الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة التاسعة والعشرون يجب تقييد اللفظ بملحقاته من وصف أو شرط أو استثناء أو غيرها من القيود
هذه واضحة في لغة العرب كما أشار المصنف رحمه الله، كبدل أو توكيد أو ما أشبه ذلك مما هو لاحق باللفظ، وهذا جار في مخاطبات الناس ومعاملاتهم، كما هو جار في سائر العقود وفي الوقوف والوصايا.
في مسألة الوقف يقول المصنف "يجب تقيد اللفظ بملحقاته من وصف": فإذا وقف الإنسان وقفاً قال: هذه الدار أو هذا البيت وقف على الفقهاء، هذا وصف يشمل أهل الفقه وأهل العلم بالكتاب والسنة، فلا يدخل فيه من ليس فقيهاً، أو وقفته على الفقراء يكون خاصاً بالفقراء كل من كان فقيراً قريباً للموقف أم بعيداً يدخل فيه، أو قال وقفته على المحتاجين أو ما أشبه ذلك، فهذا وصف يجب تقييد اللفظ به، وكذلك أيضاً في الصفة يجب الالتزام بها سواء كانت صفة متقدمة أم متأخرة، فلو قال: هذا البيت وقفٌ على محتاجي أولادي وأولاد أولادي. هذه صفة متقدمة يجب أن يكون الوقف خاصاً بالمحتاج من أولاده وأولاد أولاده، ومن لم يكن محتاجاً فلا يدخل في الوقف، ولو كانت الصفة متأخرة فقال: وقفته على أولادي وأولاد أولادي المحتاج منهم، أو كانت متوسطة، فلو قال: وقفته على أولادي المحتاجين وأولاد أولادي، فالتقييد بصفة الحاجة لأولاده من صلبه، ثم يجب التساوي في الوقف واشتراكهم جميعاً؛ لأن الواو تقتضي المشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه، فإذا قاله: أولادي وأولاد أولادي
اقتضت المشاركة لا الترتيب، أما إذا أتى بثم فقال: وقفته على أولادي ثم أولاد أولادي، هذه تقتضي الترتيب، ويجب تقييد اللفظ بما دل عليه كلام المُوقِف فلا يكون لأولاد البطن الثاني شيء حتى ينقرض أولاد البطن الأول، وهذه المسألة فيها خلاف، ومذهب كثير من أهل العلم يقولون إنه لا يستحق أولاد البطن الثاني حتى ينقرض أولاد البطن الأول، وقالوا إنه ترتيب بطن على بطن، أو ترتيب جملة على جملة.
فإذا وقف إنسان هذا البيت أو هذا البستان على أولاده وهم أربعة ذكور وإناث أو ذكور أو إناث، فلا يستحق أولاد البطن الثانى شيئاً أي أولاد الأولاد حتى ينقرض أبناء البطن الأول، ولو لم يبقَ إلا واحد، فإذا كان له أربعة أولاد فتوفوا إلاّ واحداً ولهم أولاد فإن أولادهم لا يستحقون شيئًا حتى ينقرض البطن الأول أي حتى يتوفى الرابع، وذهب تقي الدين ابن تيمية رحمه الله إلى أنه ترتيب فرد على فرد، فإذا توفى مثلا رجل من البطن الأول فإن نصيبه يكون وقفا على أولاده.
وهذا فيه خلاف: هل هم يتلقون الوقف عن الواقف؟ أم يتلقونه عن الموقوف عليهم؟:
المذهب وقول الكثيرين: أنهم يتلقون الوقف عن الموقوف عليهم، وقال آخرون: إنهم يتلقون الوقف عن الواقف.
وكل هذه المسائل خلافية، وكذلك مسألة أولاد البنات هل يدخلون عند الإطلاق أم لا يدخلون؟، إلى غير ذلك.
أما مسألة الوقف على الأولاد فإن بعض أهل العلم يرى عدم صحته، وقالوا:
إن هذا وقف جَنَف ووقف إثم ويجب إبطاله.
وجماهير أهل العلم على صحة مثل هذا الوقف، وأن الإنسان يجوز له أن يقف على أولاده وأولاد أولاده، واختار إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عدم صحة مثل هذا الوقف وسماه وقف الجنف والإثم، وتبعه بعض أحفاده من أئمة الدعوة رحمهم الله وأبطلوا كثيراً من الوقوف التي فيها وقف على الأولاد، وقالوا: إن هذا وقف جنف وإثم، وهو وصية لوارث وفيه حرمان لغير الاولاد إذا كان له أب أو جد أو أم أو جدة أو كان له زوجة فإن في هذا حرمان لهؤلاء، ثم فيه - أيضاً - منع لهم من التصرف في هذا الوقف والله سبحانه وتعالى جعله لهم يتصرفون فيه بالبيع والشراء فقد يكون حيلة على حرمان بعض الورثة؛ فلأجل هذه العلل أبطلوا مثل هذا الوقف، المقصود أنه يجب تقييده بما دل عليه من وصف أو شرط.
وقوله: "أو شرط": أي لو وقف هذه الدار فقال هي وقف على زيد وعمرو، لزيد الثلث، ولعمرو الثلثان، فإنه يجب التقيد بما دلّ عليه لفظ الموقف.
وقولع: "أو استثناء": فلو قال وقفت على أولاد فلان إلا فلاناً، أوقفت على أولاد فلان إلا الفاسق منهم، أوقفت على أولاد فلان إلا من استغنى منهم. . إلى غير ذلك.
ومنها أيضاً التوكيد، فلو قال: أوقفت على أولاد فلان، فهذا يحتمل أنه أراد أولاده من صلبه، وأولاد أولاده، ويحتمل أنه أراد أولاده من صلبه دون أولاد أولاده؛ فإذا قال: أوقفت على أولاد زيد نفسه فإن الوقف يكون لأولاد زيد من
صلبه دون أولاد أولاده، لأن التوكيد يُخرِج ما أوهم دخوله فيه، وكذلك - أيضاً - في البدل لو قال: أوقفت على أولاد محمد: عبد الله، وصالح، وأحمد، وكان له أربعة أولاد وله ولد آخر اسمه زيد، العبارة الأولى على أولاد فلان يعم أولاده جميعهم، ولكن لما ذكر عبد الله وصالح وأحمد هذا بدل بعض من كل فلا يكون أراد زيداً إنما أراد بعض أولاده، فإذا قال مثلاً: وأولادهم يكون عطفاً على الأول فيدخل في الوقف أولاده الثلاثة وأولاد أولاد الأربعة، يعنى يدخل فيه عبد الله وصالح وأحمد ولا يدخل فيه زيد، أما أولادهم فيدخل فيه أولاد الأربعة لأنه في أولادهم لم يقيّدها كما قيّده في أولاده من صلبه.
وهكذا مثلاً في العطف: في عطف البيان، لو قال وقفت على ولد زيد أبي محمد وله ولدان كلاهما يقال له أبو محمد لو وقفنا على هذا قلنا إنه يريد الاثنين جميعاً، لكن لو قال ولد أبى محمد عبد الله يكون عطف بيان أنه أراد واحداً منهم وهو من يسمى عبد الله، أما الآخر فلم يدخل في الوقف، فالمقصود أنه يقيد اللفظ بما يلحقه مما يبين مراد الموقِف وهذا كله واضح عند تجرد اللفظ عن القرائن، أما إذا دلت القرائن على أنه أراد العموم أو أراد إدخال إنسان آخر ولم يُذكر صراحة لكن دلت القرائن والعرف والعادة، أو لأن هذا لفظهم وهو منطقهم فإنه يدخل لأن العبرة في مثل هذا بما يقصده الموقف وما يريده، وما دلت عليه القرائن وكل هذا عند التجرد وإلا فإن الموقف قد لا يكون له غرض ولا يكون له معرفة بهذه الدلالات من جهة الاستثناء والبدل والتوكيد وما أشبه ذلك، فإذا دلّت القرائن على ذلك أو ظهر من عادة أهل البلد أو الموقفين أنه لا يريد مثل هذه الأشياء فلا يلتفت إلى هذه التقييدات اللفظية التي تخالف قصود الموقفين، بل قد يقول بعض
الموقفين أوقفت على أولاد فلان ويكون كما هو جار أنهم يريدون بالأولاد الذكور مع أنه في كتاب الله وفي اللغة يشمل الذكر والأنثى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (1)، لكن إذا ظهرت دلالات على إرادة شيءٍ خاصٍ عمل به، فهذا شرط لابد منه في عقود المتعاقدين.
وهنالك - أيضاً - شرط آخر وهو ألاّ يكون هذا العقد مخالفاً لكتاب الله، فلو شرط بعض الشروط وقيد بعض القيود التي هي تخالف كتاب الله لا يلتفت إليها، فلو أنه وقف وقفاً لمن يصلي عند المقبرة، أو لمن يختم القرآن كل شهر عند القبر الفلاني، أو وقف هذا الوقف لمن هو على مذهب أحمد، أما من كان على مذهب الشافعي وأبي حنيفة فلا يعطى من الوقف، فهذه الأوقاف وإن صححها بعض العلماء لكنها أوقاف تخالف النصوص؛ لأن مثل هذه لا اعتبار لها، ولا يُلتزم بها، فإذا لابد من الانتباه إلى مثل هذا، وأن يشترط ألا يكون مخالفاً لكتاب الله بل هو موافق أو غير مخالف، وكذلك في ألفاظ الموقفين أن يكون قصد إلى هذا التقييد فلو جهلنا الأمر أو لم يكن هناك عُرف ولا عادة في هذه الحالة نحمل اللفظ على ظاهره من كلام الموقف لأن هذا هو اليقين.
(1) سورة النساء، الآية:11.