المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تحصل؟ وكيف يعرف صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يدعي أنه نبي أو رسول - شرح العقيدة الطحاوية - صالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل

[صالح آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌ قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ)

- ‌قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ)

- ‌[المسألة الرابعة] :في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (قَديمٌ بلا ابتدَاء، دَائمٌ بلا انْتهاء)

- ‌[المسألة الثانية] :ما ضابط كون الاسم من الأسماء الحسنى

- ‌ قوله (لا يَفنَى ولا يَبيدُ)

- ‌قوله (ولا يكونُ إلا ما يُريدُ)

- ‌ قوله (لا تَبلُغُه الأوْهَامُ، ولا تُدْرِكُهُ الأفْهَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنَامُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قولَه (وَإِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المصطَفى، ونبيُّه المجْتَبى، ورَسُولُهُ المُرْتَضَى)

- ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وإنَّه خَاتِمُ الأنبياءِ)

- ‌[المسألة الرابعة] :أنَّ ادِّعَاء الوحي كفر كدعوى النبوة، وهذا باتفاق أهل السنة

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ التفضيل بين الأنبياء جاء به النص كما قال عز وجل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :أنَّ رؤية المؤمنين في الجنة لربهم عز وجل عامة بالإنس والجن، للرجال وللنساء، وللملائكة أيضاً

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة

- ‌قوله (فَإِنَّ رَبَّنَا عز وجل مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الْفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَرِيَّةِ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :متى وقع الإسراء والمعراج

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الحوض دلَّ عليه القرآن باحتمال، ودلَّت عليه السنة بقطع:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا لَهُمْ حَقٌّ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ)

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَالْعَرْشُ

- ‌ قوله (وَفَوْقَهُ)

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الخامسة] :الإيمان بالملائكة تَبَعٌ للعلم، وكلما زَادَ العِلْمُ بالعقيدة وبالنصوص زَادَ الإيمان بالملائكة لمن وفَّقَهُ الله

- ‌ الأسئلة

- ‌[المسألة الثانية] :الأنبياءُ والرُّسُلُ درجات في الفضل والمنزلة عند الله

- ‌[المسألة الخامسة] :من كَذَّبَ برسول بعد العلم به فإنه مُكَذِّبٌ بجميع الأنبياء والمرسلين

- ‌(وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)

- ‌ الأسئلة

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الحادية عشرة] :قوله (وَلَا نَقُولُ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ) هذا فيه مخالفة للمرجئة

- ‌الأسئلة:

- ‌نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ

- ‌[المسألة الأولى] :أنَّ الرجاء للمحسن بالعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين:

- ‌[المسألة الثانية] :الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يَعْرِفْ لنفسه ذنباً

- ‌[المسألة الثالثة] :الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تَبَعْ لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثالثة] :الله عز وجل وليٌّ للعبد، والعبد أيضاً وليٌّ لله عز وجل

- ‌[المسألة الرابعة] :الأولياء قسمان فيما دَلَّتْ عليه الأدلة:- مقتصدون.- وسابقون مُقَرَّبون

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الخامسة] :من لم يُغْفَرْ له ممن لم يتب فإنه يُشتَرَطُ لعدم خلوده في النار شرطان:

- ‌[المسألة السادسة] :الخلود في النار نوعان: خلودٌ أمدي إلى أجل، وخلودٌ أبدي

- ‌قوله (اللَّهُمَّ يَا وَلِيَّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ)

- ‌[المسألة الثالثة] :قوله (خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) هذا إذا كان إماماً مُرَتَّبَاً، ولم يكن بوسع المرء أن يختار الأمثل

- ‌الأسئلة

- ‌[المسألة الرابعة] :أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :لفظ الأئمة وولاة الأمور مما جاء به الكتاب والسنة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :قوله (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) هذا المقصود منه إلى قرب قيام الساعة

- ‌[المسألة الخامسة] :في قوله (أَرْوَاحِ الْعَالَمِينَ) لفظ (الْعَالَمِينَ) يريد به هنا من له رُوحْ من المُكَلَّفين

- ‌[المسألة الأولى] :أنّ سؤال الملكين يقع عن ثلاثة أشياء:أولاً: عن ربه.ثانيا: عن دينه.ثالثا: عن نبيه

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الثانية] :لا يُشْتَرَطُ في العالم أنْ لا يُخْطِئ

- ‌[المسألة الثانية] :عقيدة خَتْمْ الوَلَايَةَ

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة التاسعة] :الكرامة إذا أعطاها الله عز وجل الولي فإنَّهُ ليس معنى ذلك أنَّهُ مُفَضَّلٌ وأعلى منزلة على من لم يُعْطَ الكرامة

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌ قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ)

- ‌قوله (والفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذَاباً) :

- ‌الأسئلة:

- ‌الأسئلة:

- ‌[المسألة الأولى] :عِظَمِ شأن الدعاء

- ‌الأسئلة:

الفصل: ‌[المسألة الثالثة] :نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تحصل؟ وكيف يعرف صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يدعي أنه نبي أو رسول

[المسألة الثالثة] :

نبوة الأنبياء أو رسالة الرسل بما تَحْصُل؟ وكيف يُعْرَفُ صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس أو من يَدَّعِي أَنَّهُ نبي أو رسول

أو من يأتي بالأخبار المغيبة أو يجري على يديه شيء من الخوارق؟

والجواب عن ذلك: أنَّ المتكلمين في العقائد نظروا في هذا على جهات من النظر.

ونُقَدِّمُ قول غير أهل السنة، ونُبَيِّنْ لكم قول السلف وأهل السنة والجماعة في هذه المسألة العظيمة.

وهي من المسائل التي يقل تقريرها في كتب الاعتقاد مُفَصَّلَة.

فنقول: إنَّ طريقة إثبات نبوة الأنبياء وإرسال الرسل للناس فيه مذاهب:

1 -

المذهب الأول:

أنَّ الرسل والأنبياء لديهم استعدادات نفسية راجعة إلى القوى الثلاث والصفات الثلاث وهي السمع والبصر والقلب، فإنه يكون عنده قوة في سمعه، فيسمع الكلام؛ كلام الملأ الأعلى، وعنده قوة في قلبه، فيكون عنده تخيلات أو يتصور ما هو غير مرئي، وعنده بصر أيضا قوي يبصر ما لا يبصره غيره.

وهذه طريقة باطلة، وهي طريقة الفلاسفة الذين يجعلون النبوة من جهة الاستعدادات البشرية، لا من جهة أنها وحي وإكرام واصطفاء من الله جل جلاله.

2 -

المذهب الثاني:

قول من يقول إنَّ النبوة والرسالة طريق إثباتها والدليل عليها هو المعجزات.

وهذا قول المعتزلة والأشاعرة وطوائف من المتكلمين، وتبعهم ابن حزم وجماعة، وجعلوا الفرق ما بين النبي وغيره هو أنَّ النبي يجري على يديه خوارق العادات.

فمنهم من التزم -وهم المعتزلة وابن حزم- في أنَّه ما دام الفرق هو خوارق العادات وهي المعجزات فإذاً لا يُثْبَتُ خارقٌ لغير نبي.

فأنكروا السحر والكهانة، وأنكروا كرامات الأولياء، وأنكروا ما يجري من الخوارق؛ لأجل أن لا يلتبس هذا بهذا وجعلوا ذلك مجرد تخييل في كل أحواله.

وأما الأشاعرة فجعلوا المسألة مختلفة، وسيأتي تفصيلها في موضعها إن شاء الله عند كرامات الأولياء.

3 -

المذهب الثالث:

هو مذهب أهل السنة والجماعة والسلف الصالح فيما قرره أئمتهم وهو أنَّ النبوة والرسالة دليلها وبرهانها متنوع، ولا يُحصرُ القول بأنها من جهة المعجزات الحسية التي تُرى أو تجري على يدي النبي والولي.

فمن الأدلة والبراهين لإثبات النبوة والرسالة:

- أولاً: الآيات والبراهين.

- ثانياً: ما يجري من أحوال النبي في خَبَرِهِ وأمره ونهيه وقوله وفعله مما يكون دالاًّ على صدقه بالقطع.

- ثالثاً: أنَّ الله عز وجل ينصر أنبياءه وأولياءه ويمكِّن لهم ويخذل مدعي النبوة ويُبيد أولئك ولا يجعل لهم انتشارا كبيرا.

وهذه ثلاثة أصول.

@ أما الأول: فمعناه أنَّ من قَرَّرَ نبوة الأنبياء عن طريق المعجزات، فإننا نوافقهم على ذلك؛ لكنَّ أهل السنة لا يجعلونه دليلاً واحداً، لا يجعلونه دليلاً فرداً؛ بل يجعلونه من ضمن الدلائل على النبوة.

وهذا الدليل وهو دليل المُعْجِزَات -كما يُسَمَّى- يُعَبِّرْ عنه أهل السنة بقولهم الآيات والبراهين، وذلك لأنَّ لفظ (المُعْجِزْ) لم يرد في الكتاب ولا في السنة، لفظ (المُعْجِزَةْ) وإنما جاء في النصوص الآية والبرهان {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} ، {فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} [النمل:12] ، وقال {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} [القصص:32] ، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [البقرة:111] ، ونحو ذلك من الآيات التي تدل على أنَّ ما يؤتاه الأنبياء والرسل إنما هو آيات وبراهين.

وبعض أهل العلم جعل لفظ المُعْجِزْ نتيجة في أنَّ آية النبي وبرهان النبوة مُعْجِزْ، لكن لفظ الإعجاز فيه إجمال.

وذلك لأنه مُعْجِزٌ لمن؟

فيه إجمال وفيه إبهام.

فإعجاز ما يحصل لمن هو معجز؟

فإذا قلنا مُعْجِزْ لبني جنسه فهذا حال، مُعْجِزْ لبني آدم فهذا حال، معجز للجن والإنس فهذا حال، معجز لكافة الورى فهذا حال.

ولهذا جعل المعتزلة والأشاعرة في الخلاف ما بينهم في المعجزات جاءت من هذه الجهة:

أَنَّ لفظ معجز اختلفوا فيه، معجز لمن؟

كما سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله.

ولهذا نعدل عن لفظ الإعجاز إلى لفظ الآية والبرهان.

ونقول الآية والبرهان التي يؤتاها الرسول والنبي للدِّلالة على صدقه تكون معجزة للجن والإنس جميعاً.

فما آتاه الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم يكون مُعْجِزَاً للجن والإنس جميعا، كما قال تعالى {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] .

أما إعجاز بعض الإنس دون بعض، أو الإنس دون الجن، فهذا هو الذي يدخل في الخوارق ويدخل في أنواع ما يحصل على أيدي السحرة والكهنة وما أشبه ذلك.

أما الفرق ما بين الآية والبرهان الدال على صدق النبي مع ما يؤتاه أهل الخوارق، أنَّه هل هو معجز عامة الجن والإنس أم لا؟

فإن كان معجز لعامة الجن والإنس فهو دليل الرسالة والنبوة.

ص: 81

هذه الآيات والبراهين التي آتاها الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم أنواع:

+ النوع الأول منها القرآن وهو حجة الله عز وجل وآيته العظيمة على هذه الأمة، فتَحَدَّى الله عز وجل به الجن والإنس، ولم يستطيعوا ذلك مع أنهم متميزون في الفصاحة والبلاغة وأشباه ذلك.

فإذاً الآية والدليل الأول هو القرآن العظيم وهو الحجة الباقية.

+ النوع الثاني آيات وبراهين سمعية؛ يعني تكون دالة من جهة ما يُسمع، ومن ذلك:

تسبيح الحصى، تسبيح الطعام على عهده صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري في الصحيح أن ابن مسعود قال:(كنا نسمع تسبيح الطعام ونحن نأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)

+ النوع الثالث آيات وبراهين راجعة إلى البصر وهو ما يُبْصَرُ من أشياء لا تحصل لغيره؛ بل هي آية وبرهان على عجز الثقلين عن ذلك، مثل نبع الماء ما بين أصابعه، ومثل حركة الجمادات وأشباه ذلك.

+ النوع الرابع أدلة وبراهين فيها نُطْقُ ما لم يَنْطِقْ وهذه تشمل الأول المسموعة، وتحرك ما لم يتحرك بالعادة ويشمل حركة الجمادات، وشعور من لا يُعرف بشعورِهِ وهذه إنما يُخْبِرُ عنها نبي وتحصل للرسل والأنبياء، مثل (حنين الجذع)(2) وتسليم الحجر وأشباه ذلك

هذا نوع وهو الآيات والبراهين (3)

@ أما الثاني هو أنَّ الرسول يأتي بخبر وأمر ونهي وللرسول قول وفعل، فهذه خمسة أشياء.

وهذا النوع من الدلائل أهم من الدلائل التي ذَكَرْتُ لك فيما قبل عدا القرآن فهو أعظم الأدلة؛ وذلك أنَّ محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بأخبار -هذه تَصْدُقْ على جميع النبوات والرسالات-:

- جاء بخبر عن الله عز وجل، وهذا الخبر: منه ما يتعلق بالماضي، ومنه ما يتعلق بالحاضر، ومنه ما يتعلق بالمستقبل.

- وجاء بأمر ونهي، وهذا الأمر والنهي هو ما يدخل في الشريعة، والأوامر متنوعة والنواهي متنوعة.

- وجاء بأقوال هو قالها في التبليغ وأفعال له.

وكل هذه بمجموعها تدل للناظر على أنَّ من قال وأخْبَرَ عن الله وفَعَلَ وأَمَرَ ونَهَى فإنه صادق فيما قال؛ لأنّ كلَّ مدَّعٍ للخبر والأمر والنهي وله أقوال وله أفعال وليس على مرتبة النبوة فلابد أن يظهر لكل أحد أن يظهر كذبه فيما ادعاه وتناقضه في أقواله وأفعاله وضَعْفُ أمْرِهِ ونَهْيِهِ وعدم إِصْلَاحِهِ وأشباه ذلك.

ولهذا محمد صلى الله عليه وسلم جعل الله عز وجل له الكمال فيما أخبر به، وفيما أمر به، وفيما نهى، وفي أقواله وأفعاله، فَجَعَل إتِّباعه في الأقوال والأفعال إتِّباعاً مأمورا به {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ} [آل عمران:31] ، وقال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] ، وجعل ما يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم كخبر الله عز وجل؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، ونحو ذلك.

فاستقام أمره صلى الله عليه وسلم في هذه الأمور الخمسة، ولم يُعْرَف أنَّ أحداً طعن في شيء من هذه الأشياء واستقام على طعنه ولم يستسلم؛ بل كُلُ من طعن في واحد من هذه الأشياء فإنه آل به أمره إلى الاستسلام، أو أن يكون طعنه مكابرة دون برهان.

لهذا نقول إن هذا الدليل من أعظم الأدلة التي تُفَرِّقُ ما بين الرسول والنبي الصادق وما بين مُدّعي النبوة، فإنّ الرسول له أحوال كثيرة يُسْمَعْ في أقواله، يُرَى في أفعاله، أوامره ونواهيه جاءت بماذا؟ أخباره جاءت بماذا؟

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخْبَرَ عن أشياء حدثت في الماضي لم يكن العرب يعرفونها، وجاء تصديقها من أهل الكتاب وما كان يقرأ صلى الله عليه وسلم كتب أهل الكتاب، وجاء بأخبار عما سيحصل مستقبلاً، وجاء بأخبار عما سيحصل بين يدي الساعة وحصلت بعده صلى الله عليه وسلم شيئاً فشيئاً، منها ما حصل بعد موته سريعا، ومنها ما يحصل شيئا فشيئا، ومنها ما سيحصل بين يدي الساعة، وكل هذه الأخبار في تصديقها دالة على أنه لا يمكن أن يُعْطَاهَا إلا نبي.

كذلك ما أمر به صلى الله عليه وسلم وما نهى عنه فهو موافق للحكمة البالغة التي يعرفها أهل الدين ويعرفها أهل العقل الراجح، حتى إنَّ الحكماء شهدوا في الزمن الماضي وفي الزمن الحاضر بأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم هي شريعة ليس فيها خلل لا من جهة الفرد في عمله ولا من جهة التنظير في المجتمع بعامة.

وكذلك ما في أفعاله صلى الله عليه وسلم فكان صلى الله عليه وسلم له المقام الأكمل في التخلص من الدنيا والبعد عن الرَّفْعَة - يعني والترفع على الناس - بل كان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس في هديه وفي تواضعه وفي قوله وفي عمله صلى الله عليه وسلم، وكان أكمل الناس في عبادته، وكلُّ دعوى لمن ادَّعَى النبوة فلا بد أن يظهر فيها خلل في هذه الأشياء.

(1) البخاري (3579) / الترمذي (3633)

(2)

البخاري (3585) / الترمذي (505) / ابن ماجه (1414)

(3)

انتهى الوجه الأول من الشريط السادس.

ص: 82

أيضا هو صلى الله عليه وسلم تحدّى الناس في قوله فيما أتى به، وأخذ يدعو كما يظهر لك من قصة هرقل مع أبي سفيان وسؤالات هرقل لأبي سفيان، وأخذ يدعو غير ملتفت لخلاف من خالف، والناس يزيدون وأعداؤه ينقصون، وهذا مع تطاول الزمن ونصره الله عز وجل له، فإنَّ هذا دليل على صدقه فيما أخبر وفي أمره ونهيه وقوله وفعله صلى الله عليه وسلم.

@ أما الثالث -كما ذكرنا- هذه جنس أجناس الأدلة أنَّ الله عز وجل هو صاحب الملكوت وهو ذو الملك والجبروت، وهو الذي يَنْفُذُ أمره في بريته، فمحال أن يأتي أحد ويَدَّعِي أنه مرسل من عند الله، ويصف الله عز وجل بما يصفه به، ويذكر الخبر عن الله وأسمائه ونعوته، ثم هو في مُلْكِ الله عز وجل يستمر به الأمر إلى أن يُشَرِّع ويأمر وينهى وينتشر أمره ويغلب من عاداه ويسود في الناس ويُرفع ذكره دون أن يعاقب، ولهذا قال عز وجل في بيان هذا البرهان {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:44-47] ، لو كانت الدَّعْوَةُ في ملك الله عز وجل وهذا يَدَّعِي أنه مُرْسَلٌ ونبي ويأتي بأشياء يقول هي من عند الله، فإنّ مالك الملك لا يتركه وحاله بل ربما جعل ذلك ابتلاءً وامتحانا للناس، ولكن لا يُنْصَرْ وتكون شريعته هي الباقية ويكون ذكره هو الذي يبقى، ويكون خبره عن الله وعن أسمائه وصفاته ودينه وشرعه وعن الأمم السالفة وعما يحصل هو الذي يبقى في الناس، فإنَّ هذا مخالف لقول الله عز وجل (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) والمشركون لما كذّبوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا {شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور:30] ، لأنّ السُّنَّةَ ماضية عند العقلاء أن الذي يَدَّعِي عن الله عز وجل فإنما يُتَرَبَصُ به الهلاك والإفناء.

{شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} فجاء البرهان {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ} [الطور:31] ، لأنّ هذا برهان صحيح، فتربصوا فإنِّي معكم من المتربصين {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ} وقد صدقتم في هذا البرهان لأنه لو كان كما تقولون كاذب فإنه يُتَرَبَصُ به ريب المنون وأن يُهْلِكَهُ الله عز وجل وأن يجعله مخليا وأن يجعله عبرة لمن اعتبر.

فالنبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والمرسلين جعلهم الله عز وجل حملةً لرسالته وشَرَّفَهُم ورَفَعَ ذِكْرَهُمْ ونَصَرَهُم بين الناس، ولهذا تجد أنَّ الرسالات هي الباقية في الناس، رسالة موسى عليه السلام ورسالة إبراهيم ورسالة عيسى عليه السلام ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكل واحدة منها دخلها من التحريف ما دخلها، فأتباع إبراهيم حرَّفُوا في دينهم حتى أصبحوا على غير ملة إبراهيم، وأتباع موسى من اليهود الآن على غير دين موسى، وأتباع عيسى عليه السلام الآن على غير دين عيسى، وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين حفظهم الله عز وجل وجعل منهم طائفة ظاهرين بالحق يقومون به إلى قيام الساعة.

هذا ما يتعلق بالمسألة الثالثة.

ص: 83

[المسألة الرابعة] :

أنَّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بشر يجوز في حقهم ما يجوز في حق البشر مما هو من الِجِبِلَّةْ والطبيعة، ولهذا في القرآن يكثر وصفهم بأنهم بشر وأنّ محمدا صلى الله عليه وسلم بشر لكن يُوحَى إليه.

وأما من جهة الذنوب والآثام أو نجعل البحث هذا يعني رأس المسألة منقسم إلى ثلاثة أقسام:

- القسم الأول من حيث الأمراض والعاهات:

فعند أهل السنة والجماعة أنَّ الرسل والأنبياء يُبتَلَونَ ويمرضون مرضاً شديداً، وعند الأشاعرة أنهم يمرضون ولكن بمرض خفيف ولا يمرضون بمرض شديد.

هذا غلط بَيِّنْ فإنّ ابن مسعود دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إني أراك تُوعَكَ - يعني فيك حمى شديدة - قال (أجل إني أُوعَكَ كما يوعك رجلان منكم) قال ابن مسعود: ذلك بأن لك أجرين؟ قال (نعم)(1) إلى آخر الحديث، والأنبياء يُضَاعَفُ عليهم أو يشتدّ عليه البلاء بأنواع.

فإذاً من جهة الأمراض والأسقام التي لا تؤثر على التبليغ وصحة الرسالة فإنهم ربما أُبْتلُوا في أجسامهم وأبدانهم بأمراض متنوعة شديدة.

-القسم الثاني، من جهة الذنوب:

الذنوب أقسام:

فمنها الكفر وجائز في حق الأنبياء والرسل أنْ يكونوا على غير التوحيد قبل الرسالة والنبوة.

والثاني من جهة الذنوب، فالذنوب قسمان كبائر وصغائر:

- والكبائر جائزة فيما قبل النبوة، ممنوعة فيما بعد النبوة والرسالة؛ فليس في الرسل من اقترف كبيرة بعد النبوة والرسالة أو تَقَحَّمَها عليهم الصلاة والسلام بخلاف من أجاز ذلك من أهل البدع.

- أما الصغائر فَمَنَعَ الأكثرون فِعْلَ الصغائر من الأنبياء والرسل، والصواب أَنَّ الصغائر على قسمين:

أ - صغائر مؤثرة في الصدق؛ في صدق الحديث وفي تبليغ الرسالة وفي الأمانة، فهذه لا يجوز أن تكون في الأنبياء، والأنبياء منزهون عنها؛ لأجل أنها قادحة أو مؤثرة في مقام الرسالة.

ب - والثاني من الأقسام صغائر مما يكون من طبائع البشر في العمل أو في النظر أو في ما أشبه ذلك، أو من جهة النقص في تحقيق أعلا المقامات وأشباه ذلك، فهذه جائزة، ولا نقول واقعة؛ بل نقول جائزة، والله عز وجل أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:1-2] الآية، فالنبي صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

(1) البخاري (5647) / مسلم (6724)

ص: 84

[المسألة الخامسة] :

هي أنّ الرسول والنبي فيهم شروط أو أوصاف عامة جاءت في القرآن والسنة:

أولا أَنَّ الرسول يكون ذكراً وكذلك الأنبياء ذكوراً، فليس في النساء رسولة ولا نبية، وإنما هم ذكور.

الثاني أنهم من أهل القرى يعني ممن يسكنون القرى ويتَقَرَّون ويجتمعون، وليسوا من أهل البادية يعني ممن يبدون كما جاء في آية يوسف.

الثالث أنَّ الرسول لابد أن يُكَذَّب، فلم يأتِ رسول إلا وكُذِّب كما قال عز وجل {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف:110] .

مباحث النبوة والرسالة كثيرة متنوعة، وهذه يعني بعض المسائل المتعلقة بها، وقد لا تجد ذلك مجموعاً في موضع واحد.

ولاشك أَنَّ هذا البحث، خاصة دلائل النبوة بحث مهم، واعتنى به أئمة السنة والسلف، وصنف فيه عدد من العلماء في دلائل النبوة وفي آيات وبراهين النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

نكتفي بهذا القدر، ونقف عند قوله (وإنَّه خَاتَمُ الأنبياءِ، وإِمَامُ الأتْقِيَاءِ) إن شاء الله.

ص: 85