المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الثامنة الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين وجود الشروط وانتفاء الموانع - شرح القواعد السعدية

[عبد المحسن الزامل]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أولاً: تعريف القاعدة:

- ‌القاعدة معناها لغة:

- ‌فالحسي:

- ‌والمعنوي:

- ‌واصطلاحاً:

- ‌ ثانياً: يذكر العلماء في باب القواعد ما يسمى الضابط، فهل هو ومسمى القاعدة واحد أو بينهما فرق

- ‌ ثالثاً:‌‌ الأشباهوالنظائر هل هي مختلفة، أو معناها واحد

- ‌ الأشباه

- ‌الأمثال

- ‌النظائر:

- ‌ رابعاً: ال‌‌قواعد الأصولية و‌‌القواعد الفقهية:

- ‌قواعد الأصول

- ‌القواعد الفقهية:

- ‌القواعد الأصولية:

- ‌ خامساً: كيف تصاغ القواعد الفقهية:

- ‌ سادسًا: كم عدد القواعد

- ‌ سابعاً: القاعدة هل يُحتج بها أو لا يُحتج بها

- ‌ ثامناً: إذا خالف الحاكم أو القاضي القاعدة، هل يقبل حكمه أو لا يُقبل

- ‌القاعدة الأولى الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة

- ‌القاعدة الثانية الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها ووسيلة المباح مباح، ويتفرع عليها الأعمال ومكملاتها تابعة لها

- ‌القاعدة الثالثة المشقة تجلب التيسير

- ‌1) مشاق لا تنفك عنها العبادة

- ‌2) مشاق تنفك عنها العبادات غالباً

- ‌أ) مشقة عظيمة جداً:

- ‌ب) مشقة يسيرة جداً:

- ‌ج) مشقة وسط:

- ‌القاعدة الرابعة الوجوب يتعلق بالاستطاعة، فلا واجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة

- ‌الحالة الأولى: أن يكون قادرًا ببدنه قادرًا على ما أمر به:

- ‌الحالة الثانية: قادر ببدنه عاجز عن الآلة المأمور بها:

- ‌الحالة الثالثة: عاجز ببدنه، قادر على الآلة التي أمر بها:

- ‌القاعدة الخامسةالشريعة مبنية على أصلين:

- ‌القاعدة السادسة الأصل في العبادات الحظر، فلا يُشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأصل في العادات الإباحة، فلا يحرّم إلا ما حرَمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌القاعدة السابعة التكليف وهو البلوغ، والعقل شرط لوجوب العبادات، والتمييز شرط لصحتها إلا الحج والعمرة، ويشترط لصحة التصرف التكليف والرشد، ولصحة التبرع التكليف والرشد والملك

- ‌1 - الاحتلام:

- ‌2 - استكمال خمس عشرة سنة:

- ‌3 - نبوت الشعر الحسين حول القُبُل:

- ‌القاعدة الثامنة الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين وجود الشروط وانتفاء الموانع

- ‌القاعدة التاسعة العرف والعادة يرجع إليه في كل حُكمٍ حَكَم الشارع به ولم يَحدّه

- ‌القاعدة العاشرة البينة على المدّعي، واليمين على من أنكر في جميع الدعاوي والحقوق وغيرها

- ‌القاعدة الحادية عشر الأصل بقاء ما كان على ما كان، واليقين لا يزول بالشك

- ‌القاعدة الثانية عشر لابد من التراضي في عقود المعاوضات والتبرعات والفسوخ الاختيارية

- ‌1) اللفظ:

- ‌2) الفعل:

- ‌3) الكتابة:

- ‌4) الإشارة:

- ‌5) السكوت:

- ‌القاعدة الثالثة عشر الإتلاف يستوي فيه المتعمد والجاهل والناسي

- ‌القاعدة الرابعة عشر التلف في يد الأمين غير مضمون إذا لم يتعد أو يفرّط، وفي يد الظالم مضمون مطلقاً أو يقال ما ترتب على المأذون فيه فهو غير مضمون، والعكس بالعكس

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌القاعدة الخامسة عشر لا ضرر ولا ضرار

- ‌القاعدة السادسة عشر العدل واجب في كل شيء، والفضل مسنون

- ‌القاعدة السابعة عشر من تعجَّل شيئاً قبل أوانه، عوقب بحرمانه

- ‌القاعدة الثامنة عشر تضمن المثليات بمثلها، والمتقوِّمات بقيمتها

- ‌القاعدة التاسعة عشر إذا تعذّر المسمّى رجِع إلى القيمة

- ‌القاعدة العشرون إذا تعذر معرفة من له الحق، جُعِل كالمعدوم

- ‌القاعدة الحادية والعشرون الغرر والميسر محرّم في المعاوضات والمغالبات

- ‌القاعدة الثانية والعشرون الصلح جائزٌ بين المسلمين، إلا صلحاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون من سبق إلى المباحات فهو أحق بها من غيره

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون تُستعمل القُرعة عند التزاحم ولا مُميز لأحدهما أو إذا علمنا أنا الشيء لأحدهما وجهلناه

- ‌القاعدة السادسة والعشرون يُقبَل قول الأُمناء فى التصرف أو التلف ما لم يخالف العادة

- ‌القاعدة السابعة والعشرون من ترك المأمور لم يبرأ إلا بفعله، ومن فعل المحظور وهو معذور بجهل أو نسيان فهو معذور ولا يلزمه شيء

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون يقوم البدل مكان المبْدَل إذا تعذر المُبدل منه

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون يجب تقييد اللفظ بملحقاته من وصف أو شرط أو استثناء أو غيرها من القيود

- ‌القاعدة الثلاثون الشركاء في الأملاك يشتركون في زيادتها ونقصانها، ويشتركون في التعمير اللازم، وتُقسَّط المصاريف بحسب مِلكِهم، ومع الجهل بمقدار ما لكل منهم يتساوون

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون قد تتبعّض الأحكام بحسب تفاوت أسبابها

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون من أدّى عن غيره واجبًا بنية الرجوع عليه؛ رجع وإلا فلا

- ‌القاعدة الثالثة والثلاثون إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها، فيقدم الواجب على المستحب، والراجح من الأمرين على المرجوح، وإذا تزاحمت المفاسد واضطر إلى واحد منها قدّم الأخف منها

- ‌القاعدة الرابعة والثلاثون إذا خُيِّر العبد بين شيئين فأكثر فإن كان التخيير لمصلحته فهو تخيير يرجع إلى شهوته واختياره، وإن كان لمصلحة الغير فهو تغيير يلزمه فيه الاجتهاد

- ‌القاعدة الخامسة والثلاثون من سقطت عنه العقوبة لموجِب ضُعِّفَ عليه الضمان

- ‌القاعدة السادسة والثلاثون من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه، وإن كان لمضرته فلا ضمان عليه

- ‌القاعدة السابعة والثلاثون إذا اختلف المتعاملان في شيء من متعلقات المعاملة يرجع أقواهما دليلًا

- ‌القاعدة الثامنة والثلاثون إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة، أو إلى شرطها فسدت، وإذا عاد إلى أمر خارج لم تفسد، وكذلك المعاوضات، فرجوع التحريم إلى نفس العبادة أو إلى شرطها: إما إلى ذاتها أو ماهيتها أو ركن من أركانها

- ‌القاعدة التاسعة والثلاثون لا يجوز تقديم العبادة على سبب الوجوب، ويجوز تقديمها بعد وجود السبب وقبل شرط الوجوب وتحققه

- ‌القاعدة الأربعون يجب فعل المأمور به كله، فإنه قدر على بعض وعجز عن باقيه فعل ما قدر عليه

- ‌القاعدة الحادية والأربعون إذا اجمتعت عبادتان من جنس واحد تداخلت أفعالها واكتفى عنهما بفعل واحد إذا كان المقصود واحدًا

- ‌القسم الأول: أن تكون الحدود خالصة لله تعالى أي محض حق لله تعالى:

- ‌الأول: أنا لا يكون فيها قتل:

- ‌الثاني: أنا يكون فيها قتل:

- ‌القسم الثاني: إذا كانت محض حق الآدميين:

- ‌القسم الثالث: أن تجتمع حدود الله وحقوق الآدميين:

- ‌الأول: أن لا يكون فيها قتل فيُستَوفَى الجميع:

- ‌الثاني: أن تجتمع كالأول ولكن فيها قتل:

- ‌الثالث: أن يتفق الحدّان في المحل ويكون تفويتًا كالقتل والقطع:

- ‌القاعدة الثانية والأربعون استثناء المنافع المعلومة في العين المنتقلة بمعاوضة جائز، وفي التبرعات يجوز استثناء المدة المعلومة والمجهولة

- ‌القاعدة الثالثة والأربعون من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة، فإنه قبضها لحظ مالكها قبل

- ‌القاعدة الرابعة والأربعون إذا أدّي ما عليه، وجب له ما جُعِلَ له عليه

- ‌القاعدة الخامسة والأربعون من لا يُعتبر رضاه في عقد أو فسخ لا يعتبر علمه

- ‌القاعدة السادسة والأربعون من له الحق على الغَير وكان سبب الحق ظاهرًا فله الأخد من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه، وإن كان السبب خفيًا فليس له ذلك

- ‌القاعدة السابعة والأربعون الواجب بالنذر يلحق بالواجب بالشرع

- ‌القاعدة الثامنة والأربعون الفعل الواحد ينبني بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد

- ‌القاعدة التاسعة والأربعون الحوائح الأصلية للإنسان لا تُعَدّ مالاً فاضلاً

- ‌القاعدة الخمسون يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً

- ‌القاعدة الحادية والخمسون الأسباب والدواعي للعقود والتبرعات معتبرة

- ‌القاعدة الثانية والخمسون إذا قويت القرائن قُدّمت على الأصل

- ‌القاعدة الثالثة والخمسون إذا تبين فساد العقد بطل ما بُني عليه، وإن فسخ فسخاً اختيارياً لم تبطل العقود الطارئة قبل الفسخ

- ‌القاعدة الرابعة والخمسون العبرة في المعاملات بما في نفس الأمر

- ‌القاعدة الخامسة والخمسون لا عذر لمن أقرّ

- ‌القاعدة السادسة والخمسون يقوم الوارث مقام مورّثه في كل شيء

- ‌القاعدة السابعة والخمسون يجب حمل كلام الناطقين على مرادهم كما أمكن في العقود والفسوخ والإقرارات وغيرها

- ‌القاعدة الثامنة والخمسون الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً

- ‌القاعدة التاسعة والخمسون الفكرة إذا كانت بعد النفي أو الاستفهام أو الشرط تفيد العموم

- ‌القاعدة الستون (من)، و (ما) و (أي)، و (متى)، و (أل)، والمفرد المضاف يدل كل واحد منها على العموم

الفصل: ‌القاعدة الثامنة الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين وجود الشروط وانتفاء الموانع

‌القاعدة الثامنة الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين وجود الشروط وانتفاء الموانع

هذه قاعدة عظيمة - أيضًا - وهي "الأحكام الأصولية والفروعية".

فجميع أحكام الشرع سواء كانت أصولًا أم فروعًا لابد من وجود شروطها وانتفاء موانعها، فلو وجد شرط لكن هناك مانع لا يصح.

من ذلك مثلًا: آيات الوعيد هى في حق من ارتكب أمورًا محرمة فهو أهل لما جاء في النصوص من الوعيد، لكن قد يكون هناك مانع من العقاب كالتوبة أو استغفار المؤمنين أو مصائب.

مثاله: قد يوجد مثلًا شرط قد الإرث فيكون هناك مانع من رق أو قتل أو اختلاف دين، فإنه إن وجد شرطه قد يكون هناك مانع يمنع من الإرث، وهكذا في سائر الأحكام لابد من وجود الشروط، فالصلاة لابد لها من وجود شرطها وهو الوضوء، فمن أراد الصلاة بلا وضوء لا تصح لأنه لابد من وجود شرطها وهو الوضوء، فأحكام الشرع الأصولية والفروعية لابد من وجود شروطها وانتفاء موانعها، وهذا أصل عظيم في جميع الأمور.

والشرع أصول وفروع، وهذا صحيح، وبعض الناس يشكل عليه مسألة الأصول والفروع، وقد يستنكر ويقول إنه ليس هناك أصول وفروع، وهذا ليس

ص: 89

بصحيح، بل ظاهر كلام أهل العلم ويكاد يكون إجماعًا منهم، وكلهم يحكون أن هناك أصولًا وفروعًا.

واختلف في مسألة الأصول والفروع، وقد يقرأ بعضهم من كلام شيخ الإِسلام رحمه الله أن أصل هذا التقسيم من المعتزلة، ويسأل عنه مثلًا ويورد هذا الإشكال ويسمع جوابًا قد يكون فيه شيء من الغموض وليس واضحًا ويقرأ مثلًا كلامًا له ولغيره يقول: الشرع أصول وفروع فيشكل عليه هذا الأمر.

فالشرع أصول وفروع لكن ما جاء من كلام أهل العلم في الأصول والفروع وأنه أصل من أصول المعتزلة الذي حكاه شيخ الإِسلام وغيره، هم أرادوا نفيها في مسائل التكفير فهذا لا شك أن أصله من الاعتزال وأصله من تقاسيم المعتزلة.

فالمعتزلة يقولون الشرع أصول يُكفَّر بإنكارها، وفروع لا يُكفَّر بإنكارها، وهذا لا شك تقسيم باطل، أما نفس أحكام الشرع ففيها أصول وفروع، لكن المنكر هو أن نقسِّمها إلى أصول يكفر من أنكرها، وإلى فروع لا يكفر من أنكرها، وهذا كما قلنا تقسيم باطل ولا يصح.

وإذا قيل لهم ما هي الأصول والفروع؟.

قالوا: الأصول الأشياء العلمية، والفروع الأشياء العملية، فالصلاة والزكاة أشياء عملية، والأصول الأشياء العلمية الاعتقادية فيما يتعلق في أحكام التوحيد والعقيدة وأسماء الله وصفاته في مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى وكذلك أنواع القراءات، يقال لهم هذا منتقض طردًا وعكسًا.

ص: 90

إذن يعلم أن هذا التقسيم لا يصح، فمن قسَّمها إلى هذا التقسيم وقال إنها أصول يكفر منكرها وفروع لا يكفر منكرها نقول: هذا التقسيم باطل.

فالصلاة بإجماع أهل العلم يكفر منكرها، وكذلك الزكاة والصوم وغيرها من الفرائض، وأنتم - أيها المعتزلة - تقولون إنها من الفروع ولا يكفر منكرها، كما تزعمون، وقد يقولون: إن هذه فيها شيء من الاعتقاد من جهة اعتقاد وجوبها، لكن القصد أن هذا التقسيم غير صحيح وغير منضبط.

يقال لهم - أيضًا -: أنتم تقولون أن من أنكر أمرًا علميًا فهو كافر.

نسألهم: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج، ماذا تقولون من باب العلم أم العمل؟.

يقولون: من باب العلم الذي يجب اعتقاده.

نقول: اختلف أهل العلم من الصحابة وغيرهم هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه أم لم يره؟ وبإجماع أهل العلم أنه لا تكفير في هذا، وهي مسألة علمية والكلام أنه لا يكفر من خالف في مثل هذا الأصل.

فهذا التقسيم الذي جاء به المعتزلة باطل، ومن أراد أن يقسم أصول الدين إلى أصول يكفر منكرها وفروع لا يكفر منكرها، فإن هذا التقسيم لا يصح، أما تقسيمها من هذه الجهة أن فيها أصولًا تختلف عن أحكام الأصول فهذا لا بأس به وهو صحيح.

ص: 91

فهناك أمور وأصول في باب الإيمان بالله وملائكته والكتب والنبيين وما أشبه ذلك وما سواها قد يكون شيء منه أصولًا، وشيء منه فروعًا، وكذلك الاعتقاد في أسماء الله وصفاته كلها أصول في هذا الباب، لكن لا نقسم ونقول هذا أصل وهذا فرع، هذا يكفر منكره، وهذا لا يكفر منكره، فهذا لا يصح، والمقصود أنه لابد من وجود الشروط وانتفاء الموانع في أحكام الشرع، وهذا عام حتى في اجتهادات أهل العلم.

فقد يخالف رجل من أهل العلم في مسألة من السائل ويكون اجتهاده مخالفًا للدليل، ويبيح أمرًا محرمًا، أو يوجب أمرًا مباحًا، ومع هذا لا نقول أن هذا الرجل متوعد، وأنه آثم بهذا الفعل حتى وإن كان غيره يأثم.

فابن عباس رضي الله عنهما يجيز ربا الفضل، يجيز الدرهم بدرهمين إذا كان يدًا بيد، كما هو مشهور عنه، وقيل إنه رجع عن ذلك، وكذلك جاء عن جع من التابعين أنه يجيزون بيع الطعام الصاع بصاعين، إذا كان يدًا بيد، ومع هذا أجمع أهل العلم بأنهم غير متوعدين.

والرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه"(1) وهذا وعيد شديد لمن أكله، ومعلوم أن من أجازه يجيز أكله، ولا يمكن أن نقول إن هذا الوعيد لاحق بابن عباس وبطاوس أو غيره من التابعين.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البيوع (5/ 50) من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 92

وهكذا غيره قد يخالف في مسألة فيجيزون بعض الأمور الممنوعة وبعض الأمور المحرمة، وكان طلحة بن عبيد الله يجيز أكل البَرَد وهو صائم، ومعلوم أن فطر يوم من رمضان أمر منكر ومحرم فهل يقال إنه يلحق به الوعيد في إجازته، وكان ابن عمر وابن عباس يمنعون التطيب للمُحْرِم بعد التحلل الأول، وهو سنة واضحة، فهل يقال في ذلك إنهم خالفوا؟ وقد قيل إنهم رجعوا عن ذلك.

وكان بعضهم يُلزم الحائض بالبقاء حتى تطوف للوداع، ولم تبلغه السنة في هذا، وأن المرأة إذا طافت للإفاضة وحاضت لا وداع عليها.

إذًا هذه الأمور في اجتهادات العلماء لا يمكن أن يقال إنه يلحقهم الوعيد؛ لأن من شرط الوعيد وجود الشروط وانتفاء الموانع.

وهذا وُجد شرطه مثلًا وهو كونه قال بهذا الشيء لكن يمتنع لحوق الوعيد به لمانع، والموانع كثيرة تعرض لها شيخ الإِسلام رحمه الله في رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وأنه يرتفع الوعيد بأشياء كثيرة عن من وقع في هذا الأمر وخالف النص، قد يكون لكونه لم يبلغه النص أو بلغه فتأوله.

ابن عباس رضي الله عنه لما قيل له في ذلك وسئل احتج بحديث قال: إن أسامة بن زيد حدثني، قال: إنه عليه الصلاة والسلام قال: "إنما الربا في النسيئة"(1)، و (إنما) للحصر ففهم منه أنه لا ربا فضل، وجاء عنه أنه رجع كما أسلفنا.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب البيع، باب: بيع الدينار بالدينار نسأّ (1/ 541)، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البيوع (5/ 5) كلاهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.

ص: 93

المقصود أنه لابد من وجود الأسباب، ولابد من وجود الشروط وانتفاء الموانع، فعلى هذا من أخطأ خطأً في أمور الشرع وهو من أهل النظر لا يجوز إلحاق الوعيد به، وأنه آثم لأنه خالف النصوص؛ ولأنه أفتى بهذا الشيء، فهذا لا يجوز والسبب أنه معذور بهذا الاعتقاد - والله أعلم -.

ص: 94