المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ قوله (وفوقه) - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: ‌ قوله (وفوقه)

وفي‌

‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

مسائل لبسط الكلام عليها.

[المسألة الأولى] :

أنَّ العلو والفوقية ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

- إلى علو الذات.

- وعلو القهر.

- وعلو القَدْرْ والشرف.

وكذلك الفوقية:

- فوقية الذات.

- وفوقية القهر.

- وفوقية القَدْرْ والشَرَفْ.

وبعض أهل العلم يقسمها إلى قسمين:

- إلى فوقية الذات.

- وإلى فوقية الصفات

وكذلك العلو:

- علو ذات.

- وعلو صفات.

والأول هو الأكثر في تفسير أهل العلم الذين دوَّنُوا شرح عقائد أهل السنة والجماعة.

1 -

أولاً: علو الذات وفوقية الذات:

وهذه معناها أنَّ الله عز وجل فوق جميع الأشياء وأنه الأعلى سبحانه، وهذا هو الذي فسّره به صلى الله عليه وسلم، فَفَسَّرَ الآية وهي آية سورة الحديد {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد:3] ، فسّر {الظَّاهِرُ} فقال «وأنت الظاهر فليس فوقك شيء» سبحانه وتعالى.

2 -

ثانياً: فوقية القهر وعلو القهر:

وهذه معناها أنه سبحانه وتعالى لا يُغْلَبْ ولا يُرَامُ جنابه؛ بل هو سبحانه وتعالى هو الذي يَقْهَرُ من عداه، يُمْلِي ويستدرك ويَقْهَرْ ويَأْخُذُ على غِرَّةْ، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] ، فهو سبحانه وتعالى عالٍ علو القهر، وهو فوق خلقه فَوقِيَّةَ قهر وجبروت وعظمة للمولى جل جلاله.

3 -

ثالثاً: علو القَدْرْ وفوقية القَدْرْ:

وهذا المعنى هو الذي يُثْبِتُهُ المبتدعة من العلو فلا ينازعون في علو القَهْرْ والقَدْرْ والشَّرَفْ.

فيقولون: معنى الله فوق خلقه كقول القائل المَلِكُ فوق شَعْبِهِ أو الأمير فوق رعيته؛ يعني من جهة قَدْرِهِ، وكقولهم: العالم فوق عامة الناس، من جهة القَدْرْ، وكقول القائل الذّهب فوق الحديد؛ يعني من جهة المنزلة والقَدْرْ.

وهذا تفسير ناقص، كما سيأتي في هذه المسائل إن شاء الله تعالى.

ص: 282

[المسألة الثانية] :

العلو والفوقية لله عز وجل ثابت بدليل القرآن والسنة والعقل والفطرة.

بل قال بعض العلماء: إنَّ في القرآن والسنة ألف دليل لإثبات علو الله عز وجل بذاته وفوقيته بذاته على خلقه.

وهذا يعني أنَّ أمر العلو ومسألة العلو والفوقية من المسائل المتواترة العظيمة التي دلالتها صريحة؛ بل دلالتها نصية فدلالتها إذاً قطعية.

ولهذا دخل عدد من أهل العلم؛ بل صَرَّحَ عدد من أهل العلم بتكفير من أنكر علو الله عز وجل على خلقه لأجل عِظَمْ الأدلة في هذا كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

الأدلة التي دَلَّتْ على علو الله عز وجل على خلقه وعلى أنه سبحانه فوقهم بذاته وصفاته كثيرة جداً.

لهذا ابن القيم جعلها أنواع لأجل كثرتها، جعلها ثمانية عشرة نوعا كل نوع تحته جملة من الأدلة في الكتاب والسنة، ونذكر بعضا منها، وترجعون إلى الباقي:

1 -

أنَّ الله عز وجل صرَّحَ سبحانه ونص على أنه فوق عباده في قوله في سورة الأنعام {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:18] ، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} .

2 -

أنه جاء التصريح بـ {مِنْ} قبل الفوقية في قوله سبحانه في سورة النحل {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:50] .

ومن مقتضيات اللغة أنَّ مجيء (من) قبل الظرف (فوق) تدل بظهور على أنَّ الفوقية فوقية ذات؛ لأنَّ فوقية الصفة أو القَهْرْ أو القَدْرْ لا يُؤتى فيها بـ (من) ، فلا يُقَال الذهب من فوق الحديد ويُعنى به صفاته، أو الملك من فوق الرعية ويعنى بها من الصفات.

إذا أُتيَ بـ (من) في اللغة قبل الظرف (فوق) فإنها تدل على فوقية المكان أو فوقية الذات لله عز وجل.

يعني فوقية الذات لأي شيء، وفي الآية فوقية الذات لله عز وجل.

فإذاً قوله سبحانه لما وصف الملائكة بأنَّهُم [

] إلى السماء وأنهم يسبحون قال {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} يعني الذي هو فوقهم بذاته جل جلاله وتقدست أسماؤه.

3 -

أنه سبحانه ذَكَرَ أنَّ الملائكة تعرج إليه فقال سبحانه {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] ، عروج الملائكة يعني صعودها، عروج الملائكة يعني ارتقاءها إلى أعلى وإلى فوق، وهذا يدل على فوقية الذات لله عز وجل.

4 -

أنه سبحانه ذَكَرَ ونصَّ على أنَّ العمل الصالح يصعد إلى الرب عز وجل، والأعمال الصالحة تُرْفَعُ إليه سبحانه وتعالى، كما جاء في قوله تعالى في سورة فاطر {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10] ، فقوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ} يعني لا إلى غيره لأنه سبحانه هو المتفرد بعلو الذات على خلقه جميعاً.

5 -

أنَّ الله سبحانه ذَكَرَ أنَّهُ اخْتَصَّ بعض عباده بأن جعلهم عنده، ومن ذلك الملائكة، فالملائكة في السماء؛ ولكن هم متنوعون أيضاً في سُكناهم للسماء، فجعل عز وجل بعضهم مختص بأنه عنده سبحانه، وهذه العندية هي عندية علو وفوقية، كما في قوله سبحانه {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:19-20] ، ونحو ذلك من الآيات، فالعندية -عندية الملائكة- يعني كون الملائكة عند الله {الذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} يقتضي أنه سبحانه شرَّفَهُمْ وخَصَّهُمْ بشيء وهو أنهم عنده؛ يعني في عُلاهُ عز وجل.

وكذلك ما وصف الله عز وجل به الشهداء في قوله {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]{أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} هم بين الخلق جَسَدَاً ولكنهم عند ربهم روحاً يعني في العلا تكريماً لهم وتعظيماً لأجرهم وثوابهم.

6 -

ما ذكر الله عز وجل من تنزيله للكتاب من عنده، كقوله {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر:1] وكقوله {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر:2]، وكقوله {تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت:2] ، وكقوله سبحانه {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل:102] ، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء:193] ، ونحو ذلك من الآيات.

وهذه كلها ذكرها ابن القيم تحفظونها لأنها نافعة في الحجاج ومجادلة من ينكرون علو الله عز وجل.

والأنواع كثيرة يمكن أن تطلبوها، وفيها أقوى دلالة وأوضح برهان على أنَّ الله سبحانه هو العالي فوق خلقه بذاته عز وجل.

ص: 283

[المسألة الثالثة] :

دلالة السنة على فوقية الله عز وجل أيضاً جاءت الأدلة فيها كثيرة جداً.

كقوله صلى الله عليه وسلم «وأنت الظاهر فليس فوقك شيء» (1) ، وكقوله «والعرش فوق سمواته والله فوق ذلك» في الحديث الذي مرَّ معنا البحث فيه وأنَّ أهل السنة يستدلون منه بهذا القَدْرْ لثبوته في أدلةٍ أخرى.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يشير إلى السماء ثم ينكث بإصبعه الأرض «اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد» (2) .

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الجارية لما سألها «أين الله؟» قالت: في السماء. قال صلى الله عليه وسلم لسيدها «أعتقها فإنها مؤمنة» (3) ، والأدلة على علو الله عز وجل في السنة كثيرة.

(1) مسلم (7064) / أبو داود (5051) / الترمذي (3400) / ابن ماجه (3831)

(2)

البخاري (1739)

(3)

مسلم (1227) / أبو داود (930) / النسائي (1218)

ص: 284

[المسألة الرابعة] :

وهي في الدِّلالة العقلية، دلالة العقل على علو الله عز وجل بذاته على خلقه.

ودلالة العقل متنوعة وكثيرة؛ لكن نكتفي منها بدليل عقلي واحد، وهو أنّ الله عز وجل موجود سبحانه وتعالى بالاتّفاق، يعني كل من أثبت الله عز وجل أثبت وجوده، حتى جهم الذي ينفي جميع الصفات يثبت وجود الله عز وجل.

فنقول لجميع هذه الفئات أنّ الوجود قَدْرٌ مشترك، فالله عز وجل موجود، وخلق الله عز وجل أيضا موجودون.

وهذان الوجودان إما أن يتمايزا وإما أن يتداخلا.

فإن تداخلا -يعني صار أحدهما داخل الآخر-:

إما أن يكون الخَلْقْ محيطون والله عز وجل في داخل خلقه

وإما أن يكون الخَلْقْ في داخل الله عز وجل.

خَلْقْ الله عز وجل والكائنات منها أشياء مستقبحة (1) ومستقذرة وقبيحة مثل النجاسات ومثل القاذورات ومثل الأشياء التي لا يُصَرَّحُ بها ونحو ذلك استقذاراً واستهجانا وبعض المخلوقات السيئة ونحو ذلك، وهذه لا أحد - من جميع من يبحث هذه المسائل- يقول بجواز أن تكون في داخل الله عز وجل.

فإذاً تَحَصَّلَ الأمر إلى أنَّه يتعَيَّنْ أن يكون الله عز وجل عالياً على خلقه لأنَّ الإختلاط يقتضي هذا المعنى العقلي الفاسد، وكون الله عز وجل في داخل خلقه هذا فيه نَقص لله عز وجل.

وهذا برهان عقلي صحيح، وذلك لأنه مبني على مقدمتين وهاتان المقدمتان إثباتهما مُشْتَرَكْ بين جميع الجهات:

- المقدمة الأولى: وجود الله عز وجل.

- المقدمة الثانية: تنزه الله عز وجل عن أن يكون في داخله شيء مما يُسْتَقْبَحْ أو يُسْتَقْذَرْ.

(1) انتهى الوجه الأول من الشريط الواحد والعشرون.

ص: 285

[المسألة الخامسة] :

وهي في الدليل الفطري، والدليل الفطري لعلو الله عز وجل هو أنّه كل أحد يحس من فطرته سواء عَلِمَ الدين أو لم يعلم الدين، عُلِّمْ أو لم يُعلَّم أنَّ قلبه عند الحاجة وعند الرّغَبْ إلى لله عز وجل وعند اقتطاع الأسباب وبقاء لطف الله عز وجل أنه يتجه القلب إلى العلو، وهذا شيء فطري مغروس في الإنسان.

ولهذا ذَكَرَ شارح الطحاوية وقد نقله أيضاً غيره قصة الزاهد الأثري الهمذاني مع أبي المعالي الجويني الذي يُلَقَّبْ بإمام الحرمين، حيث ذكر إمام الحرمين في درسه نَفْيَ علو الله عز وجل على خلقه -علو الذات-؛ وأنَّ المراد بذلك علو القهر وعلو القدر.

فقال له الشيخ الهمذاني: يا أستاذ -وكلمة أستاذ في الزمن الأول تطلق على من أجاد فناً من الفنون، وأما كلمة الشيخ فتطلق على من له مكانة وديانة وورع وخوف من الله عز وجل-، فقال له: يا أستاذ -لإجادته فن الكلام- أخبرني عن هذه الضرورة التي أجدها في نفسي وهي أني أطلب العلو إذا احتجت إلى الله عز وجل.

فقال أبو المعالي: حيرني الهمذاني، حَيَّرَنِي الهمذاني.

لأنَّ قوله بنفي العلو لله عز وجل هذا منافٍ للفطرة، فلما استدل عليه بالفطرة قال حيرني الهمذاني.

وقد ذكر بعض من صَنَّفَ في الرحلات كما ذكرته لكم في هذه الدروس، ذكَرُوا أنَّ وَفْداً من الخليفة العباسي ذَهَبَ إلى روسيا يعني إلى بلاد الترك التي هي روسيا الآن، وقالوا: وجدنا أناساً لا يعبدون الله عز وجل وليس عندهم رسالة يريدون أن يشرحوا لهم الإسلام، قالوا: ولكنا وجدناهم أنهم إذا أصابتهم شدة وعواتي إما من المطر ونحوه ومن قحط ونحو ذلك خرجوا إلى الفلاة ورفعوا أيديهم إلى السماء ونظروا إلى السماء يهمهمون، كأنهم يطلبون الفرج مِمَنْ هو في السماء، وهذا أمر مركوز في الفطرة كما ذكرنا لك.

إذاً دليل علو الله عز وجل وفوقية الرب سبحانه وتعالى دليل من القرآن والسنة ومن العقل ومن الفطرة.

نكتفي بهذا القدر، ونكمل إن شاء الله تعالى ما يتصل بهذا البحث في الأسبوع القادم بإذنه تعالى.

نجيب عن بعض الأسئلة

ص: 286