المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الثالثة عشر الإتلاف يستوي فيه المتعمد والجاهل والناسي - شرح القواعد السعدية

[عبد المحسن الزامل]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أولاً: تعريف القاعدة:

- ‌القاعدة معناها لغة:

- ‌فالحسي:

- ‌والمعنوي:

- ‌واصطلاحاً:

- ‌ ثانياً: يذكر العلماء في باب القواعد ما يسمى الضابط، فهل هو ومسمى القاعدة واحد أو بينهما فرق

- ‌ ثالثاً:‌‌ الأشباهوالنظائر هل هي مختلفة، أو معناها واحد

- ‌ الأشباه

- ‌الأمثال

- ‌النظائر:

- ‌ رابعاً: ال‌‌قواعد الأصولية و‌‌القواعد الفقهية:

- ‌قواعد الأصول

- ‌القواعد الفقهية:

- ‌القواعد الأصولية:

- ‌ خامساً: كيف تصاغ القواعد الفقهية:

- ‌ سادسًا: كم عدد القواعد

- ‌ سابعاً: القاعدة هل يُحتج بها أو لا يُحتج بها

- ‌ ثامناً: إذا خالف الحاكم أو القاضي القاعدة، هل يقبل حكمه أو لا يُقبل

- ‌القاعدة الأولى الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة

- ‌القاعدة الثانية الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها ووسيلة المباح مباح، ويتفرع عليها الأعمال ومكملاتها تابعة لها

- ‌القاعدة الثالثة المشقة تجلب التيسير

- ‌1) مشاق لا تنفك عنها العبادة

- ‌2) مشاق تنفك عنها العبادات غالباً

- ‌أ) مشقة عظيمة جداً:

- ‌ب) مشقة يسيرة جداً:

- ‌ج) مشقة وسط:

- ‌القاعدة الرابعة الوجوب يتعلق بالاستطاعة، فلا واجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة

- ‌الحالة الأولى: أن يكون قادرًا ببدنه قادرًا على ما أمر به:

- ‌الحالة الثانية: قادر ببدنه عاجز عن الآلة المأمور بها:

- ‌الحالة الثالثة: عاجز ببدنه، قادر على الآلة التي أمر بها:

- ‌القاعدة الخامسةالشريعة مبنية على أصلين:

- ‌القاعدة السادسة الأصل في العبادات الحظر، فلا يُشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأصل في العادات الإباحة، فلا يحرّم إلا ما حرَمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌القاعدة السابعة التكليف وهو البلوغ، والعقل شرط لوجوب العبادات، والتمييز شرط لصحتها إلا الحج والعمرة، ويشترط لصحة التصرف التكليف والرشد، ولصحة التبرع التكليف والرشد والملك

- ‌1 - الاحتلام:

- ‌2 - استكمال خمس عشرة سنة:

- ‌3 - نبوت الشعر الحسين حول القُبُل:

- ‌القاعدة الثامنة الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين وجود الشروط وانتفاء الموانع

- ‌القاعدة التاسعة العرف والعادة يرجع إليه في كل حُكمٍ حَكَم الشارع به ولم يَحدّه

- ‌القاعدة العاشرة البينة على المدّعي، واليمين على من أنكر في جميع الدعاوي والحقوق وغيرها

- ‌القاعدة الحادية عشر الأصل بقاء ما كان على ما كان، واليقين لا يزول بالشك

- ‌القاعدة الثانية عشر لابد من التراضي في عقود المعاوضات والتبرعات والفسوخ الاختيارية

- ‌1) اللفظ:

- ‌2) الفعل:

- ‌3) الكتابة:

- ‌4) الإشارة:

- ‌5) السكوت:

- ‌القاعدة الثالثة عشر الإتلاف يستوي فيه المتعمد والجاهل والناسي

- ‌القاعدة الرابعة عشر التلف في يد الأمين غير مضمون إذا لم يتعد أو يفرّط، وفي يد الظالم مضمون مطلقاً أو يقال ما ترتب على المأذون فيه فهو غير مضمون، والعكس بالعكس

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌القاعدة الخامسة عشر لا ضرر ولا ضرار

- ‌القاعدة السادسة عشر العدل واجب في كل شيء، والفضل مسنون

- ‌القاعدة السابعة عشر من تعجَّل شيئاً قبل أوانه، عوقب بحرمانه

- ‌القاعدة الثامنة عشر تضمن المثليات بمثلها، والمتقوِّمات بقيمتها

- ‌القاعدة التاسعة عشر إذا تعذّر المسمّى رجِع إلى القيمة

- ‌القاعدة العشرون إذا تعذر معرفة من له الحق، جُعِل كالمعدوم

- ‌القاعدة الحادية والعشرون الغرر والميسر محرّم في المعاوضات والمغالبات

- ‌القاعدة الثانية والعشرون الصلح جائزٌ بين المسلمين، إلا صلحاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون من سبق إلى المباحات فهو أحق بها من غيره

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون تُستعمل القُرعة عند التزاحم ولا مُميز لأحدهما أو إذا علمنا أنا الشيء لأحدهما وجهلناه

- ‌القاعدة السادسة والعشرون يُقبَل قول الأُمناء فى التصرف أو التلف ما لم يخالف العادة

- ‌القاعدة السابعة والعشرون من ترك المأمور لم يبرأ إلا بفعله، ومن فعل المحظور وهو معذور بجهل أو نسيان فهو معذور ولا يلزمه شيء

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون يقوم البدل مكان المبْدَل إذا تعذر المُبدل منه

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون يجب تقييد اللفظ بملحقاته من وصف أو شرط أو استثناء أو غيرها من القيود

- ‌القاعدة الثلاثون الشركاء في الأملاك يشتركون في زيادتها ونقصانها، ويشتركون في التعمير اللازم، وتُقسَّط المصاريف بحسب مِلكِهم، ومع الجهل بمقدار ما لكل منهم يتساوون

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون قد تتبعّض الأحكام بحسب تفاوت أسبابها

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون من أدّى عن غيره واجبًا بنية الرجوع عليه؛ رجع وإلا فلا

- ‌القاعدة الثالثة والثلاثون إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها، فيقدم الواجب على المستحب، والراجح من الأمرين على المرجوح، وإذا تزاحمت المفاسد واضطر إلى واحد منها قدّم الأخف منها

- ‌القاعدة الرابعة والثلاثون إذا خُيِّر العبد بين شيئين فأكثر فإن كان التخيير لمصلحته فهو تخيير يرجع إلى شهوته واختياره، وإن كان لمصلحة الغير فهو تغيير يلزمه فيه الاجتهاد

- ‌القاعدة الخامسة والثلاثون من سقطت عنه العقوبة لموجِب ضُعِّفَ عليه الضمان

- ‌القاعدة السادسة والثلاثون من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه، وإن كان لمضرته فلا ضمان عليه

- ‌القاعدة السابعة والثلاثون إذا اختلف المتعاملان في شيء من متعلقات المعاملة يرجع أقواهما دليلًا

- ‌القاعدة الثامنة والثلاثون إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة، أو إلى شرطها فسدت، وإذا عاد إلى أمر خارج لم تفسد، وكذلك المعاوضات، فرجوع التحريم إلى نفس العبادة أو إلى شرطها: إما إلى ذاتها أو ماهيتها أو ركن من أركانها

- ‌القاعدة التاسعة والثلاثون لا يجوز تقديم العبادة على سبب الوجوب، ويجوز تقديمها بعد وجود السبب وقبل شرط الوجوب وتحققه

- ‌القاعدة الأربعون يجب فعل المأمور به كله، فإنه قدر على بعض وعجز عن باقيه فعل ما قدر عليه

- ‌القاعدة الحادية والأربعون إذا اجمتعت عبادتان من جنس واحد تداخلت أفعالها واكتفى عنهما بفعل واحد إذا كان المقصود واحدًا

- ‌القسم الأول: أن تكون الحدود خالصة لله تعالى أي محض حق لله تعالى:

- ‌الأول: أنا لا يكون فيها قتل:

- ‌الثاني: أنا يكون فيها قتل:

- ‌القسم الثاني: إذا كانت محض حق الآدميين:

- ‌القسم الثالث: أن تجتمع حدود الله وحقوق الآدميين:

- ‌الأول: أن لا يكون فيها قتل فيُستَوفَى الجميع:

- ‌الثاني: أن تجتمع كالأول ولكن فيها قتل:

- ‌الثالث: أن يتفق الحدّان في المحل ويكون تفويتًا كالقتل والقطع:

- ‌القاعدة الثانية والأربعون استثناء المنافع المعلومة في العين المنتقلة بمعاوضة جائز، وفي التبرعات يجوز استثناء المدة المعلومة والمجهولة

- ‌القاعدة الثالثة والأربعون من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة، فإنه قبضها لحظ مالكها قبل

- ‌القاعدة الرابعة والأربعون إذا أدّي ما عليه، وجب له ما جُعِلَ له عليه

- ‌القاعدة الخامسة والأربعون من لا يُعتبر رضاه في عقد أو فسخ لا يعتبر علمه

- ‌القاعدة السادسة والأربعون من له الحق على الغَير وكان سبب الحق ظاهرًا فله الأخد من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه، وإن كان السبب خفيًا فليس له ذلك

- ‌القاعدة السابعة والأربعون الواجب بالنذر يلحق بالواجب بالشرع

- ‌القاعدة الثامنة والأربعون الفعل الواحد ينبني بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد

- ‌القاعدة التاسعة والأربعون الحوائح الأصلية للإنسان لا تُعَدّ مالاً فاضلاً

- ‌القاعدة الخمسون يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً

- ‌القاعدة الحادية والخمسون الأسباب والدواعي للعقود والتبرعات معتبرة

- ‌القاعدة الثانية والخمسون إذا قويت القرائن قُدّمت على الأصل

- ‌القاعدة الثالثة والخمسون إذا تبين فساد العقد بطل ما بُني عليه، وإن فسخ فسخاً اختيارياً لم تبطل العقود الطارئة قبل الفسخ

- ‌القاعدة الرابعة والخمسون العبرة في المعاملات بما في نفس الأمر

- ‌القاعدة الخامسة والخمسون لا عذر لمن أقرّ

- ‌القاعدة السادسة والخمسون يقوم الوارث مقام مورّثه في كل شيء

- ‌القاعدة السابعة والخمسون يجب حمل كلام الناطقين على مرادهم كما أمكن في العقود والفسوخ والإقرارات وغيرها

- ‌القاعدة الثامنة والخمسون الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً

- ‌القاعدة التاسعة والخمسون الفكرة إذا كانت بعد النفي أو الاستفهام أو الشرط تفيد العموم

- ‌القاعدة الستون (من)، و (ما) و (أي)، و (متى)، و (أل)، والمفرد المضاف يدل كل واحد منها على العموم

الفصل: ‌القاعدة الثالثة عشر الإتلاف يستوي فيه المتعمد والجاهل والناسي

‌القاعدة الثالثة عشر الإتلاف يستوي فيه المتعمد والجاهل والناسي

وهذا شامل لإتلاف النفوس المحترمة والأموال والحقوق، فمن أتلف شيئًا من ذلك من غير حق فهو مضمون سواء كان متعمداً أو جاهلًا أو ناسيًا.

الإتلاف: هو التعدي على مال الغير بمباشرة أو تسبب، وقد يكون خطأ، وقد يكون عمداً.

وهذا يكون بفعل الإنسان بخلاف التلف فإنه أعم كما سيأتي في القاعدة التى بعدها، فإن التلف قد يكون بفعل المكلف أي يفعله مباشرة، ويكون بفعل الله سبحانه وتعالى كآفة سماوية، والأصل في حكم الإتلاف التحريم وأنه لا يجوز إتلاف النفوس المحرّمة مسلمًا كان أم كافراً بخلاف الحربي، وهذا هو القسم الأول من أنواع الإتلاف.

القسم الثاني: الأموال المحترمة، فإنها أيضاً لا يجوز إتلافها، ولكن حرمة دم المسلم وماله أعظم إلا ما أذن به الشارع، وقد يكون واجباً كإتلاف الخنزير، وكذلك العقوبة المالية، لكن ليست واجبة بل هي حسب المصلحة، ثم هو إتلاف مستحب وهو على الصحيح لم ينسخ خلافاً لقول الجمهور أن العقوبة المالية منسوخة، فمن تجاوز بعض الحدود الشرعية يجوز عقابه بإتلاف شيء من ماله،

ص: 128

والأدلة على ذلك كثيرة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهي نحو خمسة عشر دليلاً منها: ما جاء في حديث بهز بن حكيم: "إنَّا آخذوها وشطر ماله"(1).

(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 4)، وأبو داود في سننه في كتاب الزكاة، باب زكاة السائمة (2/ 233 - 234)، والنسائى في كتاب الزكاة، باب: عقوبة مانع الزكاة (5/ 15 و 25) كلهم من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضى الله عنه. . . به فذكره".

والحديث قال عنه الحافظ ابن عبد الهادى في تنقيح التحقيق (2/ 1491): "هذا حديث حسن بل صحيح"، ورواه الحاكم في مستدركه (1/ 397) وقال عنه:"هذا حديث صحيح الإسناد على ما قدمنا ذكره في تصحيح هذه الصحيفة ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وهذه السلسلة وهى سلسلة بهز بن حكيم ابن حكيم عن أبيه عن جده سلسلة حسنة، وقد اختلفت أقاويل الحفاظ من أهل الحديث فيها: فوثق بهزاً علي بن المدينى ويحيى بن معين والنسائى، واحتج بحديثه أحمد وإسحاق، وقال عنه ابن عدى: لم أرَ له حديثاً منكراً، ولم أرَ أحداً من الثقات يختلف في الرواية عنه.

وقال الترمذى: وقد تكلم شعبة في بهز وهو ثقة عند أهل الحديث، ووثقه أبو داود وقال: هو حجة عندي.

وممن تكلم فيه شعبة وأبو حاتم قال عنه: يُكتب حديثه ولا يُحتج به، وقال ايضًا: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أحب إليّ.

وقال عنه ابن حبان: كان يخطئ كثيراً، فأما أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم رحمهما الله فهما يحتجان به ويرويان عنه، وتركه جماعة من أئمتنا، ولولا حديث:"إنما آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا" لأدخلناه في الثقات وهو ممَّن استخير الله فيه.

وقد تعقّب الحافظ ابن عبد الهادى ابن حبان فقال في التنقيح (2/ 1493): "كذا قال ابن حبان، وفي قوله نظر، وقد وثَّق بهزاً أكثر العلماء كيحيى بن معين وابن المدينى والترمذي والنسائى وأبى داود وابن الجارود وغيرهم". وقد ذكر هذا الحديث عند الإمام أحمد فقال: "ما أدري ما وجهه"، وسئل عن إسناده فقال: هو عندي صالح الإسناد".

والحديث أيضًا صحّحه الحافظ ابن عبد الهادي في التنقيح وفي المحرر أيضاً حين تعقب ابن حبان على قوله=

ص: 129

ومنها - أيضًا - ما جاء في حديث عمر - رضى الله عنه - في إحراقه بيت رويشد الثقفى الذى كان يبيع فيه الخمر (1)، وما جاء عنه أيضًا - رضى الله عنه - أنه أمر بإحراق قصر الإمارة بالكوفة لسعد بن أبى وقاص (2)، وكذلك إحراق موسى

= في بهز وقال: وفي قوله نظر، بل هذا الحديث صحيح" انظر التنقيح (2/ 1419) والمحرر (1/ 568) وقال عنه الحافظ في التقريب:"صدوق".

وانظر في الكلام على سلسلة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: الميزان للذهبي 1/ 353 - 354، والتهذيب للحافظ ابن حجر (1/ 498 - 499)، تهذيب الكمال للمزي (1/ 161)، وممن حسن هذه السلسلة الذهبى في كتابه "المغنى في الضعفاء" (1/ 1007) حيث قال عنه:"صدوق فيه لين وحديثه حسن". والله أعلم.

(1)

أثر عمر رضى الله عنه في إحراقه بيت رويشد الثقفى الذى كان يبيع الخمر: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9/ 230) من عدة طرق:

الطريق الأول: من حديث أيوب عن نافع عن صفية ابنة أبي عبيد قالت: وجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بيت رويشد الثقفى خمراً وقد كان جُلد في الخمر فحرَّق بيته وقال: ما اسمه؟ قال: "رويشد".

قال: "بل فويسق". . وإسناده صحيح.

الطريق الثاني: وأخرجه أيضاً من طريق معمر عن أيوب عن نافع عن صفية مثله. . ".

الطريق الثالث: وأخرجه أيضاً من طريق عبد القدوس عن نافع قال: "وجد رضى الله عنه في بيت رويشد الثقفى خمراً فحرق بيته، وقال: ما اسمك؟. قال: رويشد. قال: بل أنت فويسق.

وقد ذكر هذا الأثر العلامة ابن القيم رحمه الله وعزاه إلى الإمام مالك حيث قال: "قال الإمام مالك: وحدثنى الليث أن عمر بن الخطاب. . . ثمَّ ذكره" كما في كتابه الطرق الحكمية (274)، وقد بحثت عنه في الموطأ فلم أجده فيه. والله أعلم.

(2)

أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 179) من طريق سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد عن أبيه عن عباية بن رفاعة بن رافع قال: "بلغ عمر بن الخطاب أن سعداً اتخذ قصراً وجعل عليه باباً وقال: "انقطع الصويت" فأرسل عمر محمد بن مسلمة وكان عمر إذا أحبّ أن يُوتى الأمر كما يريد بعثه فقال: إيت سعداً فأحرق عليه بابه، فقدم الكوفة، فلما أتى الباب أخرج زندهُ فاستورى ناراً ثم أحرق الباب، فأتى سعد=

ص: 130

- عليه الصلاة والسلام لعجل السامري، إلى غير ذلك، المقصود أنه غير منسوخ بل هو مشروع.

وكذلك إتلاف الخمر وآلات الملاهى عند جماهير أهل العلم وهو أنه يشرع إتلافها ويجب في بعض الأحيان، والصواب أن الخمر ليس فيها شيء محترم.

ثالثاً: مما يتعلق بالإتلاف إتلاف في حال المخمصة:

مثل إنسان حصلت له مخمصة وجوع شديد، ووجد مال مسلم ولم يستأذن صاحبه لأنه غير موجود، فإنه في هذه الحال له أن يأكل من هذا المال ولا يشترط إذنه، فله إتلافه بالأكل لأنها ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، فيجوز له أكله، ويجب عليه البدل وقيمة ما أتلف إن كان قيماً أو متَقَوَّماً، أو مثله إن كان مثلياً على قول الأئمة الأربعة، وفي قول المالكية أنه لا يجب عليه ضمانه بل أن يأكل؛ لأن الأكل واجب في هذه الحال لدفع الأذى والقاعدة: أنه لا يؤخذ للواجب أجرٌ.

رابعاً: إتلاف مال العدو إذا غزا المسلمون الكفار فغنموا منهم أموالاً منقولة أو غير منقولة، ثم لم يستطيعوا نقلها إلى بلاد المسلمين لكثرتها أو خشية أن يلحق بهم العدو، فيجوز في هذه الحال أن يتلف المال أو يحرق حتى لا ينتفع به العدو فيتقوى به على المسلمين، فيجوز إتلافه بل قد يجب إذا علم أنهم يتقوون به على المسلمين

= فأخبر ووصف له صفته فعرفه فخرج إليه سعد فقال محمد: إنه بلغ أمير المؤمنين أنك قلت: انقطع الصويت. فحلف سعد بالله ما قال ذلك، فقال محمد بن سلمة:"نفعل الذى أمرنا، ونؤدى عنك ما تقول".

ص: 131

ويعيدون الكَرَّة عليهم، فلو كان فيها شئٌ من المواشى جاز ذبحها ثم بعد ذلك إحراقها حتى لا ينتفعوا بأكلها، وإن كانت أموالاً غير ذلك مما لا روح فيه جاز تحريقه مباشرة، المقصود أنه يشرع إتلافها إذا لم يمكن نقلها.

خامساً: الإتلاف قد يكون مباشرة، وقد يكون بالتسبب، الإتلاف بالمباشرة كالإحراق، فإذا أتلف مال غيره أي أحرقه، فلو أحرق ماله، أو أحرق بستانه، أو أحرق ملابسه وما أشبه ذلك، أو بالقتل، فلو قتل بهيمة له أو اعتدى على معصوم فقتله فهذا كله إتلاف بالمباشرة.

وهناك نوع آخر من الإتلاف وهو الإتلاف بالتسبب، مثل أن يسلط سَبُعاً على بهيمة فيقتلها، أو يسلط على صبى سبعاً فيقتله، فإنه في هذه الحالة يكون قاتلاً بالتسبب لا بالمباشرة، ومثل ما لو حفر بئراً في طرق المسلمين فسقط فيها إنسان فإنه يكون ضامناً وعليه الدية لأنه قتل بالتسبب، ومثل ما لو كان له ماشية ففتح الباب فخرجت ثم هلكت وضلت ولم توجد فإنه ضامن، لأنه معتاد أنها لا تخرج، أو ما أشبه ذلك مما يكون فيه إتلاف بالتسبب، فهذا كله محل للضمان، لكن إذا اجتمعت المباشرة والسبب قُدِّمت المباشرة على السبب، مثل ما لو أن إنساناً حفر بئراً ومر به إنسان فدفعه آخر فيها فإنه يقدَّم المباشر على المتسبب.

سادساً: الضمان في باب الإتلاف له شروط:

1 -

أن يكون المتلَف مالاً: فلو أتلف ميتة أو دماً فلا ضمان عليه، فإذا كان لإنسان شاة ميتة، فأحرقها أو رمى بها في مكان فأتلفها فإنه لا ضمان فيها؛ لأنها

ص: 132

ليست مالاً، ولا قيمة لها في الشرع، أو أتلف خمراً فإنه لا ضمان فيه لأنه لا قيمة له.

2 -

أن يكون متقوماً: أي يكون له قيمة في نظر الشرع؛ فلا يضمن الخمر والخنزير لأنه وإن كان متقوماً فهو مال وله قيمة عند بعض الناس، وقد يباع ويشترى فهو فيه نوع من المالية، لكن هذه المالية مهدرة في الشرع، ولا قيمة لها فلا يُلتفت إليها فلا يضمن.

3 -

أن يكون المُتْلِفُ من أهل الوجوب: فلا ضمان على بهيمة فلو أن بهيمة لإنسان أتلفت مال إنسان، مثلاً أتلفت زرعه لا ضمان على البهيمة، ولا ضمان على صاحبها لأننا إذا قلنا لا ضمان على البهيمة فلا ضمان على صاحبها إلا أن يكون مفرِّطاً أو يكون معها، على تفصيل من إتلاف البهيمة، لكن الأصل كما قلنا أنه لا ضمان على البهيمة.

4 -

أن يكون في الضمان، فائدة: وهو أن يكون المتلف تحت ولاية المسلمين وتحت حكمهم فلا ضمان على الحربي، ولا على الباغي إذا أتلف، فلو أن المسلمين قاتلوا الكفار فأتلفوا على المسلمين بعض النفوس وقتلوا منهم من قتلوا أو أفسدوا بعض الأموال، فلو استولى المسلمون على بلادهم وأسلموا فإنهم لا يضمنون بإجماع أهل العلم لأنهم في حال القتال لا ولاية عليهم، ثم إن هذا من محاسن الشرع أنه لا يضمن أهل الحرب ترغيباً لهم في الإسلام.

كذلك الباغى، فلو أن فئة باغية أو معتدية وقاتلهم المسلمون فلا يُضمَنُ أهل

ص: 133

البغى، أي لو أنهم قتلوا بعض النفوس أو اعتدوا على بعض الأموال فأتلفوها فلا ضمان على البغاة؛ لأنهم ليسوا تحت ولاية المسلمين، وكذلك لا يضمن المبغي عليهم، وكذلك أيضًا في حال الحرب مع المسلمين لا يضمن أحد الطرفين الآخر أي مال وأي نفس، هذه جملة الأحكام المتعلقة بالإتلاف.

وأشار المصنف رحمه الله إلى أنه يستوي فيه الجاهل والناسى، أي لا فرق في الإتلاف بين الناسى والجاهل، فلو أن إنساناً أتلف مال إنسان يظنه ماله، أو أتلف ما يظنه مالاً إنسان حربى، أو قتل إنساناً يظنه حربياً، فإنه في هذه الحال يضمن وعليه الدية لأنه في حكم قتل الخطأ، وكذلك الناسى، ولأجل هذا يضمن الصبي والمجنون من مالهما، أي لا يشترط فيه التكليف، فلو أن مجنوناً أتلف نفساً أو صبياً أتلف مال إنسان، فإنه يضمنه من ماله وعمده يكون من باب الخطأ، أي لا حكم لعمده، هذا هو الأصل في هذا.

في باب الحج لو أن إنسانًا قص أظافره ناسياً أو قطع من شعره ناسياً، أو جاهلاً للحكم، جمهور الفقهاء يقولون عليه فدية الأذى لقوله تعالى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (1)، وفسَّرها في حديث كعب بن عجرة، فالصيام ثلاثة أيام، والطعام إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك ذبح شاة فهو مُخَيّرٌ بين هذه الثلاثة (2)، والجمهور على أن هذا إتلاف يستوي فيه الناسي

(1) سورة البقرة، الآية:196.

(2)

حديث تفسير قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب=

ص: 134

والجاهل، فعليه فدية الأذى، وهذا هو قول الأئمة الأربعة.

والقول الثاني: أن هذا الإتلاف لا حكم له، واختاره العلامة ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين وهو أحد القولين لأهل العلم في هذه المسألة، وهذا أقرب للصواب لأن هذا ليس من الإتلاف لأن الإتلاف من شرطه أن يكون مالاً، وأن يكون ذا قيمة، وهذا الإتلاف في قص الأظافر لا قيمة له، وليس له مالية فيقوّم، كذلك قص الشعر فالصحيح أنه لا فدية عليه إذا كان ناسياً، أو جاهلاً للحكم.

كذلك ذهب الجمهور إلى أن قتل الصيد يجب فيه الجزاء لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (1)، فقالوا إنه يضمنه سواء كان متعمداً أم مخطئاً، ولهم في ذكر التعمد في الآية عدة تأويلات، وأن هذا لا مفهوم له إلى غير ذلك، هذا هو القول الأول.

القول الثاني: أن من كان مخطئاً فلا ضمان عليه لظاهر الآية، وهذا أصح، وقد صحّ عن عمر - رضى الله عنه - بسند لا بأس به كما ذكره ابن جرير

= المحصَر، باب الإطعام في الفدية نصف صاع (4/ 16) مع الفتح، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحج (2/ 861) كلاهما من حديث عبد الله بن معقل بن يسار قال: جلست إلى كعب بن عُجرة فسألته عن الفدية؛ قال: "نزلت فيَّ خاصة وهى لكم عامة، حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهى، فقال: "ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى، تجدُ شاة؟ " فقلت: لا، قال:"فصُمْ ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع". وهذا لفظ البخارى.

(1)

سورة المائدة، الآية:95.

ص: 135

الطبري، وأنه وافقه بعض الصحابة رضي الله عنهم (1).

(1) أثر عمر رضى الله عنه في قتل الصيد وهو محرم أنه لا ضمان عليه:

1 -

وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً، وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 396) من طريق قتادة عن أبى حزينة عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال:"ليس عليه في الخطأ شيء".

وجاء هذا الحكم أيضاً عن بعض التابعين كطاووس، فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه (4/ 392) من طريق معمر عن أيوب عن طاووس قال:"يُحكَم عليه في العمد، وليس عليه في الخطأ شيء". قال: والله ما قال الله إلا: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} .

وجاء أيضاً هذا عن سالم والقاسم بن محمد وعطاء ومجاهد ذكر ذلك عنهم ابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 396).

2 -

وجاء عن عمر رضى الله عنه خلاف هذا الحكم حيث أوجب الجزاء في قتل الصيد في حال العمد والخطأ سواء.

كما أخرج ذلك عنه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 396) من طريق سفيان الثوري وإبراهيم بن طهمان عن جابر عن الحكم أن عمر رضى الله عنه كتب إليه في الخطأ والعمد.

وأيضاً أخرج عنه عبد الرزاق في مصنفه (4/ 393) من طريق الثورى عن جابر عن الحكم أن عمر رضى الله عنه "قضى في الخطأ". والله أعلم.

ص: 136