المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحمد لله الذي أنْعَمَ بالصالحات ويَسَّرَ لِسُبُلِ الخيرات، هو المحمود - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: الحمد لله الذي أنْعَمَ بالصالحات ويَسَّرَ لِسُبُلِ الخيرات، هو المحمود

الحمد لله الذي أنْعَمَ بالصالحات ويَسَّرَ لِسُبُلِ الخيرات، هو المحمود على كل حال، وهو المحمود على نعمه التي لا ينفكّ منها العبد في صباحٍ ولا مساء، له الحمد كلّه كثيراً كما ينعم كثيراً، وله الشكر عز وجل كثيراً كما أنه يشفي ويتفضّل كثيرا، اللهم عاملنا بعفوك إنك سميع قريب، أما بعد:

‌الأسئلة:

س1/ هل الملائكة الموكلة بالإنسان سواء الكتبة أو الحافظون تكون ملازمة للإنسان؟ أم أنهم ينفكون عنه عند دخوله الخلاء؟ وما معنى قوله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] ؟ (1)

: [[الشريط الواحد والأربعون]] :

ج/ أما معنى الآية فقوله {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} فهذا قرب الملائكة، لا قرب الرب عز وجل بذاته سبحانه وتعالى؛ لأنَّ القرب كما هو معلوم نوعان:

- قربٌ عام.

- وقربٌ خاص.

والقرب العام لا يُثْبَتْ لله عز وجل قربٌ عام من جميع خلقه وإنما يُثْبَتْ القرب الخاص، وما جاء في النصوص من ذكر القرب العام كهذه الآية {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} فإنما هو قرب الملائكة كما حققه ابن تيمية وابن القيم وجماعة آخرون.

والملائكة أنواع منها ملائكة ملازمة للعبد لا تنفك عنه البتة، ومنها ملائكة تنفك عنه وتفارقه في بعض المواضع أو لبعض الأسباب.

فدخول الخلاء، وجماع الإنسان لأهله، وكون الإنسان يكون جُنُبَاً، وأشباه ذلك مما جاء في الأحاديث، هذا من أسباب أنَّ بعض الملائكة لا يرافقونه، ينفكون عنه.

ثُمَّ هل الملائكة هذه هي الملائكة الكَتَبَة أم الحَفَظَة أم هما معاً؟

خلافٌ بين أهل العلم، والصحيح أنَّ الحَفَظَة بخصوصهم هؤلاء ينفكون عن ملازمته وأما الكتبة فإنهم لا ينفكون.

والحَفَظَة يحفظ الله عز وجل العبد بهم كما قال {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] ؛ يعني يحفظونه بأمر الله، فإذا جاء قَدَرُ الله تَخَلَّوا عنه، فالله عز وجل ييسر لهم من أسباب الحفظ ما ييسر.

هذا وجه في الجمع بين الأحاديث، وثَمَّ تفصيل آخر نكتفي بهذا، نعم

(1) نهاية الشريط الأربعين.

ص: 583

وَفِي دُعَاءِ الْأَحْيَاءِ وَصَدَقَاتِهِمْ مَنْفَعَةٌ لِلْأَمْوَاتِ.

قال رحمه الله (وَفِي دُعَاءِ الْأَحْيَاءِ وَصَدَقَاتِهِمْ مَنْفَعَةٌ لِلْأَمْوَاتِ.)

يقرّر العلامة الطحاوي رحمه الله مذهب أهل السنة والجماعة في أنَّ الميت ينتفع بِعَمَلٍ يعمله الحي، وأنَّ الميت إذا مات لا ينقطع من الانتفاع البتة؛ بل ربما انتفع ببعض الأعمال.

فَذَكَرَ أنَّ الدعاء من الحي للميت ينفع، وأنَّ الصدقة تنفع بمعناها العام وبمعناها الخاص أيضاً.

وهذا يريد منه تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في مُضَادَّةِ مذاهب المعتزلة ونحوهم من العقلانيين الذين يَرُدُّونْ النصوص أو يتأولونها على غير وجهها.

وهذه المسألة كانت شائعة في ذلك الزّمان وأنَّ الحي لا ينفع الميت، وإنما الميت إذا مات انتهى وانقطع من أن ينفعه الحي، وإنما الحي ينفع نفسه وثَمَّ مجادلات في هذا.

وأهل السنة والجماعة صاحوا على من خالف النُّصوص في ذلك من كل جانب وقَرَّرُوا ما جاءت به الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح في هذه المسألة.

وفي الظاهر أنَّ هذه المسألة لا علاقة لها بالعقيدة؛ لأنها في الدعاء والانتفاع، وهذه المسألة يبحثها الفقهاء في آخر كتاب الجنائز كما هو معروف، وأمَّا وجودها في كتب الاعتقاد فليست لأنها مسألة عَقَدِيَّةْ داخلة في أحد أركان الإيمان الستة؛ ولكن لأجل أنَّ المبتدعة ضَلُّوا فيها عن تحكيم القرآن والسنة، وأهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح لهم فيها إجماع واتفاق، فصارت من جملة مسائل الاعتقاد لمخالفة أهل السنة فيها لأهل البدع ثُمَّ تقريراً لما جاء فيها من النصوص والأدلة.

ثم هاهنا مسائل:

ص: 584

[المسألة الأولى] :

أنَّ انتفاع الميت بِسَعْيٍ الحي هذا اتَّفَقَ عليه علماء أهل السنة من الأئمة من أهل الحديث ومن الفقهاء ومن أهل التفسير، اتفقوا فيه على نوعين دون خلافٍ بينهم:

1-

النوع الأول الدعاء: وهو أنَّ الدعاء نافع، فالدعاء يجيبه الله عز وجل من الحي للحي ومن الحي للميت، ولهذا شُرِعَتْ صلاة الجنازة وهي صلاةٌ بلا ركوع ولا سجود، وإنما هي ثناء على الله عز وجل وحمد له سبحانه وصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم دعاء للميت، فهي كلها دعاء وأدبها أدب الدعاء، ولذلك هي تَفْتَتِحْ بالفاتحة {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، قال العلماء: ولا يُسَنُّ هنا أن يستفتح بقوله: سبحانك الله وبحمدك. لأنه داعٍ وليست من جنس الصلاة الأخرى، ولم يأت في السنة ما يدل على الاستفتاح، ثم بعد الفاتحة وهي حمد لله عز وجل وثناء تأتي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبير الثاني، ثم إذا صلى فإنو يدعو.

وهذا هو أدب الدعاء فإنَّ العبد إذا دعا ربه عز وجل في أي دعاء فإنه يحمد الله عز وجل ثُمَّ يصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم يدعو الله بما شاء من المسائل.

فصلاة الجنازة دعاء، وهي بالاتفاق مشروعة وبالإجماع مشروعة، فدعاء الحي للميت هذا جَارٍ عليه الاتفاق.

وكذلك ما جرى عليه الاتفاق أيضاً أنَّ الحي يتصدّق عن الميت بصدقة مالية يبذلها لأجل الميت؛ يعني لينفع الميت بها تَبَرُّعَاً منه، وهذا اتفق عليه علماء السنة من علماء الحديث والتفسير والفقه -كما هو معلوم- على خلافٍ بينهم في بعض تفصيلات ذلك.

2-

النوع الثاني كل عملٍ صالح تَسَبَّبَ فيه الميت في حياته فإنه ينفعه ذلك بعد وفاته: وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم «من دعا إلى هدى كان له من الأجور مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا» (1) وكما جاء في الحديث الثاني أيضا في صحيح مسلم «من سنّ في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من علم بها إلى يوم القيامة» (2) ، وهذا يعني أنَّ ما تسبب فيه في حياته فإنه ينفعه بعد وفاته.

وكذلك الولد -الولد الصالح- فإنه تسبب فيه العبد، فإنه إذا دعا لأبيه فهو يدخل في ما أُجْمِعَ عليه أولا وما يدخل في السبب ثانياً.

فإذاً ثَمَّ صور أُجْمِعَ عليها، والأدلة على ما أُجْمِعَ عليه كثيرة متنوعة من الكتاب والسنة، يأتي بعضها إن شاء الله تعالى.

(1) مسلم (6980) / أبو داود (4609) / الترمذي (2674) / ابن ماجه (206)

(2)

مسلم (2398) / النسائي (2554)

ص: 585

[المسألة الثانية] :

اختلف العلماء في مسائل العبادات التي لا تدخل في معنى الصدقة المالية، وهي العبادات البدنية، مثل تلاوة القرآن، ومثل الصلاة، ومثل الصيام والحج فيما فيه من البدن، ونحو ذلك؛ يعني فيما يصل فيه من الثواب هل هو الكل أو البعض، وإن كان الخلاف في الحج ضعيفاً.

هذه المسائل التي اخْتُلِفَ فيها وهي العبادات البدنية:

من أهل العلم من قال تصل ومنهم من قال لا تصل.

1-

القول الأول: ذهب جمهور السلف كما عزاه إليهم ابن تيمية ابن القيم وغير ذلك وعَبَّرُوا بالجمهور وذهب الإمام أبو حنيفة والإمام أحمد وجماعات من أهل الحديث والأثر إلى أنَّ الميت ينتفع بما تَقَرَبَ الحي به إلى ربه وأهدى ثوابه إلى الميت؛ يعني أهدى الحي الثواب إلى الميت.

ويقول في هذا طائفة من العلماء: وأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَها المسلم وأهدى ثوابها لمسلمٍ حيٍ أو ميتٍ نَفَعَهُ ذلك.

2-

القول الثاني: وهو ما ذهب إليه مالك والشافعي وطائفة من العلماء أنَّ الميت لا ينتفع من سعي الحي بالعبادات البدنية المحضة، العبادات التي فيها صلاة مثلاً قراءة القرآن الصيام وأشباه ذلك، وإنما ينتفع بما كانت عبادةً مالية أو دخل فيها المال كالحج، وأما غير ذلك فإنه لم تدلَّ الأدلة عن انتفاعه فيبقى الباب على عدم الانتفاع -وسيأتي التفصيل والترجيح-

ص: 586

[المسألة الثالثة] :

من أدلة أهل السنة والجماعة على أصل الانتفاع قول الله عز وجل {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10] فأثنى عليهم بالدعاء وهذا يقتضي الإنتفاع.

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (1) .

وفي الصحيح أيضاً أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: إن أمي أُفْتُلِتَتْ نفسها -يعني ماتت فجأة- وإنها لو تكلمت لأوصت أو لتصدقت أفينفعها إن تصدقت عنها؟ قال «نعم» (2) .

وجاء أيضاً في صدقات الصحابة عن الأموات الشيء الكثير.

كذلك جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يحج عن ميتٍ له فأذن له بالحج.

وفيه أيضاً أنَّ امرأة قالت: إنَّ أمي ماتت ولم تحج أفأحج عنها؟ قال «أرأيت إن كانت على أمك دين أكنت قاضيته؟» قالت: نعم. قال «فاقض عنها، فإن الله أحق بالقضاء» (3) .

ونحو ذلك في هذا الباب.

أيضاً مما يدخل فيه مع تنوع الأعمال أصل الوقوف؛ يعني أصل الأوقاف، فإنَّ الصحابة ما كان منهم أحد له فضل مال إلا وحبس يعني أَوقَفَ -أوقف على نفسه- وهذا مما ينفعه ويدخل في قوله «صدقة جارية» .

وأما الذين قالوا إنه لا ينتفع إلا بالعبادة المالية قالوا:

إنَّ هذه المسائل منها:

- ما هو مُجمعٌ عليه، وهذه اتَّفَقْنَا عليها وهي الصورتان الأوليان.

- ومنها ما هو مُخْتَلَفٌ فيه وهي العبادات البدنية فهذه لم يأت دليل فيها؛ بل جاء الأثر عن ابن عباس بأنه قال (لا يصل أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد)(4) فهذا يدل عن امتناع أن يكون أحد يصلّي عن أحد أو يصوم أحدٌ عن أحد.

وأجاب الأولون عن ذلك بـ:

- أنَّ الصيام جاء فيه أنَّ الحي يصوم عن الميت إذا كان عليه صيام، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري وغيره «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» (5) يعني صوم واجب.

وهل الصوم الواجب هذا صوم النذر كما في الرواية الأخرى؟ أو كل صيامٍ واجب سواءٌ أكان صيام رمضان الواجب الذي لم يقضه مع إمكانه القضاء، أو صيام الكفارات أو نحو ذلك؟

خلاف بين أهل العلم؛ ولكنهم قالوا: إنَّ الحي يصوم عن الميت الصيام الواجب بدلالة السنة على ذلك.

- وأيضاً قالوا: إنَّ ما جاء في السنة من الأحوال هذه جاءت جواباً عن أسئلة، فالنبي صلى الله عليه وسلم سُئِلْ عن الصدقة فأوصى بها، سُئِلْ عن الحج فقال «حُج» أو قال «حُجي» ونحو ذلك.

وهذه الأسئلة لا تفيد العموم فلا يُفْهَمْ من جواب السؤال أنه لا يجوز إلا فيما جاء السؤال والجواب عنه؛ لأنَّ السائل ليس هو المُشَرِّعْ، وإنما جواب النبي صلى الله عليه وسلم كان بقدر السؤال.

ولهذا كان الأقرب أن يُعَمَّ ذلك وأن يُقَال إنَّ ما جاء الإذن فيه دَلَّ على وصول جنس الثواب دون تفريق لأنَّ التفريق ما بين نوع ونوع يحتاج إلى دليل، وهذه المسائل لم يبتدئها الشارع وأَذِنَ بكذا وكذا أصلاً يعني ابتداء وإنما كان إجابة لأسئلة.

وبين هذا الاستدلال وهذا الاستدلال ذهب المفتون من العلماء إلى أحد هذين القولين من المتقدين والمتأخرين:

@ فمنهم من يقول بالتعميم كما قال ابن القيم وجمهور السلف والإمام أحمد وأصحابه وابن تيمية وابن القيم وطائفة من أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى.

@ ومنهم من يقول بقول مالك والشافعي بأنه يُقْتَصَرْ على ما ورد دون غيره.

وهذا تجد من يفتي به وهذا تجد من يفتي به.

* والأقرب في ذلك هو التفصيل وهو أنَّ إهداء الثواب غير ابتداء العبادة، فهما صوراتان:

1-

الصورة الأولى إبتداء العبادة:

ابتداء العبادة هذا عبادة فيحتاج إلى دليل يدلُّ على أنَّ المرء ينوب عن غيره عن حيٍ أو ميت في العبادة، فيبتدئ العبادة عن فلان، وهذا لابد فيه من التوقيف لأنَّ الأصل عدمه، وجاء الإذن في العبادات المالية فينبغي أن يكون أن يُقْتَصَرْ عليها بل يجب أن يُقْتَصَرْ عليه كما جاء في الأدلة؛ لأنها ابتداء عبادة وابتداء العبادة هذا لابد فيه من دليل؛ لأنَّ الأصل أنَّ أحداً لا يعمل عن أحد، لا ينوب أحد عن أحد، وكل إنسان يعمل.

لهذا الصحابة سألوا؛ لأنَّ الأصل متقرر عندهم، سألوا أأحج؟ أتصدق عنها؟

وهذا يدل على أنَّ الأصل المستقر هو أن لا ينوب أحد عن أحد في ذلك.

(1) الترمذي (1376) / النسائي (3651)

(2)

البخاري (1388) / مسلم (2373)

(3)

البخاري (1852)

(4)

سنن النسائي الكبرى (2918)، وروى الإمام مالك في الموطأ (669) أنه بلغه أن عبد الله بن عمر: كان يسأل هل يصوم أحد عن أحد أو يصلي أحد عن أحد فيقول لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد.

(5)

البخاري (1952) / مسلم (2748)

ص: 587

هذه صورة وهو أن يبتدئ العبادة، يحج لبيك حجا عن فلان عن فلانة، هذا ابتدأ العبادة عن فلان أو فلانة، أو اللهم إنَّ هذه الصدقة عن فلان أو عن والدي أو عن والدتي فلانة، فهذا ابتدأ العبادة، فهذه جاءت الأدلة بجوازه.

لكن ابتداء الصلاة يقول: اللهم إنَّ هذه الصلاة عن والدي أو عن والدتي، اللهم إنَّ هذا الصيام عن والدي أو عن والدتي، فهذا لم يأتِ به دليل لأنه ابتداءُ به عبادة، وهذا يدل عليه أثر ابن عباس قال (لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد إلا من مات وعله صيام صام عنه وليّه) .

فدلَّ على أنَّ الأصل عدم النيابة في هذه العبادات؛ بمعنى أن لا يبتدئها فيجعل العبادة من أولها مَعْمُولَةً لفلان أو فلانة.

2-

الصورة الثانية أن يبتدئ العبادة لنفسه ثم إذا فرغ من العبادة أهدى ثوابها:

وهي مختلفة عن الصورة الأولى وهي أن يبتدئ العبادة لنفسه، أن يعمل العمل لنفسه، يصلي لنفسه، يقرأ القرآن لنفسه، يعتمر لنفسه، يصوم عن نفسه، وهكذا في أي عمل، يذكر الله عز وجل عن نفسه، ثم إذا فرغ من العبادة قال اللهم اجعل ثواب قراءتي هذه لوالدي لوالدتي، لمن له حق علي، لفلان إلى آخره.

فهذا ليس الأصل المنع؛ لأنَّ العبادة وقعت صحيحة، وهو يقول أنَّ الأجر إنْ تقبله الله وثَبَتَ الأجر، فإنَّ هذا الثواب إذا استقر لي فإنه مهدىً إلى غيري؛ يعني دعا الله عز وجل أن يتقبل منه وأن يجعل فلاناً أو فلانة شريكين في الثواب.

وهذا التفريق لا رَدَّ له، لا من جهة السنة ولا من جهة كلام السلف الصالح، فإنهم إنما نَهَوا عن الابتداء ولم ينهوا أو ينهى الأئمة ولا المعروفين من السلف لم ينهوا عن إهداء الثواب للميت.

وهذا يقتضي أنَّ التفريق ما بين الابتداء وإهداء الثواب مُتَعَيِّنْ في هذه المسألة، وأنَّ إهداء الثواب بعد الفراغ من العبادة ليس تعبداً وإنما هو محض تفضّل وإحسان.

ولهذا أئمة السنة المتحققون بالسنة ورد البدعة ذهبوا إلى جواز إهداء الثواب كالإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم وطائفة من أئمة الدعوة كالشيخ محمد بن عبد الوهاب وجماعة.

ومن نهى من أئمة الدعوة فإنه لم يلحظ هذا التفريق في كلام الأئمة لأنهم رأوا إهداء الثواب ولم يرعوا النيابة في أصل العبادة.

فقالوا: وأي قربة فَعَلَهَا المسلم وأهدى ثوابها، فالقربة فُعِلَتْ وانتهت وأهدى ثوابها لمسلم حي أو ميت والأجر يتصرف فيه من حازه على ما يرغب، فإذا أَعْطَى بعض أجره غيره، فإنَّ هذا له ولا أصل يدلُّ على المنع من ذلك.

ص: 588

[المسألة الرابعة] :

المبتدعة -أعني المعتزلة من شابههم- احتجوا بحجتين:

1-

الحجة الأولى: قالوا يقول الله تعالى {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] ، وهذا يدل على أنَّ سَعْيَ الإنسان لنفسه.

وهذا الاحتجاج كذلك بعض أهل السنة احْتَجَّ به على هذا الشوكاني وبعض المعاصرين بأنه لا ينتفع البتة إلا بما سعاه فالولد من سعيه والصدقة الجارية من سعيه والعمل الصالح من سعيه والعلم النافع من سعيه، أما غير ذلك فلا يُعَدُّ من سعيه فلا ينتفع إلا بما سعى.

فإذاً احتج المبتدعة وطائفة من أهل السنة على مذهبهم بقوله تعالى {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} قالوا فلو كان ينتفع لكان سعيه لغيره وهذا يخالف ظاهر الآية.

والجواب عن ذلك من وجهين:

أ - الوجه الأول: أنَّ الله عز وجل في الآية قال {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ} اللام هنا كما هو معروف لام المِلك؛ يعني الإنسان لا يملك إلا سعيه، أما غيره فلا يملك سعي فلان، أحمد لا يملك سعي خالد؛ بل إذا تَقَرَّبَ خالد إلى ربه بقربة فإنَّ سعيه له، ثواب السعي له هو وليس للآخر، فاللام هذه لام الملك.

والمسألة التي ذكروا أنَّ الآية رَدّْ عليها أو حجة فيها هي أنَّ الآخر ينتفع من سعي الأول، وهذا لا تناقض بينها وبين هذه؛ لأنَّ اللام إذا كانت للملك فالأجر للأول؛ ولكن هو ينفع الثاني بما يتصدق به عليه أو ما ينفعه به.

ب - الوجه الثاني: أنَّ قوله {إِلَّا مَا سَعَى} السعي هنا لابد أن يُنْظَرْ إلى مفهومٍ واحد، وهو أنَّ أعظم الأسباب في السعي في أنْ ينتفع الميت من سعي الحي، أعظم الأسباب هي دخوله في الإيمان، فإنَّ الإيمان والإسلام إذا تحقق به العبد يوجب وَلَايَةْ بين المسلم والمسلم، ويوجِبُ محبة بين المؤمن والمؤمن، وهذا أعظم أسباب العلاقة بين الناس، فجميع العلائق تَقَطَّعَتْ إلا سبب الإيمان والإسلام، قال عز وجل {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] ، فإذاً دخل في اسم الإيمان فقد أتى بأعظم سبب من أجله ينفع إخوانه، وأيضاً من أجله ينفعه إخوانه.

فإذا كانت الولادة سبب بأن ينتفع الأب بسعي ولده، والعلم سبب فإنَّ أعظم الأسباب هو ما له من الإيمان بالرب جل جلاله، فبالله عز وجل انعقدت الأواصر، وفي الله عز وجل قامت الوسائط والوسائل، وبالله عز وجل تقاربت القلوب، وهذا يعني أنَّ أعظم الأسباب في الانتفاع في السعي ما سعاه المرء في نفسه ولنفسه وهو سبب الإيمان.

فإذاً الإيمان سَعْيٌ له، فقوله {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] ، إذا قلنا: إنَّ العمل له لا لغيره -كما قلنا سابقا- ويكون سعيه إذاً لغيره سَعْيٌ في شيءٍ تَسَبَّبَ ذلك الغير فيه.

وانعقاد السبب في شيءٍ تَسَبَّبَ فيه هذا شيءٌ عمله العبد وتَسَبَّبَ فيه وهو الإيمان.

ولهذا صلاة الجنازة دعاء للميت وإذا أتى العبد المقابر دعا للأموات، واستَغْفَرَ لهم، هذا سببه الإيمان، فالمؤمن يصلي على المؤمن لأجل ما بينهما من وثيقة الإيمان ومن الحب في الله وما بينهما من الحقوق.

إذاً فالإحتجاج بالآية ليس بظاهر كما هو بَيِّنْ فيما ذكرنا.

2 -

الحجة الثانية: قالوا إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» (1) ، فدلَّ على أنَّ العمل ينقطع، وإذا انقطع العمل هذا يعني أنه لا ينتفع بشيء.

والجواب عن ذلك: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال «انقطع عمله» ولم يقل: انقطع انتفاعه كما هي صورة المسألة التي نبحثها، ولم يقل أيضا: انقطع عمل غيره له، وإنما قال «انقطع عمله» ، فعمل الإنسان بالوفاة في دار التكليف انتهت، فعمله انقطع كما جاء في الحديث، أما عمل غيره وانتفاع هذا بعمل غيره فإنه لم ينقطع.

ويدل على ذلك أنَّ الثلاثة التي ذُكِرَتْ وهي الصدقة الجارية والعلم والولد الصالح لم يُذْكَرْ فيها الدعاء -دعاء الحي للميت في صلاة الجنازة-، وهي بالاتفاق نافعةٌ للميت وهي لم تدخل في هذه الثلاث، لأنها ليست بعمل للميت ولكنها عملٌ للحي وهو ينفع للميت.

(1) سبق ذكره (587)

ص: 589

[المسألة الخامسة] :

هاهنا مسائل تكلّم العلماء في هذا الموضع فيها وهي المتعلقة بقراءة القرآن وإهداء الثواب أو استئجار من يقرأ القرآن على الأموات في المقابر ونحو ذلك، وهذه المسائل واضح أنَّ التقرب فيها إلى الله عز وجل بِنَفْعْ الميت بالاستئجار أنَّ هذا بدعة ولم يأتِ دليلٌ من السنة ولا من فِعْلْ السلف على عمله.

ثُمَّ الاستئجار وهو دفع المال لفلان ليتعبد لفلان هذا مبطل للعمل في أصله، لم؟

لأنَّ العلم لا يصلح ولا يتقبله الله عز وجل إلا بالإخلاص، فالإخلاص شرط في قَبول العمل، فإذا لم يعمل العمل الصالح لم يُصَلِّ إلا بمال، ولم يصم إلا بمال، ولم يقرأ القرآن إلا بِأُجْرَةْ يُسْتَأْجَرْ عليه، فيقول مثلاً أنا أقرأ لكم السورة بمائة ريال، أو يقول أقرأ الجزء بألف ريال، ونحو ذلك، فهذا لاشك أنه لم يُخْلِصْ لله عز وجل في هذه العبادة، فكيف ينتفع الميت من عبادةٍ لم يُخْلَصْ لله عز وجل فيها، وإنما عُمِلَتْ لأجل عرض من الدنيا.

ولهذا من البدع الوخيمة استئجار قوم عند المقابر يتلون، أو في المآتم يُعْقَدْ سُرَادَقْ كبير ويأتون بمن يقرأ القرآن ويقولون ننفع الميت، وهم يستأجرون هذا التالي للقرآن بأموال باهضة وعظيمة، وهذا فيه هلكة للفاعل؛ يعني للقارئ لأنه عَمِلَ عملاً لغير الله، وفيه أيضاً إفساد للمال في غير طاعة الله عز وجل وهذا لا ينفع الميت لأنه عمل لم يُخْلَصْ فيه لله عز وجل.

أما لو تَبَرَّعَ أحد وقرأ القرآن لنفسه وبعد القراءة قال اللهم اجعل ثواب قراءتي لفلان فإنَّ هذا جائزٌ على الصحيح كما ذكرنا لك.

وقد ذكر الجد الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله رحمةً واسعة في تقريرٍ له موجود في الفتاوى أنَّ رجلاً -لَمَّا عرض لهذه المسألة- ذَكَرَ أنَّ امرأة تُوُفِّيَتْ، وكان أحد قرابتها أظنه زوجها كان يقرأ القرآن، وبعد أن فرغ من الختمة أهدى ثوابها لنفسه ولزوجته، فلما فرغ وجاء وقت الصلاة أقبل رجل، وقال أنا رأيت فلانة في المنام، وقالت لي أنا الآن ختمت القرآن.

وهذه وإن لم تكن حجة لكن هي للاستئناس ونقلها ثقات وذكرها علماء وأئمة، فهي ماشية مع الأصل وليس فيها ما يعارض ذلك.

* فإذاً الانتفاع في إهداء الثواب لا يكون بالطرق البدعية التي يعملها أصحاب المآتم، والذين يستأجرون للقراءة على القبور.

ص: 590

[المسألة السادسة] :

في قوله (وَفِي دُعَاءِ الْأَحْيَاءِ وَصَدَقَاتِهِمْ) صدقات هنا يُعْنَى بها الصدقات المالية خاصَّة، وعلى القول الصحيح الذي ذكرنا أنها كل شيء فيه صدقة؛ بالمفهوم العام للصدقة.

فأمر الإنسان بالمعروف ونهيه عن المنكر والعلم والذكر وقراءة القرآن ونحو ذلك مما يدخل في اسم الصدقة العام وهي النوافل والطاعات التطوعية العامة فإنها تنفع الميت إذا أهدى الثواب لا إذا ابتدأ العبادة كما ذكرنا.

فإذاً نقول: إنَّ الصحيح أن قوله (وَفِي دُعَاءِ الْأَحْيَاءِ وَصَدَقَاتِهِمْ) هذا يشمل جميع أنواع العبادات كما ذكرنا.

نكتفي بهذا القدر، والمسألة التي بعدها تحتاج إلى تفصيل.

ص: 591