الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسئلة
س1/ لو ذكرتم كتباً تكفي طالب اللغة تتحدث عن نشأة اللغات؟
ج/ نشأة اللغات فيها كتب كثيرة ليست سليمة؛ يعني لم أر كتاباً سليماً في جملة تفاصيله، لأنه لا يخلو كل باحث من خلفيات عنده ومُقَرَّرَات سابقة تسيطر عليه في بحثه ذاك.
لكن من أحسنها أو مما يطلعك على ذلك كتاب اسمه (مولد اللغة) للشيخ مصطفى الغلاييني وثَمَّ كتب أخرى.
س2/ أول درس لي في العقيدة هو هذا الدرس في الطحاوية ولم أدرس الواسطية وغيرها، فبماذا تنصحني؟
ج/ إذا كان هذا أول درس فصعب؛ لأنه راعيت في هذا الشرح من انتقل معنا من الواسطية إلى الطحاوية لذلك يُذكَرْ أشياء فيها مباحث لم تذكر فيما قبل؛ ما نكرر المعلومات تماما، إنما نزيد بعض المسائل.
فأنا أوصي الأخ الذي هذا أول درس له أن يبتدئ مع أحد أهل العلم في كتاب لمعة الاعتقاد، وينتقل منه إلى الواسطية، ثم بعد ذلك ينتقل إلى شرح الطحاوية.
س3/ هل اللغات توقيفية أم اصطلاحية؟
ج/ فيها عدَّة أقوال والصحيح أنَّ الأسماء المطلقة توقيفية، الأسماء اللغوية بدون أن نقول بلغة فلان، بلغة العرب، أو باللغة السريانية، وهكذا.
الأسماء مطلقاً توقيفية لقوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] أمَّا بعد ذلك التداخل والتوسع، فما يوجد برهان واضح، واللغة تنمو، وإذا كان المعنى الكلي موجود فكل ما يُذْكَر مثال لأنَّ المعنى الكلي يختلف باختلاف الإضافة.
مثلا عندك السمع، السمع هذه كلمة عامة، صحيح، السمع معروف لو أردت أن تعبر عن السمع تقول إدراك المسموعات واضح، وأيضا فيه إشكال لأنك رجعت بتعريف السمع إلى المسموع، واضح، المسموع رجعنا بالمسموع إلى السمع، صار فيه دور، لذلك لا يصح تعريفاً على طريقة المناطقة وإنما هو تقريب، إذا قلنا السمع إدراك المسموعات، سمع الإنسان يصح أن يطلق عليه سمع، سمع البعوضة يصح أن يطلق عليه سمع، الإنسان في سمعه تلحظ فيه أذن، وفيه صماغ، وفيه الغضاريف الزائدة هذه التي يتلقى بها، هذا وسيلة حصول السمع؛ لكن البعوضة ما فيها شيء عندها سمع.
فإذن الكلية الحاصلة وهو إدراك المسموع موجود، لكن تمام المعنى بالنسبة للإنسان يناسب ذاته، الكيفية مختلفة، ما يناسب البعوضة أو الذبابة من السمع يناسبها بقدْرها، آلة السمع عندها مختلفة عن آلة السمع عندنا، البصر في بعض الحيوانات تبصر بإيش؟ بالذبذبات أو لا؟ يعني بإرسال الأصوات، يعني عندها إحساس آخر قلنا تبصر؛ لأنها تدرك المبصرات، إذا جاءت للشيء مالت عنه، وهي ليس لها ما تبصر.
إذاً كيف الاتصاف بالصفة، كيفية الاتصاف بالصفة، هذا لا يجوز أن يُجْعَلَ حَكَمَاً على المعنى الكلي، فالمعنى الكلي ما يشمل هذه الصفات المشتركة بين الكائنات، بل المعاني المشتركة العامة، هي تأتي في الإنسان تطبيقا، يطبقها على نفسه، يطبقها على الحيوان، وإنما تختلف من حيث كمال المعنى ومن حيث الكيفية مثل ما مثلت لك.
ولهذا قال طائفة من أهل العلم في قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، أنَّ الله عز وجل نَبَّهَ على السمع والبصر في هذا لأجل اشتراكه بين كل الكائنات الحية، الكائنات الحية لها سمع ولها بصر ومع ذلك أثبته لنفسه مع قاعدة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لأنَّه موجود ووَصَفَ الله به نفسه، فمعنى ذلك أنه إثبات صفة لا إثبات مشابهة أو كيفية.
س4/ هل يصح إطلاق لفظ العارف أو قاضي القضاة على العَالِمْ؟
ج/ أما لفظ العارف فلا بأس به، استعمله أئمتنا في بعض كلامهم، قال بعض العارفين، قال فلان العارف بالله، على قلة، والأحسن أن يترك.
وأما لفظ قاضي القضاة فهو محرم؛ لأنَّ قاضي القضاة هو الرب جل جلاله.
س5/ ما رأيكم في من قال ليس لله مكان؟
ج/ هذا باطل، المكان ما يُطْلَقْ ولا يُنْفَى لأنه ما جاء في الكتاب والسنة، وإنما نقول الله عز وجل مستوٍ على عرشه بما وصف به نفسه.
هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. (1)
(1) انتهى الشريط الثاني عشر.
: [[الشريط الثالث عشر]] :
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة:
س1/ ما معنى هذه العبارة: لا يُستعمل في العلم الإلهي قياس تمثيلي أو شمولي وإنما يستعمل قياس الأَوْلى.
ج/ هذه الأقيسة الثلاث مستعملة عند المناطقة:
- قياس التمثيل.
- وقياس الشمول.
- وقياس الأولى.
والتمثيل والشمول يقتضي الاشتراك في الجنس؛ لأنَّ المثال هو أحد أفراد الجنس، وأمَّا القياس الذي يصح أن يُطَبَّقَ في صفات الله عز وجل وفيما يليق به جل جلاله وهو قياس الأولى.
يعني أن يقال كُلُّ كمال في المخلوق فالله عز وجل أوْلَى به؛ لأنَّ الله سبحانه متصف بصفات الكمال المطلق، وإذا في المخلوق نوع كمال يناسبه فالله عز وجل له الكمال المطلق.
مثاله: الغِنَى كَمَالٌ في حق المخلوق -يعني عند الناس-، وكذلك سلامته في حكمته وإدراكه، وهذا كمال في حقه، كذلك قدرته كمال في حقه، كذلك سمعه وبصره وسلامة آلاته هذا كمالٌ في حقه، وهكذا، فهذه الصفات التي في المخلوق التي تكون فيه كمال، فهي تُثْبَتُ لله عز وجل؛ لأنَّ الله سبحانه أولى بالكمال، وأولى بنَفْيِ النقص عنه عز وجل.
ومن الأمثلة التي تُشْكِلْ على بعض الناس في هذا الباب هو أَنْ يُقَال أنَّ الله عز وجل نَفَى عنه الولادة، فقال {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] ، فليس له ولد لأنه غير محتاج إليه، والمخلوق الولد في حقه كمال؛ إذ العقيم ليس بكامل عند الناس.
وهذا ليس مُتَّجِهَاً ولا مُعَارِضَاً للقاعدة؛ لأنَّ المخلوق صار الولد في حقه كمالاً لحاجته إليه، فهو يستكثر بالولد ويستقوي به لحاجته إليه؛ لأنه قد ينتفع منه بأنواعِ الانتفاع، والولد في حق المخلوق نقص، ولهذا يُنْفَى عن الله عز وجل، وليس كمالاً كما قد يُظن.
المقصود أنَّ عبارات (القياس التمثيلي، والقياس الشمولي، وقياس الأَوْلى) من عبارات المناطقة أصحاب المنطق وعلم الكلام، ولا يصح استعمالها عند أهل السنة والجماعة إلا في قياس الأوْلى دون غيره.
س2/ ذكر أحد طلبة العلم أنَّ التوراة الإنجيل والزبور ليست كلها محرفة؛ بل أغلبها، لذا اختلف العلماء في مس الجنب لها، ويجوز الحلف بها؛ لأنها من كلام الله، وكلام الله عز وجل صفة من صفاته.
السؤال: هل هذا الكلام صحيح؟ وهل يجوز الحلف بالتوراة والإنجيل والزبور؟ أرجو التوضيح.
ج/ أولاً التوراة والإنجيل والزبور التي أُنزِلَتْ على موسى وعيسى وداوود هذه كلام الله عز وجل؛ لكن هذا المُنَزَّل على هؤلاء الأنبياء الموجود الآن لا يُتَيَقَّنْ أنَّهُ ذلك المنزل؛ بل قد يكون الموجود اختلط به كلام الله عز وجل وكلام علمائهم وزيادات باطلة من التحريفات، والعلماء اختلفوا هل وقع التحريف في هذه الكتب من جهة المعنى أو من جهة الألفاظ؛ يعني هل حُذِفَتْ بعض الأشياء وأُبْدِلَتْ بأخرى وحُرِّفَتْ بنقص، بحذف، ثم زيادة أشياء من كلام الناس، أم كان التحريف في المعنى فقط، فهم حَرَّفُوا من جهة المعنى مع بقاء الأصل، على ثلاثة أقوال لأهل العلم.
والصواب منها أنَّ التوراة والإنجيل فيها وفيها:
- فيها ما هو من كلام الله.
- وفيها ما هو من إضافات الناس الباطلة.
- وفيها ما حُرِّف لفظه. .
- وفيها ما حُرِّف معناه.
اجتمعت فيها كل أنواع التحريف؛ تحريف اللفظ وتحريف المعنى وترك الأحكام، وهذا له تفاصيل في محلها.
س3/ ما المراد بالغِل في قوله تعالى {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] ؟
ج/ الغل هو الحقد والضغينة التي تتخلل النفس والفؤاد، وأصل هذه المادة في اللغة -مادة غلّ- لما يكون مُتَخَلِّلَاً للشيء، ولهذا قيل للغُل الذي يُغَلُّ به -تُغَلُّ به الرقبة- {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} [يس:8] سُمِّي غُلاًّ لأنَّ الرقبة تتخلله وهو أيضاً يتخلل الرقبة يحيط بها، وكذلك يقال أيضاً للماء الذي يجري بين السواقي من هذه المادة، ويسمى الماء الغليل وأشباه ذلك.
فالمقصود أنَّ هذه المادة تدور على التغلل، وعلى التسلل، فلهذا الحقد والضغينة إذا كانت مُتَسَلِلَةً في النفس محيطة بها سميت غِلًّا، كما قال هنا {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} ، ويدعو أهل الإيمان ربنا {لَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] ، فأهل الجنة ليس في قلوبهم غل ولا حسد ولا ضغينة؛ بل هم أحباب متآخون.
وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ
هذا رد على الطائفتين: طائفة المؤولة المحرّفة وطائفة المجسمة.
المجسمة شَبَّهُوا، والمُأوِّلَة أو المُحَرِّفَة نَفَوا.
فهؤلاء نفوا الصفات والمجسمة مثَّلُوا، فمن كان مُمَثِّلَاً أو مُحَرِّفَاً فقد زَلَّ ولم يصب التنزيه.
ولهذا نقول: إنَّ قوله (وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ) أنَّ هذا تحذير حتى للمُوَحِّدْ.
لا يخطر ببالك أنَّ الله عز وجل في صفته ثَمَّ مُشَابَهَة بينه وبين صفة الخلق، وكل ما خطر بباك فالله عز وجل بخلافه، لا من جهة تمام الصفة ولا من جهة الكيفية، وإنما نثبت كمال الصفة، الكمال المطلق؛ لكن كيف هذا الكمال حدود هذا الكمال؟ لا نستطيع ذلك.
قال رحمه الله (وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ)
هذه العبارة مُقَرِّرَةْ لقاعدة عامة من قواعد أهل السنة والجماعة: أنَّ صفات الرب عز وجل يجب أن لا يُسَلَّطَ عليها النفي، ولا أن يُعْتَقَدَ فيها التشبيه؛ بل يجب على المسلم في إثباته للصفات أن يَتَوَقَّى نفيها بدرجاته، وأن يَتَوَقَّى التشبيه؛ فلا يُثبِتْ مُشَبِّهاً ولا ينفي مُعَطِّلاً.
قال (زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) لأنه ليس على الطريق الحق، فكلّ من تَعَرَّضَ للصفات بنفي أو بتشبيه فإنّه ليس بموحّد.
قال (لَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) يعني لم يُصِبْ التوحيد وتنزيه الرب عز وجل عمّا لا يليق بجلاله وعظمته.
وهذا الأصل معلوم في الكتاب والسنة في مواضع كثيرة:
منها قول الله عز وجل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) } [الإخلاص] .
وقال سبحانه {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65] .
وقال أيضا عز وجل {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم:27]ـ.
{لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} يعني له النعت الأعلى والوصف الأعلى.
و {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} يعني يُسَامِيه يُمَاثِلُهُ يُشَاِبُهُه في كمال أسمائه وما تضمنته من الصفات، فهو سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] .
إذا تبين لك هذا المعنى العام لهذه الجملة فقوله (النَّفْيَ) و (التشْبِيهَ) و (التنْزِيهَ) هذه ألفاظ تحتاج إلى شرح، ونتناولها في مسائل:
1 -
(النفي) :
[المسألة الأولى] :
أنَّ النفي يشمل أشياء:
- أَنْ ينفي صفات الله عز وجل كلها.
- أو أَنْ ينفي أكثرها.
- أو أَنْ ينفي بعضا منها
@ فالذين نفوا كل الصفات هم الجهمية.
@ والذين نفوا أكثر الصفات هم المعتزلة والكلابية والأشاعرة والماتريدية.
@ والذين نفوا بعض الصفات طوائف كثيرون من المفسرين ومن شُرَّاح الأحاديث، يَغْلَطُونَ فيُثْبِتُونَ في موضع ويناقضون أنفسهم فينفون في موضعٍ آخر.
فإذاً النفي من جِهَةِ أصله فيه هذه الدرجات، والدرجة الأخيرة وهي نَفْيُ بعض الصفات فأكثر ما يَغْلَطُ فيه من غَلِطَ من المفسرين وشُرَّاح الحديث في الصفات التي هي من جهة صفات الأفعال.
وهذه يعني الصفات الاختيارية مثل: الرضا والغضب والنزول والمَقْتْ والأَسَفْ وأشباه ذلك من الصفات.
فالصفات الاختيارية قَلَّ من ينْهَجُ فيها منهج السّلف الصالح؛ وذلك لأنَّ الباب بابٌ واحدٌ في الصّفات الذّاتية وفي الصّفات الفعليّة.
[المسألة الثانية] :
- النفي تارَةً يَتَوَجَّهْ لأصل الصفة.
- وتارَةً يَتَوَجَّهْ لظاهر الصفة.
- وتارَةً يَتَوَجَّهْ لكيفية الصفة.
- وتارَةً يَتَوَجَّهْ إلى معنى الصفة.
1 -
المرتبة الأولى توجهه لأصل الصفة: ينفي أَصْلَاً اتصاف الله عز وجل بالسمع، ينفي أَصْلَاً اتصاف الله عز وجل بالحكمة، ينفي أَصْلَاً اتصاف الله عز وجل بالعلم، وهكذا.
2 -
المرتبة الثانية توجهه لظاهر الصفة: فيقولون نثبت الصفة لكن ظاهرها غير مراد، كيف؟
يقولون: نثبت الاستواء لكن ليس على ظاهره، فالاستواء له معنى غير المعنى الظاهر المتبادر منه، له معنى آخر.
وهؤلاء على فرقتين:
- منهم من يقول: المعنى كيت وكيت.
- ومنهم من يقول: المعنى لا أحد يعلمه.
فأما الأوّلون فهم المؤولة.
وأما أصحاب القول الثاني فهم أهل التجهيل الذين يسميهم العلماء المُفَوِّضَة، يُثْبِتُونَ لكن يُفَوِّضُونَ كل الصفة لله عز وجل، لا يعلمون لها معنى، ولا يعلمون لها كيفية، جميع الصفة منفية؛ يعني مثبتة لكن منفي العلم بها.
3 -
المرتبة الثالثة توجُّهُهُ لكيفية الصفة: هذا النّفي الذي يَتَّجِه إلى كيفية الصفة هذا واجب، وهو منهج أهل السنة والجماعة فإننا ننفي العلم بالكفية؛ لأنَّ الله سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، فنُثْبِتْ الصفة مع نفينا للكيفية.
وهذا المعنى ليس مراداً في قوله (وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ) ؛ بل هذا نَفْيٌ واجب وهو أن نَنْفِي عِلْمَنا بالكيفية.
فالكيفية لا يعلمها إلا الله عز وجل، كما قال عز وجل {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7] .
4 -
المرتبة الرابعة توجُّهُهُ لمعنى الصفة: والنفي المتجه للمعنى هذا يُثْبِتُ كثيرون الصفة لكن ينفون المعنى؛ يقولون ليس لها معنى، ليس لها معنى مطلقا؟
فاسم الرحيم هو العليم، والرحمة هي العلم؛ لكن لَمَّا تَعَلَّقَتْ إرادة الله بالمُعَيَّن فَرُحِمَ سُمِّي هذا التَّعَلُّق رحمة، لما تَعَلَّقَتْ به قُدْرَة سُمِّيَ ذلك قدرة إلى آخره.
فيقولون هي من جهة قيامها بذات الرب عز وجل شيء واحد، ولذلك ننفي أن يكون لهذه الصفات معاني متعددة، وهذا يشترك فيه جملة من أصحاب المذاهب المختلفة.
فقوله إذاً (وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ) يدل على أنَّ ترك النفي مطلوب وواجب، وهو ألا تُنْفَى أصل الصفات، وألا يُنْفَى الظاهر، وألا يُنْفَى العلم بالمعنى؛ بل يُنْفَى شيء واحد وهو الكيفية دونما سواها.
2 -
(التَّشْبِيهَ) :
التشبيه مصدر شبَّهَهُ بغيره تَشْبيهَاً، أو شَبَّهَ الشيء بكذا تشبيهاً.
فالتشبيه: هو جعل المخلوق مشابهاً لله عز وجل، أو جعل الله عز وجل مُشَابِهَاً في صفاته للمخلوقات.
[المسألة الثالثة] :
التشبيه مراتب أيضا:
1 -
فالمرتبة الأولى التشبيه الكامل وهو المساوي للتمثيل:
يعني أن يقول يده كيدي، كقول المجسمة والعياذ بالله، وصورته كصورتي والعياذ بالله، وأشباه ذلك، فهذا تشبيه كامل؛ يعني شَبَّهَ الله عز وجل بالمخلوق من جهة الصفة في الكيفية وفي المعنى.
وهذا كفر بالله عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} والمُشَبِّهُ يَعْبُدُ صَنَماً، الممثل يَعْبُدُ صنماً.
فهو تَخَيَّلَ في نفسه صورة للرب عز وجل فجَعَلَهَا عليه.
وهذا كما قلنا لكم لا يمكن أن يكون لله عز وجل في ذاته وصفاته شيء يَتَخَيَلُهُ العبد أو يتصوره؛ لأنَّهُ كل ما خطر ببالك فالله عز وجل بخلافه، كل ما جاء في بالك فالله ـ بخلافه.
لأنَّ المعرفة واستقبال المعارف والإدراكات في الإنسان ستأتي شيئاً فشيئاً.
وهو أصلاً جاء من غير إدراك.
والله عز وجل جعل له السمع والبصر والفؤاد ليدرك.
فإذاً كل المُدْرَكَات في الإنسان مَجْلُوبَةٌ له من واقع ما رَأَى، ومن واقع ما سمع، أو من واقع ما قارن.
والشيء الذي لم يره ولم يسمعه وليس ثَمَّ ما يُقَارَنُ به، فكيف تحصل له معرفته؟
ولذلك تجد أنَّ الإنسان لا يمكن أنْ يَتَصَوَرْ شيء ما رآه أو رأى مثيلاً له أو رأى ما يُقَاسُ عليه؛ ما يجتمع هو وإياه في أشياء.
ما يمكن أن يتصوَّرَ شيء لم يره أصلاً أو لم ير مثيلا له.
لكن لو رأى ما يُقَاسُ عليه ممكن، لو رأى مثيلاً له ممكن.
مثلا تقول الإنسان الياباني مختلف في صورته عنَّا لكن يبقى التَخَيُّلْ العام عندك أنه ما دام أنه إنسان فهو على هذه الصفة.
تقول مثلا الخبز في بلدٍ له شكل غريب، أنت لا تتصور هذا الشكل لكن تعرف الخبز ما هو من حيث الصفة؛ لأنك تعرف أنَّ ذاك سيكون في مادته مشابِهَاً لهذا الذي عرفته.
لو ذُكر لك شيء غريب، مثلا في بلد من البلاد رأينا بناءً عجيباً جداً، ممكن أن تتصور البناء على نحو ما إذا كنت رأيت شبيهاً له أو ما يقاس عليه؛ أو مُرَكَّبَات هذا البناء وطريقة البناء وأنه أَدْوَار مثلاً.
مَثَلَاً: شُرِحَ لك عن الأهرامات من صفتها كذا وكذا، يمكن أن تتصور لأنَّكَ رأيت مثيلاً له، رأيت ما يُقَاسُ عليه، رأيت ما يمكن أن تُعْقَدَ مقارنة فتصل على نوع إدراكٍ لذلك.
أما الرب عز وجل وتقدست أسماؤه وصفاته فلا يقاس بخلقه ولم يُرَ مثيلاً له عز وجل ولا يُقَارَنْ بشيء، ولذلك كل ما يخطر في البال إنما هو من جَرَّاءِ إدراكات مختلفة لا يمكن أن يكون منها حقيقة الرب عز وجل.
ولهذا كل ما خطر في بالك فالله عز وجل بخلافه، فإذا استرسل مع هذا وشَبَّهْ فإنّه يعبد صنماً.
يعني تَخَيَّلَ في نفسه صورة وهيأ له إلهاً يكون على نحو ما فَعَبَدَهُ.
ولهذا قال أئمة السلف (المشبه يعبد صنماً والمعطل يعبد عدماً) .
هذا التشبيه الكامل هو التّمثيل
وهذا التمثيل أو التشبيه:
- قد يكون في الذات بأجمعها.
- وقد يكون في صفة من الصفات.
قد يقول: الله ـ مثلي، على صفتِي -والعياذ بالله- وهذا كفر.
أو يقول: يده كَيَدي، وسمعه كسمعي، وعينه كعيني وأشباه ذلك وهذا أيضا كفر بالله عز وجل.
2 -
المرتبة الثانية التشبيه في بعض الصفة، لا في الكيفية ولكن في المعنى:
فيقول: الكيفية لا نعلمها لكن معنى الصفة في الله عز وجل هو معناها في المخلوق.
وهذا أيضاً مما ينبغي تَجَنُّبُه؛ لأنَّ صفة الرب عز وجل معناها في حقه كامل لا يعتريه نقص من وجه من الوجوه، وأما في المخلوق فهو فيه الصفة ولكنها ناقصة تناسب نقص ذاته.
ولهذا يقال في مثل هذا: إنَّ الله عز وجل له الكمال المطلق في صفة السمع، والمخلوق متصف بالسمع، أو تقول لله عز وجل سمع وللمخلوق سمع وليس السمع كالسمع؛ يعني في أصل المعنى موجودٌ سمع وسمع؛ لكن في تمام المعنى وكماله مختلف ليس الاتصاف في الله عز وجل مثل الاتصاف في المخلوق.
3 -
المرتبة الثالثة تشبيه العكس وهو تشبيه المخلوق بالخالق والعياذ بالله:
وتشبيه المخلوق بالخالق، يعني أن يَجْعَلَ للمخلوق صفة من صفات الله عز وجل.
مثل أن يُغِيثْ أو أنَّهُ يسمع وهو غائب، أو أنَّ له قدرة أو أنَّ له تصرف في الكون أو أشباه ذلك.
وهذا كحال عُبَّاد الأصنام والأوثان والقبور وعُبَّاد عيسى والملائكة وعُبَّادْ الأولياء، كلهم على هذه الصفة، يجعلون للمخلوق بعض صفات الله عز وجل.
وهذا لاشك أنه تشبيه وهو في حد ذاته من جهة التشبيه كفر لمن اعتقده.
فمن وَصَفَ المخلوق بصفة الله عز وجل من تصريف الكون أو يقولون فلان من الأولياء له ربع الكون يتصرّف فيه أوله نصف الكون يتصرف فيه، أو فلان المَلَكْ له التَّصَرُّفْ في الملكوت بنفسه فَيُطْلَبْ منه ويُسْتَغَاثْ به ويُسْأَلْ أو يُلْجَأْ إليه ونحو ذلك، من الأموات أو من الغائبين.
فكل هذا تشبيه للمخلوق بالخالق وتمثيل للمخلوق بالخالق وهو شرك بالله جل جلاله.
لهذا لم يُطلق أكثر السلف نفي التشبيه، وإنما أطلقوا نفي التمثيل؛ لأنَّ الله جل جلاله قال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
ولفظ التشبيه لم يرد فيه النفي في الكتاب ولا في السنة فيما أعلم، وإنما ورد لفظ التمثيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
وفرق ما بين التمثيل وبين التشبيه:
- فالتمثيل: معناه المساواة هذا مثل هذا؛ يعني يساويه في صفة أو في صفات.
- أما التشبيه فهو من التَّشَابه، وقد يكون التشابه كاملاً، فيكون تمثيلاً، وقد يكون التشابه ناقصاً فيكون في كلّ المعنى أو في أصل المعنى على نحو ما فَصَّلْتُ لك (1) .
فإذاً إذا قيل لا نُشَبِّه فلا يندرج في ذلك إثبات أصل المعنى، يعني التشابه في المعنى.
لأنه لا يستقيم إثبات الصفات إلا بمشابَهَةٍ في المعنى، ولكن ليس مُشَابَهَة في كل المعنى، ولا في الكيفية؛ لأن هذا تمثيل.
* فلهذا لا يُطلق النفي للتشبيه، لا نقول التشبيه منتفيا مطلقاً، كما يقوله من لا يحسن، بل يقال التمثيل منتفٍ مطلقا.
أما التشبيه فنقول: التشبيه منتف؛ فالله ـ لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء.
وينصرف هذا النفي للتشبيه في الكيفية أو في تمام المعنى في كماله.
3 -
(التنزيه) :
(التَّنْزِيهَ) يعني تنزيه الرب عز وجل عما لا يليق بجلاله وعظمته.
قال (لَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) فالذي لم يَحْذَرْ النفي ولم يَحْذَرْ التشبيه، فإنه يَزِلُّ ولن يصيب تنزيه الرب عز وجل عما لا يليق بجلاله وعظمته.
والتنزيه هو التسبيح؛ فمعنى ذلك أنَّ من نَفَى أو شَبَّهَ فإنَّهُ لم يُسَبِّح الله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته.
لأنَّ معنى سبحان الله هو: تَنْزِيهَاً لله، والكون كله يردد سبحان الله وبحمده، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] .
فإذن من الواجب أن يُنَزَّهْ الله عز وجل عما لا يليق بجلاله وعظمته.
ولهذا نقول: إنَّ اتقاء النفي والتشبيه هو طريق التنزيه والتسبيح الحق لله عز وجل.
فالمعتزلة الجهمية والمبتدعة من الأشاعرة والكلابية وسائر الطوائف التي نفت بعض الصفات هؤلاء لم يُنزِهُوا الرب عز وجل عن ما لا يليق بجلاله وعظمته بل وقعوا في شيءٍ من عدم التنزيه.
لذلك قال (وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) يعني لم يُنَزِّهْ سواءً أَكَانَ مُرَادُهُ التنزيه فَأَخْطَأَ أو هو في الحقيقة لم يُنَزِّهْ؛ لأنه ما نَزَّهَ الله عز وجل عما لا يليق بجلاله وعظمته؛ لأنَّ الله سبحانه له الكمال المطلق في الاتصاف بالصفات.
فمن لم يثبت جميع الصفات، فهو لم يُثْبِتْ الكمال المطلق، فمعناه أنَّهُ نقص حمده لله عز وجل ومعنى ذلك أنه لم يُنَزِّهْ الله جل جلاله عما لا يليق بجلاله وعظمته.
وهذه الجملة عظيمة من كلام الطحاوي رحمه الله (وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ، -يعني من سائر طوائف الضلال- زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ) وإن زَعَمَ أنه يُنَزِّهْ فإنه لم يُصِبْ، وهذا يكثر في المعطلة وفي المؤولة وفي النفاة، يقولون: نفينا وأوَّلنا وعَطَّلْنَا لأجل التنزيه.
وهذا يُرَدُّ عليهم بأنَّ ما فعلتموه هو وصف لله بالنقائص، وليس تنزيها للرب ـ.
(1) راجع المسألة الثالثة (الشريط 1/ص 16)