصطلح أُسْتُخْدِمَ في شيءٍ سليم، في شيء مقبول شرعاً، فلا بأس به إذ لا مُشَاحَّةَ في الاصطلاح، مِثْلْ ما قالوا التأويل هو كذا وكذا فَعَرَّفُوهُ، ومثل ما تَعَارَفُوا على أشياء كثيرة في العلوم.

ولهذا اسْتَعْمَلَ لفظ المجاز بعض العلماء في معاني صحيحة؛ فَكَتَبَ أبو عبيدة مَعمَر بن مثنى كتاباً سَمَّاهُ مجاز القرآن، وتجد في ألفاظ لابن قتيبة أيضاً ذِكْرَاً للمجاز -للمجاز العام-؛ يعني المجاز المقبول؛ وله هو نَظَرْ في المجاز لا نَعْرِضُ له الآن.

إذاً هذا تاريخ اللفظ أنَّ اللفظة حادثة ما كانت مستعملة.

ماذا يُقْصَدْ بلفظة (مجاز) من حيث اللغة؟

المجاز يعني: ما يجوز، هذا في اللغة.

ولهذا قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه مجاز القرآن {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون:28] ، قال: مَجَازُهُ علا على العرش، وهذا يعني أَنَّهُ معناه في اللغة؛ يعني ما تُجِيْزُهُ اللغة.

يعني هذا مجازه اللفظي في اللغة وما أجازته العرب من المعنى.

إذا نظرت لذلك وجدت أَنَّ استعمال من استعمل لفظ المجاز غير استعمال المُحَرِّفين.

لهذا نقول: المجاز عند أهل التّحريف عَرَّفُوهُ بما يلي:

قالوا: المجاز هو نقل اللفظ من الوضع الأول إلى وَضْعٍ ثانٍ لعلاقة بينهما.

وعَرَّفَهُ آخرون بقولهم: المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وُضع له.

مثاله عندهم، يقول مثلا: أَلْقَى فلان عَلَيَّ جناحه.

فمجاز الجناح هنا قالوا: الجناح يعني كنفه ورعايته ويده إلى آخره.

قالوا: أصل الجناح للطائر، جناح الطائر.

فلما اسْتُعْمِلَ في الإنسان صار استعمال اللفظ لغير ما وُضِعَ له، لهذا سَمَّوهُ مَجَازَاً.

إذا تبين لك ذلك فنقول:

أولاً قولهم في تعريف المجاز: إنَّ المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له مَبْنِيٌّ على أنَّ الألفاظ موضوعة لمعاني.

ومن الذي وَضَعَ المعنى أو اللفظ للمعنى؟ من الذي وضع؟

يقولون العرب وَضَعَتْ.

التعريف الأول -وهو المشهور عند الأصوليين- المجاز نقْلُ اللفظ من وضع أول إلى وضع ثاني.

يعني أنَّ العرب وضعت للألفاظ شيئاً ثم نقلته من الوضع الأول إلى الوضع الثاني.

هذا التصور مبني على خيالٍ في أصله.

وهو أنه يُطَالَب من عَبَّر هذا التعبير بأن يقال له: من الذي وَضَع الوضع الأول؟

هذا أَوَّلَاً في التعريف

لهذا لا تدخل مع الذين يبحثون في المجاز أصلاً، يعني في الغيبيات

أما في الأمور الأدبية، هذا الأمر سهل؛ يعني الخلاف الأدبي سهل.

لكن إذا أتى المجاز في الأمور الغيبية والصفات فَنَاقِشْهُ في التعريف.

الآن ما هو تعريف المجاز؟

استعمال اللفظ في غير ما وُضِعَ له، أو نَقْلُ اللفظ من الوضع الأول إلى الوضع الثاني.

هذا الوضع الأول والوضع الثاني كيف عرفنا أَنَّ هذا هو الوضع الأول؟

الجواب: لا سبيل إلى الجواب.

ليس ثَمَّ أحد يمكن أن يقول هذا اللفظ وُضِعَ لكذا، إِذْ معنى ذلك أَنَّ العرب اتفقت، عَقَدَتْ مُؤْتَمَرَاً، اجتمعت جميعاً وقالت: الآن نحدد لغتنا في الوضع الأول.

هذا السقف السماء وضعها الأول هو ما علا.

الأرض هي هذه هذا الوضع الأول.

السَّيْرُ، جَرَى، مَشَى، معناه كذا.

جَنَاحْ هُوَ لهذا الطائر، حَمَامْ هو لهذا الطائر، وهكذا.

فَيُتَصَوَّرْ من التعريف أنَّ العرب اجتمعت وجَعَلَتْ لكل لفظٍ معنىً في لغتها.

وهذا خيال؛ لأنّ من عَرَفَ ودرس نشأة اللغات لا يمكن أن يتصوّر أنَّ اللغة العربية نشأت على هذا النّحو.

لهذا نقول: أولاً التعريف غير صحيح، لأنَّ الوضع الأول يَحْتَاجُ إلى برهان لإِثْبَاتِ أَنَّهُ وَضْعٌ أول.

أَثْبِتْ لي أَنَّ هذا هو الوضع الأول ولا بأس.

ولا سبيل إلى الإثبات.

لهذا نقول: إنَّ المعاني في اللغة العربية كثيرٌ منها كُلِّيَّةْ.

وكلما ذهبت إلى المعنى الكلي كلما كنت أحْذَقْ وأَفْهَم للغة.

وهذا ما جرى عليه العالم المحقق ابن فارس في مقاييس اللغة، كتاب سماه (معجم مقاييس اللغة) جَعَلَ الكلمات لها معاني كلية ثم تندرج التفريعات تحت المعنى الكلي، وليس وضعاً أول ثم وضعاً ثانيا، وهذا حقيقة وهذا مجاز، ليس كذلك.

إذا تبين ذلك فنقول: لفظ التأويل ولفظ المجاز يُسْتَعْمَلَانِ كثيراً.

الظاهر: يقابله التأويل.

والحقيقة: يقابلها المجاز.

فيُقَال هذا حقيقة وهذا مجاز، ويُقَالْ هذا ظاهر وهذا تأويل.

ص: 160

ولا يقال في التأويل مجاز وللمجاز تأويل، لا، التأويل يختلف عن المجاز كما ذكرته لكم مراراً.

المجاز كتطبيق لأجل أن تفهم كيف يطبقون المجاز على قاعدتهم وكيف أنَّ هذا الكلام الذي طبقوه غير جيد غير صحيح.

يقولون مثلاً: الرحمة مجاز عن الإنعام.

طيب مجاز عن الإنعام يعني أنَّ لفظ الرحمة وضعته العرب للمخلوق للإنسان.

فلما أسْتُعْمِلَ في صفات الرب عز وجل نَقَلُوهُ من الوضع الأول إلى وضع ثانٍ وهو الإنعام لأنَّ العرب استعملت الرحمة بمعنى الإنعام.

فإذاً الرحمة تشمل رحمة الأم بولدها، ورحمة الوالد بولده، ورحمة الإنسان بمن يتعرض لشيء أمامه من المكروهات، وتشمل الإنعام.

رَحِمَهُ يعني أنْعَمَ عليه.

قالوا الإنعام هذا وضع ثاني والرحمة التي يجدها الإنسان في نفسه هذا الوضع الأول.

ففي صفات الرب عز وجل لا نقول إنه متصف بالرحمة لم؟

قالوا لأنَّ الرحمة لا تحصل إلا بضعف، إلا بانكسار، وهذا منزه عنه الرب جل جلاله.

فإذاً نقلوا من الوضع الأول إلى وضعٍ ثانٍ لعلاقة.

العلاقة بينهما هي مناسبة هذا لله عز وجل.

يعني الإنعام مناسب في هذا وفي هذا.

العلاقات عندهم في المجاز نحو ثلاثين علاقة، وأُلِّفَتْ فيها كتب، يعني من باب الذكر وليست مهمة.

طيب، عندكم الرحمة بمعنى الإنعام، والرحمة حينما فسرتموها قلتم الوضع الأول في الإنسان لماذا؟

الرحمة هذا اللفظ وُجِدَ مع الإنسان، أليس كذلك؟

وُجِدَ مع الإنسان، أحَسَّ بهذا الشيء الذي في نفسه وهذا الشيء سُمِّيَ رحمة.

فهل هذه الرحمة حينما وُضع لها هذا المعنى هي في لغة العرب أو هي في اللغات جميعاً؟

الجواب أنها في لغة العرب؛ يعني من حيث لفظ (رحمة) .

وأما المعنى المُشْتَرَكْ لهذه الصفة فهذا عام في جميع اللغات؛ يعني موجود في كل لغة ما يدل عليه.

اللغة هل تضع الأشياء محدودة أو كلية؟

اللغة المفروض فيها أنها تجعل الألفاظ للمعاني الكلية، لا لمعانٍ محدودة.

فنأتي للرحمة فنقول الإنسان عنده هذه الرحمة، وَجَدَ هذه الصفة في نفسه فَسَمَّاهَا رحمة.

لكن لا يوجد تعريف في أي كتاب من كتب اللغة للرحمة بتعريف جامع مانع محدود.

كذلك الرأفة، كذلك الوُد، كذلك المحبة، ونحو ذلك، فالمعاني النفسية هذه الموجودة في داخل نفس الإنسان هذه لا يوجد تعريف محدّد لها حتى في كتب اللغة.

إذاً فهي ليست موضوعة لما يحسُّهُ الإنسان، وهي إذاً موضوعة لمعانٍ كلّية تشمل هذه الصفة.

ولهذا نجد أنّ كل الصفات المعنوية لا يمكن تعريفها.

لو أتاك أحد وقال عرف لي هذه الرحمة التي في قلبك؟

لا يُحْسِنْ حتى هؤلاء الذين يَحْكُمُون بالمجاز وبالتأويل لا يُحْسِنُونَ أَنْ يُعَرِّفُوا الرحمة بشيءٍ جامعٍ مانع.

هات الرحمة بتعريف جامع؟

فيُفَسِّرْ الرحمة بأثر الرحمة، فيُفَسِّرْ الرأفة بأثر الرأفة، فيُفَسِّرْ المحبة بأثر المحبة.

لكن كل إنسان في أي لغة إذا طَرَقَ سمعه الرحمة هو يعرف مدلول الرحمة بما يجده في نفسه.

إذاً فالمعاني النفسية هذه التي هي ليست ذوات هذه كليات، والكليات ليست مفردات، الكليات للجميع.

فإذاً جَعْلُ الكلية اللغوية مُفْرَدَاً في حال الإنسان، وجَعْلُ هذه المفْرَدَةَ وضْعَاً أول هذا لاشك أنه ليس له دليل في اللغة وليس له أيضاً برهان وهو تَحَكُّم.

فإذاً لكل شيء يناسبه.

إذا قلت للعربي رحمة الطير، الطير حينما رَحِمَ، هل كانت الرحمة في الإنسان واستعار للطَّيْرِ الرحمة؛ أي جَعَلَهَا في الطير مجازاً؟

الجواب: لا، يقول لا، الطير فيه رحمة، طيب هذا المعنى الكلي بين الطير والإنسان هل كان في الوضع الأول خاصَّاً بالإنسان ثم عُدِّيَ أو كان للجميع؟

فإن قال للإنسان وحده فإنه لن يقوله؛ لأنه لا يُسَلَّمْ له.

وإن قال للإنسان والطير وللحيوان فيما يَرْحَمْ، قيل له فإذاً العرب وضعت هذا اللفظ بالوضع الأول للجميع لهذين فقط، أو وضعت كُلِّيَّة فَطُبِّقَتْ على الإنسان والحيوان وعلى الطير؟

فَمُؤَدَّى الأمر أَنَّ هذه الكلمات مبنية على برهانين:

1 -

البرهان الأول:

معرفة نشأة اللغات، وأنَّ الوضع الأول للأشياء في الإنسان أو في الطير فقط أنَّ هذا غير جارٍ؛ لأنه ما يُتَصَوَّرْ -كما قلت لك خَيَالٌ أنَّ العرب اجتمعت ووضعت هذه الأشياء على هذا النحو-.

2 -

البرهان الثاني:

أن يُقَال المعاني الكلية المشتركة هذه لها تعريف عام لُغَوِي، وإذا كان لها تعريف عام، ووجودها في الإنسان تمثيل، ووجودها في الطير تمثيل ووجودها في الأم من الحيوان لولدها تمثيل، وهكذا، فإذاً القضية الكلية أو التعريف الكلي لا يُسَلَّط عليه المجاز بالأمثلة.

هذه القضية كبيرة بلا شك، ولابد منكم لمن أراد التحقيق في علوم العقيدة وفي علوم اللغة أن ينتبه إلى هذه المسألة؛ وهي نشأة اللغات.

كيف نشأت اللغات؟

كيف نشأت اللغة العربية؟

في اللغة العربية أتى العرب موجودون فكانت أمامهم لغة؟

لا، الأسماء عُلَّمها آدم {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] .

ص: 161

هذه الأسماء هل كانت باللغة العربية؟

لا، كانت بلغة، ثم بعد ذلك تداخل أولاد آدم تنوعت لغاتهم، اكتسبوا أشياء من الأصوات، اكتسبوا أشياء من الرؤية.

كلمة كانت بسبب الصوت مثلاً.

مِثْلْ كلمة جَرَّ، جَرَّ هذه أنْتَ لو حَمَلْتَ جذع شجرة تحتاجه في إيقاد النار، تأتي به من مكان بعيد عن المكان الذي تطبخ فيه، تسمع صوته في الأرض بهذه الكلمة جَرْرْرْرْ، فتسمع هذه.

مثل كلمة خرير؛ خرير الماء هذا الصوت.

مثل كلمة وسوسة الصوت هذه الوسوسة مأخوذة بالسمع.

إذاً اللغة تَشَكَّلَت من أشياء، ومَنْ دَرَسَ نشأة اللغات يقول:

إنَّ البرهان على الوضع الأول الذي أعْتُمِدَ عليه بالمجاز ممتنع.

وأنا أريد الحقيقة من باب طلب الحق أن يأتي باحث ممن يبحث في اللغة ويُثبت لي هذا الوضع الأول كيف جاء؟ كيف تواضعت العرب على أنّ الكلمة بهذا المعنى في الإنسان المحدَّدْ أو في الحيوان إلى آخره.

خذ مثلا كلمة جناح.

جناح في اللغة فيها دِلَالَة على المَيْلْ، ميل واستطالة في الميل؛ يعني مَالَ وثَمَّ زيادة واستطالة في الميل، ليس ميلاً خفيفاً لكن فيه استطالة، لهذا قال {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال:61] ، {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [الممتحنة:10] ؛ يعني لا إثم عليكم لأنَّ الإثم ميل واستطالة.

إذاً فتسمية جناح الطائر بجناح، هل هو لأنهم أطلقوا على هذا الجزء؛ يعني قَسَّمُوا الطائر إلى أجزاء، وقالوا هذا سَمُّوهُ جناح، أو هو لمعْنىً كلي موجود قبل وَجَدُوهُ في هذا الجزء من الطائر فَسَمَّوهُ بِهِ.

هم عندهم الميل، رأوا أَنَّ جناح الطائر فيه استطالة وميل، يمتد يستطيل ويميل إلى آخره، نفس الجناح، لكن جسم الطائر ثابت، لكن هذا الذي يذهب ويجيء هذا الجناح، فسمّوا هذا الجناح بهذا الاسم.

طيب جاء في الإنسان: الإنسان فيه أيضاً شيء يميل وهو اليد، فاليد تميل.

إذاً اليد أيضا جناح، ولذلك قول الله عز وجل {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:24] ، كما قال المفسرون اخفض لهما جناحك الذليل، ليست استعارة وليست مجازاً وإنما اليد جناح؛ لأنها فاعلة وتذهب وتجيء، ولهذا قال عز وجل في قصة موسى عليه السلام {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} [القصص:32] .

{وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ} الجناح ما هو؟

اليد ليست استعارة لأنها المعنى الكلي.

إذن في هذه المسائل تطول.

يعني العنق سُمَّيَ عنق يعني هكذا أم ثَمَّ معاني نشأت منها اللغات ثم تَوَسَّعَتْ؟

لهذا نقول اللغة كليات جاءت أمثلة عليها تطبيقات في الواقع، قواعد عامة.

لهذا من عَرَفَ أَقْيِسَةَ اللغة فَهِمَ حقيقتها، أما وجود وضع أول يُبْنَى عليه المجاز فهذا غير ممكن.

ص: 162