الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسئلة:
س/ ما ضابط الكفر البواح؟
ج/الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، الذي عليه دليل، يعني واضح بَيِّنْ، وبعض أهل العلم قال أنه ترك الصلاة، أنه ما يأمر بالصلاة، وينهى عنها، مثل ما جاء في الحديث قال «ما أقاموا فيكم الصلاة» ففهموا حديث الكفر البواح بإقامة الصلاة، وآخرون قالوا: لا، ما يشترط إقام الصلاة، الكفر البواح هو إذا حصل منه كفر عندنا من الله فيه برهان وليس له شبهة فيه ولا تأويل.
نُخْرِجْ منه صورة المأمون وأمثاله في عهد الإمام أحمد؛ لأنه كانت عندهم بنوع تأويل، أطاعوا بعض العلماء في هذه المسألة، وواضح في الحديث قال «عندكم فيه من الله برهان» يعني شيء مجمع عليه واضح.
س2/إن قال قائل إنَّ معاوية خرج على علي رضي الله عنه؟
ج/لا، هو ما دخل في البيعة أصلا.
س3/ فإن قيل إنَّ البيعة ثبتت لعلي؟
ج/ثبتت لعلي من أهل المدينة، وأهل الشام قالوا ما نبايعك حتى تُسَلِّمْ لنا قتلة عثمان؛ لأنَّ قتلة عثمان صاروا جيش علي، يعني الخوارج الذين قتلوا عثمان أجبروا علي أنه يخرج وخرج، علي رضي الله عنه اجتهد وصارت البيعة له وأهل الحل والعقد في المدينة.
فمعاوية رضي الله عنه قال: لا، ما نبايع حتى تُسَلِّمْ لنا قتلة عثمان، ويرى معاوية أنه هو ولي الدّم {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء:33] ، يقول أنا وليه، أنا ولي دم عثمان أنا أقرب الناس إليه، سَلِّمْ لي القتلة كي أقتلهم، فعلي رضي الله عنه خشي إن سلمهم تصير فتنة أعظم، فأراد أنه يجتمع هو وإياه وسار إليه على أساس يجتمع معه ويبحث معه إلى آخره، فاجتمع معاوية، نقلوا له طبعاً الخوارج أنَّ هذا علي سار بجيشه فسار يخشى أنه يباغته، ثم لما اجتمعوا هذا في جهة وهذا في جهة، وقَصْدْ معاوية خير أنه يبحث مع علي وقصد علي رضي الله عنه خير أنه يبحث مع معاوية، حَرَّكْ الخوارج الحرب بين الجهتين ووقعت وقعة صفِّين، هم الذين حركوها من تحت، لا الصحابة يريدون، وقعت بغير اختيارهم.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك (1) .
(1) انتهى الشريط الرابع والثلاثون.
: [[الشريط الخامس والثلاثون]] :
وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلَافَ وَالْفُرْقَةَ.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
قال الطحاوي رحمه الله هنا (وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلَافَ وَالْفُرْقَةَ.)
هذه الجملة ذَكَرَهَا بعد الكلام على الخروج على الولاة أو قتل أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لظهور معنى الجماعة في ذلك.
وكلُّ ما ذَكَرَه من أول العقيدة إلى آخرها -يعني فيما أجمع عليه أهل السنة والجماعة- داخِلٌ في هذه الجملة.
فكُلُّ مسائل العقائد التي قَرَّرَهَا أئمة الإسلام فإنها اتِّبَاعْ للسنة وللجماعة، وكُلُّ مُخَالَفَةْ لهذه العقائد التي دلَّ عليها الكتاب والسنة وقرَّرَهَا الأئمة فهي شذوذ وخِلافٌ وفُرْقَةْ.
ولهذا هذه الجملة قاعدة عظيمة من قواعد العقائد بجميع تفاصيلها، كما سيأتي في بيان السنة والجماعة وبيان ما يُضاد ذلك إن شاء الله تعالى.
وهذا الاتِّبَاعْ الذي ذَكَرَهُ -اتِّبَاعْ السنة والجماعة واجتناب الشذوذ والخلاف والفرقة- هو منشأ السَّيْرْ على ما كانت عليه الجماعة الأولى؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أوْرَثَ الجماعة الأولى -وهي جماعة الصحابة رِضوان الله عليهم- أورَثَهُمْ العلم النافع والعمل والهدى في أمور الدين كلِّه، في الأمور العلمية والأمور العملية.
فَأَجْمَعُوا على مسائل العلم والعقيدة والتوحيد، وعلى كثيرٍ من مسائل العمل، واختلفوا في بعض مسائل العمليات والفروع.
ثُمَّ صار سبيل المؤمنين الذي هو سبيل الجماعة الأولى، صار عَلَماً على اتِّبَاعِ النبي صلى الله عليه وسلم وترك الأهواء، ثُمَّ تَبِعَهُمْ التابعون، ثم هكذا إلى زماننا؛ بل إلى أن يموت آخر المؤمنين.
وهذا الأصل من أهم الأصول التي يُقَرِّرُهَا أئمة الإسلام؛ لأنه أصل وما بعده فرع.
فالخلاف في توحيد العبادة، أو في طريقة إثبات الربوبية، أو في الأسماء والصفات، أو في الإيمان، أو في القَدَرْ، أو في الصحابة، أو في التعامل مع ولاة الأمور، أو في أي مسألة من المسائل التي تُذْكر، الخلاف في ذلك خِلافٌ للجماعة الأولى.
ولهذا قال من قال من أئمة الصحابة (إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد) .
(إذا فسدت الجماعة) يعني إذا صارت الجماعة في اختلاف، فإنَّ المصيب منهم من وافق الجماعة التي كانت مجتمعة، غير مختلفة.
ولهذا صار هذا الأصل عَلَمَاً على أهل السنة والجماعة أتباع الصحابة والسلف الصالح، فَسُمُّوا أهل السنة والجماعة لهذا الأصل لأنهم يتَّبِعُونَ السنة والجماعة، ويأتي تفسير السنة وتفسير الجماعة.
وهذا الذي ذكروه هنا أخذوه من النصوص التي لا تُحْصَى في الكتاب والسنة في الأمر بالاجتماع نصاً أو معنى، وفي النهي عن الفرقة نصاً أو معنى.
فمن ذلك قول الله عز وجل {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، ومنه قوله جل جلاله {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] ، ومنه أيضاً قول الله عز وجل {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115] ،ومنه قوله أيضاً جل جلاله {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النور:54] ؛ يعني على الرسول ما حُمِّلَ من بيان السنة وبيان الشريعة وتبليغ ذلك.
{وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} من اتباع السنة والجماعة واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
فحُمِّلَ الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ وحُمِّلَتْ الأمة الاتباع والمتابعة.
ومنه أيضا قول الله عز وجل {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] ، ونحو ذلك من الآيات الصريحة في اتباع الجماعة والنهي عن الافتراق.
والسنة فيها من ذلك شيءٌ كثير:
كقوله صلى الله عليه وسلم «وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «هي الجماعة» (1) ، وفي رواية قال «هي ما كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» (2) .
_________
(1)
سبق ذكره (5)
(2)
سبق ذكره (344)
ومنه أيضاً الأحاديث التي في خروج الخوارج وخلاف الخوارج للصحابة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم، فقال في وصفهم «يمرقون من الدِّين كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم» (1) وذلك لمخالفتهم للسنة والجماعة.
كذلك قوله صلى الله عليه وسلم في أهل الأهواء «يتجارى بهم الهوى كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه لا يبقى منه مفصل أو عِرْقْ إلا دخله» (2) .
ومنه أيضا ما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم بقوله «الجماعة رحمة والفرقة عذاب» (3) .
ومنه أيضا قوله «من أتاكم وأمْرُكُمْ جميع يريد أن يشق عصاكم فاقتلوه كائناً من كان» (4) .
ومنه أيضا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ألا يَجْعَلَ بأس هذه الأمة بعضها ببعض قال «فمنعنيها» . ونحو ذلك من الأدلة التي تدل على هذا الأصل العظيم.
فإذاً هذا الأصل الأدلة عليه في منزلة التواتر لكثرة ما دلَّ عليه؛ بل هو أظهر أصول الشريعة، فإنَّ الخلاف والفُرْقَةْ عمَّا كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والجماعة الأولى هو حقيقَةً خلافٌ لرب العالمين واتّباع غير السبيل الذي يرضى عنه جل جلاله.
فإذاً هذا الأصل -كما ذكرنا في أول الكلام- ذَكَرَهُ الطحاوي؛ لأنَّ كل مسائل العقيدة يتفرع عنه.
وإذا تبين ذلك فنقول: إنَّ مسائل الاعتقاد التي يذكرها أهل السنة والجماعة:
- منها ما هو من سبيل المقاصد.
- ومنها ما هو من سبيل الوسائل إلى المقاصد.
- ومنها ما هو من سبيل المحافظة على المقاصد.
@ فأما الأول وهو المقاصد هي: أركان الإيمان الستة.
@ وأما الثاني وهو وسائل المقاصد فهي القواعد العامة في التلقي والأخذ لأنها لا يُحْفَظُ أصل إلا بدليل، بقاعدة.
ولهذا صار هذا الكلام هنا وهو قوله (وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلَافَ وَالْفُرْقَةَ.) هذا له حكم المقاصد من جهة وله حكم الوسائل من جهةٍ أخرى؛ لأنَّ اتباع السنة والجماعة مقصد تعبُّدِي مطلوب {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور:54] ، والثاني وهو اجتناب الشذوذ والخلاف والفُرْقَة هذا من وسائل المحافظة على أصول الاعتقاد.
وفي هذه الجملة مسائل:
(1) البخاري (3610) / مسلم (2500)
(2)
أبو داود (4597)
(3)
المسند (19369) / مسند الشهاب (15)
(4)
مسلم (4904)
[المسألة الأولى] :
في قوله (وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ) الاتباع هو أن تَقْفُوَ أثر الشيء، تَبَعَهُ أي قَفَا أثره، اتِّبَاع الحق أن تَقْفُوَ الأثر.
والأَثَرُ سواءٌ أَكَانَ أثر دليل أو كان أثر مسير -يعني أثر قول أو أثر مسير- كلٌ منهما دليل.
ولهذا صار الاتِّبَاعُ موسوماً عند أهل العلم بأنه أخذ القول بدليله.
ويقابل هذا التقليد، يقابل الاتباع التقليد.
والتقليد قَبُولْ القول والتِزَامُهُ دون حجةٍ واضحة.
لأنه إن كان عنده حجة فهو مُتَّبِع ولو كان مُتأولاً أو مُخْطِئاً، وإذا كان ليست عنده حجة وإنما يتعصب أو يقبل قول الغير هكذا لأنه قاله فقط مع ظهور الحُجَّةْ في خلافه، فهذا يُسمى مُقَلداً لأنه جعل القول قِلادةً له دون بيانه.
والتقليد في الاعتقاد فيه تفصيل:
- فما كان مما يُشْتَرَطُ لصحة الإسلام والإيمان فلا ينفع فيه التقليد؛ بل لابُدَّ فيه من أخذ القول بدليله وجوباً؛ لأنَّ هذا هو العلم الذي أمر الله عز وجل به في قوله {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] .
- أَمَّا التقليد في الاستدلال فلا بأس به؛ يعني أن يَعْلَمَ وجه الدليل من الحُجَّةْ ويُقَلِّدُ العالم في الاقتناع بهذا الدليل يعني بوجه الاستدلال، فهذا لا بأس به لأنَّ المجتهد في فهم الدليل هذا قليل في الأمة.
فإذاً الواجب في الاتباع وما يَحْرُمُ من التقليد في العقيدة هو ما كان من أصول الإسلام؛ يعني ما لا يصح الإسلام إلا به، مثل العلم بالشهادتين، وأركان الإيمان الستة، وفرض أركان الإسلام الخمسة.
إذا كان التقليد كذلك فهل يُشْتَرَطُ استدامة العلم واستصحاب العلم والاتِّبَاع أم لا يُشْتَرَطْ؟
الذي عليه العلماء المحققون وقرَّرُوهُ أنَّ الاستدامة ليست شرطاً، وإنما يكفي أن يَعْلَمَ الحق في هذه المسائل في عمره مرةً بدليله، ويأخذ ذلك ويقتنع به، يأخذ ذلك عن دليل وبيِّنَة، ثم يعمل بما دلَّ عليه.
فمن تَعَلَّمَ مسألةً، مثلاً تَعَلَّمَ معنى الشهادتين في عمره، ثم بعد ذلك نسي المعنى، أو تَعَلَّمَ أدلة أركان الإيمان ثم نسي، أو تَعَلَّمَ فرضية الأركان الخمسة، أركان الإسلام أو الأربع العملية ثم جاءه فترة ونسي، فإنَّ هذا لا يؤثر ولا يأثم بذلك، المهم أن يكون أصل استسلامه عن دليلٍ فيما لا يصح الإيمان والإسلام إلا به.
* وهذا هو حكم التقليد عند أهل السنة والجماعة ووجوب الاتباع.
وأما المخالفون من أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة وجماعات فإنَّهُمْ جعلوا العلم الواجب هو النَّظَرْ أو القصد إلى النظر أو إلى آخره من أقوالهم، ويعنون بذلك النظر في الكونيات.
وأهل السنة يقولون: الاتِّبَاع النظر في الأدلة الشرعية، يعني النَّظَرْ في الشرعيات.
وأولئك عندهم النظر في الكونيات؛ لأنهم جعلوا أنَّ أصل الإسلام والإيمان إنما يصح إذا نظر في برهان وجود الله جل جلاله.
وأما أهل السنة والجماعة فقالوا: وجود الله عز وجل مركوزٌ في الفِطَرْ، وإنما يتعلم ما يجب عليه أن يعتقده وما يجب عليه أن يعلمه مما أمر الله عز وجل به، وجعله فارقاً بين المؤمن والكافر.
وبالمقابل التقليد عندهم في الكونيات، وعندنا التقليد في الأقوال والشَّرعيات.
وثَمَّ تفاصيل لمسألة الإتِّبَاعْ والتقليد في مناهج التلقي ما بين أهل السنة والمخالفين.
[المسألة الثانية] :
في قوله (وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ) السُّنَّة يُراد بها العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسائل الاعتقاد؛ في المسائل الغيبية وما يتّصل بذلك من الوسائل وما يُحافَظُ به على الأصول.
فما دَلَّتْ عليه الأدلة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكان عليه هديه فإنَّهُ السنة الماضية التي يجب اتِّبَاعُهَا وترك ما خالفها؛ لأنَّ المسائل العلمية في [.....] الغيبيات البيان فيها واضح وليست مجالاً للاختلاف وتنوع الآراء والأقوال.
ولهذا سمَّى طائفة من العلماء ممن صنَّفُوا في التوحيد كتبهم السنة، وهي كثيرة جداً كالسنة لعبد الله بن الإمام أحمد، والسنة للخلال، والسنة لابن أبي عاصم، والسنة للطبراني، وكذلك السنة في كتب الحديث -يعني في أثناء الكتاب- قد يُبَوِّبُ بعضهم بكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة أو السنة أو ما أشبه ذلك.
فإذاً يجمع السنة أنه هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العِلْمْ في هذا الموطن؛ في العِلْمِيَّاتْ، يعني فيما يُعْلَمْ ويُعْتَقَدْ فإنَّ منهجنا اتباع السنة في ذلك وأن لا نخوض فيه بالعقليات.
[المسألة الثالثة] :
الجماعة تُطْلَقُ إطلاقين:
& تُطْلَقْ الجماعة ويراد بها الجماعة في الدين، الجماعة في العلم بما أمر الله عز وجل به أن يُعْتَقَدْ، أو في تصديق الأخبار في الكتاب والسنة.
وهذه الجماعة تكون في الدين، الجماعة في الدين؛ يعني الاجتماع على الدين الواحد.
& والمعنى الثاني للجماعة الجماعة في الأبدان، أنْ يجتمعوا في أبدانهم وأنْ لا يكون بأْسُهُم بينهم، وأن لا يتفرَّقُوا في أبدانهم بأنواع التَّفَرُّقْ.
ومسائل الاعتقاد تجمع هذين الأصلين، تجمع الاجتماع في الدين والاجتماع في الأبدان، وكل المسائل التي تُذكَرُ في مسائل العقيدة منها ما يرجع إلى هذا، ومنها ما يرجع إلى الثاني.
ثُم هذا اللفظ (السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ) صار عَلَماً على من كان على ما كانت عليه الجماعة الأولى وهم الصحابة رضوان الله عليهم.
والذي عليه أئمة أهل الحديث والمحققون من أهل الإسلام أنَّ هذا اللفظ (أهل السنة والجماعة) إنما يدخل فيه أهل الحديث والأثر الذين لم ينحرفوا في مسائل الاعتقاد.
وقد ذهب بعض الحنابلة من المتأخرين وبعض الأشاعرة وجماعات من الفقهاء إلى أنَّ لفظ (أهل السنة والجماعة) يشمل ثلاث طوائف:
- يشمل أهل الحديث والأثر.
- والأشاعرة.
- والماتريدية.
وممن صرَّحَ بذلك السَّفَّاريني في كتابه لوامع الأنوار وجماعة آخرون.
وهذا ليس بصحيح؛ لأنَّ الأشاعرة والماتريدية خالفوا السنة والجماعة في مسائل كثيرة معلومة:
@ فهم في إثبات وجود الله عز وجل خالفوا طريقة القرآن والسنة.
@ وفي تفسير (لا إله إلا الله) خالفوا ما دلَّ عليه القرآن والسنة وكان عليه السلف.
@ وفي إثبات الصفات خالفوا وقالوا طريقة السلف أسلم وطريقتنا أعلم وأحكم وجعَلُوا الصواب بين التأويل والتفويض:
وكل نص أوهم التشبيهَ أوِّلْهُ أو فَوِّضْ ورُمْ تنزيهَا
فالتأويل عندهم حق والتفويض حق وأما الإثبات فليس بحق.
@ وفي مسائل الإيمان خالفوا، وقالوا بالإرجاء وعندهم الإيمان هو التصديق فقط دون الإقرار والعمل، @ وفي مسائل القدر هم جبرية متوسطة.
وفي مسائل أُخَرْ خالفوا أيضا مما يضيق المقام عن ذكره.
فإذاً من خالف في هذه الأصول العظيمة في الغيبيات والعقائد فإنَّ إدراجه في أهل السنة والجماعة وفي الفرقة الناجية هذا ليس بواضحٍ من جهة الدّليل والإتباع، ولهذا هم يدخلون في الفِرَقْ المخالفة للسنة والجماعة.
لكن ينبغي أن يُعْلَمْ أنَّ إطلاق السنة قد يُرَادْ به ما يقابل الرافضة والشيعة والخوارج، فيدخل في إطلاق أهل السنة الأشعرية والماتريدية والمرجئة وجماعات لأجل مقابلتهم بالفرق التي ضلالها عظيم.
لهذا من الأفضل؛ بل من المُتَعَيِّنْ عند إطلاق أهل السنة والجماعة أن يُنتَبَهْ أن لا يكون شعاراً يدخل فيه من ليس من أهل السنة والجماعة حتى لا يَضِلَّ الناس، وحتى يكونُ مُقتصراً على من اعتقد الاعتقاد الحق، والباقون يمكن أن يُقَال عنهم أهل السنة؛ ولكن لا يُوصفون بأهل السنة والجماعة؛ لأنهم فَرَّقُوا دينهم وكانوا شيعاً ولم يقيموا الدين كما أمر الله عز وجل؛ بل فَرَّقُوا في ذلك وأخذوا ببعض الكتاب وتركوا بعضًاً كما هو معلوم من تفاصيل أقوالهم.
[المسألة الرابعة] :
في قوله (وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ) :
الاجتناب هو التَّرْكْ، ويريد بالترك أنه يَتْرُكُهُ ديناً وتَعَبُّدَاً وتقرباً إلى الله عز وجل لملازمته للسنة والجماعة.
والشذوذ: هو الانفراد، وقد جاء في حديث وفي إسناده ضعف «ومن شذَّ شذَّ في النار» (1) يعني من انفرد عن الجماعة التي وَعَدَهَا الله عز وجل بالجنة فإنه سينفرد عنهم أيضاً في الآخرة في النار، وهذا من جهة الوعيد.
فمعنى الشذوذ في العلم والعقيدة الإنفراد بأشياء ليس عليها الدليل ولم تكن عليها الجماعة الأولى.
ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله وجماعة من أئمة السلف يقولون في مسائل العقائد (لا نتجاوز القرآن والحديث) ؛ لأنه إذا تجاوز المرء القرآن والحديث بمسائل الغيبيات والعقائد فإنه لا يُؤْمَنْ عليه الخلاف ولا يُؤْمَنْ عليه أن ينفرد بآراء ليست مُدَلَّلاً عليها.
والشذوذ قد يكون:
- في أصل من الأصول-يعني الانفراد.
- في فرعٍ لأصْلٍ من أصول الاعتقاد.
فالشذوذ مرتبتان:
1 -
المرتبة الأولى: أن ينفرد ويَشُذْ في أصل من الأصول؛ يعني في الصفات، في الإيمان، في القدر، فهذا بانفراده في الأصل يخرج من الاسم العام المُطْلَقْ لأهل السنة والجماعة.
2 -
المرتبة الثانية: أن يوافق في الأصول؛ لكن يُخَالِفُ في فرعٍ لأصل أو في فَرْدٍ من أفراد ذلك الأصل.
مثلاً يؤمن بإثبات الصفات وإثبات استواء الرب جل جلاله على عرشه وبعلو الرب جل جلاله وبصفات الرحمن سبحانه وتعالى؛ لكن يقول: بعض الصفات أنا لا أثبتها، لا أثبت صفة السّاق لله عز وجل، أو لا أثبت صفة الصورة لله عز وجل، أو أُثْبِتُ أنَّ لله أعيناً، أو أثبت لله عز وجل كذا وكذا مما خالف به ما عليه الجماعة.
فهذا لا يكون تاركاً لأهل السنة والجماعة؛ بل يكون غَلِطَ في ذلك وأخْطَأْ ولا يُتَّبَعُ على ما زلَّ فيه بل يُعْرَفُ أنه أخطأ، والغالب أن هؤلاء مُتَأَوِلُونَ في الاتباع.
وهذا كثير في المنتسبين للسنة والجماعة كالحافظ ابن خزيمة فيما ذكر في حديث الصورة، وكبعض الحنابلة حينما ذكروا أنَّ العرش يخلو من الرحمن جل جلاله حين النزول، وكمن أثبت صفة الأضراس لله وأثبت صفة العضد أو نحو ذلك ممَّا لم يقرره أئمة الإسلام.
فإذاً من شذَّ في ذلك في هذه المرتبة، يقال: غَلِطَ وخالَفَ الصواب؛ ولكن لم يخالف أهل السنة والجماعة في أصولهم؛ بل في بعض أفرادِ أصلٍ وهو مُتَأَوِّلٌ فيه.
وهذا هو الذي عليه أئمة الإسلام فيما عاملوا به من خالف في أصل من الأصول في هذه المسائل، وكُتُب ابن تيمية بالذات طافحة بتقرير هذا في من خالف في أصل أو خالف في مسألة فرعية ليست بأصل.
(1) الترمذي (2167)
[المسألة الخامسة] :
في قوله (وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلَافَ وَالْفُرْقَةَ) الخلاف شَرٌّ ومذموم في الشريعة.
والخلاف يُطلق ويُراد به الاختلاف أيضاً كما قال عز وجل {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118-119] ، فمدح من لم يَخْتَلِفْ وذَمَّ من كان في اختلاف.
وأهل الاصطلاح يُفَرِّقُونَ بين الخلاف والاختلاف، وهذا ليس هذا مورده وإنَّمَا في هذا الموضع الاختلاف والخلاف بمعنىً واحد وهما شر، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه (الخلاف شر)(1) .
والخلاف له صورتان:
1-
الأول خلاف في العِلْمِيَّاتْ: في العلم والعقيدة، وهذا البحث فيه كالبحث في الشذوذ والفرقة الآتي.
2-
الثاني الخلاف في العَمَلِيِّاتْ: يعني فيما يُسَمَّى بالفروع.
والخلاف الثاني في الفروع ليس مُبَاحَاً أو مأذوناً به دائماً؛ بل قد يكون الخلاف مذموماً ولو كان في الفروع، وذلك إذا كان سيترتب عليه مفسدة في الناس أو افتراق أو إساءة ظن أو مخالفة لأئمة المسلمين.
ولهذا ابن مسعود رضي الله عنه في قصته مع عثمان كان يُقَرِّرْ ويَذْكُرْ أنَّ السنَّة أن يُصَلِّي أهل منى في منى ركعتين للرباعية وعثمان رضي الله عنه صَلَّى الرباعية أربعاً وكان ابن مسعود يُصَلِّي معه أربعاً، فقيل له في ذلك: تقول السنة ركعتان وتصلي مع عثمان أربع؟
فقال: الخلاف شر.
وهذا من عظيم فقهه رضي الله عنه مع أنَّهُ كان بينه وبين عثمان رضي الله عنه خُصومة أو نوع خلاف واختلاف في مسألةِ عطائه، فكان يَطْلُبُهُ وعثمان لم يُعْطِهِ عَطَاءَهُ الذي كان يرى ابن مسعود أنَّهُ له؛ لأنَّ ابن مسعود بدري، وكان له في ذلك قولْ يجادل به عثمان معروف؛ لكن مع ذلك تَخَلَّصَ من هوى نفسه وقال (الخلاف شر) .
فإذاً الخلاف في الفروع، في العمليات ليس دائما مأذوناً به أو لا يُعَابُ صاحبه؛ بل قد يُعَابُ إذا كان في الخلاف مفسدة أوفُرْقَة أو الخلاف يُسَاءْ به الظن أو يَسُدُّ أبوابا من الخير ونحو ذلك.
والطحاوي هنا لا يريد تقرير هذا البحث الثاني، وإنما يريد أنَّ الخلاف الذي هو بمعنى الشذوذ والفُرْقَةْ يُجْتَنَبْ ويُحْذَرْ منه.
(1) أبو داود (1960)
[المسألة السادسة] :
الفُرْقَةْ هنا بمعنى الافتراق، والفُرْقَةْ أكثر النصوص في النهي عنها.
والأمر بالجماعة معه النهي عن الفرقة لأنه لا يجتمع الناس إلا إذا انتهوا عن الافتراق والفُرْقَةْ.
ولهذا كما قَدَّمْتُ لك بعض الآيات نَهَى الله عز وجل عن الافتراق فقال {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103] ، دَلَّتْ هذه الجملة من الآية على أنَّ النهي عن الفُرْقَةْ هنا المقصود به الفُرْقَةْ في الأبدان، ثم قال عز وجل {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران:103] ، وهذه الفُرْقَة في الدين، وهذا كما في قوله مثلاً في سورة الشورى {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] ، يعني في الدين.
فتحَصَّلَ من هذا أنَّ الأدلة دَلَّتْ على أنَّ الفُرْقَةْ قسمان:
- فُرقة في الأبدان.
- وفُرقة في الدين.
مُقَابِلَةٌ للجماعة التي هي:
- جماعة في الدين.
- وجماعة في الأبدان.
فكذلك الفُرْقَةْ فُرقة في الدين وفُرقة في الأبدان.
@ أما فُرقة الدين: فتكون بانتحال الأهواء والأخذ بطريقة أهل الهوى من الخوارج فمن بعدهم.
وأعظم أهل الأهواء الخوارج -يعني ممن خَرَجَ على الصحابة-، ثُمَّ بعد ذلك إلى أن أتت الأقوال الكُفْرِيَة عند الجهمية والحلولية إلى آخره.
وهذا أعظم افتراق في الدِّيْنْ، فإنّ الله عز وجل جعل الدين واضحاً لا لَبْسَ فيه، في أصوله وعقائده وفي قواعده العلمية لا لَبْسَ فيه، ولهذا قال عز وجل {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ (1) بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153] .
: [[الشريط السادس والثلاثون]] :
فإذاً كل أنواع الافتراق التي حدثت إنما كانت لأجل الهوى، ولذلك سُمُّوا أهل الأهواء.
هل وجود المتشابه في القرآن والسنة يُعْتَبَرُ سبباً في خروج أهل الأهواء؟
الجواب ليس كذلك؛ لأنَّ الله عز وجل بيَّنَ أنَّ أهل الأهواء في قلوبهم زيغ قبل أن ينظروا إلى الأدلة، فقال عز وجل {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7] ، قال سبحانه في أول الآية {الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فبيَّنَ جل جلاله أنَّهُ جَعَلَ كتابه منه محكم ومنه متشابه، يعني يشتبه على المرء العلم به.
ما الذي حصل؟
أنَّ الذين في قلوبهم زيغ اتَّبَعُوا قال {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ} فأَثْبَتَ الزيغ في قلوبهم ثم وصفهم باتباع المتشابه.
فإذاً المتشابه في الكتاب والسنة ابتلاء ليظْهَرَ أهل الأهواء من أهل السنة والجماعة، فحُصُولُ الهوى والزيغ في القلب ينتج عنه أن يبحَثَ عمَّا يُؤَيِّدُ به هواه ويُؤَيِّدُ به زيْغَهُ، وهذا ما نصت عليه الآية قال {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ} بالفاء الترتيبية.
ولهذا قال الأئمة (إنَّ أعظم ما أمر الله عز وجل به الاجتماع، وأعظم ما نهى الله عز وجل عنه الافتراق) ؛ لأنَّ حقيقة الاجتماع اجتماع في الدين وفي الأبدان وبهما صلاح العباد، وأعظم المصائب الافتراق وبهما يحصل البلاء كله.
فالشرك فُرْقَة، والتوحيد جماعة.
والبدعة فُرْقَة، والسنة جماعة.
والعقائد الصحيحة جماعة، والعقائد الفاسدة فُرْقَة.
الاستدلال بالكتاب والسنة وصحة منهج التلقي جماعة، والاستدلال بالأهواء والعقول وما ألْفَ المرء آباءه وأقوامه عليه فُرقَة؛ لأنّه خالف المنهج الصحيح في الاستدلال.
الاجتماع مع جماعة المسلمين وأئمتهم جماعة، والافتراق وترك أئمة المسلمين وجماعتهم فُرقة.
وهكذا، فكل خير في الجماعة والسنة، وكل شر في الشذوذ والخلاف والفُرقة.
(1) انتهى الشريط الخامس والثلاثون.
قال بعدها رحمه الله (وَنُحِبُّ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالْأَمَانَةِ، وَنُبْغِضُ أَهْلَ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ)
الحب والبغض من مسائل النفس التي يدخلها الهوى.
وقاعدة الشريعة والقرآن والسنة والصحابة أنَّ العبد لا يكون حقيقةً مستسلماً حتى يتخلّص من هواه.
ومِنَ الهوى الذي يُتَخَلَّصُ منه الهوى في مَحَبَّتِهِ والهوى في بُغْضِه، ونستغفر الله ونتوب إليه.
فمن أَحَبَ ما يُحِبُّ الله عز وجل ورسوله، ومن يُحِبُّ الله عز وجل ورسوله فقد تَخَلَّصَ من هواه، ومن أبْغَضَ ما يُحِبُّ الله عز وجل ورسوله من الحق أو أبْغَضَ من يُحِبُّهُ الله ورسوله فلم يتخلّص من هواه؛ بل الهوى هو الذي قاده إلى ذلك.
ولهذا كان من أعظم ما يتميز به أهل السنة والجماعة أئمة الحديث والأثر الذين تخلَّصُوا من أهوائهم أنهم أهل عدل في أقوالهم حتى مع مخالفيهم، فيُحِبُّونَ أهل العدل؛ لأنَّ الله يُحِبُّهُم وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، ويُحِبُّونَ أهل الأمانة؛ لأنَّ الله عز وجل يحبهم ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويبغضون أهل الجور والخيانة لأنَّ الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم يبغضونهم.
فإذاً أصل هذه الجملة أساسها أنَّ محبة المؤمن المتبع لعقيدة السلف وبُغضَهُ يكون تبعاَ لنص الكتاب والسنة فيما يُحِبْ وفيما يُبْغِضْ، كما قال عز وجل {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] ، وفي الحديث «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به» (1) وهذا الإيمان الكامل هو الذي يتخلص فيه صاحبه من الهوى.
وهاهنا مسائل قليلة:
_________
(1)
رواه الإمام المقدسي في كتاب الحجة على تارك المحجة بإسناد صحيح حسب ما ذكره النووي.
[المسألة الأولى] :
أهل العدل وأهل الجَوْر متقابلان، كما أنَّ أهل الأمانة وأهل الخيانة متقابلان -يعني هؤلاء يقابلون هؤلاء، هؤلاء ضد هؤلاء، هذا صنف وهذا صنف-، ولا أعني بالتَّقَابُلْ والتضاد المصطلح الكلامي أو المنطقي فيه.
فمن هم أهل العدل، ومن هم أهل الجَوْر؟
العدل أَمَرَ الله عز وجل به أَمْرَاً مُطلَقَاً فقال سبحانه {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل:90] ، وأقام السموات والأرض على العدل، ودينه وأحكامه كلها عدلٌ وخيرٌ للعباد في مآلهم وفي حاضرهم.
العدل الذي أمر الله عز وجل به أن يُعطَى كل ذي حق حقه، أن تُعْطِي الله عز وجل حقه الذي أمرك به، وأن تُعْطِي رسوله صلى الله عليه وسلم حَقَّهُ الذي أُمِرْتَ به، وأن تُعْطِي الصحابة حقهم الذي أُمِرْتَ به، وأن تُعْطِي المؤمنين حقهم الذي أُمِرْتَ به، وهكذا في سائر أحكام في الشريعة.
ولهذا قال بعض التابعين على هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} ، قال (أتت هذه الآية على جميع المأمورات) ؛ يعني في العلميات وفي العمليات؛ لأنَّ المأمور:
- إما أن يكون عَدْلَاً في العلم والعمل.
- وإما أن يكون فَضْلاً في العمليات والعبادات وأنواع التعامل.
يقابله أهل الجور وهم أهل الظلم، والجَورُ هو الحَيْفْ وهو بمعنى الظلم.
وأهل الظلم:
- تارَةً يكون ظلمهم في حق الله عز وجل.
- وتارَةً يكون ظلمهم في حق النبي صلى الله عليه وسلم.
- وتارَةً يكون ظلما في حق العباد أو في حق أنفسهم.
فإذاً هذه المَحَابْ؛ محبة أهل العدل والأمانة وبُغْضْ أهل الجور والخيانة هذه تَبَعْ لمحبة الله عز وجل ولبُغْضِه، وأهل العدل يُقَابِلُونَ أهل الجور بهذا المعنى.
إذا تبيَّنَ هذا فإنَّ المتقرر عند أهل السنة أنَّ الله عز وجل يُحِبُّ ويُبْغِضْ، وهما صفتان حقيقيتان على ما يليق بجلال الرب عز وجل، لا يماثل في محبته وبُغْضِهْ محبة العباد وبغضهم، تعالى ربنا عن ذلك وتقدّس.
والله عز وجل يُحِبُّ العبد لما فيه من الصفات الحسنة، صفات الإيمان والعدل والطاعة، ويُبْغِضُ العبد لما فيه من صفات الظلم والطغيان أو المعصية والمخالفة ونحو ذلك.
فإذاً قرَّرُوا أنَّهُ يجتمع في حق المعين في صفات الله عز وجل أنّ الله يُحِبُّ العبد من جهة ويبغضه من جهة.
وهذا يخالف قول المبتدعة الذين قالوا: المحبة والبغض شيءٌ واحد، فالله عز وجل يُحِبُّ العبد الكافر حال كفره إذا كان سيوافيه على الإيمان، ويُبْغِضُ العبد المؤمن الصالح حال إيمانه إذا كان سيوافيه على الكفر.
وهذا هو المسألة الموسومة بمسألة (الموافاة) عندهم، وهي مسألة المحبة والبغض عندهم أزلي، فالله يُحِبُّ من يُحِبْ مطلقاً ويُبْغِضُ من يبغض مطلقاً، والمحبة عندهم مؤولة بإرادة الخير، والبغض عندهم مُؤَوَلْ بإرادة الخذلان.
إذا تبيَّنَ ذلك فإنَّ المؤمن فيما يُحِبُّ من إخوانه المؤمنين يُحِبُّهُمْ بقدر ما معهم من الإيمان والعدل والأمانة، ويبغِضُ فيهم بقدر ما معهم من الجَوْر والظلم والخيانة.
فالمؤمن تَبَعٌ لمحبة الله عز وجل ليس عنده حبٌ كامل أو بغضٌ كامل؛ بل يُحِبُّ بقدر الطاعة ويُبْغِضُ بقدر المعصية، وهذا من العدل حتى في رغبات النفس وفي نوازع القلب.
فإذاً يجتمع في المسلم العاصي الحب من جهة والبغض من جهة، ترى حسناته فتَسُرُّكْ فتحبه، وترى سيئاته فتسوؤك فتبغِضُهُ من هذه الجهة.
فإذاً الحب الكامل لأهل الكمال والبغض الكامل لأهل الكفر، والمؤمن الذي خلط عملاً صالحا وآخر سيئاً فإنه يُحَبُّ من جهة ويُبْغَضُ من جهة.
وهذا أهل السنة والجماعة فيه تبع لما دلت عليه النصوص التي أوجبت موالاة المؤمن ما دام اسم الإيمان باقياً عليه، والبراءة من الكافر ما دام اسم الكفر عَلَمًا عليه.
[المسألة الثانية] :
الأمانة والخيانة متقابلان أيضاً، ويُعنَى بالأمانة هنا الوفاء بأمانة التكاليف التي أخذ الله عز وجل العهد من آدم عليها في قوله {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72] ، وأصح الأقوال في تفسير الأمانة هنا أنها أمانة التكاليف؛ يعني أن يَقْبَلَ أنه يُخَاطَبُ بالأمر والنهي، وبعد ذلك الثواب والعقاب.
والخيانة ضد الأمانة وهي عدم رعاية التكاليف، فَرَجَعَ الأمر إلى أنّ حقيقة الأمانة في معناها الواسع يرجع إلى التكاليف العَقَدِيَة وإلى التكاليف العملية، والخيانة ترجع إلى التكاليف العقدية -خان فيها- وإلى التكاليف العملية.
فالأمر إذاً فيه نوع ترادفٍ في معناه الواسع مع العدل والجور.
فأهل العدل والأمانة بالمعنى الواسع يقابلون كطائفة أهل الجور والخيانة، فهؤلاء يُحَبُّونَ وهؤلاء يُبْغَضُونْ، ومن كان فيه عدل وأمانة وفيه جور وخيانة فإنه يُحَبُّ من جهة ويُبْغَضُ من جهة.
قال بعد ذلك رحمه الله (وَنَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ)
(نقول) يريد به أتْبَاعْ الأئمة الأربعة وأتباع أهل الحديث والأثر، فإنهم يمتثلون ما أَمَرَ الله عز وجل به في أنَّهُمْ لا يقولون على الله ما لا يعلمون، وأنهم لا يَقْفُونَ ما لا يعلمون، امتثالاً لقوله جل جلاله {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36] ، وقال عز وجل في بيان المحرّمات {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] .
فالقول على الله عز وجل بلا علم محرم وهو قرينٌ للكفر والشرك؛ لأنَّهُ ما حصل الشرك والكفر وعبادة غير الله عز وجل إلا بالقول على الله بلا علم، {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:148] ، فإذاً كل ضلال حصل إنما هو بالقول على الله عز وجل بلا علم.
فأهل السنة والجماعة أتباع الحديث والأثر فيهم تَخَلِّي عن أهوائهم وغَلَبَة لأنفسهم وامتثال لأمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: الله أعلم فيما لا يعلمون.
ولهذا جبريل عليه السلام -في حديث جبريل في سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم الحديث المعروف السؤال عن الإسلام والإيمان إلى آخره- قال عمر رضي الله عنه في آخره لمَّا سأله النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عمر أتدري من السائل؟» قال: الله ورسوله أعلم، قال «هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم» (1) ، فالصحابة رضوان الله عليهم استعملوا هذا الأصل في عهده صلى الله عليه وسلم واستعمله العلماء والأئمة إلى وقتنا الحاضر.
ونذكر مسألتين:
_________
(1)
سبق ذكره (9)
[المسألة الأولى] :
في قول (اللَّهُ أَعْلَمُ) أفعل التفضيل هنا (أَعْلَمُ) :
- إما أن ترجع إلى المتكلم، يعني نقول: الله أعلم منا أو مني فيما اشتبه علينا علمه.
- أو الله أعلم بحكم هذه المسألة من خلقه.
@ فالأُولى: فيها إرجاع للمتَكَلِّمْ.
@ والثانية: فيها إرجاعٌ إلى الجميع.
وأفعل التفضيل هنا (أَعْلَمُ) ليس معناها اشتراك الجميع في العلم في هذه المسألة؛ لأنَّ العبد إذا لم يعلم شيئاً قال: الله أعلم، ولو أراد (مني) فإنه لا يعني أنَّ عنده علم قليل.
ولهذا صار معنى (الله أعلم) أي الله هو العالم بحكم هذه المسألة فأنا لا أعلم.
وقول (الله ورسوله أعلم) ، لم يذكرها هنا لأنه لا يُقَال الله ورسوله أعلم إلا في حياته صلى الله عليه وسلم، وأما بعد وفاته فلا يقال إلا الله أعلم؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم انقطع عن دار التكليف ودار الوحي الذي هو العلم الذي ينزل به جبريل عليه السلام عَلَيْهِ.
[المسألة الثانية] :
قوله (فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ) الاشتباه يعني بِهِ وُرُودْ ما لا تَعْلَم مُطْلَقَاً أو فيما تعلم واشتبه عليك هل هو الصواب أم لا.
ولهذا قال العلماء الاشتباه والمتشابهات المراد منها فيما جاء في النصوص {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:7]، وهنا قال (فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ) المراد بـ:(ما اشتبه، والمتشابهات) المُتَشَابِهْ الإضافي النّسبي لمن قال هذه الكلمة، وأما المُتَشَابِهْ المُطْلَقْ فيما فيه تكليف علماً أو عملاً فإنه لا يوجد في الكتاب والسنة.
فكل ما فيه تكليف في الكتاب أو السنة -تكليف بالأوامر والنواهي- في العلم أو في العمل فلا يكون مُشْتَبِهَاً على الأمة كلها؛ بل قد يشتبه على البعض ويعلمه آخرون؛ لأنَّ الاشتباه الموجود نسبي إضافي بحسب علم العبد، لهذا قد يَرِدُ على العالم أو على من هو أقل علماً أو على الإمام مسائل يشتبه عليه فيها العلم أو لا يعلمها أصلاً.
ترد عليه آية لا يعلم معناها أو مَخْرَجَها، فيسأل عنها، عمر رضي الله عنه سَأَلَ عن آيات، أبو بكر رضي الله عنه جاء عنه أنه قال (أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم)(1) ، وعمر رُوي عنه نحو هذه الكلمة وسأل عن تفسير آيات وسُئِلَ، والصحابة لم يزل بينهم إِرْجَاعْ في المسائل إلى بعضهم بعضاً، بعضهم يُرْجِعُ إلى بعض المسائل.
فإذاً هذا أصل في أنّ المرء إذا لم يعلم يقول (الله أعلم) ، ويُحِيلُ إلى غيره ممن يعلم.
الاشتباه هنا كما ذكرت لك قد يكون اشتباهاً في الدليل، وقد يكون اشتباهاً في المدلول:
@ في الدليل: ما عَرَفْتَ وجه الدليل أو المسألة، لا تعرف دليلها أصلاً، ليس معنى ذلك أنها ليست بحق؛ لأنَّ علماء الأمة يعلمون دليلها.
@ في المدلول: يكون الدليل معك؛ لكن وجه الاستدلال يشتبه عليك، فلا تَخُضْ في كتاب الله تفسيراً ببيان وجه استدلال وأنت ليس عندك علم به، فتقول (الله أعلم، هذا هو الدليل لكن إيش وجه الاستدلال الله أعلم.
لهذا الإمام مالك يُذْكَرْ عنه أنه سُئِلَ عن أربعين مسألة أو عن ثلاث وثلاثين مسألة فأجاب عن أربع والبقية قال (الله أعلم لا أدري) .
وهذا من عظيم تعظيمهم لله عز وجل وأن يقولوا في دين الله ما لا يعلمون.
وهذا في الحقيقة القاعدة هذه أو هذا الأصل تحتاجه كثيراً في النقاش؛ لأنَّ المرء إذا ناقش غيره قد يأتيه الشيطان ويقول أنت تعلم كل شيء، فيترك لا أعلم ويترك الله أعلم ويترك لا أدري فيقع ويأثم.
وهَدْيُ أهل السنة والجماعة التواضع في العلم كما أنَّهُ التواضع لله عز وجل في العلم والعمل، لهذا قال ابن المبارك رحمه الله (إنَّ للعلم طغياناً كطغيان المال) (2) . والله عز وجل وصف أهل المال بقوله {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-8] ، كذلك المرء قد يزداد عنده العلم حتى تُكْسِبَهُ تلك الزيادة طغيانَاً فيَتَعَدَّى على غيره، ولا يسلك مع الناس سبيل الشّرع في العدل في اللفظ وحمل أقوالهم ونحو ذلك مما يجب على المرء أن يعدل فيه؛ لأنَّ من أراد أن يُقَيِّمْ الأقوال فهو قاض، والقاضي يجب عليه أن يحكم بالعدل لا أن يحكم بالهوى {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] ، والمرء إذا أخطأ (الله أعلم) جاءه كل غلط، تأتيه الآراء الخطأ ويقتنع بها ويُؤَيِّدُهَا ثم يَتَعَصَّبْ لها ثم يحصل فساد من أقواله؛ لكن إذا عَوَّدَ نفسه أن يمتثل هذا الأصل وهو ما لا يعلم يقول (الله أعلم) فُتِحَتْ لقلبه أنوار من العلم، ثم إذا عَلِمَ العلم ثبت عنده بإذن الله تعالى، تَوَاضَعْ لله عز وجل ومن تواضع لله عز وجل رَفَعَهُ.
هذه بعض الكلمات على هذا الأصل.
أسأل الله عز وجل أن يوفقني وإياكم لما فيه رضاه، وأن يغفر لأئمتنا الذين وَرَّثُونَا هذا العلم النافع، وأن يجمعنا بهم في دار كرامته وأن يُورِدَنَا حوض نبيه، إنه سبحانه أكرم مسؤول جوادٌ غفورٌ رحيم.
(1) سبق ذكره (149)
(2)
حلية الأولياء (4/55)