الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يزول بالشك" هذه قاعدة مستنبطة من حديثين عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث عبد الله بن زيد في الصحيحين، ومن حديث أبي هريرة في صحيح مسلم، ففي حديث عبد الله بن زيد أنه قال: شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" (1)، وجاء معناه - أيضاً - في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فصاغ أهل العلم من هذا الباب قاعدة وهي قولنا "اليقين لا يزول بالشك" وهو استنباط صحيح وواضح، وهي قاعدة متفق عليها.
*
سادسًا: كم عدد القواعد
؟:
اختلف أهل العلم في عددها، منهم من جعلها بالمئات، ومنهم من ردّها إلى قاعدة واحدة، وهذا الاختلاف في الحقيقة ليس اختلافاً معنوياً، مثلاً: العز بن عبد السلام رحمه الله ردّ الشريعة كلها إلى تحصيل المصالح، فهذه القاعدة عنده هي الأصل في هذا الباب وتجمع القواعد كلها، فالشريعة جاءت بتحصيل المصالح ودرء المفاسد، ويقول: إن تحصيل المصالح لا يحصل إلا بدرء المفاسد، فإذا وجدت المفاسد لم تحصل المصالح فهو راجع إلى تحصيل المصالح، وبعضهم
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الوضوء (1/ 46)، باب: لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، ومسلم في صحيحه في كتاب الحيض (3/ 50)، كلاهما من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبَّاد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد رضى الله عنه به فذكره. . "، وله شاهد من حديث أبى هريرة في صحيح مسلم من طريق سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه به مرفوعاً: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه، أَخرَجَ منه شيء أم لا. . . الحديث".
جعلها أربعاً:
(1)
اليقين لا يزول بالشك.
(2)
العادة محكِّمة.
(3)
المشقّة تجلب التيسير.
(4)
لا ضرر ولا ضرار.
وهذا اعتمده السُّبكى في كتابه الأشباه والنظائر، وبعضهم زاد قاعدة "الأمور بمقاصدها"، والذين يجعلونها أربعاً يقولون إن هذه القاعدة وهي الأمور بمقاصدها داخلة في واحدة من هذه القواعد، وكذلك من جعلها خمساً أو أربعاً أو واحدة لا ينكر تلك القواعد لكنه يقول إنها داخلة ضمن تلك القواعد وأنها مستخلصة منها، ولأجل هذا يذكرون هذه القواعد الكلية ويفرّعون عليها قواعد عظيمة وكثيرة كما هو مُدَوّن في كتبهم.
وهذه القواعد الخمس التى سبق ذكرها وهي "اليقين لا يزول بالشك"، "المشقة تجلب التيسر"، "لا ضرر ولا ضرار"،"الأمور بمقاصدها، أو إنما الأعمال بالنيات"، "العادة محكَّمة"، هذه قواعد مقطوع بها ومتفق عليها، ويِلحق بها قواعد كلية متفق عليها، لكن يختلف في تفاريع بعض المسائل، هل تدخل في هذه القاعدة أو لا تدخل؟.
أما أصل هذه القواعد فمتفق عليها، وهي الأصل في هذا الباب وهي هذه القواعد الخمس، ويلحق بها قواعد كثيرة متفق عليها مثل قولهم "الاجتهاد لا ينقض
باجتهاد" وما أشبه ذلك، ثم قد يكون دليلها نص حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم مثل قولهم "الخراج بالضمان" فهذا نص حديث عن النبى عليه الصلاة والسلام وما جاء في هذا المعنى من أدلة هى كالقواعد في هذا الباب، بل هي قواعد في بابها.
وقد يكون دليلها عمل الصحابة - رضى الله عنهم - فمثلاً قولهم "الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد" هذا ذكر أهل العلم أنه محل اتفاق من الصحابة رضي الله عنهم، وأن عمر - رضى الله عنه - قضى في المشركة بمشاركة الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم (1)، قال أهل العلم إنَّ فِعْلَ عمر - رضى الله عنه - وموافقة
(1) أثر عمر - رضى الله عنه - في مسألة المشركة:
أخرجه الدارقطنى في سننه (4/ 88) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن مسعود بن الحكم الثقفي قال: "أتى عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - في امرأة ماتت وتركت زوجها وأمها وإخواتها لأمها وإخوتها لأبيها وأمها فشرَّك بين الإخوة للأم وبين الإخوة للأم والأب بالثلث. . . " الحديث.
قال في التعليق المغنى: وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه، وأخرجه البيهقى من طريق ابن المبارك عن معمر لكن قال: عن الحكم بن مسعود وصوَّبهُ النسائى".
وأخرجه البيهقى في السنن الكبرى (6/ 255) من طريق ابن المبارك عن معمر به.
والأثر من هذا الطريق صحيح الإسناد.
وقد أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 337) من طريق أبى أمية بن يعلى الثقفي عن أبى الزناد عن عمرو بن وهب عن أبيه عن زيد بن ثابت في المشركة قال: "هبوا أنَّ أباهم كان حماراً ما زادهم الأب إلا قرباً، وأشرك بينهم في الثلث".
قال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبى.
لكن تعقبه الحافظ في التلخيص (3/ 86) فقال: "فيه أبو أمية بن يعلى الثقفى، وهو ضعيف".