الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثالثة والعشرون المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً
هذه القاعدة في نفس الحديث الذي سبق ذكره، ففي نهاية الحديث قال:"والمسلمون على شروطهم "(1)، وجاءت الأدلة بوجوب الوفاء بالعقود والعهود، وكان عليه الصلاة والسلام يعاهد ويكتب شروطًا بينه وبين أعدائه، فَيَفِي بها عليه الصلاة والسلام، فالأصل في الشروط والصلح الصحة بين المسلمين، وبين المسلمين والكفار، والحديث الذي جاء فيه "الصلح جائز بين المسلمين "(2) للأعم الأغلب؛ لأنه في الغالب أن هذه الشروط وأنواع الصلح تجري بين المسلمين، مع إن الشروط وأنواع الصلح تجري بين المسلمين والكفار إما في الصلح المتعلق بوضع الحرب، أو تكون في معاملة بين مسلم وكافر، فالأصل هو وجوب الوفاء بالشروط، ثم الأصل في الشروط الصحة وهذا هو قول جاهير أهل العلم.
وقال بعضهم: الأصل في الشروط البطلان، لكن الصواب القول الأول وهو أن الأصل في الشروط الصحة للحديث السابق، ولما جاء من سيرته عليه الصلاة والسلام أنه كان يشترط ويُشترط عليه عليه الصلاة والسلام.
(1) سبق تخريجه ص:167.
(2)
سبق تخريجه ص:167.
وقال عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة في قصة بَريرَة: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط "(1).
وقال عليه الصلاة والسلام: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(2)، وهذا المراد به الشروط المخالفة لكتاب الله، فقول:"كل شرط ليس في كتاب الله" المراد به أي المخالف لكتاب الله، فكل شرط مخالف لكتاب الله فهو باطل.
والشروط على ثلاثة أنواع:
الأول: أن تكون موافقة للأدلة، فهذه محل اتفاق بجوازها ووجوب الالتزام بها.
الثاني: شروطاً سكتت عنها النصوص، فهذه - أيضاً - الأصل فيها الصحة.
الثالث: أن تكون شروطاً مخالفة للنصوص، وهذه لا تجوز.
والشروط قد تكون من مقتضى العقود، فهذه جاء الكتاب بالأمر بالوفاء بها، فيجب الوفاء بها ولو لم تشترط، مثل لو باع بيته أو سيارته فمن مقتضى العقد صحة تصرفه بأنواع التصرفات، فلا يجوز أن يشترط عليه ألا يبيعه أو يوقفه أو يهبه.
(1) أخرجه البخارى في صحيحه في كتاب البيوع، باب: إذا اشترط شرطاً في البيع لا تحل (1/ 539)، ومسلم في صحيحه في كتاب العتق (2/ 1422 - 1143) كلاهما من حديث عائشة رضى الله عنها به فذكرته. وفيه:"ثم قام رسول الله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق".
(2)
سبق تخريجه ص: 62.
وفي بعض أنواع هذه الشروط خلاف، فقال بعض أهل العلم تجوز مثل هذه الشروط لعموم الأدلة في صحة الشروط خاصة مع ظهور المصلحة في اشتراط الشرط لأحدهما، هذا هو النوع الأول.
النوع الثاني: ما كان من مصلحة العقد، فهذا إذا سُكِت عنه فالأصل عدَمُه وعدم وجوبه إلا أن يُشترط، كالرهن والضمين والكفيل، وكذلك اشتراط نفع في المبيع أو اشتراط نفع البائع فهذه الشروط من مصلحة المتعاقدين أو أحدهما، كالرهن من مصلحة المتعاقدين جميعاً، وشرط نفع المبيع مثل إنسان باع بيتاً واشترط أن يسكن فيه سنة مثلاً، وهذا الشرط الصواب جوازه خلافاً لمن منعه، وقد باع جابر رضي الله عنه النبى عليه الصلاة والسلام جملاً واشترط حِملانه عنه إلى المدينة (1)، وكذلك لو اشترط نفعاً في البائع مثل أن يشتري منه ما يحتاج إلى حمل، فيشترط أن يحمله إلى بيته فهذا لا بأس به.
فالأصل في الشروط الصحة ووجوب الالتزام إلا ما دلّ الدليل على تحريمه، فلا واجب إلا ما أوجبه الله والرسول، ولا حرام إلا ما حرّمه الله ورسوله، ولا مستحب إلا ما استحبه الله ورسوله، ولا مكروه إلا ما كرهه الله ورسوله، ولا مباح إلا ما أباحه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.
(1) أخرجه البخارى في صحيحه مع الفتح (5/ 314) في كتاب الشروط، باب: إذا اشترط البائع ظهر الدابّة، ومسلم في في صحيحه في كتاب المساقاة (3/ 1221) كلاهما من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه به. . . فذكره".
فمن قال أن هذا لا يجوز فعليه الدليل؛ لأن الأصل الجواز، ومن قال إن هذا واجب، فعليه الدليل؛ لأن الأصل عدم الوجوب، وهكذا في المستحبات والمكروهات والمباحات، فكل هذه الأشياء داخلة في ضمن هذه القاعدة وأنه يجوز اشتراط مثل هذه الشروط في جميع أنواع العقود، وكذلك الشروط في الأوقاف وما أشبهها، فالأصل فيها الصحة إلا أن تكون مخالفة لكتاب الله، سبحانه وتعالى.