الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الخامسة والخمسون لا عذر لمن أقرّ
هذه القاعدة رويت في حديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: "لا عذر لمن أقرّ"(1)، لكن هذا الحديث لا يصح ولا أصل له كما قاله جمع من حفاظ الحديث، لكن هذه القاعدة دلت عليها أدلة كثيرة أجمع العلماء عليها في صحة الإقرار، وكلمة "لا عذر لمن أقر" قد ينازع في صحتها على التفصيل وذلك إن ظاهرها أن كل مقر بصرف النظر عن صفة إقراره أنه لا عذر له.
وهذا فيه تفصيل في مسائله ليس على إطلاقه، بل بعض المقرين يعذر لسبب من الأسباب وظاهر هذه القاعدة العموم؛ لأنها نكرة في سياق النفى فتشمل كل مقر، فقد يقال إن في عمومها نظراً فلهذا لا تصح على إطلاقها، أما هي من حيث الجملة فثابتة بالكتاب والسنة والإجماع،
وقد صحت الأخبار عنه عليه الصلاة والسلام أنه أقام الحدود على المقرين، كما رجم ماعزاً والغامدية (2)، وكذلك قطع يد الذي سرق بعد
(1) ذكر الشيخ حفظه الله في الشرح أن الحديث باطل ولا يصح ولا أصل له كما قاله جمعٌ من الحفَّاظ.
(2)
أخرجه البخارى في صحيحه في كتاب الأحكام، باب من حكم في المسجد (13/ 156)، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحدرد (3/ 1318) كلاهما من حديث أبي هريرة رضى الله عنه.
وأما إقامته الحد على الغامدية فقد أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحدود (5/ 120) من حديث بريدة رضى الله عنه.
إقراره (1)، لقوله تعالى:{وَلملِلْ الذِي عَلَيْهِ الحَقُّ} (2) إذ لا يملل إلا عن إقرار ولا يكتب للذي عليه من الحق إلا بعد إقراره، ولأجل هذا نسب الإملاء إليه فدل على أنه كان معترفاً مقراً وهذا محل إجماع.
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 293)، وأبو داود في سننه في كتاب الحدود (4/ 4380) باب في التلقين في الحد، والنسائى في سننه (8/ 67) كتاب قطع السارق، باب تلقين السارق، وابن ماجه في سننه (2/ 866) كتاب الحدود، باب تلقين السارق كلهم من طريق أبى المنذر مولى أبي ذر عن أبى أمية المخزومي رضى الله عنه. . به فذكره. . ". وأبو المنذر قال عنه الذهبى في "الميزان" (4/ 577):"أبو المنذر عن مولاه أبى ذر لا يُعرف، وعنه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة".
فالذهبى هنا حكم عليه بأنه مجهول لا يعرف، فالحديث بهذا السند فيه ضعف، وقد جاء للحديث شاهد من حديث أبى هريرة رضى الله عنه بنحوه لكن بدون ذكر الاعتراف.
وقد أخرج حديث أبي هريرة الدارقطنى في سننه (3/ 331)، والحاكم في المستدرك (4/ 381)، والبيهقى (8/ 275 - 276) من ثلاث طرق عن عبد العزيز محمد الدراوردي أخبرنى يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبى هريرة رضى الله عنه بلفظ: أن رسول الله أتى بسارق سرق شملة. فقالوا: يا رسول الله إن هذا قد سرق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا به فاقطعوه، ثم احسموه، ثم ائتُونى به فقطع، فأتى به. فقال: تبْ إلى الله. فقال: تبتُ إلى الله. قال: تاب الله عليك".
وقد أعله الدراقطنى بقوله: "ورواه الثوري عن يزيد بن خصيفة مرسلاً" وساق إسناده إليه بذلك.
وكذلك رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 96) من طريق ابن إسحاق وابن جريج كلاهما عن يزيد بن خصيفة به. . " وهذا يدل على أن رواية من أرسله كالثورى وابن إسحاق وابن جريج هى الصواب وهى أقوى من رواية الدراوردى حيث وَهِم في الحديث، قال عنه الذهبي في "الميزان". (2/ 634): "صدوق من علماء المدينة غيره أقوى منه، قال الإمام أحمد: إذا حدث من حفظه يهم ليس هو بشيء وإذا حدث من كتابه فنعم، وقال أحمد: إذا حدث من حفظه جاء ببواطيل ".
(2)
سورة البقرة، الآية 282.
وأيضاً من جهة المعقول أن الذي يقر بالشئ مع توافر شروط الإقرار لا يكون مقراً إلا بما هو حق عليه وواجب عليه، ولا يمكن أن يقر بشيء يضرُّ به ويجلب الضرر عليه وهذا الحق الذي يُطالب به غير ثابت عليه، فالإقرار هو أقوى البينات كما قال أهل العلم، لأن تلك البينات يعتريها ما يعتريها بخلاف الإقرار فإنه منْ نفس مَنْ عليه الحق أو من يطالب، ولهذا الحاكم والقاضى لا يطلب شيئاً قبله، فإذا ادعى إنسان على إنسان شيئاً فإن القاضي لا يقول للمدّعى أين الشهود؟ بل يقول للمدّعَى عليه أتقر بها؟، فإذا أقر ثبت الحق.
والإقرار لغة: هو الاعتراف، واصطلاحاً: هو الإخبار عن ثبوت للغير على المخبر أى على المقِر.
وقد ذكر العلماء شروطاً للإقرار منها ما هو محل خلاف، ومنها ما هو محل اتفاق.
فمن شروط الإقرار، العقل، البلوغ، عدم التهمة، ومنها أن يكون الحق المقر به معلوماً، فلو أقر بشيء مبهم وجب عليه أن يبين الحق الذي عليه وثبت من حيث الجملة، لكن لا يصح حتى يبين ما عليه من الحق.