المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المسألة الأولى] :عظم شأن الدعاء - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: ‌[المسألة الأولى] :عظم شأن الدعاء

[المسألة الأولى] :

عِظَمِ شأن الدعاء

، وخاصَّة إذا ذُكِرَ في المذاهب الرَّدِيَّة وذُكِرَ الاعتقاد الحق فإنَّ الواجب على المسلم أن لا يَأمَنْ، بل الواجب عليه أن يخاف ويحذر ويعمل بأسباب الحَذَرْ، وأن يَتَقَرَّبْ إلى الله عز وجل بالدعاء العظيم لأنَّ الله جل جلاله يجيب من سأله ويُعْطِي من دعاه سبحانه.

فهذا الأصل يدخل تحت ما مَرَّ الكلام عليه من منفعة الدعاء وإجابة الله عز وجل للدعاء وقضاء الحاجات.

ص: 747

[المسألة الثانية] :

ذَكَرَ هنا الثبات على الإيمان، والثبات على الإيمان نوعان:

- ثباتٌ على أصله.

- وثباتٌ على كماله.

والعبد محتاجٌ إلى هذا وهذا، وأهل العلم بالله عز وجل يسألون الله سبحانه ويُلِحُّونَ في السؤال أن يُثَبَّتُونَ على كمال الإيمان وأن يُغْفَرَ لهم ما فيهم من نقص.

فقوله هنا (أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْإِيمَانِ) يعني على كماله، وكمال الاعتقاد وكمال العمل.

ص: 748

[المسألة الثالثة] :

قوله هنا (وَيَخْتِمَ لَنَا بِهِ) ،ِ الخاتمة من أعظم وسائل النجاة إذا أَحْسَنَهَا الله عز وجل.

فمن حَسُنَتْ خاتمته فهو إلى الجنة إن شاء الله ومن ساءت خاتمته فهو على خطر.

ولهذا جاء في الحديث الصحيح «أنَّ العبد يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة» (1) ، فالخاتمة هي المقصود، أن يُختَم للعبد بما يحب الله عز وجل ويرضاه.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن حُسْنَ الخاتمة منوطٌ بمعرفتها، يعني إحسان العبد خاتمته منوطٌ بمعرفتها، أن يعرف متى تنتهي حياته حتى يستعد.

وإذا كان ذلك محالاً أن يعلم متى سيموت ومتى سينتهي فإنَّ الواجب حينئذ أن يَحْذَرَ صباح مساء وليلاً ونهاراً، أن من سوء الخاتمة.

هذا هو عمل الأكياس وعمل الصالحين جعلنا الله عز وجل منهم وغَفَرَ لنا ذنوبنا، أنهم يستعدون للخاتمة.

الاستعداد للخاتمة من وسائل النجاة، وهما استعدادان:

- استعدادٌ في صلاح القلب.

- واستعدادٌ في صلاح العمل.

والاستعداد في صلاح القلب هو بالعلم النافع الذي يُورِثْ في القلب العلم بالله عز وجل ومعرفته وأسمائه وصفاته وبيقين في ذلك.

ثم العمل الصالح، يعني يمتثل الأمر ويجتنب ما نَهَى الله عنه، أونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يستغفر من الذنوب والخطايا.

(1) سبق ذكره (223)

ص: 749

[المسألة الرابعة] :

عَبَّرَ هنا بالعِصْمَة في قوله (وَيَعْصِمَنَا مِنَ الأهْوَاءِ المُخْتَلِفَةِ) والعِصْمَة كلمة لم يكن لها استعمال شائع عند السلف ولم تَأتِ بهذا المعنى في الكتاب ولا في السنة.

لهذا العِصْمَة في الحقيقة تحتاج إلى تفصيل لأنها بهذا المعنى -يعني العِصْمَة من الذنوب، العِصْمَة من البدع-، فيها حق وفيها باطل.

وسبب ذلك أنَّ العِصْمَة معناها أن يُعْصَمَ من الذنب، والذنْبُ قد يكون في العقيدة فيكون بدعَةً، وقد يكون في العبادة تقصيراً أو زيادةً فيكون ما بين الإثم في البِدَعْ أو في ترك الواجبات.

ولهذا وجب أن تُفسَّر العِصْمَة في هذا الموضع وفي كُلُّ موضعٍ استعملها فيه أهل العلم، أن تُفَسَّرْ بالمعنى الصحيح لأنها مجملة ولا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنَزَّهْ عن جنس الذنب، وقد يكون الذنب ذنب قلب، وقد يكون الذنب ذنب عمل جوارح.

والعِصْمَة تُوهَب كما قال هنا (نسأل الله العِصْمَة) لأنَّ العِصْمَة يَهَبُهَا الله عز وجل.

وإذا كانت معناها عدم الوُقوع في الذنوب المُخِلَّة، فهي إنّما وَهَبَهَا الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم، أمّا الأُمَّة فلم تُوهَبْ هذا النوع وهو أنه يُعْصَمُ مُطْلَقَاً من كل ذنب: ذنب اعتقاد ذنب قول أو ذنب عمل.

وإذا كانت توهب فالعِصْمَة ليست لله عز وجل، أو يقال (الله معصومٌ عن كذا) ، أو كما قال بعضهم (العِصْمَة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .

فالعِصْمَة لله مُلْكَاً، هو الذي يملكها لكنه لا يوصَفُ بها، يملكها مُلْكْ كما يَمْلِكُ سائر ما في الملكوت من أعيانٍ وغيرها، فهو الذي يُعْطِي العصمة ويهبها لمن شاء من أنبيائه.

فإذا كان كذلك تَلَخَّصَ الأمر بأنَّ العِصْمَة الكاملة هي للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما من عداه من الأمة فلم يُعطَ العِصْمَة الكاملة، ولا بد أن يقع في الذنب يصيبه.

والذنوب كما ذكرنا قسمان:

- ذنوب اعتقاد.

- وذنوب عمل.

@ وذنوب الاعتقاد ليست موجودةً في الصحابة رضوان الله عليهم، ولهذا يَصِحْ أن تقول: عَصَمَ الله الصحابةَ من الخَلَلْ في العقيدة. عَصَمَ الله السلفَ من مجانبة الحق في الاعتقاد.

وهذا هو الواقع لأنهم أجمعوا على مسائل التوحيد والعقيدة، والأمة لا تجتمع على ضلالة.

@ أما العمل فلم يُعْصَمُوا -يعني الذنوب لم يعصموا لهم ذنوب-، والنبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ أبا بكر أن يدعو بقوله (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي)(1) .

حتى صغائر الذّنوب ربما حَصَلَتْ من النبي صلى الله عليه وسلم مما لا يقدح في الرسالة، ولهذا قال الله عز وجل {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:1-2] .

فإذاً مقصده هنا من الدعاء هذا (أن يَعْصِمَنَا مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْآرَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَالْمَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ) يعني أن يَسْلُكَ الله عز وجل به سبيل السلف لأنهم عُصِمُوا من أن يَسْلُكُوا الأهْوَاءِ المُخْتَلِفَةِ، والآرَاءِ المُتَفَرِّقَةِ، أو المَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ.

فمعنى سؤال العِصْمَة هنا أن يلزم طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين الذين لم تظهر فيهم هذه الأهواء والآراء والمذاهب الردية.

(1) سبق ذكره (369)

ص: 750

[المسألة الخامسة] :

مَثَّلَ بعد ذلك بأمثلةٍ للأهواء والآراء والمذاهب فقال (مِثْلَ الْمُشَبِّهَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، الخ)

هذه الفئات يُطْلَقُ عليها أهواء، ويُطْلَقُ عليها فِرَقْ، ويُطْلَقُ عليها أراء، ويُطْلَقُ عليها مذاهب.

فيصح أن تقول المعتزلة من الأهواء كما يستعملها السلف أو يعني أئمة السنة في القرون الأولى، وقد يقولون (الجهمية مذهبٌ رَدِي) ، أو (إياك وهذه الأهواء)(1) ،، وهو جَمَعَهَا لاستعمال الأئمة في وقته وما قبله لها.

فإذاً المعتزلة أهواء، والجهمية أهواء وآراء ومذاهب.

إذا تَبَيَّنَ ذلك فنفصل الكلام في معنى هذه الفِرَقْ:

1-

الفرقة الأولى الْمُشَبِّهَةِ:

ظهرت فرق شَبَّهَتْ الله عز وجل في الصفات بخلقه سواءٌ أكانت صفات الذات أو صفات الأفعال، ويُحْكَى هذا عن طائفة كالجَوَارِبِيِّ ونحوه ويقال لهم المُجَسِّمَة كما عند مقاتل بن سليمان ونحوه.

والمقصود بها تشبيه الله عز وجل بخلقه، ويريدون بالتشبيه التمثيل، فيقولون: وجه الله كوجه الإنسان، كوجه ابن آدم، ويده كيده، وعيناه كعيني ابن آدم، وأصابعه كأصابعه الخ. ويقولون: إنَّ هذا مقتضى النص، مقتضى النص المشابهة، مقتضى النص المماثلة.

وهؤلاء يقال لهم أيضاً المُجَسِّمَة، وقد ذكرت لكم فيما سبق أنَّ كلمة (التشبيه) فيها بحث، وأنَّ الذي جاء في النصوص هو التمثيل، فهم مُجَسِّمَة مُمَثِّلَة مُشَبِّهَة، تصح هذه الاستعمالات جميعها.

وثَمَّ قسم ثاني من التشبيه لا يدخل في هذه الفئة أو الطائفة أو المذهب، وهو تشبيه المخلوق بالخالق، وأن يُجعَلْ للإنسان صفات مثل صفات الله عز وجل.

مثل عيسى عليه السلام جَعَلُوهُ إلهًا وجعلوا له صفات، تُخْتَصُّ به كصفات الله، ومثل الذين عبدوا الأولياء والموتى، جعلوا لهم التَّصَرُّفْ في الربوبية، وجعلوا لبعضهم ربع العالم، ولبعضهم سبع العالم، ولبعضهم جزءًا من أربعين جزءًا من العالم، حتى إنَّ بعضهم أَلَّفْ في أَنَّ في بلدة كذا أربعين من الأولياء الصّالحين هم الذين بيدهم تصريف أمورها من الأموات، وثَمَّ رسائل كثيرة في ذِكْرِ هذا الأمر.

وهؤلاء الذين شَبَّهُوا المخلوق بالخالق في التصرف في الربوبية، -يعني في الملك- جعلوه بتفويض الله له نعم، لكنهم جعلوا التَّصَرُّفَ له.

وهم على أربع فئات:

- منهم من جَعَلَهُ لواحد وهو المُسَمَّى عندهم الغوث الأكبر أو القطب الأعظم أو نحو ذلك.

- ومنهم من جَعَلَ التصرف في الأرض بهذا الملكوت لأربعة من الأولياء، ويختلفون في تحديد الأربعة.

- ومنهم من جعله لسبعة.

- ومنهم من جعله لأربعين.

والصوفية الغلاة الذين يَدَّعُونَ هذه الادعاءات الباطلة التي خالفوا بها طريقة السلف أصلاً وفرعاً وسلوكاً، واتَّبَعُوا أهل الضلال والكفر، ألَّفُوا كُتُبَاً كثيرة في هذا الباب في تَصَرُّفِ هؤلاء في الملكوت أو في أرزاق أهل الأرض أو في أحوالها.

والكلام حول الفِرَقْ يطول تأخذونه من المطولات.

2-

الفئة الثانية المعتزلة:

والمعتزلة هم أتباع عمر بن عبيد وواصل بن عطاء اللذيْن كانا من تلامذة الحسن البصري كما هو معلوم، ولما دَخَلُوا في البحث في مسائل الإيمان يعني الأسماء والأحكام، الإيمان والحكم على مرتكب الكبيرة والكلام على الصحابة الذين تقاتلوا، خالف عمرو بن عبيد الحسن، كذلك واصل ابن عطاء فاعْتَزَلَا حلقة الحسن البصري، فسُئِل الحسن البصري عنهم فقال هؤلاء المعتزلة، فبقي الاسم عليهم، فكثر أتْبَاعُهُمَا حتى تَقَعَّدَ مذهبهم وسُمِّيَ بمذهب المعتزلة.

فبنوا ذلك بعد الانعزال وتفصيل المذهب والنقاشات وما حَصَلَ من تطوّر فيه، بنوه على أصولٍ خمسة عندهم، وهي المسماة بالأصول الخمسة عند المعتزلة وهي:

- التوحيد.

- والعدل.

- والوعد والوعيد.

- والمنزلة بين المنزلتين.

- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأُلِّفَتْ فيها المؤلفات لتقعيدها في القرن الثاني الهجري.

وهذه الأصول الخمسة جعلوها أُصُولَاً عقلية، دَلَّ عليها العقل، وأما الدليل النقلي أو السمع، فهو تابعٌ لها، ولهذا جعلوا دليلهم في الغيبيات ودليلهم في الأصول الخمسة، جعلوه دليلاً واحداً وهو العقل، هوالحجة والنقل مُفَصِّلٌ له أو تابِعْ أو شاهد كما يزعمون.

فهذه الأصول الخمسة تَمَّ تفاصيل لهم فيها تأخذونها من مواطنها.

والمعتزلة فئات وفِرَقْ مُخْتَلِفَة، فيه معتزلة البصرة وهم الأوائل، وثَمَّ معتزلة بغداد وهؤلاء هم الذين قَعَّدُوا مذهب الاعتزال وأَلَّفُوا فيه وأجابوا عن الشُبَهِ عليه.

وهناك من أَلَّفَ في طبقات المعتزلة وفِرَقْ المعتزلة.

والمعتزلة قد يتفقون في المسألة وقد لا يتفقون، ولذلك تجد في بعض المسائل يقال مذهب المعتزلة كذا، لكن إذا بحثت وجد فيه اختلاف، فمن أثبت يكون مصيباً ومن نفى يكون مصيباً باعتبار من نقل عنه، وباعتبار مدارس المعتزلة وفرق أهل الاعتزال.

(1) نهاية الوجه الأول من الشريط الثاني والخمسون

ص: 751

فليسوا فرقة واحدة لكن في تفسير الأصول الخمسة وفي أصولها، أصول التوحيد عندهم، أصول العدل، المنزلة بين المنزلتين، الوعد والوعيد، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الأصول يتفقون، لكن في التفاصيل يختلفون.

3-

الفرقة الثالثة: الجهمية:

والجهمية يُنْسَبُونَ إلى جهم بن صفوان الترمذي وكان عالماً فقيهاً، يُنْسَبُ إلى الحنفية في الفقه، ولكنه لشدة اعتنائه بالرأي كان يُناظِرُ ويُكْثِر من المناظرة حتى ناظر طائفة من دُهْرِيَّةِ الهند، الدُّهْرِيَّةْ بضم الدال يُنْسَبُونَ إلى القول بالدهر {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:28] ، يُنْسَبُ إلى الدَّهْرِ، دُهري بضم الدال على غير [اعتياد] كما قاله المرتضى في كتاب تاج العروس وقاله غيره.

المقصود ناظره قوم من الدُّهْرِيَّةْ يقال لهم السُّنَّمية في الصفات لأنهم لا يؤمنون بوجود الله أصلاً ويريد أن يقنعهم بوجود الله، فجرى منه معهم مناظرة ذكرتها لكم في مكانٍ آخر، فآل به الأمر، نتيجة المناظرة وتوابعها وما حصل -وقد ذكر أصل القصة البخاري في خلق أفعال العباد-، نتج عن ذلك أنَّهُ نفى الصّفات وعطَّلَ الرب عز وجل من صفاته وآمن بالوجود المطلق.

فالجهمية في مسائل العقيدة يذهبون في الصفات إلى النَّفْيِ، فينفون عن الله عز وجل كلّ الصفات، ويجعلون الصفة الواحدة الموجودة هي صفة الوجود المطلق، ويقولون بِشَرْطِ الإطلاق.

وفي الأسماء يثبتون الأسماء كدِلالات على الذات -أسماء أعلام- ويفسِّرُونَهَا بمخلوقاتٍ منفصلة، فيجعلون الكريم هو الذات التي حصل عنها إكرام فلان -يعني يفسرونها بالكرم الذي خلقه الله-، القوي بالقوة التي خلقها الله، العزيز بالعزّة التي خلقها الله يعني في الإنسان، في المخلوق يعني من حيث هو، ويجعلون تفسير الأسماء في القرآن وفي السنة يفسرونها بمخلوقات منفصلة؛ لأنه لا دِلَالَةَ للأسماء على صفة، لأنهم ينفون الصفات، وإنما يجعلونها دالة على علم لا تفسير لها من حيث العلمية لكن تفسيرها من حيث الصّفة بأنها مخلوقات منفصلة.

لهذا قال بعض أهل العلم ينفون الأسماء والصفات، الجهمية ينفون الأسماء والصفات، وهذا صحيح باعتبار الحقيقة.

وطائفة يقولون لا، لا ينكرون الأسماء باعتبار أنهم يثبتون شيئاً من الأسماء على طريقتهم لأنَّ عندهم الأسماء دلالات على ذات بدون صفة في الاسم، وإنما هو مثل ما تقول مثلاً (ماء سلسبيل) أو تقول في السيف حسام ومهند وسيف إلخ للدلالة على شيء واحد بدون صفة، أما صفة أنه يحكم فلا، أما صفة أنه صُنِعَ في الهند فلا، أما صفة أنه كذا فلا.

فهم يجعلونها من جهة الدلالة على الذات واحدة ومن جهة الدلالة على الصفات أنها لا تدل على صفة.

ولهذا في الآيات يفسرون الأسماء في الآيات بالمخلوقات المنفصلة، يعني أثر الصفة في المخلوق ويجعلونه مخلوقاً.

أما في الإيمان فالجهمية مرجئة، وهم أشد فِرَقْ الإرجاء لأنهم قالوا يكفي في الإيمان المعرفة فقط.

ففرعون عندهم مؤمن وإبليس عندهم مؤمن.

ولم يكفر فرعون عندهم بعدم الإيمان وإنما بمخالفة الأمر، وإبليس لم يكفر بعدم الإيمان؛ بل بمخالفة الأمر، وهكذا، وهذا القول مشهور عنهم في أنه يَثْبُتُ الإيمان بالمعرفة.

وفي القدر هم جبرية يرون أنَّ الإنسان في أفعاله هو كالريشة في مهب الريح لا اختيار له البتة، هو مُجْبَرٌ على كل شيء، وأنه يُفْعَلُ به ولا يَفْعَلُ شيئاً.

وفي الغيبيات يُنْكِرُونَ كل ما لا يوافق العقل من أمور الغيب.

وفي الآخرة يُنْكِرُونَ دوام الجنة والنار.

يقولون الجنة لا تدوم والنار لا تدوم لأنَّ دوام الجنة والنار ظلم، فتفنى الجنة وتفنى النار معاً.

بخلاف المعتزلة فإنهم يقولون بفناء النار والجنة كدار نعيم وعذاب، لكن التَّلَذُّذُ والألم يبقى، فيستمر التلذذ ويستمر الألم ولا تستمر الدار.

فيه أقوالٌ مختلفة نسأل الله عز وجل السلامة منها ومما جَرَّ إليها.

المقصود فيه مباحث ترجعون إليها في مواطنها.

4-

الفرقة الرابعة: الجبرية:

والجبرية مذهبٌ منسوبٌ إلى القول بالجبر.

والجبر هو أنَّ الله أجبر الإنسان المكلف على أفعاله.

والجبرية قسمان:

- جبرية غلاة.

- وجبرية متوسطة أو غير غلاة.

@ أما الجبرية الغلاة فهم الجهمية وغلاة الصوفية الذين ينفون أصل الاختيار، ويقولون أنَّ الإنسان كالريشة في مهب الريح.

@ وأما الجبرية غير غلاة فهم الذين يُثبتون الجبر باطناً والاختيار ظاهراً، يقولون:

هو مجبورٌ في الباطن ومختارٌ في الظاهر، هؤلاء الأشاعرة ومن نحا نحوهم.

وقد مَرَّ مَعَنَا البحث في هذه المسألة وأنهم اخترعوا لفظ الكسب وجعلوه مَخْرَجَاً للعلاقة ما بين جبر الباطن واختيار الظاهر مما ابتدعوه وأحدثوه.

وذكرت لكم أنَّ الكسب على ثلاثة إطلاقات:

فيه كسب عند أهل السنة وكسب عند الجبرية وكسب عند القدرية ترجعون له في مكانه.

5-

الفرقة الخامسة: القدرية:

ص: 752

القدرية يُنْسَبُونَ إلى القَدَرْ لا لإثباته ولكن لنفيه، وهي نِسْبَةٌ إلى من لا يُثبت.

نَسَبُوهُمْ إلى القَدَرْ لأنهم لا يُثبتونه.

والذين ينفون القَدَرْ أقسام متنوعة يجمعهم أنّهم ينفون مرتبةً من مراتب القَدَرْ.

وأشهر المسائل التي نُفِيَ فيها القَدَرْ مسألتان:

- المسألة الأولى: العلم السابق وقد نفته طائفة.

- المسألة الثانية: عموم خلق الله عز وجل في الأشياء ومشيئته الشاملة لكل شيء فقد نفته طائفة.

@ أما الذين نفوا العلم فهم القدرية الغلاة الذين خرجوا في زمن الصحابة رضوان الله عليهم وردَّ عليهم الصحابة وتبرؤوا منهم، وأخبروا بأنهم ليس لهم في الإيمان ولا في الإسلام نصيب.

وهم الذين قال فيهم الإمام الشافعي رحمه الله (ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خُصِموا وإن أنكروه كفروا) ؛ لأنهم ينكرون علم الله السابق ويقولون إن الأمر أُنُفْ يعني مُستَأنَفْ، لا يعلم الله الأشياء عندهم إلا بعد وقوعها، لا يعلم الأشياء قبل أن تقع. أعاذنا الله منهم.

@ أما القدرية الذين نفوا مرتبة عموم المشيئة وعموم خلق الله للأفعال فهؤلاء طائفة كبيرة، أصَّلَ مذهبهم أهل الاعتزال: المعتزلة، حتى صار عند الكثير أنَّ المراد بالقدرية النفاة: المعتزلة.

وفي الحقيقة القدرية لفظٌ يصح إطلاقه على كل من لم يؤمن بالقدر على ما جاء في الكتاب والسنة بِنَفْيٍ لشيء منه.

ولهذا يدخل في القدرية من اعترض على القَدَرْ، أو على أفعال الله عز وجل أو على الحكمة وقد قال فيه ابن تيمية في تائيته القدرية:

وَيُدْعَى خُصُومُ الله يَوْمَ مَعَادِهِم ****** إِلى النَّارِ طُرّاً مَعْشَرَ الْقَدَرِيَةِ

يعني يا معشر القدرية هَلُمُّوا إلى النار جميعاً،

سواء نفوه أو سعوا ليخاصموا ****** به الله أو ماروا به للشريعة

فجعل نفي شيء من القَدَرْ يَدْخُلُ صاحبه في القَدَرِيَّة، وجعل أيضاً المخاصمة والمجادلة كحال المشركين، القدرية الذين قالوا {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا} [الأنعام:148] ، هؤلاء يدخلون في القدرية لأنهم نفوا حكمة الله عز وجل التي هي أساسٌ في القول بالقَدَرِ كما جاء في القرآن وسنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.

ثَمَّ بحوث أخرى أيضاً تُأخذ من كتبهم.

قال (وَغَيْرِهم) لأنَّ الفِرَقْ كثيرة والمذاهب الرَّدِيَّةْ والأهواء والآراء مختلفة.

وليشمل أيضاً ما ظهر في زمانه وما قبله وما سيظهر أيضاً في الأزمنة الأخرى.

فممن لم يذكرهم: الخوارج والشيعة الغلاة والمرجئة الغلاة قد يدخلون مع هؤلاء في شيءٍ من الأقوال.

ويدخل أيضاً العقلانيون في ذلك الزمان وما بعده، ويدخل غلاة المتصوفة، ويدخل الذين ابتدعوا طرقاً بين هذا وهذا.

لهذا أوصلهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى اثنتين وسبعين فرقة.

ص: 753

[المسألة السادسة] :

في قول الطحاوي (مِنَ الَّذِينَ خَالَفُوا السُّنَّةَ والجَمَاعَةِ وَحَالَفُوا الضَّلالَةَ) ، قال (خَالَفُوا السُّنَّةَ والجَمَاعَةِ) ، هذا مما يُؤكد لك أنَّ قصده بالثبات على الإيمان والعصمة من الأهواء هي موافقة الجماعة، وهي الجماعة الأولى جماعة الصحابة، وجماعة التابعين الذين لم يُفَرِّقُوا بين ما أنزل الله عز وجل على رسوله؛ بل آمنوا به جميعاً، وحملوا المتشابه على المحكم ولم يبتدعوا ديناً لم يأذن به الله عز وجل.

فمخالفة السنة والجماعة:

- قد تكون مخالفةً كبيرةً جداً توصِلُ صاحبها إلى الكفر والعياذ بالله كحال الجهمية ومن نحا نحوهم، والمشبهة المجسمة.

- وقد تكون المخالفة أقل من ذلك فتوصِلُ صاحبها إلى ما دون الكفر.

- وقد تكون بِدَعَاً مُغَلَّظَة وقد تكون بِدَعَاً خفيفة.

فكل مخالفة للسنة والجماعة على النحو الذي أوضحنا في معنى السنة والجماعة في مكان سابق، هذا مذهبٌ ردي ولا شك؛ لكن صاحبه يكون ذنبه بقدر ما خالف.

فمن خالف السنة والجماعة فإنه لا بد أن يكون حليفاً للضلالة، ولهذا قال بعدها (وَحَالَفُوا الضَّلالَةَ) .

فلا يمكن للإنسان أن يكون مخالفاً للجماعة وعلى مذهبٍ رديٍ في الاعتقاد ولا يقال إنه ضال.

الله عز وجل وصف المرأة إذا أخطأت أو لم تدرك تمام الحقيقة في الشهادة بأنها تَضِلْ، فقال:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة:282] ، لأنها لم تصل إلى الحق والصواب الواقع، فكيف بحال بهؤلاء فلا شك أنهم ضُلَاّلْ.

وأرى أنَّ بعض الناس يستنكف في ذكر بعض مسائل العقائد والتوحيد أن يصف المخالف للسنة والجماعة بأنه ضال؛ بل هو ضال لأنه ضلّ الطريق، وقد يكون ضلاله كبيراً جداً وقد يكون قليلاً لكنه ضلّ السبيل لأنه خالف السنة والجماعة وحالف الضلالة كما ذكر المؤلف رحمه الله.

ص: 754

[المسألة السابعة] :

أعلن المصنف رحمه الله براءته منهم فقال (وَهُمْ عِنْدَنَا ضُلَاّلٌ وأَرْدِيَاءُ) ، (ونَحْنُ مِنْهُم بَرَآءٌ أو بَرَاء) ، وهذا هو الواجب على المسلم أن يتبرأ جُمْلَةً وتفصيلا، أن يتبرأ من القول ومن المذاهب الردية ومن أصحابها.

لأنَّ هذا عقيدة، لأنَّ ذلك اهتداء بهدي إبراهيم الخليل عليه السلام إذ قال الله عز وجل في شأنه:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} ، يعني من المرسلين.

{إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ} ، يعني لأقوامهم.

{إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة:4] ، فأعلن البراءة منهم ومما عَبَدُوا، يعني من العبادة ومن العابدين، أي من العبادة ومن الذين عُبِدُوا ومن العابدين.

وهذا هو الواجب أنَّ المرء يتبرّأ ولا يقول أتبرأ من العمل دون صاحب العمل، فإنَّ هذا لا أصل له؛ بل نتبرّأ من العمل ومن صاحبه الذي عَمِلَ بالبدع والضلالات أو بالشركيات، فلا مكان للتفريق ما بين العمل وبين صاحب العمل.

إذا كان كذلك، فهل البراءة من العمل ومن صاحبه هل هي في حكمٍ واحد؟

الجواب أنها ليست في حكمٍ واحد، البراءة من العمل -العمل الكفري الشرك في نفسه- واجبٌ، فمن لم يتبرّأ فإنه لم يُوَحِّد.

فهو داخلٌ في معنى الشهادتين -يعني إذا دخلنا في الشرك-.

الولاء والبراء في نفس العمل هذا داخلٌ في حقيقة التوحيد، ولاءٌ للتوحيد وبراءٌ من الشرك، ولاءٌ للتوحيد كفعل وعقيدة وبراءٌ من الشرك كفعل وعقيدة.

أما موالاة أهل التوحيد والبراءة من أهل الشرك فهي واجبٌ لكن ليس تركها كفراً إلا بشروطٍ وتفاصيل.

ولهذا يذكر العلماء في التوحيد وفي غيره أنَّ البراءة متلازمة.

البراءة ملازمة لمعنى التّوحيد، لمعنى الشهادة لله عز وجل بالوحدانية.

فهكذا البراءة من أهل البدع ملازمة للسنة، فكما أنَّ البراءة من الشرك ملازمة لكلمة التوحيد.

ليست ملازمة، يعني هي من معنى كلمة التوحيد، فكذلك البراءة من البدع ملازمة للسنة.

فلا يُتصوَّرْ من جهة الحق أن يكون موالياً للسنة وهو ليس مُتَبَرِئاً من أهل البدع إلا إذا كان لم يفهم السنة أو أنَّ عنده هوى تفريق.

فمن والى السنة فلا بد عليه أنه يتبرأ من البدعة، ومن والى أهل السنة فلا بد أن يتبرأ من أهل البدعة.

لكن إذا حصل هذا التَّبَرُؤُ عقيدةً فهل يلزم منه أن يُظْهَر في كل حال؟

لا، إظهاره بحسب المصلحة الشرعية.

قد يُظْهَرْ ويكون إعلان للبراءة ظاهراً في التبرؤ من الأشخاص.

وقد يُؤَخّر بحسب ظهور السنة وخفائها وما يُنْظَرْ في ذلك من المصالح.

ص: 755

[المسألة الثامنة] :

قال في آخرها (وَبِالله العِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ) ، وذكرنا لكم ما في العِصْمَة من البحث سابقاً وأنَّ الله عز وجل لم يعطِ العِصْمَة لأحد بعد الأنبياء، الأنبياء هم المعصومون وأما سائر البشر فهم على خطر في قلوبهم وفي أعمالهم.

(وَبِالله َالتَّوْفِيقُ) التوفيق هو الهداية إلى طريق الرشاد والإعانة على سلوك هذا الطريق جملةً وتفصيلاً.

رحم الله أبا جعفرٍ الطحاوي رحمةً واسعة وجزاه خيرا، فكم انتفع بكتابه هذا وبعقيدته الناس.

ونسأل الله عز وجل أن يغفر لنا وله زلَلَنَا وخَطَأَنَا وجدنا وهزلنا.

اللهم إنا نعوذ بك أن نُشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك مما لا نعلم، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا واغفر لنا ذنوبنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا.

اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا واجعلنا سالكين لسبيل السلف الصالحين، ومستمسكين بطريق السنة والجماعة. ربنا هب لنا من لدنك رحمة وهيئ لنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً، وأعنا على ذلك ووفقنا إليه.

وكم استفدنا من هذا الكتاب من فوائد، ولا شك أنَّ طالب العلم لا يستغني عن مطالعة المختصرات ومعرفة شروحها مهما ظن أنَّ المسائل واضحة عنده، فَثَمَّ مسائل في هذا الكتاب كما ترون ما مررنا عليها لا في الواسطية ولا في لمعة الاعتقاد، ثَمَّ مسائل جديدة فيه لم تكن في غيره، فطالب العلم بتكراره لقراءة كتب العلم ولشرحها استماعاً أو أداءً فإنه ما بين معلومة يُؤَكِدُهَا ويثبتها، وما بين شيء جديد يستفيده.

وفي الختام أرجوا وآمل لي ولكم أن نصبر على طريق العلم لأنه في الحقيقة من أراد نجاة نفسه فإنه لا نجاة إلا بالعلم والعمل الصالح، وأنَّ أعظم ما تكون به النجاة العلم بالتوحيد وبالعقيدة الصحيحة، لأنَّ هذا فيه قساءُ القلب وسلامته من الأهواء والشبهات المضلة.

فأنا أوصي نفسي وإياكم بالتأكيد على ذلك ومطالعة هذه الكتب ونشر العلم بحسب ما تستطيعون، يعني المرء ينشره بحسب ما يستطيع في بيته مع زملائه، بل في أي مقام، ينشره بحسب ما يستطيع، والناس محتاجون إلى طلبة العلم أعظم حاجة.

والحمد لله أن هيَّأ لكم من العلم النافع ومن سُبُلِ تحصيله وجود العلماء وسهولة الكتب ووفرة الأمن والصحة وعدم الشواغل التي تشغل الإنسان في أموره العامة، يعني في الأمن وما يُشْغِلْ القلوب والعقول ما يهيئ لنا أن نطلب العلم وأن نبذل فيه، فلا ندري ربما يأتي في وقت قد لا يتمكن الإنسان من أن يطلبه على هذا الوجه، أو أن يتعلم على هذا الوجه.

لهذا احرصوا واغتنموا فراغكم قبل شغلكم، وتفقهوا قبل أن تسوّدوا.

وصلى الله وسلّم وبارك على نبينا محمد.

ص: 756