المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأسئلة: س1/ ذكرتم كثرة الأدلة على ثبوت علو الله عز وجل - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: ‌ ‌الأسئلة: س1/ ذكرتم كثرة الأدلة على ثبوت علو الله عز وجل

‌الأسئلة:

س1/ ذكرتم كثرة الأدلة على ثبوت علو الله عز وجل بذاته ومع ذلك فأكثر الفِرَقْ تُنكرهُ وتصرفه إلى المعاني الأخرى، فما سبب ذلك؟

ج/ سببه أنَّ إثبات علو الذات عندهم يقتضي إثبات الجهة؛ أن يكون الله عز وجل في جهة، وإثبات الجهة يقتضي التحيز، والتحيز ممتنع عندهم عقلاً لأنه من صفات الأجسام، فمنعوا العلو لأجل ذلك، يعني هذه شبهتهم.

س2/ ذكر بعض العلماء في مقدمة قول: الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار يبسط كفه بالأسحار. فهل العبارة الأخيرة صحيحة؟

ج/ هذه أخَذَهَا من الحديث الصحيح الذي في الصحيح أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل» (1) ، العبارة صحيحة؛ لأنَّ السَحَرْ بعض الليل.

س3/ آية الأنبياء {الذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [الأعراف:206] ، فهل هذه العندية عندية ذات أم عندية القهر؟

ج/ العندية عندية ذات، العندية لا تنقسم، العندية عندية ذات يعني عند الله عز وجل فوق سماواته هذا معناه.

قوله تعالى في سورة الأنبياء {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء:19]، ليست {الذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} أو فالذين عند ربك {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:19-20] ،.

والآية الآخرى {وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف:205-206] .

س4/ ما معنى (ذات) في قولنا: ذات الله سبحانه؟

ج/ الذات في اللغة تأنيثه، يقال: هذا الشيء ذو صفات وهذه ذات صفات. هذا في الأصل ولا تطلق إلا مضافة ما تطلق الذات مستقلة إنما تطلق مضافة، وقد جاءت في قول الصحابي رضي الله عنه في شعره المشهور قال:

وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شِلْوٍ ممزّع (2)

استعمال كلمة ذات مضافة لله عز وجل موجود وقد قال سبحانه {فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} [الأنفال:1] ، استُعْمِلَتْ بعد ذلك الذّات ويُعْنَى بها ما يقابل الصفات فقُسِمَ الشيء إلى صفة وإلى ذات، ذات وصفات، لِم قُسِمْ هذا التقسيم؟

لأنَّ الصفة تضاف إلى الموصوف، فكأنه قال القائل: الذات يعني الشيء الذي هو ذو الصفات، فالذات المتصفة بالصفات، فقَسَمُوهَا لأجل أَنَّ الذات كأنه نعتها بقوله الذات الموصوفة بالصفات، فيكون تتمة الكلام محذوف.

ثم اسْتُعْمِلْ يعني كلمة الذات هكذا بالتعريف، استعملت بدون إضافة ولا تنكير، معرفة الذات، استعملت استعمالاً واسعاً في كلام أهل العقائد.

فإذاً نقول: الذات يُعنى بها الذات الموصوفة بالصفات؛ يعني ما يُضَافُ إليه الوصف ويتّصف به، طبعاً ربنا جل جلاله وتقدست أسماؤه لا نضيف إليه من شيء إلا إذا ثبت به الدليل بالكتاب أو السنة، وما يُتَوَسَعُ في الكلام في بيان العقيدة من الألفاظ أو التعابير الأَوْلى بل الذي ينبغي ويتأكد على طالب العلم أن يستعمل تعابير السلف لأنها أبعد عن الخطأ في التعبير.

لهذا يمرِّن طالب العلم نفسه على أن يعبر في هذه المسائل، مسائل التوحيد والعقيدة بتعابير السلف لأنهم أعلم وأحكم في هذه المسائل.

س5/ أين ذكر هذه الأدلة ابن القيم؟

ج/ ذكرها في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية غزو المعطلة والجهمية وفي النونية وفي غيرها، ذكرها شارح الطحاوية عندك.

س6/ ما هو ضابط الإسم والصفة فيما ورد في الكتاب والسنة مثلا {وَكَانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النساء:131] هل يقال الغنى هنا صفة أم اسم؟ وهل المحسن من أسماء الله عز وجل؟

ج/ الجواب (كان غنياً) هذا وصفه بالغنى، لكن {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15] ، هذا اسم، وإذا أُطلق الإسم فإنه يقتضي الاسم والصفة لأنَّ أسماء الله عز وجل مشتملة على الصفات، وأما إذا جاءت الصفة فإنه لا يستقل ورود الصفة بإثبات الاسم؛ بل قد تَرِدْ الصفة ولا نثبت لله عز وجل الاسم الذي فيه الصفة، وهذه فيها يعني بحث أطول في وقته إن شاء الله.

المحسن من أسماء الله عز وجل؛ لأنه جاء في الحديث «إن الله محسن» (3) ومن أسماء العلماء من القديم عبد المحسن وشيخ الإسلام وابن تيمية وابن القيم وعلماء الدعوة أيضا إذا ذكروا أسماء الله عز وجل عدوا فيها المحسن. والمحسن صفة كمال والمحسن اسم متضمن لصفة كمال لا نَقص فيها بوجه من الوجوه.

س7/ قلتم من معاني العلو العندية، هل هذا المعنى لغوي أم شرعي؟

ج/ لا، العلو معانيه نقول: علو ذات علو قهر علو قدر، علو ذات علو صفات ونحو ذلك.

لكن العندية يعني فيما جاء من الأدلة فيه ذكر {عِنْدَ رَبِّكَ} ، {عِنْدَ الله} فهذه دليل لعلو الله عز وجل ونوع من أنواع الأدلة في الكتاب والسنة فلا نقول أنَّ معنى العلو الندية لا، نقول إنه قد تأتي (عند) ويراد بها العلو. وكما في قوله في الآيات التي ذكرنا لك {الذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [الأعراف:206] ، ونحو ذلك.

س8/ ما حكم قول القائل: مادة القرآن في وقت كذا؟

ج/ الجواب أنّ القرآن كلام الله عز وجل، صفة من صفاته، تعظيمه واجب لأنه أعظم شعائر الله عز وجل التي أشعر عباده بتعظيمها وإجلالها وقد قال عز وجل في سورة الحج {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] ، فتعظيم شعائر الله واجب، تعظيم حرمات الله عز وجل واجب، والقرآن لا يُسَاوَى بغيره ولا يُجْعَلْ كغيره، فتُجْعَلْ مادة من المواد كغيره، فتعظيم القرآن يقضي بأن لا يُجعل في تسميته كغيره من المواد، يقال: مادة جغرافيا، مادة إنجليزي، ومادة قرآن. هذا فيه عدم تعظيم والله عز وجل أمرنا بتعظيم كتابه، ثم القرآن كلام الله وكلام الله عز وجل ليس بمادة؛ لأنَّ المادة قد تطلق ويراد بها المادة المخلوقة، أو يراد بالمادة المخلوق والقرآن كلام الله عز وجل صفة من صفاته ليس بمخلوق.

نكتفي بهذا القدر، وأسأل الله عز وجل لكم التوفيق والسداد والعلم والعمل، وأن يجمعنا على المحبة فيه وعلى طاعته وعلى نصرة دينه إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

(1) مسلم (7165)

(2)

البخاري (3045) ، حين أُسِرَ خبيب بن عدي رضي الله عنه وقُدِّمَ للقتل، أنشد:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً ****** على أي شق كان لله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ****** يبارك على أو صال شلوٍ ممزع

(3)

مصنف عبد الرزاق (8603)

ص: 287

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ى شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

نجيب على بعض الأسئلة لمَّا يجتمع الإخوة.

الأسئلة:

س1/ هل يُفْهَمُ من قوله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103] ، أنَّ المؤمنين في الجنة إذا تجلَّى لهم الرب سبحانه وتعالى أنهم لا يرون جميع ذات الرب سبحانه وتعالى؟

ج/ أولاً تعلمون أنَّ الأصل في عقيدة السلف هو اتباع القرآن والسنة هو عدم تجاوز القرآن والحديث، وأنَّ الكلام في الصفات والكلام في تقرير العقائد بتفصيل إنما جاء بعد فُشُو البدع وكثرة كلام الضّالين من الفرق في ذلك، فتَوَسَّعَ من تَوَسَّعَ من أئمة السلف لأجل أنَّ المخالف توسّع والحق يُقذف به على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.

فالأصل أنَّ المسلم السُنِّي المتبع لطريقة السلف الرّاغب في الاعتقاد الحق أن لا يُشْغِلَ نفسه بتفاصيل أسئلة في الصفات ليست على ظاهر الأدلة التي وقفنا عليها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو ما جاء في القرآن من آياته العظام.

لهذا لا ينبغي تفصيلات الكلام في الصفات؛ بل قد يدخل ذلك في الكلام المذموم إذا كان ليس ثَمَّ حاجة في تفصيل الكلام في الرد على أهل البدع أو تقرير عقيدة من عقائد أهل السنة والجماعة.

لهذا نقول: ظاهر قوله الله عز وجل {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} أنَّ الله عز وجل لا تحيط به الأبصار، وأنه وإن رآه من شاء الله عز وجل من عباده وشرَّفَهْ بأن يرى الرب جل جلاله فإنه يراه رؤية وليست بإحاطة.

لذلك ظاهر الآية أنَّ الإحاطة بالرب عز وجل ممتنعة، سواء أكان ذلك في عرصات القيامة أم كان ذلك بعد دخول أهل الجنة الجنة جعلني الله وإياكم منهم.

س2/ معلوم أنَّ الإمام أحمد رحمه الله قال في مذهب المفوضة إنه من شر المذاهب، ومع ذلك وُجِدَ في كتب أصحاب مذهبه بعض التفويض كما في كتاب المرداوي في شرح لامية شيخ الإسلام وفي لمعة الاعتقاد، فهل هناك فرق بين ما يقصد الإمام أحمد وما وقع فيه بعض أتباعه أم لا؟ نرجو بسط القول في ذلك.

ج/ مذهب المفوضة مذهبٌ كبير، والذين قالوا بالتفويض كثرة جداً وليسوا بالقليل سواء من المتقدمين يعني في عهد الإمام أحمد وما قبل إلى زماننا هذا.

ثَمَّ رسالة طُبِعَتْ مؤخرا بعنوان التفويض فيها تفصيل الكلام على المذهب بما لا يمكن أن يقال في هذا الموضع ما يستحقه المقام وتستحقه المسألة.

لكن الذي ينبغي أن تعلمه أن التفويض قسمان:

- تفويض للكيفية.

- وتفويض للمعنى.

والذي ورد عن السلف فيمن قال منهم إنهم يفوضون، أو نفوض هذا، أو نَكِلُ علمه إلى قائله، أو نحو ذلك مما يفهم منه التفويض، فيراد به تفويض الكيفية؛ لأنَّ الكيفية من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل كما قال سبحانه {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ} [الأعراف:53] ، إلى آخر الآية في الأعراف، وكذلك قوله {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللهُ} [آل عمران:7] ، عند الوقف على لفظ الجلالة يدخل في التأويل ما تؤول إليه حقائق الأخبار، ومنها العلم بالكيفيات.

فلا شك أنَّ أحداً لا يعلم كيفية اتصاف الرب عز وجل بصفاته، ولا كيفية الغيبيات على حقيقتها التي خَلَقَهَا الله عز وجل عليها؛ لأنَّ هذا من علم الغيب الذي اختَصَّ الله عز وجل به نفسه العلية جل جلاله وتقدست أسماؤه.

فهذا النوع الأول تفويض الكيفية وهذا نؤمن به، فنُفَوِّضْ كيفية الأمور الغيبية ومن ذلك صفات الرب عز وجل ونعوت جلاله ومعاني أسمائه، وما يتصل بذلك من أمور الغيب نفوض كيفيتها إلى ربنا عز وجل.

والقسم الثاني من التفويض تفويض المعنى؛ يعني يقول أنا أُفَوِّضْ العلم بالمعنى، أفوض المعنى، لا أدري ما معنى (الرحمن الرحيم) ، لا أدري ما معنى الرحمن، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشْ} لا أعلم معنى استوى، أُفَوِّضْ معناها إلى الله، فالاستواء ربما يكون معناه القهر، ربما يكون معناه العلو، ربما يكون معناه الرحمة، ربما يكون معناه أي معنى، فيُفَوِّضُونَ المعنى.

فيقولون: لا نعلم معاني الغيبيات ولا أحد يعلمها.

ولهذا ذَهَبَ إلى هذا المذهب قلة -يعني تفويض المعنى- قلة من المتقدمين يعني في القرن الثاني والثالث، وشاع عند طائفة من المتأخرين بسبب أنه قول للأشاعرة، وقد نَظَمُوهُ في عقائدهم بقول القائل في جوهرة التوحيد:

وكلُّ نصٍ أَوْهَمَ التشبيها أَوِّلْهُ أو فَوِّضْ ورُمْ تنزيها

فمذهب الأشاعرة له في الصفات قولان:

الأول: وهو الراجح عندهم والأقوى أن تُؤَوَلْ الصفات التي تتعارض مع الصفات السبع التي أثبتوها وتتعارض مع العقل.

والثاني وهو صحيح عندهم؛ لكنه ليس بقول أهل العلم والحكمة هو تفويض المعنى.

ص: 288

وهذا التفويض -تفويض المعنى- حيث يقول لا نعلم معنى الصفات، هذا موجود عند الأشاعرة من بعد أبي الحسن الأشعري إلى وقتنا الحاضر، وهو أيضا الذي راج على جملة من الحنابلة في كتبهم.

حيث ظنّوا أنّ ذمَّ الإمام أحمد لمن فوّض أنه تفويض الإثبات في أصله.

يعني يقول لا ندري نثبت أو لا، لا ندري الصفة موجودة أو ليست بموجودة أو نفي الصفة من أصلها، وفهموا أيضاً من قول الإمام أحمد وقول الشافعي ونحو ذلك (لا كيف ولا معنى) -يعني في الصفات- مثل ما ساقها صاحب لمعة الإعتقاد، فهموا منه أنَّهُ التفويض، وفهموا أيضاً من قول الشافعي (نؤمن بما جاء عن الله على مراد الله، ونؤمن بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه التفويض.

هذا التفويض في الحقيقة تفويض المعنى هو الذي قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال فيه غيره أيضا (إن التفويض هو شر المذاهب) وذلك لأنّ تفويض المعنى يرجع إلى عدم العلم به، ولهذا صنفهم ابن تيمية في أول درء التعارض: إلى أنَّ من فوّض فهو من أهل التجهيل، يعني الذين يقولون إنه لا يوجد أحد يعلم معنى الصفات، ما يوجد أحد، الصحابة يعلمون؟

لا، هذه المعاني مجهولة حتى إن بعضهم يقول حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم هذه المعاني، إنما هو إثبات ألفاظ دون معاني لها، فنفوض المعنى لأنه لا معنى معقول من هذه الصفات.

ولاشك أنَّ مذهب المفوضة هو شر المذاهب؛ لأنه يقتضي تجهيل الصحابة رضي الله عنهم بل يقتضي أنَّ في القرآن كلاماً وآيات كثيرة لا أحد يعلم معناها، ومعلوم أنَّ أكثر القرآن في الغيبيات ولذلك جاء أول آية في القرآن في امتداح الذين يؤمنون بالغيب يعني في سورة البقرة {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:1-2] ، والإيمان بالغيب يقتضي الإيمان بالكيفيات والله عز وجل أعلم بها، والإيمان بمعاني ما دلنا ربنا عز وجل به على الغيب، نؤمن بها على ظاهرها؛ يعني على ما دلت عليه لغة العرب.

نعم معلوم أنَّ المعاني في الشيء الواحد تتفاوت، فمثلاً إذا أخذت السمع، إذا أخذت البصر، إذا أخذت القوة، خذ القوة مثلا والقدرة، الكائن الضعيف، النملة لها قوة ولها قدرة ولها نطق ولها سمع ولها بصر، فأصل القوة موجود فيها؛ يعني معنى القوة موجود فيها، ما هو أعلى منها في الخِلْقة من جهة مثلاً الهرة موجود عندها قوة، لاشك موجود عندها، بصر موجود عندها سمع، موجود عندها قدرة على أشياء، خذ الأعلى منها الأعلى إلى أن تصل إلى الإنسان إلى أن تصل من الحيونات إلى ما هو من جهة القوة والقدرة أقوى من الإنسان يعني بذاته يعني من جهة الحوانات المفترسة كالأسد ونحو ذلك.

إذاً القوة قدر مشترك، القدرة قدر مشترك؛ لكن نقول إنه مادام أنها في النملة مختلفة عن الإنسان، نقول: لا فالإنسان ماله قوة لأنَّ قوة النملة هذه، هذا تحديد للصفة ببعض أفردها، ببعض من يتصف بها وهذا جناية على المعنى الكلي؛ لأنَّ اللغة العربية كليات، فيها كليات المعاني، أما الذي يوجد في الخارج فيه الذوات نعم نقول جدار جبل يد أشياء هذه تتصورها؛ لكن من جهة المعاني، المعاني تتصور هذا المعنى بالإضافة إلى من اتصف به.

ولهذا شيخ الإسلام انتبه لقوة هذا المعنى في الرد في المبتدعة الصفاتية والجهمية وغيرهم، فقرَّرَهُ في كتابه التدمرية كما تعلمون.

إذاً فتفويض المعنى، المعنى أصلاً متفاوت فإذا فوضنا المعنى معناه أننا لا نعلم أي قدر من المعنى، وهذا لاشك أنه نفي وجهالة بجميع دلالات النصوص على الأمور الغيبية، وهذا باطل؛ لأنَّ القرآن حجة، وجعله الله عز وجل دالاً على ما يجب له عز وجل وما يتّصف به ربنا سبحانه وتعالى من نعوت الجلال والجمال والكمال.

التفويض يحتاج إلى مزيد بسط؛ لكن يمكن أن ترجعوا إليه في مظانه، وكثير من العلماء فهم وظنْ أنَّ مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والسلف هو التفويض، حتى إنهم ينقلون كلام شيخ الإسلام ويحملونه على الفويض مثل السَفَّارِيني ومثل مرعي بن يوسف في أقاويل الثقات، وجماعة من المتأخرين ينقلون كلام شيخ الإسلام وفهموا أنَّ مذهب الإمام أحمد ومذهب شيخ الإسلام ومذهب السلف الذي هو أسلم أنه التفويض، وهذا ليس بصحيح، إذا كان المقصود تفويض المعنى بحيث إنه لا نعلم معنى استوى، لا نعلم معنى {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] ، إيش معنى العلي؟

نقول لا نعلم معناها؟؟

لا نعرف العلو، ما نعرف هنا العلي، قد يكون بمعنى الرحيم، قد يكون بمعنى القدير، فهذا تجهيل وجهالة؛ بل ربما آل إلى الطعن في القرآن..

س3/ ما الفرق بين الهداية والتوفيق عند أهل السنة وهل بينهما عموم وخصوص بيّنوا لنا ذلك؟

ج/ الهداية لفظ يشمل الدلالة على ما فيه أو ما الحاجة إليه، أنت محتاج إلى طريق تحتاج إلى من يهديك الطريق، تحتاج في مسألة إلى إيضاح، تحتاج من يهديك في هذه المسألة، فأصل الهداية الدلالة، فيها دلالة وإيضاح.

في القرآن العظيم جاءت الهداية في مواضع كثيرة، وقسَّمَهَا أهل العلم إلى أربعة أقسام، يعني على ما جاء في القرآن:(1)

: [[الشريط الثاني والعشرون]] :

1 -

النوع الأول: الهداية الغريزية (2) وهي هداية المخلوق إلى ما فيه بقاء حياته وحُسْنِ معاشه، والدليل على هذه المرتبة قوله عز وجل {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] ، يعني هَدَاهُ إلى ما فيه مصلحته في دنياه، إلى آخر ذلك.

فالله عز وجل هَدَى الرضيع كيف يلتقم الثدي ويحتاج إليه، وهَدَى الطائر لمصلحته، وهدى الحيوان لمصلحته، إلى آخر ذلك.

2 -

النوع الثاني: الهداية بمعنى الدلالة والإرشاد؛ دلالة وإرشاد من آخر لما فيه مصلحة العبد في دنياه أو في آخرته أو فيهما معاً، وهذه هي الأكثر في القرآن، الهداية بهذا المعنى، وهي هداية الدّلالة والإرشاد، وهي التي جاءت في مثل قوله عز وجل {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7] ، يعني دالْ يدلّهم على الطريق.

3 -

النوع الثالث: هداية التوفيق وهي أخصُّ من التي قبلها، وهذه خاصة بالله عز وجل، وهو الذي يُوَفِّقْ ويُلْهِم، فالرسل هُدَاة بمعنى أنهم يَدُلُّونَ ويُرْشِدُون؛ لكن هداية التوفيق هذه من الله جل جلاله {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود:88] ، هذا حصر التوفيق من الله عز وجل دون ما سواه، لهذا نفاها ربنا عز وجل عن نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] ، فنَفَى عنه الهداية في هذه الآية وجعلها لله عز وجل مع إثباتها لنبيه صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى:52-53] .

فالنبي صلى الله عليه وسلم يَهْدِي ولا يَهْدِي.

يَهْدِي بمعنى أنه يَدُلُّ ويُرْشِدْ ويُعَلِّمْ إلى آخر هذه المعاني، ولا يَهْدِي بمعنى هداية التوفيق لا يُوَفِّقْ بل الذي يُوَفِّقْ ويُعِين العبد ويَصْرِفْ عنه السوء، ويُعِينُهُ على الطاعة ويصرف عنه الشياطين حتى يهتدي -بمعنى حتى يستقيم على أمر الله-، هذا رب العالمين جل جلاله وتقدست أسماؤه.

4-

النوع الرابع: الهداية التي جاءت في سورة محمد وهي هداية أهل النار للنار وهداية أهل الجنة للجنة، فهداية أهل الجنة للجنة في قوله جل جلاله {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} [محمد:4-5] ، هذه الهداية وقَعَتْ بعد القتل، وما بعد القتل الهداية إلى أيّ شيء؟

هداية إلى الجنة، لهذا قال بعدها {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد:5-6] ، قال العلماء: يهديهم يعني إلى صراط وإلى طريق الجنة، وهداية أهل النار إلى النار كقوله في سورة الصافات {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:23-24] .

إذاً تَبَيَّنَ من هذا أنَّ التوفيق مرتبة من مراتب الهداية، والذّي يتصل بالإيمان بالقضاء والقدر وفعل العبد من هذه المراتب المرتبتان الثانية والثالثة -هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق والإلهام-، ولذلك شاع عند العلماء أن الهداية قسمان:

- هداية دلالة وإرشاد.

- وهداية توفيق وإلهام.

لأنَّ هذين النوعين هما اللذان نحتاج إليها في أعظم المسائل المتعلقة بالهداية وهي مسألة القضاء والقدر والهداية والضلال، أما الهداية العامة، وهداية أهل الجنة للجنة وهداية أهل النار للنار هذه مُتَفَقْ عليها معلومة عند الجميع.

(1) انتهى الشريط الواحد والعشرون

(2)

الظاهر أنه سماها هنا الهداية العامة، وقد ذكر الشيخ صالح عند شريطيه (أفمن كان على بينة من ربه) : أنَّ في القرآن أربع أنواع من الهداية أولها الهداية الغريزية، ذكر ذلك بتفصيل يحسن الرجوع إليه.

ص: 289

[المسألة السادسة] :

هي أنَّ نفاة العلو لربنا عز وجل يُعْنَى بهم من ينفي علو الذات لربنا سبحانه وتعالى.

أما علو القَهْرْ والقَدْرْ فهذا يُثْبِتُهُ الجميع، فإذا قيل نفاة العلو فيُعْنَى بهم من ينفي علو الذات لله عز وجل.

والذين نَفَوا علو الذات لربنا عز وجل خالفوا الأدلة التي ذكرناها لكم من الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، وأيضاً احتجوا هم بأدلةٍ عقلية لنفي علو الله عز وجل، تعالى الله عن قولهم.

والدليل العقلي الذي من أجله نفوا صفة العلو لله سبحانه وتعالى قالوا:

إنَّ عُلُوَّ الذات يعني أنَّ الله عز وجل عالٍ على خلقه بذاته هذا يقتضي أن يكون في جهة؛ لأنَّ العلو أحد الجهات الست، والجهات الست هي أمام خلف يمين شمال تحت وفوق، فإثبات الفوقية وإثبات العلو يقتضي أن يكون الرحمن عز وجل في جهة من الجهات، وإثبات الجهة -على أصلهم- يقتضي أنه جسم.

طيب إذا كان جسماً عندكم، بحسب تأويلكم، هل هذه النهاية؟

قالوا: لا، إذا كان جسماً، إذا وصلنا إلى هذا فمعناه أننا نبطل الدليل الذي أثبتنا به وجود الرب جل جلاله.

ما معنى هذا الكلام؟

معناه أنَّ الجهمية والمعتزلة ومن نحا نحوهم أثبتوا وجود الرب جل جلاله عن طريق حلول الأعراض في الأجسام، وقالوا:

إنَّ جعل الجسم مُحْدَثَاً له مُحْدِثْ إنَّمَا تَبَيَّنَاه بأنْ أثبتنا أنَّهُ جسم، وكيف أثبتنا أنّه جسم؟

قالوا بحلول الأعراض فيه.

حلول الأعراض فيه إيش معناها؟

معناها أنَّ هذا الجسم يتصف بصفات لا تُرَى، يحل فيه أشياء تُغَيِّرُهُ وتُسَمَّى الأعراض، تَعرِضُ له وتزول عنه، فمثلاً البرودة هذا عَرَضْ على حد كلامهم، والحرارة عَرَضْ، أيضاً الانتقال عَرَضْ، التقدم والتأخر عَرَضْ، الانخفاض عَرَضْ، العلو عَرَضْ.

فهذه الصفات يجعلونها أعراض.

وهذه الأعراض إنما تقوم بالأجسام.

فلمَّا كان الجسم لا يقوم بنفسه، يحتاج إلى أعراض حتى تُمَيِّزَهْ وحتى يكون فاعلاً، استدللنا على أنّه يُفْعَلُ به لأنه هُوَ لم يجلب الأعراض بنفسه في الجسم، وإنّما جُلِبَتْ إليه فمعناه أنه محتاج فقير يُفعَلُ به.

فإذاً ثَمَّ فاعل وثَمَّ مُحْدِثْ إلى آخره.

فاستقام لهم بهذا أنَّ جميع الأجسام الموجودة ثَبَتَتْ جِسْمِيَّتُهَا بحلول الأعراض فيها، وما دام أنّه حلّت الأعراض فيها فثَمَّ من أَحَلَّ الأعراض فيها وأوجد الأعراض فيها والتي منها العلو والنزول والتقدم والتأخّر والمشي والهرولة والأخذ والرّد إلى آخره.

فلهذا جعلوا هذا قاعدة -تنتبه لها- فيما نفوا من الصفات.

يقولون الدليل العقلي يُبطل الإتصاف بهذه الصفة، أي دليل عقلي؟

هو الدليل العقلي الذي هو حلول الأعراض في الأجسام الذي به أثبتوا أنّ الله عز وجل موجود.

فإذاً قالوا:

لو أثبتنا العلو، لو أثبتنا أنَّ الله عالٍ بذاته عز وجل، لعَادَ هذا الإثبات على دليلنا بالإبطال؛ لأننا أثبتنا حدوث الأجسام بالأعراض.

طيب هذا عَرَضْ وهذه صفة تدل على أنه في جهة، وإذا صار في جهة معناه أنَّهُ متحيّز، وإذا صار متحيز معناه أنَّهُ جسم، إذا صار علو أيضاً عَرَضْ حلَّ في جسم، إذا صار جسماً معناه أنَّ ثمة شيء فَعَلَ به، فهذا إبطال للربوبية وتوحُّد الله عز وجل في الخلق.

ولهذا نفوا كل صفة من الصفات تكون من الأعراض أو تكون من الحوادث.

ولهذا يتَّسِمْ الصفاتية عموماً؛ بل وجَهْم قبلهم وهو الذي أنشأ هذا البرهان الباطل يَتَّسِمونْ بهذه السمة وهي أنهم يقولون الدليل العقلي يمنع الاتصاف بهذه الصفة، ويعنون به الدليل العقلي على إثبات وجود الله عز وجل.

وهذه الجملة اليسيرة فصَّلتها لكم أظن في أحد الشروح أظن في شرح الواسطية بتفصيل، وهي سبب ونشأة القول بنفي الصفات، كيف ظهر القول بنفي الصفات؟

لماذا اختلفت الأمة؟

وما هو منشأ الضلال فيها؟

وكيف تَفَرَّعَتْ؟

ذكرناها لكم أظن في دروس الواسطية أو في غيرها (1) .

إذاً فالشّبهة التي من أجلها نفوا العلو، هي أنَّ العلو جهة، وكون الرحمن في جهة معناها أنَّهُ مُتَحَيِّز، فإذا كان مُتَحَيِّزاً فمعناه أنه جسم إلى آخره.

وهذه كلها ناشئة من اعتقادهم صحة الدليل الأول.

والدليل الأول الذي هو إثبات وجود الرب عز وجل عن طريق حلول الأعراض في الأجسام لا نُسَلِّمُهُ، نقول هذا دليل أصلاً باطل ودليل غير صحيح ولا يستقيم لإثبات وجود الرب عز وجل.

بل أعظم إثبات لوجود الرب عز وجل هو الدليل القرآني وهو قول الرب عز وجل في كتابه {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ} [الطور:35-36]، ليس ثَمَّ إلا احتمالين:

- إما أن تكون خالقا أو مخلوقا.

والسموات والأرض:

- إما أن تكون خالقة أو مخلوقة.

تكون خالقة هذا ممتنع لأدلة كثيرة، فلابد أن تكون مخلوقة.

(1) راجع شرح العقيدة الواسطية الشريط الثامن

ص: 290

كذلك الشجر، كذلك النبات، كذلك المياه، كذلك أجزاء بدنك، كذلك كل تنظيم تراه ثَمَّ احتمالين:

- إما أن يكون خالق.

- وإما أن يكون مخلوقاً.

والأدلة على إثبات وجود الله عز وجل وأنه سبحانه المتفرّد بتصريف الملك أكثر من أن تُحْصَرْ وفطرة الإنسان تأبى أن يقول بغير ذلك.

المقصود هذه شُبْهَةْ من نَفَى العلو، ولهذا نقول لهم أَنَّهُم بنوا بنيانهم هذا على شفا جُرُفٍ هار، بَنَوهُ على قاعدة باطلة وعلى مقدمة باطلة، فيُرَدُّ عليهم بإبطال مقدمتهم.

يعني هذا من جملة أدلتهم العقلية، ثَمَّ أدلة متنوعة من يريد المزيد يرجع لها في المطولات.

ص: 291

[المسألة السابعة] :

ثَمَّ كلمة عند المتكلمين وطائفة من نُفَاة العلو وهي أنهم يقولون: إنَّ السّماء قبلة الدعاء.

إذا قال لهم قائل: فطرة الإنسان أنَّهُ إذا أراد أن يدعو اتَّجَهَ إلى السماء. قالوا: هذا لأنَّ السماء قبلة الدعاء.

وهذه الكلمة ربما ردَّدَها بعض المنتسبين إلى السنة قالوا: إنَّ السماء قبلة الدعاء.

وهذا باطل، الكلمة هذه باطلة، فالسماء ليست قبلة الدعاء، فأعظم الدعاء الصلاة، والصلاة سُمِّيَتْ صلاةً لما فيها من دعاء العبادة ودعاء المسألة، ومع ذلك جُعِلَت قبلة الصلاة إلى بيت الله عز وجل الحرام، فقبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، وهي قبلة الميّت التي يُوَجَّهُ إليها عند احتضاره ويُوَجَّهُ إليها عند دفنه، وهي مكة أو الكعبة التي شرّفها الله عز وجل.

فإذاً لا يصح قول من يقول: إنَّ السماء قبلة الدعاء، بل المشروع للدَّاعِي أنَّهُ إذا أراد أن يدعو أن يتوجه إلى القبلة، هذا أكمل حالات الدعاء، إذا دعا يتوجه إلى القبلة، ثُمَّ إذا رفع يديه فإنه يرفعها ويتجه ببصره وقلبه إلى القبلة، يتجه بوجهه وببصره إلى القبلة، قد يرفع وجهه إلى السماء، مثل ما حصل فالنّبي صلى الله عليه وسلم في بدر رفع يديه شديداً حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فقال له أبو بكر (يا رسول الله مهلاً بعض مناشدتك ربك فإنه منجزٌ لك ما وعدك)(1) .

ورَفْعُ وَجْهِهِ هذا لأجل الإلحاح في طلب الفرج من الله عز وجل، وليس لأجل أنَّ السّماء قبلة لأنَّ أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع فيه وجهه إلى السماء؛ بل في الصلاة وهي دعاء نهى فيها نبينا صلى الله عليه وسلم عن رفع البصر إلى السماء.

(1) مسلم (4687) / الترمذي (3081)

ص: 292

[المسألة الثامنة] :

في قول الطحاوي رحمه الله (وَقَدْ أَعْجَزَ عَنِ الْإِحَاطَةِ خَلْقَهُ) الإحاطة المقصود بها: إحاطة الخلق بالله عز وجل.

فالخلق لا يحيطون بالله عز وجل لا بذاته ولا بصفاته.

والإحاطة لا تعني عدم العلم بالشيء وإنما تعني العلم الكُلِّي به أو الإحاطة به من جميع جهاته سواء كان من الصفات أم من غيرها فالله عز وجل أعظم وأجلّ أن يحيط به أحد من خلقه سبحانه وتعالى لا في ذاته ولا في صفاته؛ بل هو الذي يحيط بكل شيء سبحانه ولا يحيط به شيء، بل (أَعْجَزَ عَنِ الْإِحَاطَةِ خَلْقَهُ) يعني في قوله سبحانه {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103] ، ونحو ذلك من الأدلة.

الإحاطة ذكرنا لكم معناها -أظن في أول الكلام.

وحاصل المعنى أنَّ الإحاطة -يعني في اللغة- هي إدراك الشيء من جميع جهاته.

وقد يكون هذا الشيء معنىً وقد يكون ذاتاً.

فالله سبحانه وتعالى ذكر أنّ عباده لا يحيطون به علماً وهذا لكمال صفاته سبحانه وتعالى وعجز البشر عن أن يدركوا تمام صفاته.

ومن جهة اللغة إحاطة الذات كما في قوله عز وجل {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29] ، يعني صار من جميع الجهات.

فإدراك الشيء من جميع جهاته المعنوية أو الذاتية يقال له في اللغة العربية إحاطة.

ولهذا سَمَّى بعض علماء الإختصاص البحار العظيمة محيطات لأجل المعنى اللغوي في أنها تحيط ببقع كبيرة من الأرض من جميع جهاتها.

الإعجاز: كونه عز وجل (أَعْجَزَ عَنِ الْإِحَاطَةِ خَلْقَهُ) هذا في الدنيا وفي الآخرة.

فالخلق لا يحيطون بالله عز وجل علماً في الدنيا، وكذلك المؤمنون إذا رأوه يوم القيامة فإنها رؤية بصر، رؤية عين، وليست رؤية إحاطة {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} سبحانه وتعالى.

ص: 293

قال بعدها رحمه الله (وَنقُولُ: إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا وَتَسْلِيمًا.)

يريد بذلك أنّ أهل السنة والجماعة المتّبعين لسلف هذه الأمة وأئمة الحديث والعلم أنهم يُصدِّقُون ويؤمنون بما أخبر الله عز وجل في كتابه من صفاته ومن اصطفائه لبعض خلقه، ومن ذكر الغيبيات بأنواعها كما قال سبحانه في وصف أهل الإيمان {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:3] ، فكل الغيب يؤمن به أهل السنة والجماعة دون تفريق ما بين مسألة ومسألة ودون خوض في التأويل بما يصرفها عن ظاهرها.

وقد ذكر الله عز وجل لنا في القرآن أنَّهُ تَّخَذَ إبراهيم خليلاً.

قال سبحانه في سورة النساء {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:125] ، وكذلك اتخذ نبينا صلى الله عليه وسلم خليلاً وكَلَّمَ الله عز وجل موسى تكليماً، كلَّمَهُ فَسَمِعَ موسى كلام الربّ عز وجل، وكذلك ربنا عز وجل كلم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم تكليماً ليلة المعراج، فجمع الله عز وجل لنبينا صلى الله عليه وسلم ما اختص به إبراهيم وما اختص به موسى من بين أهل زمانهم فجعله صلى الله عليه وسلم كليماً خليلاً.

هذه الجملة وهي (وَنقُولُ: إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) دُوِّنَتْ في العقائد لأجل مخالفة الجهمية والجعدية وأشباه هؤلاء في إثبات خُلّة الله عز وجل وفي إثبات الكلام لله عز وجل.

ومن أعظم المقالات شناعة في الإسلام مقالة الجعد بن درهم الذي زعم أنَّ الله عز وجل لم يتّخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلّم موسى تكليماً فضحى به خالد بن عبد الله القسري أمير مكة يوم عيد الأضحى تقرّباً إلى الله عز وجل بإراقة دم ذلك الكافر الذي كذَّبَ الله عز وجل وكَذَّبَ رسوله صلى الله عليه وسلم. (1)

وهذه المقالة وَرِثَهَا الجهمية ثم وَرِثَهَا من يُؤَوِّل الصفات فينفون صفة الخُلَّة وينفون صفة الكلام لله عز وجل.

قوله (إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا وَتَسْلِيمًا) هذه الكلمات الثلاث متغايرة، فالإيمان والتّصديق والتّسليم تتداخل، فمن آمن فقد سَلَّمْ، ومن صَدَّقَ فقد آمن، ومن آمن فهو مُصَدِّقْ؛ ولكن من جهة الحقيقة فإنّ المؤمن -يعني من قال هذا الكلام إيماناً به- قد يكون إيماناً لكن ليس تصديقاً باتخاذ الخلة كقول المفوضة فإنهم يؤمنون باللفظ وبالآية دون التصديق بالمعنى الذي فيه، والتّسليم، تسليمٌ بأن الله عز وجل يتصف سبحانه وتعالى بالصفات، نُسَلِّمُ لربنا عز وجل ما اتصف به من صفات الجلال والكمال والمحبة والخلة إلى آخر ذلك.

فإذاً (إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا وَتَسْلِيمًا) ظاهرها التقارب في المعنى، والذي يظهر أنه أراد لكل كلمة معنى أخص.

هذه الجملة فيها مسائل تفصيلية:

_________

(1)

انظر خلق أفعال العباد (3) / الشريعة (1/331) / سنن البيهقي الكبرى (20676)

ص: 294

[المسألة الأولى] :

الله عز وجل اتخذ إبراهيم خليلا، بمعنى أنه سبحانه وتعالى اتَّصَفَ بأنه أَحَبَّ إبراهيم عليه السلام، وأَحَبَّهُ حتى جعله خليلاً له وهو الحِبْ الخاص.

والمحبة هي القَدْرْ المشترك بين معانٍ كثيرة، وقد ذكر ابن القيم وجماعة أنَّ المحبة لها عشر مراتب وفصَّلُوها؛ لكن هذا لا يعنينا في هذا المقام، وإنما الذي يعني أنَّ الخلة أخص من المحبة.

فصفة محبة الرب عز وجل لعباده المؤمنين هذه ثابتة بالكتاب والسنة في أحاديث كثيرة وفي آيات كثيرة، كقول الله عز وجل {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] ، فهذه محبة الرب عز وجل لهؤلاء، وكذلك في صفات من يُحِبُّهُم الله عز وجل قال {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222] ، ونحو ذلك {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4] .

فالمحبة صفة جاءت في أدلة كثيرة، كذلك في السنة كما في حديث سهل بن سعد المعروف أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا ذَكَرَ في فتح خيبر قال «لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه» (1) فكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

فصفة المحبة ثابتة، أما الخُلَّة فهي محبة خاصة، ولذلك كل من نَفَى المحبة فإنه ينفي الخُلَّة؛ لأنَّ الخُلَّة أخص، وليس كل من نَفَى الخُلَّة فإنه ينفي المحبة؛ لأنهم قالوا: إنَّ الخلة تتخلل النفس وفيها نوع من المعنى الذي لا يليق بالرب جل جلاله.

ولهذا نقول: إنَّهُ في صفات الرب عز وجل لما ثَبَتَتْ صفة المحبة بالكتاب والسنة فإنَّ صفة الخُلَّة واتخاذ إبراهيم عليه السلام خليلاً واتخاذ محمداً صلى الله عليه وسلم خليلاً كما في حديث «ولكن صاحبكم خليل الرحمن» (2) هذا في المعنى واحد لأنَّ أصل الصفة وهي المحبة ثابت باضطراد.

فالخلة محبة خاصة نثبتها كما جاء في الكتاب والسنة.

(1) البخاري (2975) / مسلم (4779) / الترمذي (3724)

(2)

مسلم (1216) / الترمذي (3655) / ابن ماجه (93)

ص: 295

[المسألة الثانية] :

أنَّ صفة المحبة والخُلَّة ثُبْتَتْ في النصوص، أما غَيْرُهَا من معاني المحبة إذا لم يجئ في الدليل فإنه لا يُثْبَتُ لله عز وجل، وكذلك ينبغي أن لا يستعمله العبد في حُبِّهِ لله عز وجل تعبيراٍ عن ذلك.

ويُمثِّلْ العلماء على ذلك بلفظ العشق، حيث أنه معلوم أنَّ العشق محبة عظيمة واستعمله الصوفية بأنَّ فلاناً يعشق الله أو هذا عاشق الرحمن أو مات من العشق ونحو ذلك من الكلمات التي يتداولونها.

والعشق لا شك أنه محبة خاصة وزائدة؛ لكن هل يُطلق على أنَّ العبد يعشق الله؟ أو أنّ الله عز وجل يعشق عبده؟

هذا اللفظ لم يأتِ به الدليل لا في الكتاب ولا في السنة ولا في أقوال الصحابة ولا في أقوال كبار التابعين إلى أن جاءت الصوفية.

وسبب المنع من إطلاق هذا اللفظ في صفات الله عز وجل، أو أن يقول العبد هذا عاشق أو هذا شهيد العشق الإلهي ونحو ذلك من الألفاظ الباطلة، أنّ العشق حتى في عُرْفِ أهل اللغة وعند العرب لا يخلو من تَعَدِّي، فالذي تصل به المحبة إلى حد العشق فإنه إذا عَشِقَ فلا بد أن يكون ثَمَّ تعدٍ معه، إما تَعَدٍ على نفسه بالإيغال في هذه المحبة حتى العشق، وإما أن يوصله العشق إلى التعدي على غيره، ومحبة الله عز وجل لعباده مبنية على كمال العدل وكمال الجمال والرحمة بعباده المؤمنين، ومحبة العبد لربه عز وجل مبنية على تعظيم الله عز وجل وعلى توقيره سبحانه وتعالى، فلفظ العشق لمَّا كان غير وارد في الدليل والنص واشتمل على هذا المعنى الباطل وهو أنه يُشْعِرُ بالتعدي إما على النفس أو على الغير فإنه يمتنع إطلاقه على الرب جل جلاله أو من العبد على ربه سبحانه وتعالى.

ص: 296

[المسألة الثالثة] :

كلمات المحبة التي يستعملها بعض المتصوفة ويستعملها بعض أهل السلوك والتربية حتى من المعاصرين، هذه تنقسم إلى قسمين:

- القسم الأول:

نقول يجوز إطلاقه؛ يعني من العبد لربه عز وجل، وذلك إذا كان في معنى المحبة ولم يترتب عليه مخالفة للغة من جهة ما يليق بالله عز وجل من الصفات والكمال والجلال.

- والقسم الثاني:

يُمنع وهو ما لم يَرِدْ به الدليل، وكان مشتملاً على معاني باطلة، من ذلك؛ من الألفاظ التي تمتنع: العشق والغرام والتتيم ونحو ذلك.

ومن الألفاظ التي لا تمتنع: لفظ المودة والشوق وأشباه ذلك من المعاني، يعني الضابط فيها:

المحبة ثابتة في أصلها فهل يُخْبَرُ عن الله عز وجل، أو العبد يُخْبِرُ عن محبته لربه بلفظ لم يرد؟

نقول هذه الألفاظ التي يُخْبِرُ بها العبد إما أن تشتمل على معنى صحيح وليس فيها تعدٍ فتجوز، وإما أن تشتمل على معنى باطل فلا تجوز.

وترجعون في ذلك في تفصيله إلى قاعدة في المحبة للشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله.

ذَكَرَ بعد ذلك صفة الكلام فقال (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) وصفة الكلام لربنا عز وجل نجعلها المسألة الرابعة.

ص: 297

[المسألة الرابعة] :

صفة الكلام لله عز وجل نؤمن بها لأنَّ الله عز وجل أثبتها لنفسه في النصوص.

والكلام الذي هو صفة الله عز وجل عند أهل السنة والجماعة كلام قديم وحادث، قديم النوع حادث الآحاد.

ويعنون بقديم النوع حادث الآحاد:

أنَّ الله عز وجل لم يزل مُتَكَلِّمَاً، يتكلم متى شاء، فهو سبحانه لم يزل مُتَكَلِّمَاً وكلامه سبحانه وتعالى من صفاته.

وكلامه لم ينقطع؛ بل أفراده وآحاده يعني لا تزال متجددة.

وهذه -يعني الآحاد- تنقسم إلى قسمين:

- الأول: الكلام الشرعي: وهو القرآن التوراة ونحو ذلك من كتب الله عز وجل.

- الثاني: الكلام الكوني: وهو الذي يأمر الله عز وجل به في ملكوته كما قال سبحانه {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف:109]، وكذلك قوله في لقمان {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:27] ، يُعْنَى بها الكلمات الكونية.

ولهذا سَمَّى الله عز وجل كلامه مُحْدَثَاً يعني حَدِيثَاً في قوله في أول سورة الأنبياء {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الإسراء:2] مُحْدَثْ يعني حَدِيْثْ جَدِيْدْ، كذلك آية الشعراء {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء:5] .

فالمُحْدَثْ ليس بمعناه المخلوق تعالى الله عز وجل عن ذلك، ولكن بمعنى الحَدِيْثْ الجَدِيْدْ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في وصف ابن مسعود «من سره أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» (1) .

صفة الكلام وما يتصل بها مَرَّ معنا أشياء تتعلق بذلك، لعله أن يأتيَ لها مزيد تفصيل.

لكن المقصود هنا ليس إثبات الصفة من جملة الصفات؛ ولكن المقصود المخالفة في إثبات الخُلَّةْ والكلام لموسى عليه السلام إيماناً وتصديقاً وتسليماً.

سبق لنا الكلام عن صفة الكلام عند قوله (وَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ) في تفصيل الكلام على صفة الكلام، نكتفي بهذا القدر. (2) نلتقي بكم إن شاء الله في الأسبوع القادم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

(1) ابن ماجه (138)

(2)

انتهى الوجه الأول من الشريط الثاني والعشرين.

ص: 298