الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الأربعون يجب فعل المأمور به كله، فإنه قدر على بعض وعجز عن باقيه فعل ما قدر عليه
هذه القاعدة فيها تفصيل من حيث المقدور عليه، والمراد بالمأمور به من جهة الشرع، فإذا كان الإنسان مأمورًا بعدة واجبات وقدر على بعضها ولم يقدر على الباقى فإنه يأتي بما قدر عليه ويسقط عنه ما لم يقدر عليه، وهذا له أحوال:
الحالة الأولى: أن يكون المقدور عليه ليس مقصودًا في نفسه إنما هو وسيلة إلى المقصود، مثاله: الإنسان مأمور بتحريك لسانه أثناء قراءة الفاتحة وهي واجبة ولا يكون إلا بتحريك اللسان وإلا كان إمرارًا في خاطره وليست قراءة، فإذا كان لا يقدر على الفاتحة أصلًا ولا يعرفها فهل نأمره بتحريك لسانه، فهذا إنسان أعجمي أو إنسان لا يحسن شيئًا والواجب القراءة والتحريك، فهل نأمره بتحريك لسانه لأنه غير قادر على الفاتحة أو لا نأمره؟ الصواب: أن هذا التحريك لا يكون واجبًا؛ لأن التحريك ليس مقصودًا في نفسه إنما هو وسيلة محضة للقراءة.
مثاله: أيضًا إمرار الموسى على الرأس في الحج والعمرة إذا لم يكن عليه شعر هل هو واجب أم مستحب؟
ذهب بعضهم إلى أنه يجب إمرار الموسى، والصواب أنه لا يجب لأنه وسيلة وليس مقصورًا في نفسه، والذي ذهب إليه جماهير أهل العلم إلى أنه مستحب ومنهم من حكم على ذلك الإجماع، لأنه لما سقط المقصود سقط ما هو وسيلة له
ولأن الوسيلة غير مقصودة فإذا سقط الأصل سقط التبّع.
الحالة الثانية: ما وجب تَبعًا لغيره، وهذا على قسمين:
القسم الأول: ما كان وجوبه احتياطًا مثل غسل رأس المرفق، فإذا توضأ الإنسان وغسل يديه إلى المرفق فإنه لابد أن يكون الماء تجاوز رأس المرفق الذي في الذراع إلى رأس المرفق الذي في العضد أي تجاوز محاذاته، فلو قطعت يده من المرفق وبقى رأس العضد، هل يجب غسل رأس العضد لأنه وجب احتياطًا أو لا يجب؟، هذا فيه خلاف والصحيح أنه لا يجب؛ لأنه لما سقط وجوب غسل اليد سقط وجوب غسل العضد.
القسم الثاني: ما وجب على جهة التكميل، مثل رمي الجمار والمبيت بمنى الليالي الثلاث، فلو أن إنسانًا فاته الوقوف بعرفة في هذه الحال هل نقول له إنه يلزمك أن تذهب إلى منى وترمى جمرة العقبة وتبيت بها ثلاث ليال، أو نقول إنه لا يجب لأنه لما فات الحج سقط ما هو من لواحقه، والصواب أنه لا يجب لأنه لما فات الحج لم يجب عليه ما هو من لواحقه.
الحالة الثالثة: ما هو جزء من العبادة وليس بعبادة في نفسه.
مثاله: إنسان لا يستطع الصوم من رمضان لكنه يستطيع أن يمسك إلى الظهر فهل يلزمه هذا؟ نقول: هذا لا يلزمه بلا خلاف.
الحالة الرابعة: ما هو جزء عبادة وهو عبادة في نفسه، وهذا هو الذي يحمل عليه كلام المصنف في هذه القاعدة، أما الأنواع الثلاثة السابقة غير لازمة، إنما يُحمل ما جاء في القاعدة على ما كان من عبادة في نفسه.
مثاله: إنسان يستطيع القيام في الصلاة لكن لا يستطيع قراءة الفاتحة، نقول يجب عليه القيام لأن القيام ركن مقصود في نفسه، ومنه - أيضًا - من يستطيع قراءة بعض الفاتحة، في هذه الحال نقول إنه يلزمه أن يقرأ ما استطاع من الفاتحة، ومنه أيضًا غسل الجنابة، مثاله: إنسان لا يستطيع أن يغسل جميع بدنه أو عنده ماء قليل لا يكفى أن يغسل بدنه كله، فهل يلزمه أن يغسل بعض البدن أو لا يلزمه؟ سبق لنا أن قلنا إن غسل بعض البدن من الجنابة جزء عبادة فعلى هذا يلزمه أن يغسل بعض بدنه؛ لأن الوضوء يخفف الجنابة، ولأنه يشرع عند الأكل - أيضًا - وعند الشرب، فتبين أن غسل بعض البدن عبادة، وجاء عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتوضأون ويجلسون في المسجد مع وجود الجنابة، فهو عبادة في نفسه فكان مقصودًا وكذلك الوضوء فإذا وجد الماء لبعض أعضائه إنْ قلنا إنّ بعضه مأمورٌ به دخل في القاعدة، وإنْ قلنا إنه جزء عبادة وليس عبادة في نفسه فإنه غير داخل، وهذا سبق أن أشرنا إليه.
ومنه - أيضًا - السجود فلو أن إنسانًا لا يستطيع السجود على الجبهة لكنه يستطع أن يسجد على أنفه، فقول كثير من أهل العلم وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يسقط عنه السجود على سائر الأعضاء.
وقال بعضهم إن السجود على بقية الأعضاء مأمور به مقصودٌ في نفسه فيجب عليه وهذا أصح.