الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة التاسعة والثلاثون لا يجوز تقديم العبادة على سبب الوجوب، ويجوز تقديمها بعد وجود السبب وقبل شرط الوجوب وتحققه
هذا في جميع أنواع العبادات، سواء كانت مالية أم بدنية أم مركبة منهما.
فالبدنية: كالصلاة، والمالية: كالزكاة، والمركبة منهما: كالحج، فلا تجوز الصلاة قبل دخول الوقت، لأن سبب الوجوب هو زوال الشمس لصلاة الظهر مثلًا، أما بعد السبب وقبل الشرط فإنه يجوز فعل العبادة بعد سببها وقبل وجود شرطها.
مثاله: الطهارة سببها وجود الحدث، فإذا أحدث فإنه لا يجوز له أن يصلي إلا بالطهارة، وشرط وجوبها فعل الصلاة، فإذا أحدث جاز له أن يتطهر ولا نقول أنه لا يجوز له أن يتطهر حتى تجب عليه الصلاة، بل يشرع له تقديم الطهارة، فيجوز تقديم العبادة قبل شرطها وبعد سبب وجوبها، ومما يوضحه أيضًا الزكاة لها سبب وشرط، فسببها وجود النصاب، وشرط وجوبها تمام الحول، لو أنه أدى الزكاة في أول الحول وشرط الوجوب لم ينعقد بعد إنما وجد سبب الوجوب وهو النصاب، في هذه الحال نقول إن الزكاة مجزئة على القول الصحيح كما عند أحمد رحمه الله وجماعة من أهل العلم، لحديث العباس (1) رضي الله عنه،
(1) حديث: أن العبّاس بن عبد المطلب سأل النبى صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ، فرخّص =
وجاء في معناه حديث علي - رضى الله عنه -.
= له في ذلك".
أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الزكاة (1624)، والترمذي في سننه (1/ 131)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 104)، والحاكم في المستدرك (3/ 332) وقال:"صحيح الإسناد" ووافقه الذهبى.
من طريق الحَكم عن حُجَيّة بن عدي عن على: "أن العباس بن عبد المطلب سأل النبى صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك" وتابع الحكم بن عتيبة في روايته لهذا الخبر الحكم بن جحل عن حجر العدوي عن على قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم لعمر: "إنا قد أخذنا من العباس زكاة العام عام أول" وهذه المتابعة عند الدراقطنى في سننه (2/ 124)، قال ابن الجوزي في التحقيق (2/ 1496):"هذا الحديث أقوى من الأول لأن في الحديث الأول حُجية قال أبو حاتم الرازي: لا يحتج بحديثه هو شبه المجهول" ذكره في الجرح والتعديل (3/ 314) فالخبر من طريق الحكم بن جحل عن حجر العدوي عن على رضى الله عنه إسناده جيد، وهذا الحديث اختُلف فيه على الحكم من وجوه كثيرة أحدها ما ذكر سابقًا.
الثاني: عن حجّاج بن أرطأة عن الحكم بن عتيبة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة، فأتى العباس يسأله صدقة ماله، فقال: قد عجلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة سنتين فرفعه عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "صَدَق عمي، قد تعجَّلنا منه صدقة سنتين".
أخرجه الدارقطنى في سننه (2/ 124)، وابن أبى شيبة في مصنفه (4/ 24) وفيه الحجّاج بن أرطأة وهو ضعيف ومدلس، والحديث أيضًا معضل.
والوجه الثالث: عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن موسى بن طلحة عن طلحة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "يا عمر، أما علمت أن عمَّ الرجل صِنو أبيه؟ إنَّا احتجنا إلى مالٍ فتعجلنا من العباس صدقة ماله سنتين". أخرجه الدارقطنى في سننه (2/ 124)، وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك الحديث، وقال الدارقطني بعد سياقه له:"اختلفوا عن الحكم في إسناده، والصحيح عن الحسن بن مسلم مرسل".
وهذا هو الوجه الرابع: "من طريق هشيم عن منصور بن زاذان عن الحكم عن الحسن بن مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلًا".
وهذا الوجه هو الأصحُّ من الروايات كما نصَّ على ذلك أبو داود في سننه والدارقطنى في السنن =
أيضًا في مسألة الكفارات فإنها تجوز بعد سبب الوجوب وقبل شرط الوجوب.
مثاله: إنسان حلف يمينًا أن لا يزور فلانًا، أو أن لا يبر رحمه، نقول هذه يمين آثمة ولا يجوز الوفاء بها، فإذا كانت اليمين على ترك واجب فإنه يلزمه الحنث وعليه الكفارة، فلو قال: هل يجوز أن أخرج الكفارة قبل أن أزور قريبى أو بعد أن أزوره؟، نقول: يجوز أن تخرجها قبل أن تزوره، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:"والله إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفّرت عن يمينى وأتيت الذي هو خير"(1)، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه يكفِّر عن يمينه أولًا، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الكفارات لا تجزئ قبل شرط الوجوب وهو قول مرجوح، لكن لو أنه أراد أن يكفّر قبل سبب الوجوب فإنها لا تصح، وهي على ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن يكون قبل السبب وقبل الشرط، في هذه الحال الكفارة لا تصح عند الجميع.
= (2/ 124) وفي العلل - أيضًا - حيث قال: "والصواب ما رواه منصور عن الحكم عن الحسن بن مسلم مرسلًا عن النبى صلى الله عليه وسلم ".
ونقل البيهقى في السنن الكبرى (4/ 111) عن الشافعى قوله "يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا أدري أثبت أم لا "أن النبى صلى الله عليه وسلم تسلَّف صدقة مال العباس قبل أن تحلّ". والله أعلم.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأيمان والنذور، باب: قول الله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (3/ 154)، ومسلم في صحيحه في كتاب الأيمان (5/ 82) كلاهما من حديث أبى موسى الأشعري رضى الله عنه به. . . فذكره".
مثاله: إنسان قال سأكفِّر كفّارة. قلنا: لماذا؟، قال: يمكن أن أحلف في يوم من الأيام، فلو حلفت كانت كفارة لها، نقول: إنها لا تجزئ وتكون صدقة؛ لأن سبب الوجوب وهو الحلف لم يوجد.
الحالة الثانية: أن يكون بعد سبب الوجوب وقبل شرط الوجوب، فهذا مجزئ عند جماهير أهل العلم لظاهر ما في الصحيحين، وجاء عند أبي داود - أيضًا - نص في هذا.
الحالة الثالثة: أن يكون بعدهما جميعًا فهذا مجزئ بلا خلاف.