الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسئلة:
س1/ جاء حديثٌ يدل على أنَّ الاختلاف في الأمة رحمة؟
ج/ هذا الحديث ليس بصحيح، وليس اختلاف الأمة رحمة، بل الاختلاف في الأمة أوقعها في بلابل كثيرة.
س2/ من اجتهد في إباحة نسبةٍ من الربا، كـ (5 %) ونحوه، فهل يُؤجر على هذا وهل يُشَنَّعْ عليه؟
ج/ هذا الربا نوعان:
ربا مُتَّفَقٌ عليه ومُجْمَعْ عليه، فهذا الذي يخالف فيه الإجماع هو صاحب ضلالٍ وهوى، وهو ربا الجاهلية، الذي فيه القرض الحسن، فيقرضه ثُمَّ بعد ذلك يقول: إما أن تَقْضِيَ وإما أن تُرْبِيَ، ويجعلون الربا أضعافاً مضاعفة.
وهذا هو الذي جاء فيه عدد من الآيات والأحاديث.
أما الربا غير المتفق على تحريمه: فإنَّ هذا يدخل في باب الخلاف القوي والخلاف الضعيف على نحو ما فَصًّلْنَا.
مثلاً خلاف ابن عباس في ربا الفضل وربا النسيئة كما معلوم، وأنه لا ربا في الفضل وإنما الربا ربا النسيئة استدلالاً بالحصر في قوله صلى الله عليه وسلم «إنما الربا في النسيئة» (1) ، فهذا اجتهادْ وخلاف، لكنه خلافٌ ضعيف، حتى خلاف الصحابة خلافٌ ضعيف -يعني خلاف ابن عباس في هذه المسألة-.
كذلك إباحته للمتعة مثلاً في بعض المواطن أيضاً خلافٌ ضعيف، وما أشبه ذلك.
من الصور المعاصرة التي جرى فيها البحث: الفوائد الربوية، ومن أباحَهَا من بعض المنتسبين إلى العلم، فهذه الفوائد الربوية منها ما هو مُتَّفَقْ على تحريمه وهو ربا الجاهلية، ومنها ما هو مُخْتَلَفٌ في تحريمه.
وما اخْتُلِفْ في تحريمه يدخل في الخلاف الضعيف أو في الاجتهاد في ما ليس بصواب، فيدخل في التفصيل الذي ذكرناه.
وحسب علمي فإنَّ أول من أباح الفوائد الربوية يعني فوائد البنوك الربوية والقرض - القرض الصناعي ونحوه- الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار المعروف.
وهو رَجُلٌ يميل إلى مذهب السلف ونصر التوحيد والعقيدة في مواطن كثيرة، وله إلمام بالحديث والسنة والتخريج، لكنه غَلِطْ في المسائل الفقهية، فلم يكن من صناعته الفتوى، فأباح أشياء تبعه عليها عدد.
وله رسالة في هذا الموضوع بخصوصه وهو (الربا والمعاملات المالية) أجاز فيها هذه الفوائد لِشُبَهٍ عنده في ذلك ثم تبعه عليها عدد من المشايخ في مصر ما بين مُقَصِّرٍ وما بين [.....] في هذه المسائل.
ومعلومٌ أنَّ الحلاف -كما ذكرت لك في هذا - خلاف شاذ وضعيف وليس له حظ من الدليل.
لكنه وجود الخلاف في هذه المسألة يفيد فائدتين:
الأولى: أَنَّ مسألة الفوائد والقرض الصناعي ونحو ذلك ليس من مسائل الربا المُجْمَعْ عليها، فاعتقاد إباحتها والإفتاء بذلك أو إجازتها لا يدخل في إجازة واستحلال الربا؛ لأنَّ استحلال الربا المُجْمَعْ عليه كفر، والربا المجمع عليه هو ربا الجاهلية، أما ربا الفوائد وربا القرض وما أشبه ذلك فهذه محرمة ولا تجوز ويجب إنكارها لكن لا تدخل في الربا المتفق عليه.
س3/ أليس يُنكر على من خالف في الفروع الفقهية مع ظهور الدليل؟
ج/ هذا يدخل في التفصيل الذي ذكرته: الخلاف القوي والخلاف الضعيف، أو أَقَلُّ من الضعيف الخلاف الشاذ أو المنكر، يجب فيه الإنكار لأنه ما له
س4/ هل الفوائد الربوية من الخلاف الضعيف؟
كيف؟ أو أقل من الضعيف أيضاً، الخلاف الشاذ المنكر، يجب فيه الإنكار، يعني استدلوا بقوله عز وجل {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة:179] وأنَّ الفوائد هذه ليس فيها؛ يعني الربا المحرم قالوا: هو الذي فيه ظلم للمسكين، يعني ظلم لصاحب المال، وهذا - يقولون - هذا صاحب المال إذا أودع ماله في البنك ولم يأخذ عليه شيئاً والبنك صار هو المظلوم، فأخذ الفوائد عندهم أنه عدل، وأن ترك الأخذ ظلم له، لأن البنك يستفيد وهو لا يُعْطَى شيئاً، يُشَغِّلْ المال ويستفيد، ومعلوم أن المال يقبل النماء باليوم، يعني كل يوم فيه كسب، يعني على طريقة التجارات العالمية وأشباه ذلك، فعندهم هذه الشبهة.
لكن هذا لو أُقِرْ لآل الأمر إلى أَنَّ البنوك - يعني من غير الأدلة النصية في الموضوع لكن على حد تعبيرهم بأن فيه ظلم وعدم ظلم - الحقيقة هو الذي فيه الظلم، لأنه لو أُقِرَ ذلك صارت البنوك تأخذ (100 %) وتُعْطِيْ هذا صاحب الفوائد (5 %)(6 %)(7 %) ونحو ذلك، والأصل في ذلك أنَّ صاحب المال إذا أراد أن يُعْطِيْ من يشتغل له أن يكون شريكاً له في مكسبه وفي خسارته، فالناس تنمو أموالهم، يعني لو فرضنا أنهم سيودِعُون وسيأخذون هذا (5 %) وهذا (6 %) وهذا (7 %) وهذا (10 %) سَيُودِعُون، البنك قد يُحَصِّلْ (50 %) فسيبقى نمو المال عند هذه الفئة قليلاً، ونمو المال عند أهل البنوك عظيماً فتقوى البنوك ويضعف الناس، ظاهر؟
هذا هو حقيقة الظلم، الظلم الجماعي.
س5/ ما الفرق بين الإعتقاد والإعتماد الكلي؟
ج/ مثلاً في ماذا؟
[السائل] مثلاً في فعل الأسباب قال الإعتماد كليا
[الشيخ] الإعتقاد قلب والإعتماد فعل.
(1) مسلم (4173) / النسائي (4581) / ابن ماجه (2257)
[السائل] لكنه اعتد اعتماداً كليَّاً على هذا الشيء، فهل يدخل في الإعتقاد؟
[الشيخ] ليس بشرط، فقد يعتمد دون اعتقاد.
[السائل] أنَّ..... إعتقاد بسبب الإعتماد؟
[الشيخ] لا الإعتقاد هو أنَّهُ في قلبه ليس فيه أنَّ الله نافعه ولا، إنما هذا السبب مادِّي، يعتقد في داخله أنَّ المادة هي كل شيء، هذا هو الإعتقاد.
لكن الإعتماد غفل قلبه واعتمد ظاهره.
فلا يُسَوَّى هذا بهذا.
لهذا صار الإعتماد على الأسباب –يعني بالكلية- ما هو بالإعتماد على الأسباب فقط، الإعتماد على الأسباب بالكلية يعني دون اعتماد القلب على الله عز وجل، هذا محرم، أو نقول يدخل في نقض التوحيد، شرك أصغر أو شرك خفي، أمَّ الإعتقاد فهذا كفر ظاهر، أن يعتقد أنَّ الأسباب كافية ولا نافع........ الله جل جلاله.
مثلاً الطبيب سيعمل لك عملية، يقول خلاص.......... ما جاء في قلبه أنَّه يعظم الإعتماد على الله، فعله....كذا بالطبيعة،...... هذا عمل يعني فاته الأفضل، لكن في قلبه فيه أصل الإعتماد، لكن فيه من اعتمد على السبب في هذا بالذات.
مثلاً جاء وقال: أبد، الطبيب يكفي، ما دام في قلبه أي شيء من التوكل على الله، اعتمد على السبب فقط فهذا يدخل في...... إمَّا محرم أو شرك أصغر أو شرك خفي بحسب الحال.
لكن المسألة الثانية: اعتقد أنَّ هذا السبب كافٍ، يعني قال يكفي الطبيب، هذا كفر إذا اعتقد قلبه، ما فيه أحد يعتقد أنَّ الإعتماد على الأسباب فقط، يعتقد الأسباب فقط ويكون عنده إيمان؟، ما يمكن، المؤمن لازم يكون عنده اعتماد على الله عز وجل لكن يعتمد على الأسباب ظاهراً بحسب الحال.
س6/ ذكر الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد أنَّ الخوف الذي يحمل على ترك الواجب وفعل المحرم هذا خوفٌ محرم، والشيخ عبد الرحمن في فتح المجيد قال إنَّه شرك أصغر؟
ايه نعم، وش ظهر لك؟، أنَّه محرم، محرم ما هو بشرك أصغر، وهو توسع، الشرك الأصغر فيه نوع تشريك لأنه ما ترك الأمر والنهي خوفاً، يعني ما هو مصلحة، بس مجرد خوف، إلا أنَّه إيش؟، خاف منهمكخوف، أو قدَّمَ خوفه منهم على خوفه من الله، فيه نوع تشريك، بس الأظهر التعبير بالمحرم.
س7/ الخوف من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، هذا التعريف لخوف الشرك يصح؟
لا، لا يصح لأنه الخوف الشركي والخوف السري، يعني يُعطي شيء غيبي ما لله عز وجل من الخصائص، يعني يؤذي بدون سبب ظاهر.
س8/ لو قال شخص لولا فلان ما كان كذا، بدون....... مع الله سبحانه وتعالى هل يكون فيه نوع من الشرك الأصغر؟
هذا شرك أصغر، إذا كان أنَّهُ في مقابلة نعمة أو اندفاع نقمة، يعني فيه نعمة حصلت له، قال (لولا فلان ما حصل لي كذا) ، أو اندفع عنه مصيبة فقال (لولا فلان لك يأتيني كذا) هذا هو الشرك الأَصغر.
س9/ والذي ورد في السنة (لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) وقول عمر لحفصة (لولا أنا لطلَّقكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
ج/ هل القائل الآن هو المشفع المُتَفَضَّلْ عليه، أو المتفضِّل؟
المُتَفَضِّلْ، وصورتنا التي نتكلم فيها مُتَفَضَّلْ عليه، لأنَّ المُتَفَضَّلْ عليه يتعلَّق قلبه بمن تَفَضَّلَ عليه.
مثلاً لو أقول لك (لولا أنا ما كنت من أهل السنة والجماعة) ....... لأنه من المتفضِّل، لكن القلب هنا ما فيه تعلُّق، هنا يدخل بحث آخر كالفخر مثلاً أو يدخل في ضوابط أخرى، لكن الضابط المنهي عنه أن يكون ممن انتفع وليس من النافع، لأنَّ من انتفع تعلَّقَ قلبه بمن أحسن إليه، فالتعلق هذا هو الذي يدخل له التشريك.
أمَّا حديث (لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) هذا لم يدخل من جهتين:
الجهة الأولى: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مُتَفَضِّل، والأحاديث التي فيها النهي إنما هو في المنتفع بالنعمة أو اندفاع النِّقمة.
الجهة الثانية: أنَّ قوله (لولا أنا) يقصد به لولا شفاعتي له، وشفاعته صلى الله عليه وسلم تُقبَلْ ابتداءً أم بفضل الله؟
بفضل الله، يعني شفاعته ما تُقْبَل إلا بإذن الله، فرجع الأمر –ولو لم يذكر ظاهر- إلى الله عز وجل.
وكذا قول عمر (لولا أنا لطلَّقكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنَّهُ المُتَفضِّل عليها.
ولو قال إنسان (لولا الهوى ما اختلف الناس في هذا) فهذه ما فيها شيء.
فأقرب شيء تنضبط به ما كان في أمرين:
الأول: أن يكون استعمال لولا في تحصيل نعمة أو اندفاع نقمة بسبب من الأسباس، فيعزوه للسبب ولا يذكر الله.
الثاني: أن يكون في ذكره تَعَلَّقَ القلب بهذا السبب، إذا حصل تعلق بالسبب حصل الشرك قلباً ولفظاً.
س10/ بالنسبة للصلاة خلف الكاهن أو العَرَّاف إذا كان هو إمام مسجد، فهل تصلِّي في بيتك أو تُصَلِّي في المسجد معه؟
لا تصلي في بيتك، تصلي في جماعة أخرى إلَّا إذا اضطررت يعني للصلاة وتخشى من التفريط لأنَّه قصارى الأمر الصلاة خلفه باطلة، ظاهر؟، وفي الصلاة خلفه تقوية له أو تزكية له.
فإذا اضطررت في هذا، لو صليت معه تعيد الصلاة لأنَّهُ كافر.
يعني ممكن تصلي معاه في المسجد وترجع في البيت تصلِّي، بس ما هو بدايم، يعني إذا اضطررت.
طيِّب إذا لم يكن هناك إلا هذا المسجد في الحي، فماذا تفعل؟
تصلي في بيتك، ولا تصلي خلفه، أو تشوف لك مسجد آخر وجماعة ولو بعيد، أمَّا الكهان والعرافين فلا يُصَلَّى وراءهم.
وفقكم الله وأعاننا وإياكم على الحق والهدى.
الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
الأسئلة
س1 هل عبارة (الله ما شفناه لكن بالعقل عرفناه) في قول العامة صحيح؟
ج/ هذا القول في غالب معناه صحيح وهو مأخوذ في الأصل من كلام علي رضي الله عنه في خطبه، وهو موجود في نهج البلاغة -نسيت العبارة- لكن حاصلها يقول (والله إن لم تُدْرِكْهُ الأبصار بالشهود لكن عَرَفَتْهُ وعَنْعَنَتْ له العقول بالدليل) أو نحو ذلك.
هي موجودة، يعني أصلها من كلام علي رضي الله عنه. (1)
(1) نهاية الشريط الخمسون
: [[الشريط الواحد والخمسون]] :
وَدِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَاحِدٌ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3] .
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
قال العلامة الطحاوي رحمه الله (وَدِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَاحِدٌ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3] ) .
هذه الجملة من كلامه رحمه الله يُقَرِّرُ بها أنَّ دين الله جل جلاله وهو ما يُدَانُ به ويُتَقَرَّب إليه به طاعةً تحقيقاً للغَرَضِ من الخَلْقْ هو الإسلام، فهو الذي تَعَبَّدَتْ به الملائكة في السماء، وهو الذي تَعَبَّدَ به الحجر والشجر ممن يعبدون الله عز وجل بمقتضى الخِلْقَة لا بمقتضى الاختيار، وهو الذي لا يرضى الله عز وجل أن يَتَعَبَّدَ به من أعطاه الاختيار إلا أن يَتَعَبَّدَ بالإسلام.
وهذه الجملة يريد بها أنَّ الإسلام الذي هو الدِّين شيءٌ واحد اجتمعت عليه الرسل، وهو الدِّين الذي في السماء، وهو الدِّين الذي في الأرض، وهو الأمور الخَبَرِيَة أو العقائد الخبرية دون الأوامر والنواهي.
وهذا يعني أنَّ كل مِلَّةْ وكل رسول إنما جاء بالإسلام الذي أذِنَ الله به ورَضِيَه وأَمَرَ به، وبه تَعَبَّدَ المُتَعَبِّدُونَ في السماء، وبه أمر أنْ يَتَعَبَّدَ المُتَعَبِّدُونَ في الأرض.
وهاهنا مسائل:
[المسألة الأولى] :
الإسلام ينقسم إلى قسمين وهو:
- الإسلام العام.
- والإسلام الخاص.
وكلام المؤلف هنا يعني به الإسلام العام وهو: الاستسلام لله عز وجل بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
فهذا الإسلام وهو الاستسلام، هو الذي اجتمعت عليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، فدَعَوا إلى توحيد الله وإلى الاستسلام له بالتوحيد بعبادته وحده دونما سواه وخلع الآلهة والأنداد والبراءة من كل معبودٍ سوى الله عز وجل ومن كل عبادة لِمَا سوى الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه.
والانقياد لله عز وجل ظاهراً بطاعته عز وجل فيما أمر وبالانتهاء عما نهى عنه جل جلاله.
هذا هو الإسلام العام، وهو الذي ينطبق على رسالة كل رسول، وهو الذي ينطبق على إِسْلَامِ كل شيء له كما قال عز وجل {أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران:83] .
فقوله {أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ} يعني أفَغَير دين الإسلام يبغون، فكل ما في السماوات والأرض، وكل من في السماوات والأرض أسْلَمْ لله عز وجل طوعاً أو كرهاً، يعني اسْتَسْلَمْ ولا بد، إلا المشرك فإنَّ استسلامه كان استسلامَ انقيادٍ لأمر الله الكوني دون استسلامٍ وانقيادٍ لأمر الله الشرعي.
والنوع الثاني الإسلام الخاص وهو شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
دين كل الأنبياء هو الإسلام بمعناه العام، ودين محمد صلى الله عليه وسلم هو الإسلام، وهو شريعة الإسلام، الإسلام الخاص.
وهذا الإسلام الخاص هو الذي جاء تفسيره في قول النبي صلى الله عليه وسلم «بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أَنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان» (1) حديث ابن عمر، وهو الذي جاء في جوابه صلى الله عليه وسلم لجبريل حينما سأله عن الإسلام فقال «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله» ثم سأله عن الإيمان، ثم سأله عن الإحسان، ثم قال في آخره «هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم» (2) .
فالإسلام الخاص يشمل هذه المراتب الثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان أيضاً.
وكل واحدةٍ منها من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وطبعاً تفاصيل الشريعة قد تدخل مع العقيدة؛ يعني في ما دعا إليه جميع الأنبياء في الإسلام العام.
يعني مثلاً الإيمان: أنْ تؤمن بالله وملائكته هذه تدخل في الإسلام العام الذي اشترك فيه جميع الأنبياء، كذلك شهادة أن لا إله إلا الله هذه أيضاً لكل المرسلين.
فهذا الإسلام الخاص هو الشريعة التي جاءت في قول الله عز وجل {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] ، فالشِّرْعَةْ هي ما خَصَّ الله عز وجل به كل نَبِيٍّ عن النبي الآخر، خَصَّهُ بهذه الرسالة خَصَّهُ بهذا الوحي، فهذا هو الإسلام.
(1) البخاري (8) / مسلم (122)
(2)
سبق ذكره (9)
[المسألة الثانية] :
(دِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَاحِدٌ) كما قال الطحاوي هنا، فحينئذٍ ليس عندنا أديان سماوية، ولا الأديان الثلاثة.
ومن عَبَّرَ عن اليهودية والنصرانية والإسلام أو غيرها أيضاً بأنها أديان سماوية، هذا غلط عَقَدِي، وغلطٌ أيضاً على الشريعة وعلى العقيدة؛ لأنَّ الدين واحد كما قال عز وجل {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19] ، فالدِّيْنُ الذي جاء من السماء من عند الله وارتضاه الله في السماء وارتضاه في الأرض واحدٌ ليس باثنين، وليس بثلاثة.
فمن الغلط قول القائل: الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والنصرانية والإسلام؛ بل ليس ثَمَّ إلا دينٌ سماويٌ واحد وهو الإسلام فقط، على التفصيل الذي ذكرنا في المسألة الأولى.
فشريعة عيسى عليه السلام تُسَمَّى النصرانية، وشريعة موسى عليه السلام تُسَمَّى اليهودية، أو تقول اليهودية والنصرانية وغير ذلك؛ لكن لا تَنْسِبْ هذه الثلاث بقول القائل الأديان السماوية الثلاثة؛ لأنه كما قال الطحاوي هنا (دِينُ اللَّهِ وَاحِدٌ) ليس متعدداً.
وهذه ذَهَبَ إليها جمعٌ من النصارى ومن اليهود في تصحيح كل الديانات، يعني من القرون الأولى في أنَّ النصرانية دين من الله وأنَّ اليهودية دين من الله والإسلام دين من الله.
وهذا لاشك أنَّهُ باطل ومخالف لنصوص الكتاب والسنة وللإجماع في أنَّ الله عز وجل لا يرضى إلا الإسلام، كما قال عز وجل {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3] وقال {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] وقال عز وجل {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا} [الحج:78] يعني من قبل يعني عند الرسل السالفة.
[المسألة الثالثة] :
الدّين أصل اشتقاقه في اللغة من دَانَ يَدِينُ إذا التَزَمَ، أو أُلْزِمْ بما يكون مُلَازِمَاً له ومُعْتَادَاً في شأنه.
ولذلك قيل أيضاً الدَّيْدَنْ، دَيْدَنُهُ كذا يعني ما اعتاده كذا، دَيْدَنِي يعني ما اعتدته.
ومنه أيضاً الدِّين، يقول أنا ديني كذا -يعني في أصل اللغة- يعني أعتاد كذا والتَزِمُهُ.
ولهذا صار كل ما يُلْتَزَمْ يقال له دين، لهذا جاء في القرآن ذكر دِيْنْ الملك في قصة يوسف في قوله عز وجل {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَاّ أَن يَشَاء اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76] ، فقوله جل جلاله {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} يعني في شريعة الملك؛ لأنها مُلْتَزَمَة والالتزام والحكم بها صارت عادة وصارت دَيْدَناً، يعني صارت ديناً يُعتادُ ويُلْزَمْ به الناس.
لهذا يقال فلانٌ دينه ضعيف أو دينه قوي يعني ما اعتاده من الالتزام بأمر الإسلام.
إذاً فقوله هنا (دِينُ اللَّهِ) ، هنا إضافة الدين إلى الرب عز وجل ليست إضافة إلى الفاعل هي إضافة إلى الآمر بها، تقول دين فلان لأنه هو يَتَدَيَّنْ، ودين الله يعني الدين الذي أمر الله به وأَلْزَمَ به الناس ولم يَرْضَ غيره هو الإسلام.
وهنا فَرْقْ طبعاً بين الدين وبين الشريعة وبين العقيدة يحتاج إلى وقتٍ أطول لبيانه، يعني تشترك:
- الدين يمكن أن يُطْلَقْ على الشريعة والعقيدة جميعا.
- والشريعة يمكن أن تُطْلَقْ على الدين وعلى العقيدة أيضاً.
- والعقيدة أيضاً يمكن أن تُطْلَقْ على الشريعة وعلى الدِّين.
لكن بينها عموم وخصوص، فهي تشترك في أشياء وتختلف في أشياء، ويمكن أن يُعَبَّرْ عن كل واحدٍ بالآخر.
[المسألة الرابعة] :
& الإسلام ينقسم من حيث الاستسلام إلى ثلاثة أقسام:
- إسلام الوَجْهْ.
- وإسلام العمل.
- وإسلام القلب.
@ القسم الأول: إسلام الوجْه: يُعْنَى به أن لا يَتَوَجَّهْ إلى غير الله عز وجل في عبادته، فيستسلم لربه جل جلاله ويُقْبِلْ عليه بوجهه وحده دون ما سواه.
وهذا جاء في نحو قوله جل جلاله {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [البقرة:112]، وقوله عز وجل {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء:125] .
@ القسم الثاني: إسلام العمل لله عز وجل: وهو أن يكون العمل مُسْتَسْلَمَاً فيه لله مُتَخَلَّصَاً فيه من الهوى.
فيُسْلِمْ العمل: يعني يَسْتَسْلِمْ في العمل فلا يُسَلِّطْ دَاعِيَ الهوى على الأعمال الصالحة.
@ القسم الثالث: إسلام القلب: وهو أصل هذه الأنواع كلها، وهو أنَّهُ يُخْلِصُ في قوله وفي عمله، ويستسلم لربه عز وجل في كل أحوال قلبه.
& وينقسم الإسلام أيضاً باعتبارٍ آخر إلى شرائع ذكرناها لكم:
فكل نبيٍ دينه الإسلام لكن شريعته مختلفة، وقد يقال دين النصرانية، دين اليهودية باعتبار التَّدَيُّنْ كما ذكرنا لك، باعتبار الالتزام، والمقصود الشريعة لكن لا يقال الأديان الثلاثة السماوية كما ذكرنا لك.
& باعتبارٍ آخر ينقسم الإسلام الخاص إلى ثلاثة أقسام:
- الإسلام.
- الإيمان.
- الإحسان.
& وينقسم أيضاً باعتبارٍ رابع إلى:
- إسلامٍ كامل
- وإسلامٍ ناقص، يعني باعتبار الاستسلام
@ إسلامٌ كامل يعني استسلام كامل.
@ إسلام ناقص يعني استسلام ناقص.
وهذا بَحَثَهُ أهل العلم واختلفوا فيه، هل الإسلام مثل الإيمان يزيد وينقص؟
أم أنَّ الإسلام شيءٌ واحد، والإيمان هو الذي يزيد وينقص؟
أم أنَّ كلاً منهما شيء واحد؟ أم العكس؟
على أقوال متنوعة، والذي ينطبق على طريقة أهل السنة والجماعة، وإن لم يُصَرِّحْ به الأوائل؛ لكن صَرَّحَ به المتأخرون مثل ابن تيمية ونحوه من أهل العلم، أنَّ الإسلام يزيد وينقص باعتبار الاستسلام، وأنَّ الإسلام له كمال وله نقص، وهذا ظاهر باعتبار الاستسلام.
فإذا نظرنا إلى إسلام الوجه والعمل والقلب أو القصد لله، فالناس في ذلك متباينون تبايناً شديداً.
وإذا نظرنا إلى التقسيم السالف وهو أنَّ الإسلام ينقسم إلى إسلام وإيمان وإحسان، والناس في الصلاة مختلفو المراتب وفي الصدقة الواجبة الزكاة مختلفو المراتب، وأنَّ الناس في الصيام مختلفو المراتب، وفي الحج مختلفو المراتب، ثُمَّ في الإيمان أيضاً مختلفو المراتب، فلابد أن يكون ما تَكَوَّنْ من هذه مُتَفَاضِلَاً.
ولذلك ليس من كان وصفه الإسلام على مرتبة واحدة.
كذلك ليس كل مؤمن على مرتبة واحدة.
فأهل الإيمان في الإيمان متفاوتو المراتب، وكذلك أهل الإسلام في الإسلام متفاوتو المراتب؛ لأنَّ الإسلام الذي هو الاستسلام يقبل التفاوت ويقبل الزيادة والنقص.
قال رحمه الله بعدها (وَهُوَ بَيْنَ الْغُلُوِّ وَالتَّقْصِيرِ، وَبَيْنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ، وَبَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ، وَبَيْنَ الْأَمْنِ وَالْيَأْسِ.)
هذه الأربع الألفاظ المتقاربة نَصَّ عليها رحمه الله لأجل أَنَّ الفِرَقْ الضالة أو التي خالفت نَحَتْ إلى أَحَدِ هذه الثمان صفات.
فذكر ثماني صفات:
- الأولى: الغلو.
- الثانية: التقصير.
- الثالثة: التشبيه.
- الرابعة: التعطيل.
- الخامسة: الجبر.
- السادسة: القدر.
- السابعة: الأمن.
- والثامنة: اليأس.
ثم قال بعدها (فَهَذَا دِينُنَا وَاعْتِقَادُنَا) إلى آخره.
قوله (وَهُوَ بَيْنَ) يعني أَنَّ هذه الصفات الإسلام لا يرتضيها ودين الله الحق ليس مع الغُلُو كما أنه ليس مع التقصير، ودين الله الحق ليس مع التشبيه كما أنه ليس مع التعطيل، وكذلك دين الله الحق ليس مع الجبر في الأفعال كما أنه ليس مع إثبات الفعل للإنسان خَلْقَاً دون الله عز وجل وهو المسمى بالقَدَرْ، وكذلك بين الأمن من مكر الله عز وجل، وبين اليأس من روح الله جل جلاله.
فيريد أَنَّ أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح أخذوا بهذه الوسطية بين هذه المسائل.
فهم وسط بين الغلو والتقصير وهم وسطٌ بين التمثيل والتعطيل وهم وسطٌ بين الجبر والقدر وهم وسط بين الأمن واليأس.
وإذا تبين لك ذلك فهذه الجملة يُبْحَثُ فيها كل العقيدة، كل ما ذكرنا من شرحٍ في هذا الكتاب تدخل في هذه الجُمَلْ:
فهو بين الغلو والتقصير في العمل والإيمان ومراتبه، بين التشبيه والتعطيل في مسائل الصفات والإثبات إلى آخره.
الغلو ذهب إليه الخوارج، والتقصير ذهب إليه المرجئة وأهل الشهوات.
التشبيه ذهب إليه المجسمة، والتعطيل ذهب إليه المعَطِّلَة والمُؤَوِّلَة ونُفَاة الصفات.
والجبر ذهب إليه الجبرية: الجهمية والأشاعرة والماتريدية، والقَدَرْ يعني القَدَرِيَّة الأوائل نُفَاة العلم، ثم المعتزلة الذين أثبتوا خلق الإنسان لفعله.
والأمن من مكر الله عز وجل ذهب إليه أهل الشهوات، فعلوا ما يشاءون وأمِنُوا مكر الله، واليأس ذهب إليه طائفة من المتصوفة فيئِسُوا من رَوحِ الله عز وجل.
وهكذا في أصنافٍ شتى في هذه الأمور.
فإذاً هذه الجملة هي في الحقيقة تلخيصٌ لما سبق، وهي عَرَضْ لها كما تذكرون شيخ الإسلام ابن تيمية في مبحث الوَسَطِيَّةْ.
وكل من صَنَّفَ في الاعتقاد يَعْرِضُ لها لكن بأساليب مختلفة.
وهي التي سماها عدد من طلبة العلم في هذا العصر الوسطية، الوسطية في الاعتقاد في الصفات، الوسطية في الإيمان، الوسطية في القَدَرْ، الوسطية في السلوك، الوسطية في العبادة، الوسطية في الحُكْمْ على الناس وعلى الأحوال، وهكذا.
ولاشك أنَّ دين الإسلام وسط كما أثنى الله عز وجل على أهله بقوله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143] .
وقوله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} يعني أُمَّةً عَدْلَاً خِيَارَاً، كما فَسَّرَهَا السلف.
لماذا صارت عدلا؟
لأنها تَوَسَّطَتْ في ما ذهب إليه المِلَلْ من قبل.
فعندك اليهود عندهم التشدد والغلو والأغلال والآصار، والنصارى عندهم التساهل والزيادة والابتداع إلى آخره.
فأهل الإسلام وسط في كل أحوالهم، وسطٌ في العقيدة ووسطٌ في العبادات بجميع أحوالها وأنواعها.
إذا تبين ذلك فنعرض لهذه الجُمَل سريعاً في مسائل:
[المسألة الأولى] :
الغلو والتقصير قد يُعَبَّرُ عنه بالغلو والجفاء.
والغلوُّ لفظٌ جاء في الكتاب والسنة، كما قال عز وجل {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلَاّ الْحَقِّ} [النساء:171] ، وقال عز وجل في الآية الأخرى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة:77] ، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في بعض السنن «بمثل هؤلاء فارموا» لما ذَكَرَ أَنَّ مَسَكَ أو قَبَضَ على حصى الحذف «وإياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» (1) فنهى عن الغلو صلى الله عليه وسلم.
والغلو كما أنه يكون في الاعتقاد كذلك يكون في العبادة.
وحقيقة الغلو في تعريفه الشرعي: هو الزيادة عما أُذِنَ به شرعاً في السلوك أو في التَّعَبُّدْ أو في الاعتقاد.
يعني في الدين إذا زاد عما أُذِنَ به فإنه يكون غالياً، كما أنه إذا زاد في الإنفاق عَمَّا، أو في الفعل عما أُذِنَ به صار مسرفاً.
أما التقصير فهو: ترك ما أُمِرَ به العبد بأن يُقَصِّر ويجفو ويتبع الشهوات وهو عكس الغلو.
وأولئك يغلون في الاعتقاد أو يغلون في الإثبات أو يغلون في السلوك.
مثاله الخوارج غلوا في جانبين؛ بل في عدة جوانب.
غَلَو في العقيدة: فَضَلُّوا، كَفَّرُوا، وتركوا نهج الصحابة.
وغلوا في العبادة: حتى إنَّ أحد الصحابة يحقر صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم كما جاء في الحديث.
وغلوا أيضاً في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقاتلوا جِهَادَاً من لا يستحق القتال شرعَاً؛ بل من يَحْرُمُ قتاله، حتى آل الأمر بغلوهم أنهم تَعَبَّدُوا بقتل خيار الله جل جلاله مثل الصحابة.
فأَكْرَمُ الصحابة وأعلاهم منزلة في زمنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومع ذلك تَقَرَّبُوا إلى الله بقتله؛ بل أساس قتل عثمان هو من فعل الخوارج رضي الله عنه.
قَتَلُوا علياً وهم يتمنون الجنة بقتل عثمان وبقتل علي من شدة غُلُوِّهِم.
وكما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان» (2) يعني أهل الشرك.
وأما التقصير فهو حال أهل الشهوات الذين تركوا العبادة وتركوا طاعة الله عز وجل ولم يَبْلُغُوا ما أَمَرَ الله عز وجل به.
بل هم في تقصيرٍ وغِشيانٍ للشهوات والمحرمات والكبائر ولا يَرْعَونَ ولا يثوبون ولايتذكرون.
هؤلاء يقابلون المتشددين، يقابلهم أهل التساهل والكبائر والذنوب والمعاصي.
(1) النسائي (3057) / ابن ماجه (3029)
(2)
البخاري (3344) / مسلم (2499)
[المسألة الثانية] :
في قوله (بَيْنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ)
1 -
القسم الأول: التشبيه:
التشبيه هو أن يُجْعَلْ شيء شَبَهَاً لشيء.
فعملية الجَعْلْ هذه هي تشبيه، شَبَّهَ تَشْبِيْهَاً.
والتشبيه قسمان، يعني جَعْلْ الشَّبِيهْ قسمان:
@ القسم الأول: جعْل الشبيه لله عز وجل في صفاته كلها، أو في بعض صفاته، أو في تمام معنى الصفة [.....] .
[.....] يمكن أن تقول اختصاراً أنْ يُشَبَّهْ الله عز وجل بخلقه أو يُشَبَّهْ الخلق بالله عز وجل في كيفية الصفات أو كيفية صِفَةْ أو في تمام معنى بعض الصفة.
@ القسم الثاني: أن تُشَبَّه صفة الله عز وجل بصفة خلقه في أصل المعنى دون تمامه، أن تُشَبَّه صفة الخالق عز وجل بصفة المخلوق في بعض المعنى أو في أصل المعنى.
وهذان القسمان هل يُنْفَيَان عن الله عز وجل جميعاً أم ينفى أحدهما عن الآخر؟
اختلف أهل العلم في ذلك.
والذي يوافق طريقة أهل السنة والجماعة أن يُنْفَى القسم الأول وهو المراد بالتمثيل دون نفي القسم الثاني؛ لأنَّ إثبات الصفات إثباتٌ للصفة مع المعنى، والمعنى يشترك المخلوق مع الخالق فيه في أصل الصفة، في أصل المعنى دون كماله.
كما أنَّ المخلوق يُوصَفْ بالوجود والله عز وجل يُوصَفُ بالوجود فبينهما اشتراك في أصل المعنى دون تمامه ودون حقيقته.
كذلك يُوصَفُ المخلوق بالسمع، والله عز وجل يُوصَفُ بالسمع وللمخلوق سمع يناسبه، ولله عز وجل سمعٌ كامل متنزه عن النقائص وما لا يليق بجلاله وعظمته عز وجل.
فتحَصَّلَ من هذا أَنَّ:
- الأول مُتَّفَقٌ على منعه وهو التمثيل.
- والثاني مُخْتَلَفٌ في إطلاقه بين أهل العلم. (1)
* والأوْلَى أن لا يُسْتَعْمَل التشبيه إلا في معنى التمثيل حتى لا يَظُنْ الظَّان ممن لا يفهم طريقة أهل السنة والجماعة أنهم يتساهلون في مسألة التشبيه، فَيُصَدِّقُونَ أنهم مُشَبِّهَة أو يؤكدون أنهم مُشَبِّهَة.
وهذا وإن استعمله بعض أهل العلم كابن تيمية وغيره؛ ولكن أرادوا منه حَقَاً، وهو أن لا تُنْفَى الصفات.
ولكن من حيث الاستعمال لا تُسْتَعْمَلْ، لا يقال أنه هناك تشبيه جائز أو أنَّ من التشبيه ما هو حق، فهذا ليس كذلك.
لذلك لفظ التشبيه لم يأت في الكتاب والسنة مَنْفِيَّاً، وإنما جاء نفي المثيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، ولكن لا نستعمل لفظ التشبيه، فالله عز وجل ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، وكذلك ليس له شبيه عز وجل، وأهل التشبيه هم أهل الضلال.
لهذا قال هنا (وَبَيْنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ) فالمُشَبِّهَة وهم الذين جعلوا صفات الله عز وجل مُشْبِهَةْ لصفات خلقه، إما جميع الصفات كحال أهل التجسيم أو بعض الصفات، هؤلاء نتبرأ منهم وليس في طريقة أهل السنة لفظ تشبيه مُثْبَتَاً.
ما نقول قد يكون مثل ما استعمله بعض المعاصرين ممن لم يتحقق بطريقة أهل السنة والجماعة وأهل الحديث.
2 -
القسم الثاني التعطيل:
والتعطيل مأخوذٌ أو معناه الإخلاء، مأخوذ من العُطْلِ وهو التَّخْلِيَة.
يقال جِيدٌ المرأة عاطل؛ يعني أنه خالٍ من الحُلِيْ كما قال الشاعر وهو امرئ القيس:
وجيدٌ كجيد الرِّيم ليس بفا **** حِشٍ إذا هي نَصَّتْهُ ولا بمُعَطلِ
(بِمُعَطَّلِ) يعني بخالٍ من الحلية.
فالتعطيل معناه التخلية.
فالتعطيل في حق الله معناه أن يُخْلَى الله عز وجل من صفاته.
فَنُفَاةْ الصفات مُعَطِّلَة، وكل من نفى صفة أو أكثر فله نصيب من التعطيل بقدر ما نفى؛ لأنَّ التعطيل إخلاء من الصفات.
فنفاة الصفات مثل المعتزلة والأشاعرة، أو من نفى كل الصفات أو نفى بعضها؛ فإنه يطلق عليه مُعَطِّلَة.
وبالمناسبة تجد في كتب أهل العلم، تارَةً يقولون عن هؤلاء نُفَاة الصفات، وتارة يقولون مُثْبِتَةْ الصفات، ففي موضعٍ يجعلونهم مع النفاة، وفي موضع يجعلونهم مع المُثْبِتَةْ بحسب السياق.
فإذا نُظِرَ إلى نفيهم للصفات -يعني المعتزلة والأشاعرة- قيل لهم نفاة للصفات مع الجهمية لأنَّ الجهمية هم أصلاً نفاة الصفات.
وإذا نُظِرَ إلى ما أثبتوا وأنَّ الجهمية تنفي جميع الصفات قيل عنهم أنهم مُثْبِتَةْ للصفات؛ يعني لأصل الصفات وليسوا منكرين لأصل الاتصاف.
فالمقصود من ذلك أنَّ التعطيل ينطبق على نُفَاة الصفات سواءٌ نَفَى كل الصفات أو نفى بعض الصفات.
إذا كان كذاك فدين الله بين التشبيه والتعطيل؛ يعني ما بين نفي الصفات، وما بين أن يُجْعَلْ لله عز وجل صفات كصفات المخلوق.
فنُثْبِت لله عز وجل الصفات؛ لكن (2) على قاعدة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، وعلى قاعدة أهل العلم أنَّ إثباتُ الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية، وأنَّ بين الصفة وبين الصفة، يعني بين صفة الخالق وبين صفة المخلوق كما بين الذات والذات.
والله عز وجل ضَرَبَ لنا مَثَلاً في المخلوقات:
المخلوقات ليست متساوية في الصفات، الذباب له قوة تناسبه والإنسان له قوة تناسبه، ولكن هنا ثَمَّ قوة وثَمَّ قوة، البعوض له سمع وله بصر يناسبه والإنسان له سمع وله بصر يناسبه، والفيل له قوة وله سمع وله بصر وله قدرة تناسبه.
فإذاً المخلوقون، الأصناف التي خلقها الله عز وجل جعلها متفاوتة فيما تتصف به، وإذا كان كذلك فإذاً ما بين الخالق وما بين المخلوقين من البون والفرق الكبير في الاتصاف بالصفات كما بين ذات الرب جل جلاله وذوات المخلوقين الوضيعة والناس يُدركون هذا تمام الإدراك فيما يزاولونه وينظرون إليه.
(1) انظر المسألة الثالثة (16)
(2)
نهاية الوجه الأول من الشريط الواحد والخمسون
[المسألة الثالثة] :
في قوله (بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ) الجبر والقدر مر معنا تفصيلاً ذلك.
وأنَّ الجبر يعني به الجبرية، وأنَّ الجبرية صنفان:
- جبريةٌ غالية.
- وجبريةٌ متوسطة.
وكذلك القدرية صنفان:
- قدريةٌ غلاة وهم الذين نفوا العلم.
- وقدريةٌ ليسوا بغلاة وهم المعتزلة الذين نفوا مرتبة من مراتب القدر وهي خلق الله عز وجل لأفعال للعباد وعموم مشيئته سبحانه وتعالى.
[المسألة الرابعة] :
في قوله (وَبَيْنَ الْأَمْنِ وَالْإِيَاسِ) الأمن كما ذكرت لك هو الأمن من مكر الله واليأس هو اليأ س من روح الله عز وجل.
والواجب على المؤمن والمسلم أن يعلم أنَّ الإسلام لا يُقِرُّ الأمن من مكر الله كما لا يُقِرُّ اليأس من روح الله، فهو بين هذا وهذا، فهو أن يسير خائفاً راجيا يخاف من الله عز وجل أن يعاقبه، أو أن يستدرجه، وأنه إذا فعل ذنباً فإنه لا ييأس من روح الله عز وجل.
وهاهنا مسألة يذكرها أهل العلم: وهي الأمن والإياس والخوف يعني والرجاء أيهما يُغَلَّبْ؟ هل يكون خائفاً أو يكون راجياً؟
وهم متفقون على أنَّ الخوف الذي يُبْلِغُ المرء إلى اليأس فإنه مذموم، وأنَّ الرجاء الذي يُبْلِغُ المرء إلى الأمن من مكر الله فإنه مذموم.
فإذا كان كذلك فهم يبحثون بين الخوف والرجاء ولا يقصدون الخوف الذي يوصل إلى اليأس، ولا الرجاء الذي يوصل إلى الأمن.
اختلف أهل العلم في ذلك كما هو معلوم لديكم في أي الخوف والرجاء يُغَلَّبْ؟
- قالت طائفة يُغَلَّبْ جانب الخوف.
- وقال آخرون يُغَلَّبْ جانب الرجاء.
* والصحيح في ذلك هو التفصيل وهو أنَّ الإنسان لا يخلو في حاله من أحد ثلاثة أحوال:
- إما حال صحة.
- أو حال مرض.
- أو حال قرب للوفاة.
@ فإذا كان في حال الصحة: فيغلب جانب الخوف على الرجاء حتى ينتهي عن الذنوب ولا تَغُرَنَّه صحته في الإقدام على الذنوب والمعاصي واقتحام ما لا يُرْضِي الله عز وجل، وكذلك يرجو حتى يعمل ويستمر في العمل، وهذه الحال قال فيها طائفة من أهل العلم: إنه يُسَوِّي بين الخوف والرجاء، وهذا ليس بموضعه كما سيأتي.
@ وإذا كان في حال المرض: فحال المرض ينبغي على الإنسان أن يُغَلَّبْ جانب الرجاء في الله عز وجل ويكون أعظم من خوفه؛ لأنه في حالٍ الخوف عنده ولو أُمِرَ بتغليب الخوف خُشِيَ أن يصل به إلى عدم الرجاء في الله عز وجل، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم «قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء» (1) ويناسب المريض أن يكون راجياً مُغَلِّبَاً على الخوف حتى يَلْطُفْ الله عز وجل به.
@ وإذا كان في حال قرب الوفاة: الأفضل للمرء فيها أن يُسَوِّيَ بين الجانبين، أن يكون خائفاً راجياً، وقد جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له -أظنه كان مريضا فعاده- فقال:«كيف تجدك» قال: أجدني أخشى ذنوبي وأرجو رحمة ربي. فقال صلى الله عليه وسلم له «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا إلا أنجاه الله من النار» (2) أو كما جاء في الحديث.
المقصود أنه اسْتُدِلَّ به أنه في هذه الحال أن يُسَوِّيَ المرء بين الخوف والرجاء.
(1) سبق ذكره (371)
(2)
الترمذي (983) / ابن ماجه (4261)
قال رحمه الله بعدها (فَهَذَا دِينُنَا وَاعْتِقَادُنَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَنَحْنُ بَرَآءُ إِلَى اللَّهِ مِنْ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ)
يريد بذلك أنَّ جميع ما ذكره في هذه الرسالة وفي هذه العقيدة المباركة من أوله وآخره أنه دينه واعتقاده ظاهراً وباطنا؛ يعني أنه لا ينافق في ذلك ولا يُظْهِرُ شيئاً ويُخْفِي شيئاً، كما كان عليه طائفة من أهل زمانه من أنهم يقولون (لا تُظهر عقيدتك عند أحد؛ لأنك بين مخالِفِينَ فإما أن يثنوا عليك وإما أن يذموك) ، بل هذا ديننا وعقيدتنا واعتقادنا ظاهراً وباطناً؛ لأنَّ الاعتقاد والدّين الأصل في الإنسان أن يُعْلِنَهْ، وقد يجوز أن يستخفي به إذا كانت المصلحة في ذلك؛ لكن هذا في حال الفتنة وعدم استطاعة الثبات على البلاء؛ لكن الأصل أنَّ الإنسان يُعْلِنْ ما يعتقده ويدين به ظاهراً وباطناً.
قال متبرئاً من كل من خالف طريقة أهل الحديث والسنة والجماعة (وَنَحْنُ بَرَآءُ إِلَى اللَّهِ مِنْ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ)
وقد تقدم لك أنه غلط رحمه الله في عدد من المسائل، هذه توكل إلى اجتهاده، وغلط في ذلك وفي الجملة كلامه موافق لكلام أهل الحديث وكلام أهل السنة في إثبات الصفات وفي القدر وفي سائر المسائل، لكن في مسألة الإيمان تابع فيها قول أبي حنيفة ومرَّ معك البحث في ذلك.
فنحن برآء إلى الله من كل مخالفة للكتاب والسنة لكل ما أمر الله عز وجل به أو أخبر من خالفه فنحن نتبرأ إلى الله عز وجل منه سواءً علمنا أو لم نعلم.
وهذا هو الأصل وهذا هو الاعتقاد أننا ندين إجمالا بما أمرنا الله عز وجل أن ندين به بالتصديق بالأخبار وباعتقاد وجود الأوامر والانتهاء عن النواهي، وجوب امتثال الأوامر ووجوب الانتهاء عن النواهي، إذا كان أمر إيجاب أو نهي تحريم.
وهذا ديننا وهذا اعتقادنا، أمَّا تعليقه بقول فلان أو بما ورد، فهذا يحتاج إلى تأمل ونظر لأن الناس يختلفون في ذلك اختلافاً بيِّنَاً.
وما من عالم ممن كتب في العقائد إلا وله اجتهاد يكون في مسألة في مسألتين، وهذا لا يعني أنه ليس من أهل السنة أو أنه خالف أو أنَّ كتابه لا يصلح.
فمثلا تنظر إلى أعظم الكتب التي كتبها السلف تجد فيها مسائل لا يُقِرُّهَا الآخرون لكنها مسائل نادرة في خِضَمِّ غيرها، إما أن يُثْبِتْ ما لا يَثْبُتْ مَثَلَاً في بعض الصفات، أو أنه يتأول واحدة بشيءٍ ظهر له، أو أنه يصف شيئاً ليس من العقيدة يجعله في العقيدة، مثل ما فعل البربهاري مثلاً في بعض المسائل، أو أنه ينسب شيء لأهل السنة وهو ليس من عقيدة أهل السنة.
فلذلك ما قَعَّدُوهُ وأجْمَعُوا عليه واتفقوا عليه فهذا ما يجب اتباعه، ولا تجوز مخالفته لأنه هو عقيدة أهل السنة والجماعة، وما اختلفوا فيه فلكل واحدٍ منهم عذره في ذلك؛ لكنه لا يُتَّبَعُ على ما زَلَّ فيه.
الحافظ ابن خزيمة كَتَبَ كتابا عظيما وهو قطعة من صحيح سماه التوحيد، ومع ذلك غلط فيه في بعض المسائل، في مسألة الصورة كما هو معروف لم يوافق بقية أهل السنة في ذلك.
مثلا عندك البربهاري ذكر مسائل ليست من العقيدة أصلاً وأشياء لم تثبت.
من ألَّفْ مثلاً في العرش جاء بأشياء ليس فيها دليل واضح وهكذا.
المقصود من ذلك أنه ليس من شرط أن يكون الكتاب على طريقة أهل السنة والجماعة وأهل الحديث أن يكون سالما من كل اجتهاد؛ لكن إذا كانت أصوله التي انطلق منها هي الاستسلام للكتاب والسنة، ورَدْ التأويل والتعطيل واتباع الدليل، وعدم تسليط العقل على النصوص فهذا من أهل الحديث وأهل السنة، فلا بد أن يحصل له من الغلط ما يحصل له.
لهذا عَظَّمْ أهل العلم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه قَرَّرَ فيها ما اتفقوا عليه وأجمعوا عليه، وترك فيها ما لكل واحدٍ من أهل العلم ممن كتبوا في العقائد اجتهادات.
اعتنى المتأخرون من أئمة أهل السنة بكتب الشيخين شيخ الإسلام وابن القيم لسلامتها من المذاهب الردية وللاجتهادات التي [.....] يُوَافَقْ عليها.
نقف عند هذاويبقى عندنا الجملة الباقية هذه نبقى معها الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد وأن يختم لنا برضاه إنه جواد كريم.