الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثامنة والثلاثون إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة، أو إلى شرطها فسدت، وإذا عاد إلى أمر خارج لم تفسد، وكذلك المعاوضات، فرجوع التحريم إلى نفس العبادة أو إلى شرطها: إما إلى ذاتها أو ماهيتها أو ركن من أركانها
مثاله: صوم يوم العيد: لو أن إنسانًا صام يوم العيد، وقد صحت الأخبار في النهي عن صيام أيام العيد نقول هذا الصوم باطل؛ لأن النهي عائد إلى ذات المنهي عنه، وهو صوم يوم العيد.
فصومه هو عين المخالفة لنهيه عليه الصلاة والسلام (1) فهو باطل، لأنه راجع إلى ذات الصوم فلم يَنْهَ عن الصوم في يوم العيد لأجل شيء تعلق به لكن ينهى عنه في يوم العيد خصوصًا فلا يصح الصوم، والصوم باطل هذا قول جماهير أهل العلم.
ومنه - أيضًا - النهي عن الصلاة في أوقات النهي، فالصلاة بلا سبب باطلة لأن النهى يعود إلى نفس الصلاة، وأن هذا الوقت ليس محلًا للصلاة أصلًا بمعنى أنه لا يجوز ابتداء النافلة فيها بغير سبب في هذه الحالة نقول الصلاة باطلة، هذا إذا عاد إلى ذات العبادة أو إلى ركن من أركانها، هذا هو القسم الأول.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصوم (2/ 951)، باب: صوم يوم الفطر، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الصيام (2/ 80) كلاهما من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه. . فذكره".
القسم الثاني: إذا عاد إلى شرط في العبادة على وجه يختص بها كاجتناب النجاسة وترك السترة (1) في الصلاة هذا النهي عن الصلاة بالنجاسة جاء بخصوص الصلاة والأمر بالسترة جاء بخصوص الصلاة فهو عائد إلى شرط العبادة على وجه يختص بها، وذهب إلى هذا كثير من أهل العلم إلى أنها لا تصح، وفصّل بعضهم في مسألة النجاسة بين الذُّكر والنسيان، قالوا في حال الذُّكر تبطل، وفي حال النسيان لا تبطل، وبعضهم عمّم، والمسألة فيها خلاف فإذا كان ذاكرًا قادرًا على إزالتها فلا شك أنها باطلة، أما إذا كان جاهلًا أو ناسيًا فالصحيح أنها لا تبطل.
أما السترة إن كان ذاكرًا فالصلاة باطلة، وإن كان عادمًا لها فالصلاة صحيحة، أما على المذهب فالصلاة باطلة في كل حال، وإن كان لعدمها فالصلاة صحيحة.
وهنالك أشياء من الشروط تكون الصلاة باطلة بلا خلاف سواء كان ذاكرًا أو ناسيًا كفقد شرطها وهو الوضوء، فإن الصلاة باطلة كما قال عليه الصلاة والسلام:"لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"(2)، فهذه التقاسيم
(1) المقصود ستر العورة.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الوضوء (1/ 87)، باب: لا تُقبَل صلاة بغير وضوء، من حديث أبى هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم في صحيحه في باب صفة الوضوء وكماله (1/ 204) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الطهارة باب وجوب الطهارة للصلاة (1/ 224) عن ابن عمر "لا يقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول".
تختلف حسب أقوال أهل العلم، وفيها ما يكون باطلًا بلا خلاف، وفيها ما يكون صحيحًا على قول الجماهير وفيها ما يختلف به الترجيح.
من المسائل المشهورة في هذا الباب: إذا عاد النهي إلى شرطها على وجه لا يختص بالصلاة لأن اجتناب هذا الشرط منهي عنه في الصلاة وفي غير الصلاة، كالصلاة في الثوب المغصوب والأرض المغصوبة، فهذا الشرط لا يختص بالصلاة؛ لأن الغصب منهي عنه سواءً كان متلبسًا بالصلاة أم لم يكن متلبسًا بها فيجب عليه رد المغصوب إلى صاحبه فيحرم عليه إمساكه كذلك السترة المغصوبة، وألحق به - أيضًا - الماء المغصوب والإناء المغصوب على الفرق في الإناء إذا كان الوضوء من إناء مغصوب والماء غير مغصوب، أو الوضوء من ماء مغصوب والإناء غير المغصوب، أو الوضوء من إناء ذهب أو فضة، فهذه المسائل كلها فيها خلاف بين أهل العلم وفيها تفاصيل طويلة ذكروها.
وكثير من أهل العلم رجح صحة الصلاة مطلقًا في جميع هذه المسائل وقالوا: إن النهى لا يعود إلى خصوص الصلاة فالغصب منهي عنه في الصلاة وغير الصلاة، والجهة إذا انفكت كان مأمورًا بها من جهة، ومنهيًا عنها من جهة فلا يكون النهي عائدًا إلى ذات المنهى عنه ولا إلى شرطه، ففى هذه الحال هو مأمور بالصلاة منهي عن الغصب، فمن صلى في الأرض المغصوبة فنفس الوجود في الأرض منهي عنه والصلاة نفسها مأمورٌ بها، فهو مأمورٌ من وجه بالصلاة منهي عن الغصب، فإذا كان ليس منهيًا من كل وجه فالصلاة صحيحة بخلاف الصلاة في وقت النهي فهو
منهي عن الصلاة من كل وجه، أما الصلاة في الأرض المغصوبة ونفس الصلاة مأمور بها أما شغل البقعة فإنه منهي عنه ومنهى عن لبس الثوب المغصوب، فلأجل هذا قال أهل العلم: إن الجهة إذا انفكت فكان مأمورًا من وجه منهيًا من وجه صحت الصلاة؛ لأن النهي لا يعود إلى شرط العبادة ولا إلى ركنها، وهو لا شك عاصٍ بفعله هذا ولا يجوز له، فهو مثل من صلى وهو يلبس الحرير، فلبس الحرير منهى عنه في الصلاة وخارج الصلاة، ومن صلى وهو لابس لخاتم ذهب قالوا: إن الصلاة ليست باطلة؟ لأن نفس لبس الخاتم من ذهب منهي عنه سواء كان داخل الصلاة أو خارج الصلاة فقالوا إن الصلاة صحيحة.