المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنه ليس معنى ذلك أنه مفضل وأعلى منزلة على من لم يعط الكرامة - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنه ليس معنى ذلك أنه مفضل وأعلى منزلة على من لم يعط الكرامة

[المسألة التاسعة] :

الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

.

فالكرامة إكرامٌ وإِنْعَامْ من الله عز وجل للعبد لأجل حاجته إليها، وقد تكون حاجته إليها دينية وقد تكون حاجته إليها كونية دنيوية.

لهذا قَلَّتْ الكرامات عند الصحابة، فالمُدَوَّنْ من الكرامات بالأسانيد الثابتة عن الصحابة أقل بكثير مما يُروَى عن التابعين، وهكذا فيمن بعدهم؛ لأنَّ المرء إذا قَوِيَ إيمانه وقَوِيَ يقينه فإنه قد يُتْرَكْ للابتلاء لا للتفريج كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي في الصحيحين:«يُبتلى الرجل على قدر دينه، أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل» ، «يُبتلى الرجل على قدر دينه» (1) .

وهذا يدل على أَنَّ الله عز وجل قد يختار للولي الصالح وللعبد الصالح الذي تَعْظُمُ منزلته في وَلَايَةِ الله عز وجل وإكرامه ومحبته له في أن يتركه للإبتلاء، وأن يتركه لغير هذه الأمور الخارقة للعادة.

فتكون إذاً هذه الخوارق للعادة وهذه الكرامات لحاجته إليها ولأنه قد يصيبه ضعف في الإيمان لو لم يُعطَ.

فبعض الناس قد يكون عنده عبادات عظيمة وقيام وصلاة وصيام ثُمَّ إذا أصابته شدة ولم يُفَرَّجْ عنه فإنه قد يعود على قلبه بالضعف في الإيمان، فيُكْرِمُهُ الله عز وجل لأجل ضعفه لا لأجل كماله.

ولهذا فإنَّ باب الكرامة ليس معناهُ تفضيل من جرت له، فقد يكون مُفَضَّلاً وقد لا يكون، فليست الكرامة بمجردها دليلاً عند السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام؛ بل الإيمان بالكرامات -كرامات الأولياء- لأجل وجودها وأنَّ الله عز وجل يُكْرِمْ بها عباده وأَنَّ الأدلة دَلَّتْ على ذلك وليس من أجل تفضيل من حصلت له الكرامة فقد يكون أقل درجة بكثير ممن من لم تحصل له الكرامة.

إذا كان كذلك، فإنه حينئِذْ من دُوِّنَتْ عنه الكرامات لا يلزم أن يكون أعلم ولا أفضل ولا أن يُقْتَدَى به ولا أن تُؤْخَذْ أقواله لأجل أنَّهُ حصلت منه الكرامة؛ بل لم يزل الصَّالحون إذا حصلت لهم مثل هذه الأنواع من الكرامات لم يزالوا يكتمونها ولا يُشيعُونَها لأَنَّهَا قد تكون في حقّهم من الفتنة، وهم لِعِلْمِهِمْ بالله عز وجل وما يستحقه جل جلاله من الطاعة والإنابة والإقبال عليه أَنْ لا يَفْتِنُوا الناس بذلك.

وهذا من أسباب أنَّ المنقول عن الصحابة من الكرامات قليل جداً، وعند التابعين أكثر، ثُمَّ هكذا، كلما ضَعُفَ الناس كلما أَحَبُّوا إذا حصل لهم أي شيء أن ينشروه وأنْ لا يكتموه.

لهذا نقول: الواجب على الناس أن لا يعتقدوا فيمن حصل له إكرام أو كرامة.

أن لا يعتقدوا فيه؛ بل يقولون: هذا دليل على إيمانه وتقواه إذا كان مُتَحَقِّقَاً بالإيمان والتقوى، وهذا دليلٌ على محبة الله عز وجل له.

وهو يَسْأَلْ لنفسه الثبات ويحرص على ذلك.

وهم أيضاً لا يأمنون عليه الفتنة، وإذا مات على هذه الحال أيضاً من الصّلاح والطاعة فإنه يُرْجَى له الخير ولا تتعلق القلوب به، أو يُستغَاثْ به أو يُؤْتَى لقبره ويُسْتَنْجَدْ به أو يُطْلَبْ منه تفريج الكربات أو يُرَاعَى وهو في غيبته في حال الحياة ونحو ذلك كما يفعله ضُلَّالْ أصحاب الطرق الصوفية ومن يعتقدون فيه ممن ينتسبون للأولياء وربما لم يكونوا منهم.

لهذا فالواجب على المؤمن أن لا يتحدث بهذه إلا إذا رأى ثَمَّ حاجة دينية لذلك، أما إذا كانت لأجل إظهار منزلته أو لإظهار إكرام الله عز وجل له ونحو ذلك، فهذا الأفضل كتمانها سِيَّمَا إذا كان مع إظهارها والتحدث بها فتنة قد تصيب البعض، وإذا كان في مثل هذه الأزمنة التي يظهر فيها الجهل ويتعلق الناس بمن ظهر عليهم الصلاح لأجل الاعتقاد فيهم فإنه يجب على المؤمن أن يصد وسائل الشر وأن يسد ذرائع الشرك والغلو التي منها ذكر الكرامات وتداول ذلك.

(1) ابن حبان (2900)

ص: 682

[المسألة العاشرة] :

مما يتصل بالكرامة من المباحث مبحث الفِرَاسَةْ؛ لأنَّ الفِرَاسَةْ الإيمانية بها يَعْلَمْ صاحب الفِرَاسَةْ ما في نفس الآخرين.

والفِرَاسَةْ لفظٌ جاء في السنة: «اتقوا فِراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» (1) ، والحديث حَسَّنَهُ جماعة من أهل العلم، وهو في الترمذي وفي غيره.

هذه الفِرَاسَةْ عُرِِّفَتْ بأنها: شيء من العلم يُلْقَى في رُوعِ المؤمن به يعلم حالْ من أَمَامَهْ، إمَّا حالُهُ الإيماني وإما حالُهُ في الصدق والكذب، وإما بمعرفة ما في نفسه ويجول في خاطره.

ولهذا عُرِّفت الفِرَاسَةْ أيضاً بأنها نور يقذفه الله في قلب بعض عباده، بها يعلم مُخَبَّئَاتْ ما في صدور بعض الناس.

والعلماء قسموا الفِرَاسَةْ إلى أقسام أشهرها ثلاثة:

1-

الأول: الفِرَاسَةْ الإيمانية:

وهي التي قد يُدْخِلُهَا بعضهم في باب الكرامة وليست منها.

2-

الثاني: فراسةٌ رياضية:

يعني تحصل بالترويض وبالتعود وبتخفيف ما في النفس من العلائق، وهي التي يحصل فيها دُرْبَة عند بعض أصحاب الطُّرُقْ.

3-

الثالث: فراسة خَلْقِيَّة:

وهذه ليست راجعت إلى استبطان ما في النفوس ولكن باعتبار الظَّاهر.

يُنْظَرُ إلى الخَلْقْ فيستدل بشكل الوجه على الخُلُق، ويستدل بشكل العينين على مزاج صاحبها، يستدل بشكل البدن أو شكل اليد أو تقاطيع الوجه على حاله مِنْ جِهَةْ الأخلاق.

فهذه اعتنى كثير من الناس، وصُنِّفَتْ فيها مصنفات عند جميع الأمم، من الأمم السابقة لأمة الإسلام، وفي أمة الإسلام أيضاً لأنها فراسة خَلْقِيَّةْ، ويقولون: إنَّهُ ثَمَّ ترابط ما بين الخَلْقْ والخُلُقْ.

ومن الأئمة الذين اعتنوا بهذا الباب وتَعَلَّمُوهُ الشافعي رحمه الله وصَنَّفَ طائفة من أصحاب الشافعي في الفِراسة مصنفات الفراسة الخَلقية.

المقصود من ذلك أَنَّ الفراسة -وهي النوع الأول الفراسة الإيمانية-، ليست من الكرامة لأنها أقرب ما تكون إلى الإلهام، والإلهام قد يكون خارقاً للعادة وقد لا يكون.

فجنس الفراسة الإيمانية ليست من جنس الكرامات، وقد يكون من أنواع الفراسة ما يكون فيه خرق للعادة فيكون كالعلوم والمُكَاشَفَات التي يُجريها الله عز وجل على يد أوليائه.

(1) الترمذي (3127)

ص: 683

[المسألة الحادية عشر (1) ] :

كرامات الأولياء قد تجري للمجموع لا للأفراد، وهذا في حال الجهاد سواءٌ أكان جهاداً علمياً أم كان جهاداً بدنياً -يعني بالسِّنان-.

فقد يُكْرِمُ الله عز وجل الأُمَّةَ المجاهدة، جماعة المجاهدين من أهل العلم، يعني من الجهاد باللسان بقوة في التأثيرات الشّرعية وبالنصر على من عاداهم بالمَلَكَة والحُجَّة وبما يعلمون به مواقع الحُجَجْ وما في نفوسهم بما يكون أقوى من قُدَرِهِمْ في العادة.

قد يُكرمهم الله عز وجل بذلك وإن لم يكونوا من الملتزمين بالسنة.

وقد يكون كما ذُكِرْ بعض أهل البدع يُعْطَى قوّة وينتصر على عَدُوِّهِ من النصارى مثلاً أو من اليهود أو من الملاحدة في أبواب المناظرات ويُكْشَفُ له من مُخَبَّآتِ صدر الآخر ما لا يكون لأفراد الناس، ويُكْشَفْ له من القوة والحجة في التأثير على الناس ما يدخل في باب التأثير في الكونيات والشرعيات كما ذكرت لك سابقاً.

وكذلك في أبواب جهاد الأعداء بالسيف، فقد يُؤْتَى طائفة من المسلمين من أهل البدع والذنوب والمعاصي بعض الكرامات إذا جاهدوا الأعداء.

وهذا يُنْظَرُ فيه إلى المجموع لا إلى الفرد، والمجموع أرادَ نُصْرَةْ القرآن والسنة ودين الله عز وجل ضِدْ من هو كافِرٌ بالله جل جلاله وضد من هو مُعَارِضٌ لرسالة الرسل أو من يريد إذلال الإسلام وأهل الإسلام.

فيُعطى هؤلاء بعض الكرامات وهي لا تدل على أنهم صالحون وعلى أنَّ مُعْتَقَدْ الأفراد أَنَّهُ مُعْتَقَدٌ صالحٌ صحيح؛ بل تدل على أَنَّ ما معهم من أصل الدين والاستجابة لله والرسول في الجملة أنهم أحَقُّ بنصر الله وبإِكرامه في هذا الموطن لأنهم يجاهدون أعداء الله عز وجل وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولهذا لا يُغْتَرْ بما يُذْكَرْ عن بعض المجاهدين أنهم حصلت لهم كرامات وكرامات وكرامات.

وهذه الناس فيها لهم أنحاء:

- منهم من يُكَذِّبْ ويقول هؤلاء عندهم وعندهم من البِدَعْ والخُرَافات وإلخ، وبالتالي الكرامة لا تكون لهم، فينفي وجود هذه الكرامات.

- ومنهم من يُصَدِّقُ بها ويجعل هذا التصديق دليلاً على أنهم صالحون وأنَّهُ لا أثر للبدعة وأنَّ الناس يتشددون في مسائل السنَّةْ والبدعة.

وأما أهل العلم المتبعون للسلف كما قَرَّرَ ذلك ابن تيمية بالتفصيل في كتابه النَّبُوَاتْ فإِنَّهُم يعلمون أنَّ المجاهد قد يُعْطَى كرامَةً ولو كان مُبتدعاً، لا لذاته ولكن لما جاهد له، فهو جاهد لرفع راية الله عز وجل ضد ملاحدة، ضد كفرة، ضد نصارى، ضد يهود، ضد وثنيين، وهذا يستحق الإكرام لأنَّهُ بَذَلَ نفسه في سبيل الله عز وجل.

والبدع ذنوب، والجهاد طاعة، ومن أعظم الأعمال قُرْبَةْ، ومعلوم أَنَّ الحسنات تُذْهِبْ ما يقابلها من السيئات، فقد تكون في حَقِّ البعض حسنة الجهاد أعظم من سيئة بعض البدع والذنوب؛ بل الجهاد سبب في تكفير الذنوب والآثام كما قال عز وجل:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الصف:10-12] الآية.

من أعظم أسباب مغفرة الذنوب الجهاد، ومن أعظم أسباب تحقيق وَلَايَةْ الله ومحبته أَنْ يُجَاهِدْ العبد، لكن هذا يكون في موازنة الحسنات والسيئات والله عز وجل أعلم بنتيجة هذه الموازنة.

المقصود من ذلك أَنَّ أهل السنة والجماعة يُقَرِّرُون أَنَّ الكرامة هي للولي الصالح كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] ، وقد يُعْطِيْ الله عز وجل الكرامة لجَمْعٍ من المسلمين، أو لفردٍ في جَمْعٍ من المسلمين لأجل ما ذكرتُ لك من الحال إذا كان على غير التقوى والإيمان ومتابعة السّنة أو الأخذ ببعض البدع.

ولهذا لا يَغْتَرْ مُغْتَرْ بما يحدث من ذلك ويَزِنْ الأمور بموازينها:

- فمن نَفَى مُطْلَقَاً فهو مَتَجَنِّي لأنَّهُ لا عِلْمَ له بذلك.

- ومن قَبِلَ مُطْلَقَاً وجعلها دليلاً على الصلاح والطاعة وأنَّهُ لا أثر للعقائد ولا أثر للسنة في مثل هذه المسائل هذا أيضاً تَجَنَّى على الشرع وتَجَنَّى نفسه، والعلم يقضي بما ذكرته لك في ذلك.

(1) ذكرها الشيخ حفظه الله تعالى تحت المسألة الثالثة عند الإجابة على السؤال: هل المبتدع أو الضال أو العاصي يعطى كرامة (672)

ص: 684

[المسألة الثانية عشر] :

الواجب على المؤمنين أن يَسْعَوا في الإيمان (1) وفي شُعَبِهِ -امْتِثَالَاً للأوامر واجتناباً للنواهي- طلباً لمرضاة الله عز وجل وأن يبذلوا أنفسهم في الجهاد بأنواعه: الجهاد في العلم والجهاد في العمل والدعوة، أو الجهاد بالسيف والسنان إذا جاء وقته، أو إذا حَضَرَهُ المؤمن، أن يسعوا فيه طَلَبَاً لرضا ربهم عز وجل، وأن لا يلتفت العبد مهما بَذَلْ إلى حصول الكرامة أو عدم حصول الكرامة.

فمن الناس من تعلّقت قلوبهم بالكرامات؛ بل بما هو دونها من الرُؤَى وربما الأحلام ومن القصص والحكايات والأخبار وأَثَّرَ ذلك على إيمانه سلباً أو إيجاباً، ضعفاً أم زيادة.

وهذه الأمور نؤمن بها -يعني مسائل الكرامات-، نؤمن بها لأَنَّهَا جاءت في النصوص؛ لكن العبد لا يَتَطَلَّبُهَا، لا يبحث عنها، كما ذكرت لك ربما كان الأكمل في حقه أن لا تحصل له الكرامة، وربما كان الأكمل في حقه أن يُبْتَلَى، وربما كان الأكمل في حقه أن يُذَلْ ولا يُعْرَفْ ما يقضي الله عز وجل به في هذه المسائل.

ومن نظر لسيرة من نعتقد فيهم أنهم من أفضل أهل زمانهم إيمانَاً وتقوى ومُتابعة للسنة وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ومُجَاهدةً لأعداء الله، حصل لهم من الابتلاء والفتنة ما حصل، كما حصل لإمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل، وكذلك ما حصل لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، فالجميع حصل لهم من البلاء والسجن والفتنة، يعني والصد والإيذاء ما حصل لهم، ومع ذلك هم أكمل ممن هم دونهم ممن حصل لبعضهم من الكرامات فيما نُقل بأسانيد ثابتة.

بل ابن القيم رحمه الله طِيْفَ به في دمشق وهو العالم الإمام على حمار ظهره إلى السماء ووجهه إلى الأرض تنكيلاً به، ومع ذلك ما ضَرَّهُ لا في وقته ولا فيما بعده فالتراجم طافحة بالثناء عليه، لأنَّ هذه مسائل من الابتلاء التي يَبْتَلِي بها الله عز وجل بعض عباده كيف شاء.

فالمقصود من هذا أنَّ الميزان هو متابعة السنة.

تحقيق الإيمان والتقوى، متابعة طريقة السلف الصالح قد يحصل معه إكرام وقد لا يحصل معه، يحصل معه ضد ذلك من الابتلاء والإيذاء، وقد يكون المُبْتَلَى أكمل ممن لم يُبْتَلَ.

فالعبرة بلزوم منهج السلف الصالح وطريقة السلف الصالح، فقد يُبْتَلَى من هو من أهل البدع، وقد يُبْتَلَى من هو من أهل السنة، وقد يُبْتَلَى العاصي المذنب، وقد يُبْتَلَى التقي الناصح، وهكذا.

فإذاً الميزان هو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وملازمة طريقة السلف الصالح في ذلك.

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أوليائه وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وأن يُكَفِّرَ عنا الخطايا والآثام، وصلى الله وسلّم وبارك على نبينا محمد.

(1) نهاية الوجه الأول من الشريط السابع والأربعين

ص: 685