الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثامنة الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين وجود الشروط وانتفاء الموانع
هذه قاعدة عظيمة - أيضًا - وهي "الأحكام الأصولية والفروعية".
فجميع أحكام الشرع سواء كانت أصولًا أم فروعًا لابد من وجود شروطها وانتفاء موانعها، فلو وجد شرط لكن هناك مانع لا يصح.
من ذلك مثلًا: آيات الوعيد هى في حق من ارتكب أمورًا محرمة فهو أهل لما جاء في النصوص من الوعيد، لكن قد يكون هناك مانع من العقاب كالتوبة أو استغفار المؤمنين أو مصائب.
مثاله: قد يوجد مثلًا شرط قد الإرث فيكون هناك مانع من رق أو قتل أو اختلاف دين، فإنه إن وجد شرطه قد يكون هناك مانع يمنع من الإرث، وهكذا في سائر الأحكام لابد من وجود الشروط، فالصلاة لابد لها من وجود شرطها وهو الوضوء، فمن أراد الصلاة بلا وضوء لا تصح لأنه لابد من وجود شرطها وهو الوضوء، فأحكام الشرع الأصولية والفروعية لابد من وجود شروطها وانتفاء موانعها، وهذا أصل عظيم في جميع الأمور.
والشرع أصول وفروع، وهذا صحيح، وبعض الناس يشكل عليه مسألة الأصول والفروع، وقد يستنكر ويقول إنه ليس هناك أصول وفروع، وهذا ليس
بصحيح، بل ظاهر كلام أهل العلم ويكاد يكون إجماعًا منهم، وكلهم يحكون أن هناك أصولًا وفروعًا.
واختلف في مسألة الأصول والفروع، وقد يقرأ بعضهم من كلام شيخ الإِسلام رحمه الله أن أصل هذا التقسيم من المعتزلة، ويسأل عنه مثلًا ويورد هذا الإشكال ويسمع جوابًا قد يكون فيه شيء من الغموض وليس واضحًا ويقرأ مثلًا كلامًا له ولغيره يقول: الشرع أصول وفروع فيشكل عليه هذا الأمر.
فالشرع أصول وفروع لكن ما جاء من كلام أهل العلم في الأصول والفروع وأنه أصل من أصول المعتزلة الذي حكاه شيخ الإِسلام وغيره، هم أرادوا نفيها في مسائل التكفير فهذا لا شك أن أصله من الاعتزال وأصله من تقاسيم المعتزلة.
فالمعتزلة يقولون الشرع أصول يُكفَّر بإنكارها، وفروع لا يُكفَّر بإنكارها، وهذا لا شك تقسيم باطل، أما نفس أحكام الشرع ففيها أصول وفروع، لكن المنكر هو أن نقسِّمها إلى أصول يكفر من أنكرها، وإلى فروع لا يكفر من أنكرها، وهذا كما قلنا تقسيم باطل ولا يصح.
وإذا قيل لهم ما هي الأصول والفروع؟.
قالوا: الأصول الأشياء العلمية، والفروع الأشياء العملية، فالصلاة والزكاة أشياء عملية، والأصول الأشياء العلمية الاعتقادية فيما يتعلق في أحكام التوحيد والعقيدة وأسماء الله وصفاته في مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى وكذلك أنواع القراءات، يقال لهم هذا منتقض طردًا وعكسًا.
إذن يعلم أن هذا التقسيم لا يصح، فمن قسَّمها إلى هذا التقسيم وقال إنها أصول يكفر منكرها وفروع لا يكفر منكرها نقول: هذا التقسيم باطل.
فالصلاة بإجماع أهل العلم يكفر منكرها، وكذلك الزكاة والصوم وغيرها من الفرائض، وأنتم - أيها المعتزلة - تقولون إنها من الفروع ولا يكفر منكرها، كما تزعمون، وقد يقولون: إن هذه فيها شيء من الاعتقاد من جهة اعتقاد وجوبها، لكن القصد أن هذا التقسيم غير صحيح وغير منضبط.
يقال لهم - أيضًا -: أنتم تقولون أن من أنكر أمرًا علميًا فهو كافر.
نسألهم: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج، ماذا تقولون من باب العلم أم العمل؟.
يقولون: من باب العلم الذي يجب اعتقاده.
نقول: اختلف أهل العلم من الصحابة وغيرهم هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه أم لم يره؟ وبإجماع أهل العلم أنه لا تكفير في هذا، وهي مسألة علمية والكلام أنه لا يكفر من خالف في مثل هذا الأصل.
فهذا التقسيم الذي جاء به المعتزلة باطل، ومن أراد أن يقسم أصول الدين إلى أصول يكفر منكرها وفروع لا يكفر منكرها، فإن هذا التقسيم لا يصح، أما تقسيمها من هذه الجهة أن فيها أصولًا تختلف عن أحكام الأصول فهذا لا بأس به وهو صحيح.
فهناك أمور وأصول في باب الإيمان بالله وملائكته والكتب والنبيين وما أشبه ذلك وما سواها قد يكون شيء منه أصولًا، وشيء منه فروعًا، وكذلك الاعتقاد في أسماء الله وصفاته كلها أصول في هذا الباب، لكن لا نقسم ونقول هذا أصل وهذا فرع، هذا يكفر منكره، وهذا لا يكفر منكره، فهذا لا يصح، والمقصود أنه لابد من وجود الشروط وانتفاء الموانع في أحكام الشرع، وهذا عام حتى في اجتهادات أهل العلم.
فقد يخالف رجل من أهل العلم في مسألة من السائل ويكون اجتهاده مخالفًا للدليل، ويبيح أمرًا محرمًا، أو يوجب أمرًا مباحًا، ومع هذا لا نقول أن هذا الرجل متوعد، وأنه آثم بهذا الفعل حتى وإن كان غيره يأثم.
فابن عباس رضي الله عنهما يجيز ربا الفضل، يجيز الدرهم بدرهمين إذا كان يدًا بيد، كما هو مشهور عنه، وقيل إنه رجع عن ذلك، وكذلك جاء عن جع من التابعين أنه يجيزون بيع الطعام الصاع بصاعين، إذا كان يدًا بيد، ومع هذا أجمع أهل العلم بأنهم غير متوعدين.
والرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه"(1) وهذا وعيد شديد لمن أكله، ومعلوم أن من أجازه يجيز أكله، ولا يمكن أن نقول إن هذا الوعيد لاحق بابن عباس وبطاوس أو غيره من التابعين.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البيوع (5/ 50) من حديث جابر رضي الله عنه.
وهكذا غيره قد يخالف في مسألة فيجيزون بعض الأمور الممنوعة وبعض الأمور المحرمة، وكان طلحة بن عبيد الله يجيز أكل البَرَد وهو صائم، ومعلوم أن فطر يوم من رمضان أمر منكر ومحرم فهل يقال إنه يلحق به الوعيد في إجازته، وكان ابن عمر وابن عباس يمنعون التطيب للمُحْرِم بعد التحلل الأول، وهو سنة واضحة، فهل يقال في ذلك إنهم خالفوا؟ وقد قيل إنهم رجعوا عن ذلك.
وكان بعضهم يُلزم الحائض بالبقاء حتى تطوف للوداع، ولم تبلغه السنة في هذا، وأن المرأة إذا طافت للإفاضة وحاضت لا وداع عليها.
إذًا هذه الأمور في اجتهادات العلماء لا يمكن أن يقال إنه يلحقهم الوعيد؛ لأن من شرط الوعيد وجود الشروط وانتفاء الموانع.
وهذا وُجد شرطه مثلًا وهو كونه قال بهذا الشيء لكن يمتنع لحوق الوعيد به لمانع، والموانع كثيرة تعرض لها شيخ الإِسلام رحمه الله في رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وأنه يرتفع الوعيد بأشياء كثيرة عن من وقع في هذا الأمر وخالف النص، قد يكون لكونه لم يبلغه النص أو بلغه فتأوله.
ابن عباس رضي الله عنه لما قيل له في ذلك وسئل احتج بحديث قال: إن أسامة بن زيد حدثني، قال: إنه عليه الصلاة والسلام قال: "إنما الربا في النسيئة"(1)، و (إنما) للحصر ففهم منه أنه لا ربا فضل، وجاء عنه أنه رجع كما أسلفنا.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب البيع، باب: بيع الدينار بالدينار نسأّ (1/ 541)، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البيوع (5/ 5) كلاهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.
المقصود أنه لابد من وجود الأسباب، ولابد من وجود الشروط وانتفاء الموانع، فعلى هذا من أخطأ خطأً في أمور الشرع وهو من أهل النظر لا يجوز إلحاق الوعيد به، وأنه آثم لأنه خالف النصوص؛ ولأنه أفتى بهذا الشيء، فهذا لا يجوز والسبب أنه معذور بهذا الاعتقاد - والله أعلم -.