الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة السادسة والأربعون من له الحق على الغَير وكان سبب الحق ظاهرًا فله الأخد من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه، وإن كان السبب خفيًا فليس له ذلك
هذه القاعدة فيها خلاف، وهو من كان له حق على إنسان فهل له أن يأخذ بغير علمه؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يجوز له أنه يأخذ بغير علمه.
القول الثاني: أنه لا يجوز له أن يأخد بغير علمه.
القول الثالث: أنه يفصّل بين السبب الظاهر والسبب الخفي.
فالسبب الظاهر يجوز أن يأخذ به حقه بلا إذنه لظهور سبب استحقاقه.
والسبب الخفى لا يجوز الأخذ به، وهذا القول هو الذي اختاره المصنف وذهب إليه جمع من أهل العلم، وقالوا: إنه وسط بين الأقوال، وهذا القول أقرب الأقوال.
مثال ظهور سبب الاستحقاق: إنسان ضاف قومًا فمنعوه من ضيافته، فله أن يأخذ من أموالهم بغير علمهم لأنه إذا علم أن هذا هو الضيف وظهر منعه من حقه فله أن يأخذ من أموالهم بغير علمهم، وهذا كله على القول بوجوب الضيافة، أما من يقول بعدم الوجوب فيقول لا يجوز أن يأخذ من أموالهم، لكن المختار أنه واجب وهو قول الإمام أحمد، واختاره الليث، والدليل عليه حديث عقبة بن عامر
أنهم قالوا: إننا نمرّ بأقوام لا يُقْرُونَنَا فهل نأخذ من أموالهم؟ قال: إذا مررتم بأقوام لم يقروكم، ما ينبغى للضيف فخذوا منهم بقدر قِراكُم (1).
وعن المقدام بن معدي كرب أنه قال: من أصبح بفناء قوم محرومًا فإنَّ نصره واجب على كل مسلم حتى يأخذ بقدر قِرَاه (2).
فهذا صريح في أنه يجب أخذ الحق إذا كان السبب ظاهرًا، ومثله نفقة الزوجة لأنها ظاهرة وواضحة، فالنفقة واجبة على الزوج، فإذا كان يقصّر في النفقة الواجبة فإن لها أن تأخذ بغير علمه لحديث عائشة - رضى الله عنها - في قصة هند بنت عتبة أنه عليه الصلاة والسلام قال:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"(3)، أما إذا كان السبب خفيًا فهذا موضع خلاف، ذهب الشافعي وجماعة وقول في مذهب أبي حنيفة ومالك إلى أنه يجوز أن يأخذ، فمن كان يطلب
(1) أخرجه البخارى في صحيحه في كتاب المظالم، باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه (3/ 18)، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب اللقطة، باب الضيافة ونحوها (5/ 138) كلاهما من حديث عقبة بن عامر رضى الله عنه.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/ 91 - 92)، وأبو داود في سننه بألفاظ متعددة كلاهما من طريق منصور عن الشعبى عن المقدام بن معد يكرب أبى كريمة رضى الله عنه به فذكره. وإسناده صحيح.
وجاء له طريق آخر عن المقدام من طريق ابن المهاجر عن المقدام بن معد رضي الله عنه ولفظه: "أيما مسلم أضاف قومًا فأصبح الضيف محرومًا فإنَّ حقًّا على كلِّ مسلم نصرُه حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله". وفي لفظ: "على كل مسلم لليلة الضيف حق واجبة فإن أصبح بفنائه فهو عليه دين، إن شاء اقتضى وإن شاء ترك".
(3)
سبق تخريجه ص: 101.
إنسانًا دينًا قال الشافعى أنه يجوز له أن يأخذ، وقال بعضهم أنه يجوز أن يأخذ إذا كان لا يمكن إثباته عند القاضي، أما إذا كان يمكن إثباته عند القاضي مثل أن يكون الذي عليه الدَّين مقرًا بهذا الدين، أو عنده بينة، فقالوا لا يجوز له في هذه الحال أن يأخذ.
وهذا القول قال به كثير من أهل العلم وهو عند خفاء السبب، وقالوا إنه ينسب إلى الخيانة وإلى السرقة، والرسول عليه الصلاة والسلام قال:"أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك"(1)؛ لأنه إن قيل بفتح هذا الباب
(1) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب البيوع (3/ 805) باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، والترمذي في سننه في كتاب البيوع (2/ 368) من طريق طلق بن غنام عن شريك وقيس بن الربيع عن أبى حصين عن أبى صالح عن أبى هريرة رضى الله عنه به فذكره.
قال الترمذى عقب سياقه: "هذا حديث حسن غريب".
وقال الحاكم في المستدرك "صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبى، ولكن فيه شريك بن عبد الله القاضى وحالُه معروف من كونه سيئ الحفظ، وأيضًا فقد تفرد به طلق بن غنام عن شريك كما ذكر ذلك الحافظ في التلخيص (3/ 112).
ولهذا قال ابن أبى حاتم في العلل (1/ 375) عن أبيه: "حديث منكر لم يروه غير طلق بن غنام، يقصد به تفرده بهذا الخبر عن شريك بن عبد الله القاضى.
وجاء للحديث شاهد آخر من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه عند الدارقطنى في سننه (2/ 303 - 304)، والطبرانى في المعجم الصغير كلهم من طريق أيوب بن سُويد عن بن شوذب عن أبي التياح عن أنس رضى الله عنه به.
وقال الطبرانى عقب سياقه: "تفرد به أيوب" وقال الحافظ في التلخيص (3/ 112): "وفيه أيوب بن سويد الرملي مختلف فيه، وذكر الطبرانى أنه تفرد به".
لأفضَى إلى النصب والاحتيال والسرقات، حتى وإن قيل لا يمكن نسبته إلى الخيانة أو إلى السرقة؛ لأن هذا لا ينضبط.
= وأيوب بن سويد قد ضعّفه الإمام أحمد وابن معين والنسائى وأبو حاتم، وقال ابن عدي: يُكتب حديثه في جملة الضعفاء.
وللحديث شاهدٌ من طريق حُميد الطويل عن يوسف بن ماهك المكي عن رجل سمع النبى صلى الله عليه وسلم وذكر قصة وهى: كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليُّهم فغالطوه بألف درهم فأدّاها إليهم فأدركت له من مالهم مثليها قال: قلت: أقبض الألف الذى ذهبوا به منك؟ قال: لا، حدثنى أبى أن رسول صلى الله عليه وسلم يقول:"أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك".
وفي إسناده هذا الرجل الذي لم يُسم، ومع ذلك فقد صححه ابن السكن كما، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر عنه في التلخيص (3/ 112) مع أن الحافظ قال عنه:"وفيه هذا المجهول".
ثم قال أيضًا: "ورواه البيهقى من طريق أبى أمامة بسند ضعيف، ومن طريق الحسن مرسلًا، قال الشافعى: هذا الحديث ليس بثابت، وقال ابن الجوزى: لا يصح من جميع طرقه، ونُقل عن الإمام أحمد أنه قال: هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح". اهـ. من كلام الحافظ في التلخيص (3/ 112).
فالحديث بمجموع هذه الطرق يكون من باب الحسن لغيره.