الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :
فيها أيضاً مسائل:
[المسألة الأولى] :
(الفُرْقَةَ) تقابل (الجَمَاعَةَ)، وكما أنَّ (الجَمَاعَةَ) تكون في شيئين فـ (الفُرْقَةَ) أيضاً تكون في الأمرين نفسهما:
- الأول: الفُرْقَةَ في الدين.
- والثاني: الفُرْقَةَ في الأبدان.
وعلى هذا تفاسير السلف لآي القرآن في نصوص الافتراق وما بَيَّنُوا من دِلَالَةِ بعض الأحاديث.
فقوله عز وجل {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ} دَلَّتْ على الاعتصام بالقرآن جميعاً يعني بأَجْمَعِه وهو الجماعة في الدين.
وقوله {وَلَا تَفَرَّقُواْ} دَلَّتْ على النهي عن فُرْقَةِ الأبدان، لهذا قال بعدها {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103] .
فَذَكَرَ الاجتماع في الأبدان ونهى عن الفُرْقَةَ في الأبدان.
وقوله عز وجل في الآية الأخرى مثلاً التي ذكرناها لكم {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] يعني في الدين؛ يعني الفُرْقَةَ في دين الله عز وجل، فما ذُكِرَ هناك من الاجتماع على الدين والاجتماع في الأبدان يُذْكَرُ هنا بضده، لأن (الفُرْقَةَ) تُقَابِلُ وتُضَادْ (الجَمَاعَةَ) .
[المسألة الثانية] :
الفُرْقَةَ في الدين التي حصلت في الأمة على مراتب:
1-
النوع الأول: هوأعظمها، وهومخالفة أصل الدين بحدوث البدع المختلفة الشركية الكفرية، كإنكار صفات الله عز وجل وكعبادة غير الله وإقامة المشاهد والحج إليها وتقريب القرابين لها ودعاء الأموات أو التقَرُّبْ للكواكب أو نحو ذلك، كما حصل من الفرق الباطنية أو فرق الرافضة ومن شابههم.
2 -
النوع الثاني: الافتراق البدعي غير الكفري الذي حصل من الخوارج والمرجئة والقدرية ومن نحا نحوهم.
وهذان النوعان مذمومان مُتَّفَقٌ على ذمِّهِمَا.
3 -
النوع الثالث: الافتراق في المسائل العملية، في مسائل الفقه في أحكام الطهارة والآنية أحكام الصلاة الصيام، الخ، البيوع الجنايات، ما حصل من الاختلاف في هذه المسائل.
والاختلاف والفرقة التي حصلت في المسائل العملية:
& أولاً: هي مذمومة من حيث الأصل، وإنْ كان الذي قال قولاً باجتهاده معذور ويُؤْجَرْ؛ لكن في الجملة الافتراقُ مذموم لقوله عز وجل {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [هود:118-119] .
& ثانياً: أنَّ الفُرْقَةَ في المسائل الفقهية، والاختلاف الذي وقع بين الصحابة وبين الأئمة المجتهدين اختلافٌ لأصحابه فيه إما أجران وإما أجر واحد، فإذا اجتهد وتَحَرَّى الحق وأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وتَحَرَّى الحق فأخطأ فله أجرٌ واحد على اجتهاده وتحريه الحق.
وأما من قال قولاً ليس فيه بِمُتَحَرٍ للحق، وإنما هو نتيجة عن هوى ونتيجة عن شهوة، فهذا يأثم ولا يُؤْجَرْ، فإنَّ الذي يُؤْجَرْ هو المجتهد الذي يبحث عن الحق، يجتهد يتَحَرَّى الحق، كما هو صنيع السلف، أما إذا كان ميدانه الهوى والشهوة فإنَّ هذا مذمومٌ على كل حال.
[المسألة الثالثة] :
نُفَصِّلْ الكلام في مسألة الخلاف الفقهي أكثر، وهو أنَّ الاختلاف - اختلاف العلماء في المسائل- هو اختلافٌ في مسائل من الدين في الفقهيات.
والعلماء إذا اختلفوا في الفقهيات فالواجب أن يُرْعَى معه ألَاّ يكون افتراقٌ في الأبدان ولا افتراقٌ في القلوب؛ لأنَّ هذا الخلاف الذي يُوجَدْ ابتلاء من الله عز وجل ابْتَلَى به الناس أن يختلف العلماء؛ وهذا يقول بقول وهذا يقول بقول، ويكون لهم فيه سَعَة في بعض البلاد ونحو ذلك، لكن هو ابتلاء يُبْتَلَى به الناس.
فالواجب على أنَّهُ إذا وقع هذا الاختلاف في الأقوال الفقهية أن ينظر إليه الناس أنَّ المختلفين إذا اجتهدوا وتَحَرَّوا الحق وخاصةً من الأئمة الذين شُهِدَ لهم بتحري الحق وطلبه أنَّهم ما بين أجرٍ وأجرين، وأنَّ من وَثِقَ بإمام فاتَّبَعَهُ على ذلك ولم يَسْتَبِنْ له الحق، أنَّهُ معذور في اتِّبَاعِه له، وأَنَّ الله عز وجل إذا أراد بالعباد عقوبة فإنه يجعل هذا الخلاف سبباً للتفريط في الجماعة الثانية وهي جماعة الأبدان.
إذا وقعت الفرقة -الاختلاف في الفقهيات- فإذا آل الأمر إلى اختلاف القلوب واختلاف الأبدان والفُرْقَةَ فيها فيكون هذا من العقوبة ومن الزَّيْغْ الذي حصل.
ولهذا قال هنا (والفُرْقَةَ زَيْغاً) عما يجب (وَعَذَاباً) يعاقب الله عز وجل به الناس.
ودليل ذلك قوله عز وجل لما ذَكَرَ أهل الكتاب قال {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ} [المائدة:13] .
{نَسُواْ حَظًّا} يعني تركوا نصيباً {مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ} يعني مما جاءهم في كتاب الله.
ما النتيجة؟
قال {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء} [المائدة:14] ، ومما أَمَرَ الله عز وجل به وذَكَّرَنَا به أن نحرص على الاجتماع، الاجتماع في النفوس والاجتماع أيضاً في الأبدان.
فإذا صار اختلاف أهل العلم سبباً لوقوع الفرقة ولوقوع التلاعن والتباغض والسبِّ والشتم وطعن كل فئة في أتْبَاعِ العالم الذي اجتهد وتَحَرَّى الحق فإنَّ هذا لاشك أنَّهُ بغيٌ وظلم يُعَاقَبْ عليه الإنسان، وهذا مما نهى الله عز وجل عنه.
وهذا هو الذي حصل، وهو الذي يحصل عند من لم يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله، فإنَّهُ قَلَّ أن يحصل اختلاف إلا ويَبْغِي بعض الناس على بعض، إما بِتَجْهِيلٍ أو بسبٍّ أو بوقوعٍ فيه أو نحو ذلك من الأقوال.
والواجب أن يُنْصَرْ الحق وأن يُعْذَرْ من خالف في الفقهيات ويُعْلَمْ أنّه إذا اجتهد وتَحَرَّى الحق فإنَّهُ له أجر لكن لا يُتابع على ذلك.
ولا شك أَنَّ زلة العَالِمْ زلة العَالَمْ، ولكن هذا قضاء الله عز وجل وحكمته، فكم من مسائل ثَمَّ من الأئمة المشهورين من خالفوا فيها السنة وخالفوا فيها الدليل باجتهادهم فهم معذورون، ومن اتَّبَعَهُم بلا معرفةٍ للحق وإنما ثِقَةً بذلك الإمام معذور.
ولكن الواجب (1) هو تحرِّي الحق بإتِباعِ ما دَلَّ عليه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله أو وافق القواعد والأصول العامة للشريعة التي يعلمها أهل العلم.
وهذا في الحقيقة هو أعظم ما حصل في كل زمان إلى زماننا الحاضر؛ بل وإلى يومنا هذا، فَقَلَّ من يعذُرُ في المسائل المُخْتَلَفْ فيها في الفقهيات؛ يعني التي فيها بحث، فينْظُرُ هذا فيه يجتهد في كذا وهذا يجتهد في كذا، حتى رمى بعضهم بعضاً بالضلال ورمى بعضهم بعضاً بمخالفة ما أمر الله عز وجل به؛ بل حُكِمَ على بعضهم بالبدع والمحدثات لأجل بعض المسائل الفقهية التي اختلف فيها الناس.
وهذا مما ينبغي أن يُعْلَمَ كعقيدة أَنَّهُ إذا كانت الفُرْقَةَ في الفقهيات والعمليات والاختلاف في ذلك إذا كانت سبباً للفُرقة في الأبدان فقد بَغَى العباد بعضهم على بعض، ووقعت الفتنة، ووقع البلاء فيهم.
والواجب أن لا يقع فيهم البغضاء والشّحناء لأجل ذلك، كيف إذا زاد الأمر؟! إذا حصل القتال؟! وحصل التكفير؟! ونحو ذلك كما حصل من بعضٍ في بعضِ الأزمان حيث كَفَّرَ بعض الشافعية بعض الحنفية في مسائل، وكَفَّرَ بعضهم بعض الحنابلة في مسائل ونحو ذلك مما وقع فيه طائفة في أعلى درجات الظلم والبغي والعدوان من الناس بعضهم على بعض، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا لا يزال يوجد إلى يومنا هذا، فكلما زاد العلم زادت البصيرة بأمور:
- الأول: أن يحرص طالب العلم على تَحَرِّي الحق.
- والثاني: ألا يجعل تَحَرِّيهِ للحق سبباًً لفُرْقَةْ العباد ولا سبباً في وقوع الشحناء والبغضاء بينهم؛ بل يتودد في ذلك كثيراً ولا يجادل في ذلك مجادلة الذي يريد الانتصار والقوة؛ بل يتكلم في ذلك بسكينة وهدوء.
وما أجمل قول الإمام مالك رحمه الله في نحو هذا لما قيل له (الرجل تكون عنده السنة أيجادل عنها؟)
(1) نهاية الوجه الأول من الشريط الخمسين
قال (لا) يعني يرى من يخالف السنة ويذهب إلى قولٍ آخر، تعرفون المدينة كان فيها مدرسة الرأي ربيعة الرأي ومن معه، مدرسة قريبة من مدرسة الكوفة في الأخذ بالرأي وعدم العلم بتفاصيل السنة، فقيل له:(الرجل تكون عنده السنة أيجادل عنها؟)
قال (لا، يُخْبِرُ بالسنة، فإن قُبِلَتْ منه وإلا سكت)(1) .
لماذا؟
لأنَّ الشيطان يأتي فيجعل الإنسان ينتصر لنفسه لا للسنة، وهذا مَسْلَكٌ شائك في النفوس، ويُنَافي الإخلاص وينافي ما يجب، فيبحث فإذا هو يريد ينتصر للحق ثم تنقلب المسألة في النقاش أو في المجادلة أو في الإخبار بالصواب إلى انتصارٍ للنفس دون انتصارٍ للحق وهذا مما ينبغي تداركه.
ومما يدخل أيضاً في مثل هذا أنَّ اختلاف الفقهاء في المسائل العملية اختلافٌ كبيرٌ جداً، حتى إنَّ المسائل المُجْمَعْ عليها قليلة، وليس كل قولٍ من الأقوال المختلفة يصحُّ أن يكونَ في الخلاف المعتبر، كما قال أحد مشايخ السيوطي في قصيدةٍ في بعض علوم القرآن:
وليس كل خلافٍ جاء مُعْتَبَرَاً ****** إلا خلافٌ له حظٌ من النظر
وإذا وقع الخلاف فإنَّ الخلاف على نوعين:
- خلافٌ قوي.
- وخلافٌ ضعيف.
@ والخلاف القوي ضابطه: ما كان الخلاف فيه في فهم الدَّليل ولا مُرَجِّحْ.
@ والخلاف الضعيف: ما كان الخلاف فيه بمخالفة الدليل أو بالغَلَطِ في فهم الدليل.
والخلاف القوي لا إنكار فيه، فإذا كانت المسألة فيها خلافٌ قوي فلا عَتْبَ من الأصل لمن أَخَذَ بأحد القولين، أخذ بهذا وأخذ بهذا، هذا يرى كذا وهذا يرى كذا، المسألة فيها سَعَة.
وأما الخلاف الضعيف فإنَّهُ فيه الإنكار.
وقول العلماء (لا إنكار في مسائل الخلاف) يعنون به الخلاف القوي على الصواب دون الخلاف الضعيف، لأنَّ الخلاف الضعيف خلافٌ بلا دليل أو غَلَطٌ في فهم الدليل.
ويشتبه هذا -يعني الخلاف- يشتبه بمسألةٍ مهمة وهي مسائل الاجتهاد.
* والصواب: التفريق ما بين مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد.
فمسائل الخلاف التي مرجعها الخلاف في فهم الأدلة، وهذه هي التي فيها التفصيل الذي ذكرت لك: في أنَّ الخلاف القوي لا إشكال فيه، وأَما الخلاف الضعيف يلزم فيه البيان والإيضاح بدون أن يُحْدِثَ الفُرْقَةَ وتنافر القلوب.
أما المسألة الثانية وهي مسائل الاجتهاد: فهي الاجتهاد في النوازل.
إذا نَزَلَتْ نازلة واجتهد العلماء فيها، هل هذه تُلْحَقْ بكذا وهذه تُلْحَقْ بكذا فإنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
وشيخ الإسلام ابن تيمية قال في بعض كلامه (لا إنكار في مسائل الخلاف يُعْنَى بها مسائل الاجتهاد) ، -أو نحو كلامه أنا أصوغه بفهمي-؛ لأنَّ مسائل الاجتهاد ليست هي مسائل الخلاف.
ولا إنكار في مسائل الخلاف يعنون بها لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
وهذا يحتاج إلى زيادة وهي أنَّهُ: لا إنكار في مسائل الخلاف، يعنون بها الخلاف القوي.
أما مسائل الاجتهاد التي تحدث في الناس فهذه لا إنكار فيها من باب أولى؛ لأنَّ كل مجتهد له اجتهاده ونصيبه في إِلحاقِ النازلة ببعض الأصول والقواعد التي تدل عليها.
* نختم هذا الموضع بوصية في هذا الموطن: بأَنَّ طالب العلم يَتَّسِعْ صدره للعلم، وهذا إذا حباك الله عز وجل اتساع الصدر في العلم فإنَّكَ تُؤْتَى عِلْمَاً جديداً، وهذا هو الواقع والمُشَاهَدْ، أما من يضيق بالأقوال أو من يضيق باختلاف العلماء ولا يبحث في مَأْخَذِ هذا ومأخذ هذا، وإذا أورَدَ عليه أحد قولاً نَظَرْ في كلامه وتَأَمَّلْ فإنه يُحْرَمْ بعض العلم.
لهذا كلما اتسع صدر طالب العلم كلما أُوتِيَ الصواب في العلم، وأُوتِيَ الصواب أيضاً في العمل، في عدم التعدي على المسلمين والتعدي على العلماء أو على طلبة العلم أو نحو ذلك، والله عز وجل يقول لعباده:{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53] ، والفُرْقَة والخلاف يحصل فيه التعدي في كثيرٍ من الأحيان، ولا يقول: العبد التي هي أحسن، والله عز وجل أمر بأن تقول التي هي أحسن.
وأنا ألحظ وربما منكم كثير لَحَظُوا أنَّ أحداً منا قد يقول قولاً يكون غير واضح، فيأتي أحد ويعترض عليه فهو يتألم ويتَحَرَّجْ لنفسه أنه أخطأ أو أنه ما أدرك الصواب، فيأتي الشيطان فيصرِفُهُ من تقرير المسألة إلى وجود مَخْرَجٍ لنفسه.
وهذه من وسائل الحرمان، وإذا قوَّى الله طالب العلم على أن يكون قَوِيَّاً على نفسه في أنه إذا ما اتضحت له صورة المسألة:
لا يتكلم فيها، ينتظر، يسكت.
يُعَلِّمْ نفسه التؤدة، يُعَلِّمْ نفسه عدم الاستعجال في الكلام، عدم إلقاء الكلام على عواهنه، الدقة في الألفاظ، كيف يُعَبِّرْ عن المسائل.
وإذا غلط يقول: غلطت -ما أسهل منها عند من يرى تحقيق الحق- فعلاً.
يقول: أنا ما فهمت، أنا ظهر لي كذا، يبدو أنه انحرف ذهني إلى شيء آخر.
يقول: أنا ما فهمت، أنا غلطت، ما أسهل منها.
وهل من شرط طالب العلم ألا يخطئ؟!
ليس من شرطه.
إنما من قَلَّتْ غلطاته سواءً في قوله وفي عمله فهو السديد، وهو الذي يُثْنَى عليه.
أما أَنَّهُ يأتي أحد لا يخطئ لا يغلَط فيما يتكلم لا يغْلَطْ في تعامله، هذا لا يمكن.
النبي صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق قال «اللهم أيما عبدٍ سببته أو شتمته فاجعلها عليه رحمة» (2) .
يعني من مقتضى الطبيعة أنْ يغلط الإنسان، فالإنسان لا يتحمل.
لكنه من يَتَصَبَّر يُصَبِّرُهُ الله، ومن يَتَحَلَّم يعطيه الله عز وجل الحلم.
لهذا عَوِّدْ نفسك على الحلم عَوِّدْ نفسك على الصبر، عَوِّدْ على ألا تنتصر لنفسك في المسائل العلمية.
حتى لو جاء المُقَابِل وطعن في علمك، طعن في طريقة الإيراد، لا تتأثر بهذا واجعل الكلام على العلم لأنك مُبَلِّغ للعلم ولستَ منتصراً لنفسك، والمنتصر لنفسه يَحْرِمْ نفسَه انتصار الله عز وجل له.
أسأل الله عز وجل أن يمنحني وإياكم العلم والحلم والفقه في الدين، وأن يمنّ علينا بسلوك طريق السلف الصالحين، إنه سبحانه جوادٌ كريم، وهو ذو الفضل والإحسان والمنن والعطايا، اللهم فلا تحرمنا فضلك بذنوبنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، إنك على كل شيءٍ قدير.
(1) سبق ذكره (334)
(2)
مسلم (6781) / أبو داود (4659)