المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الثامنة عشر تضمن المثليات بمثلها، والمتقومات بقيمتها - شرح القواعد السعدية

[عبد المحسن الزامل]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أولاً: تعريف القاعدة:

- ‌القاعدة معناها لغة:

- ‌فالحسي:

- ‌والمعنوي:

- ‌واصطلاحاً:

- ‌ ثانياً: يذكر العلماء في باب القواعد ما يسمى الضابط، فهل هو ومسمى القاعدة واحد أو بينهما فرق

- ‌ ثالثاً:‌‌ الأشباهوالنظائر هل هي مختلفة، أو معناها واحد

- ‌ الأشباه

- ‌الأمثال

- ‌النظائر:

- ‌ رابعاً: ال‌‌قواعد الأصولية و‌‌القواعد الفقهية:

- ‌قواعد الأصول

- ‌القواعد الفقهية:

- ‌القواعد الأصولية:

- ‌ خامساً: كيف تصاغ القواعد الفقهية:

- ‌ سادسًا: كم عدد القواعد

- ‌ سابعاً: القاعدة هل يُحتج بها أو لا يُحتج بها

- ‌ ثامناً: إذا خالف الحاكم أو القاضي القاعدة، هل يقبل حكمه أو لا يُقبل

- ‌القاعدة الأولى الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة

- ‌القاعدة الثانية الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها ووسيلة المباح مباح، ويتفرع عليها الأعمال ومكملاتها تابعة لها

- ‌القاعدة الثالثة المشقة تجلب التيسير

- ‌1) مشاق لا تنفك عنها العبادة

- ‌2) مشاق تنفك عنها العبادات غالباً

- ‌أ) مشقة عظيمة جداً:

- ‌ب) مشقة يسيرة جداً:

- ‌ج) مشقة وسط:

- ‌القاعدة الرابعة الوجوب يتعلق بالاستطاعة، فلا واجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة

- ‌الحالة الأولى: أن يكون قادرًا ببدنه قادرًا على ما أمر به:

- ‌الحالة الثانية: قادر ببدنه عاجز عن الآلة المأمور بها:

- ‌الحالة الثالثة: عاجز ببدنه، قادر على الآلة التي أمر بها:

- ‌القاعدة الخامسةالشريعة مبنية على أصلين:

- ‌القاعدة السادسة الأصل في العبادات الحظر، فلا يُشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأصل في العادات الإباحة، فلا يحرّم إلا ما حرَمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌القاعدة السابعة التكليف وهو البلوغ، والعقل شرط لوجوب العبادات، والتمييز شرط لصحتها إلا الحج والعمرة، ويشترط لصحة التصرف التكليف والرشد، ولصحة التبرع التكليف والرشد والملك

- ‌1 - الاحتلام:

- ‌2 - استكمال خمس عشرة سنة:

- ‌3 - نبوت الشعر الحسين حول القُبُل:

- ‌القاعدة الثامنة الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين وجود الشروط وانتفاء الموانع

- ‌القاعدة التاسعة العرف والعادة يرجع إليه في كل حُكمٍ حَكَم الشارع به ولم يَحدّه

- ‌القاعدة العاشرة البينة على المدّعي، واليمين على من أنكر في جميع الدعاوي والحقوق وغيرها

- ‌القاعدة الحادية عشر الأصل بقاء ما كان على ما كان، واليقين لا يزول بالشك

- ‌القاعدة الثانية عشر لابد من التراضي في عقود المعاوضات والتبرعات والفسوخ الاختيارية

- ‌1) اللفظ:

- ‌2) الفعل:

- ‌3) الكتابة:

- ‌4) الإشارة:

- ‌5) السكوت:

- ‌القاعدة الثالثة عشر الإتلاف يستوي فيه المتعمد والجاهل والناسي

- ‌القاعدة الرابعة عشر التلف في يد الأمين غير مضمون إذا لم يتعد أو يفرّط، وفي يد الظالم مضمون مطلقاً أو يقال ما ترتب على المأذون فيه فهو غير مضمون، والعكس بالعكس

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌القاعدة الخامسة عشر لا ضرر ولا ضرار

- ‌القاعدة السادسة عشر العدل واجب في كل شيء، والفضل مسنون

- ‌القاعدة السابعة عشر من تعجَّل شيئاً قبل أوانه، عوقب بحرمانه

- ‌القاعدة الثامنة عشر تضمن المثليات بمثلها، والمتقوِّمات بقيمتها

- ‌القاعدة التاسعة عشر إذا تعذّر المسمّى رجِع إلى القيمة

- ‌القاعدة العشرون إذا تعذر معرفة من له الحق، جُعِل كالمعدوم

- ‌القاعدة الحادية والعشرون الغرر والميسر محرّم في المعاوضات والمغالبات

- ‌القاعدة الثانية والعشرون الصلح جائزٌ بين المسلمين، إلا صلحاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون من سبق إلى المباحات فهو أحق بها من غيره

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون تُستعمل القُرعة عند التزاحم ولا مُميز لأحدهما أو إذا علمنا أنا الشيء لأحدهما وجهلناه

- ‌القاعدة السادسة والعشرون يُقبَل قول الأُمناء فى التصرف أو التلف ما لم يخالف العادة

- ‌القاعدة السابعة والعشرون من ترك المأمور لم يبرأ إلا بفعله، ومن فعل المحظور وهو معذور بجهل أو نسيان فهو معذور ولا يلزمه شيء

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون يقوم البدل مكان المبْدَل إذا تعذر المُبدل منه

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون يجب تقييد اللفظ بملحقاته من وصف أو شرط أو استثناء أو غيرها من القيود

- ‌القاعدة الثلاثون الشركاء في الأملاك يشتركون في زيادتها ونقصانها، ويشتركون في التعمير اللازم، وتُقسَّط المصاريف بحسب مِلكِهم، ومع الجهل بمقدار ما لكل منهم يتساوون

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون قد تتبعّض الأحكام بحسب تفاوت أسبابها

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون من أدّى عن غيره واجبًا بنية الرجوع عليه؛ رجع وإلا فلا

- ‌القاعدة الثالثة والثلاثون إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها، فيقدم الواجب على المستحب، والراجح من الأمرين على المرجوح، وإذا تزاحمت المفاسد واضطر إلى واحد منها قدّم الأخف منها

- ‌القاعدة الرابعة والثلاثون إذا خُيِّر العبد بين شيئين فأكثر فإن كان التخيير لمصلحته فهو تخيير يرجع إلى شهوته واختياره، وإن كان لمصلحة الغير فهو تغيير يلزمه فيه الاجتهاد

- ‌القاعدة الخامسة والثلاثون من سقطت عنه العقوبة لموجِب ضُعِّفَ عليه الضمان

- ‌القاعدة السادسة والثلاثون من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه، وإن كان لمضرته فلا ضمان عليه

- ‌القاعدة السابعة والثلاثون إذا اختلف المتعاملان في شيء من متعلقات المعاملة يرجع أقواهما دليلًا

- ‌القاعدة الثامنة والثلاثون إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة، أو إلى شرطها فسدت، وإذا عاد إلى أمر خارج لم تفسد، وكذلك المعاوضات، فرجوع التحريم إلى نفس العبادة أو إلى شرطها: إما إلى ذاتها أو ماهيتها أو ركن من أركانها

- ‌القاعدة التاسعة والثلاثون لا يجوز تقديم العبادة على سبب الوجوب، ويجوز تقديمها بعد وجود السبب وقبل شرط الوجوب وتحققه

- ‌القاعدة الأربعون يجب فعل المأمور به كله، فإنه قدر على بعض وعجز عن باقيه فعل ما قدر عليه

- ‌القاعدة الحادية والأربعون إذا اجمتعت عبادتان من جنس واحد تداخلت أفعالها واكتفى عنهما بفعل واحد إذا كان المقصود واحدًا

- ‌القسم الأول: أن تكون الحدود خالصة لله تعالى أي محض حق لله تعالى:

- ‌الأول: أنا لا يكون فيها قتل:

- ‌الثاني: أنا يكون فيها قتل:

- ‌القسم الثاني: إذا كانت محض حق الآدميين:

- ‌القسم الثالث: أن تجتمع حدود الله وحقوق الآدميين:

- ‌الأول: أن لا يكون فيها قتل فيُستَوفَى الجميع:

- ‌الثاني: أن تجتمع كالأول ولكن فيها قتل:

- ‌الثالث: أن يتفق الحدّان في المحل ويكون تفويتًا كالقتل والقطع:

- ‌القاعدة الثانية والأربعون استثناء المنافع المعلومة في العين المنتقلة بمعاوضة جائز، وفي التبرعات يجوز استثناء المدة المعلومة والمجهولة

- ‌القاعدة الثالثة والأربعون من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة، فإنه قبضها لحظ مالكها قبل

- ‌القاعدة الرابعة والأربعون إذا أدّي ما عليه، وجب له ما جُعِلَ له عليه

- ‌القاعدة الخامسة والأربعون من لا يُعتبر رضاه في عقد أو فسخ لا يعتبر علمه

- ‌القاعدة السادسة والأربعون من له الحق على الغَير وكان سبب الحق ظاهرًا فله الأخد من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه، وإن كان السبب خفيًا فليس له ذلك

- ‌القاعدة السابعة والأربعون الواجب بالنذر يلحق بالواجب بالشرع

- ‌القاعدة الثامنة والأربعون الفعل الواحد ينبني بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد

- ‌القاعدة التاسعة والأربعون الحوائح الأصلية للإنسان لا تُعَدّ مالاً فاضلاً

- ‌القاعدة الخمسون يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً

- ‌القاعدة الحادية والخمسون الأسباب والدواعي للعقود والتبرعات معتبرة

- ‌القاعدة الثانية والخمسون إذا قويت القرائن قُدّمت على الأصل

- ‌القاعدة الثالثة والخمسون إذا تبين فساد العقد بطل ما بُني عليه، وإن فسخ فسخاً اختيارياً لم تبطل العقود الطارئة قبل الفسخ

- ‌القاعدة الرابعة والخمسون العبرة في المعاملات بما في نفس الأمر

- ‌القاعدة الخامسة والخمسون لا عذر لمن أقرّ

- ‌القاعدة السادسة والخمسون يقوم الوارث مقام مورّثه في كل شيء

- ‌القاعدة السابعة والخمسون يجب حمل كلام الناطقين على مرادهم كما أمكن في العقود والفسوخ والإقرارات وغيرها

- ‌القاعدة الثامنة والخمسون الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً

- ‌القاعدة التاسعة والخمسون الفكرة إذا كانت بعد النفي أو الاستفهام أو الشرط تفيد العموم

- ‌القاعدة الستون (من)، و (ما) و (أي)، و (متى)، و (أل)، والمفرد المضاف يدل كل واحد منها على العموم

الفصل: ‌القاعدة الثامنة عشر تضمن المثليات بمثلها، والمتقومات بقيمتها

‌القاعدة الثامنة عشر تضمن المثليات بمثلها، والمتقوِّمات بقيمتها

هذه القاعدة قالها الفقهاء في سائر المذاهب، وهي تكاد تكون محل إجماع منهم، لكن خلافهم في المثلى والمتقوَّم، بعضهم قال: إن المثلى هو كل مكيل، أو موزون، فمن أتلف لإنسان شيئاً مكيلًا، أو موزوناً، أو ثبت في ذمته شيء مكيل، أو موزون بقرض، أو نحوه وجب عليه مثله، فمن استسلف من إنسان مائة صاع من البرّ مثلاً وجب عليه في ذمته مائة صاع من البرّ، ومن استسلف شيئاً موزوناً مثل لحم فإنه وجب في ذمته، ويجب ردُّ مثله، وهذا في القرض ما لم يتراضوا على شيء يوم التقابض، وإلا يجوز أن يعطيه غير ما استسلف إذا تراضوا على شيء وأن يجعله بدلاً عن قرضه، والمشهور في المذهب أن المثلي هو كل مكيل أو موزون لا صناعة فيه مباحة يصح السَّلَمُ فيه.

فقولهم: "كل مكيل وموزون ": يخرج ما لم يكن مكيلاً أو موزونًا من المعدودات المذروعات.

وقولهم: "لا صناعة فيه مباحة": يخرج الموزون إذا خرج عن الوزن بالصناعة، مثل أنواع الآنية من قدور وغيرها، مما أصلها الوزن لأنها من الحديد أو غيره مما يوزن من نحاس وغيره، فهذه وإن كان الأصل فيها الوزن لكن خرجت بالصناعة عن الوزن، فهذه تضمن لكن لا تضْمَنُ بمثلها لأنها خرجت من المثلية بالصناعة،

ص: 155

فلا مثل لها فتضمن بقيمتها، ومنه أيضاً الحلي وإن كان أصله الوزن لكنه خرج عن الوزن بالصناعة، فيضمن بقيمته.

وقوله "مباحة": يخرج الصناعة المحرمة، فإذا أتلف على إنسان إبريق من الذهب أومن الفضة أو ملاعق من الذهب أو من الفضة فإنها لا تضمن بقيمتها، بل تضمن قيمتها بوزنها، أي كم يساوي هذا الإبريق وزناً، وكم تساوي هذه الملعقة وزناً؟ لأنها بالصناعة زادت قيمتها؟ ولأجل هذا الذهب إذا كان تبراً له قيمة وإذا كان مصنوعاً له قيمة، فلذلك قالوا إنها لا تضمن بقيمتها لأن الصنعة محرمة ولا قيمة لها في الشرع، وإن كان لها قيمة عند الناس لكنها في الشرع ليس لها قيمة، فتهدر ولا تُحسب، وتحسب قيمتها غير مصنوعة.

وقولهم "يصح السَّلم فيه": يخرج الموزون الذي لا يصح السَّلم فيه كالجواهر واللؤلؤ وما أشبه ذلك من أنواع الجواهر، قالوا هذه وإن كانت موزونة فليست مثلية.

فلو قال: أعطيك مائة ألف ريال في جوهرة تأتي بها إلى مدة شهر صفتها كذا، ولونها كذا، وحجمها كذا، فهذه قالوا لا تصح لأن هذا لا يمكن ضبطه، والجواهر تختلف اختلافاً عظيماً، فقالوا كما أنه لا يصح السلم فيِها لأنها لا تنضبط فكذلك لا تكون مثلية لعدم انضباطها، وهذا هو تعريف المثلي في المذهب وهو المشهور عندهم، ولا شك أن هذا لا يدخل فيه إلا أشياء يسيرة ويخرج منه أشياء كثيرة.

ص: 156

القول الآخر في هذه المسألة:

أن المثلي ما له مثل يماثله أو يقاربه، وهذا هو أصح الأقوال وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ونصَره ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين، وقاله جمع من أهل العلم، وهذا القول هو الذي يدل عليه القرآن والسنة والآثار عن الصحابة - رضى الله عنهم -، والقياس والقضاء الصحيح.

ولهذا يضمن الصيد إذا أتلفه بمثله أو ما يقاربه، فقضى الصحابة رضي الله عنهم في البعير بالنعامة، مع أن الفرق بينهما عظيم لكنها تشابهها في بعض الأشياء مثل طول الرقبة والجسم، وقضوا في الشاة بحمامة مع الفرق بينهما لكن لأنها تشبهها من جهة مص الماء - والله أعلم -، فالصحابة رضي الله عنهم هم أفقه الأمة وأعلمها، ومع هذا قضوا في مثل هذا بالمثل بما يشابهه من بعض الوجوه.

وقد صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام أنه استلف بَكراً فقضى رباعياً (1)، فدل على أن الإبل مثلية، وإلا لرد القيمة، ولهذا يقولون في القرض يُردُّ مثله،

(1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البيوع (5/ 54) وابو داود في البيوع برقم (3346) وكلاهما من حديث أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فذكره وزاد: فجاءته إبلٌ من الصدقة، قال أبو رافع: فأمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكره فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملًا رباعياً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطه إياه فإن خِيار الناس أحسنهم قضاء".

وقال الترمذى عقب سياقه له في سننه: "حديث حسن صحيح".

ص: 157

واستثنى بعضهم القرض في مثل هذه الأشياء وهو قول الجمهور، والأحناف يقولون أن الإبل ليست مثليه فلو اقترض شيئًا من الإبل لا يرد شيئًا لأنه ليس له مثل بل يرد قيمته، واختلفوا ما هي القيمة الواجبة، هل هي قيمته يوم القبض أو يوم الرد. . إلى غير ذلك، المقصود أن الإبل مثليه كما قلنا.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عن داود عليه السلام قال: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (1) وهذه القصة ذكرها أهل العلم، فداود عليه السلام قضى بحكم وخالفه ابنه سليمان، فهؤلاء القوم لهم غنم وقوم لهم بستان فنفشت هذه الغنم، والنفش هو الإفساد ليلًا، فقضى سليمان لأهل الزرع بأن يقوم أهل الغنم بإصلاح البستان، والبستان فيه الأشجار والثمار والحيطان التى تبنى، وهو قضي بإرجاع البستان كما كان، وهذا لا شك عند جماهير أهل العلم ليس مثليًا، فلما قضى بهذا أثنى عليه الله سبحانه وتعالى بالفهم، وأن الله فهَّمه، ومن عدله عليه الصلاة والسلام حكمه أن يأخذ أهل البستان الغنم فيستفيدوا منها في مدة إصلاح البستان، فجعل نماء هذه الغنم في هذه المدة مقابلًا للنماء الذي يستفيدونه من البستان لأنه فات عليهم في هذه المدة، وهذا بلا شك أقرب للعدل. . فعلى هذا كل شيء يماثل شيئًا فهو مثلي.

والأواني على الصحيح نقول إنها مثلية لأنها تماثلها، والسيارات التى تتماثل

(1) سورة الأنبياء، الآيتان 78، 79.

ص: 158

تكون مثلية، لكن هذا كما قلنا عند الجمهور ليست مثليه والثياب أيضًا عندهم ليست مثلية، بل قيمية لأنها ليست مكيلًا ولا موزونًا لأن الثياب خرجت عن الوزن بالصناعة، والصواب أنها مثلية، بل المشابهة في الأوانى قد تكون أعظم من المشابهة بين حبة بُر وحبة بُر، لأن الحب قد يكون بعضه صغيراً وبعضه كبيراً.

فالقول المختار كل ما له مثيل فهو مثلى، وهذا القول هو الذي تدل عليه الأخبار، وهو أيضًا ظاهر اختيار البخاري رحمه الله في صحيحه، وقد بوّب بابًا في صحيحه وقال: باب من هدم جداراً بنى مثله، وليس المراد بهذا أنه يلزمه المراد إذا اختلفوا، وإلا لو تراضوا على شيء جاز، فلو تراضوا على شيء في المثليات على القيمة جاز ذلك، لكن هذا يلزم إذا اختلفوا أو أرادوا أن يرجعوا إلى حكم الشرع الواجب عليهم، فعلى هذا إذا عُدم المثلى أو شق وجوده أو العثور عليه نرجع إلى القيمة.

ومن الأدلة - أيضاً - التي تدل على القول الصحيح في مسألة المثلى القصة المشهورة التى جاءت في حديث عائشة وحديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان عند إحدى أزواجه وكانتا تصلح طعاماً له ولأصحابه، فجاءت إحدى أمهات المؤمنين بطعام، وجاء في بعض الروايات أنها عائشة وأن التى صنعت الطعام هي زينب بنت جحش، فجاءت فكسرت تلك الصحفة، فقال عليه الصلاة والسلام:"غارت أُمكُم"، وجاء في صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام حبس الصحفة المكسورة في بيت الكاسرة وردّ الصحيحة إلى

ص: 159

بيت من كُسِرَت صحفتها. فهذا ظاهره أنه قضى، ففعله عليه الصلاة والسلام من تضمين الكاسرة من إبقاء الصحفة المكسورة في بيتها وأخذ الصحيحة وجعلها لمن كسرت صحفتها يدل على أن المثل ماله مثل، لأن الصحفة عند الجمهور ليست مثلية لأنها خرجت بالصنعة عن كونها مثلية.

وأصرح منه ما رواه الترمذي بسند صحيح أنه بعد ما فعل هذا عليه الصلاة والسلام قال: "إناءٌ بإناءٍ، وطعامٌ بطعامٍ "(1)، وقد رواه الترمذي بسند على شرط الشيخين، وقد رواه - أيضاً - أبو داود والنسائي من طريق جسرة بنت

(1) رواه الترمذي في كتاب الأحكام (2/ 406)، باب ما جاء فيمن يُكسر له الشيء، وقال عنها الترمذي بعد سياقه لها:"حديث حسن صحيح ".

وجاء من حديث عائشة رضى الله عنها، أخرجه أبو داود في كتاب البيوع (3097)، والنسائى في عِشرة النساء (3895)، والإمام أحمد في مسنده (4/ 93) من طريق سفيان قال: حدثنى فُلِيت العامري عن جسرة بنت دجاجة قالت: قالت عائشة رضى الله عنها: "ما رأيت صانعاً طعاماً مثل صفية، صنعت لرسول الله طعاماً فبعثت به، فأخذنى أفْكَل فكسرت الإناء، فقلت: يا رسول الله، ما كفارة ما صنعت، قال: "إناء مثل إناء، وطعام مثل طعام". والحديث فيه جسرة قال عنها البخاري: وجسرة عندها عجائب.

وقال الحافظ في التقريب: "جسرة بنت دجاجة العامرية الكوفية مقبولة من الثالثة، ويقال إن لها إدراكاً".

والقصة عند البخاري من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه (5/ 142) بلفظ آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة فَضَمَّها وجعل فيها الطعام وقال: "كلوا" وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم القصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة.

ص: 160

دجاجة عن عائشة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إناءٌ باناءٍ، وطعامٌ بطعامٍ"، فهذان شاهدان لما جاء في البخاري، ويرد على من قال إن هذا على سبيل المكارمة، وليس على سبيل القضاء، وأنه من باب العقوبة للكاسرة، وأن هذا من ماله عليه الصلاة والسلام ولا يخرج من بيته وهن أزواجه عليه الصلاة والسلام، لكن قوله إناء بإناء قاعدة عامة، وجاء في لفظ آخر ذكره الحافظ ابن حجر عند ابن أبي حاتم أنه قال من كسر شيئاً فهو له وعليه مثله، وهذا قانون عام في هذه المسائل.

وقوله: "المتقوّمات بقيمتها": هذه واضحة تتضح من المثلي، وأن ما لم يكن مثلياً أو كان مثلياً وعُدم فيرجع إلى قيمته.

ص: 161