الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الحادية والخمسون الأسباب والدواعي للعقود والتبرعات معتبرة
هذه القاعدة كثير من مسائلها داخل تحت قاعدة "إنما الأمور بمقاصدها"، لقوله: صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات"(1). فالمقصود في العقود معتبرة على الصحيح ويدخل تحت هذه القاعدة الحيل في باب العقود فإنه إذا قصد بيع ربا، بطل على الصحيح، فإذا عَقَدَ عَقْدِ عِينة وأظهره عقدًا صحيحاً - والقصد هو ثبوت دراهم بدراهم - فإنه يكون بيع عِينة، كذلك فيما يتعلق بالتبرعات مثل ما ذكره أهل العلم في الهدية وفي القرض.
مثاله: إنسان أقرض إنساناً قرضاً فصار المقترض يهدي للمقرض، في هذه الحال ننظر في هذه الهدية، فنقول هل كنت تهدي له من قبل؟ قال: لا، لكنه أقرضني فأهدى له من باب الإحسان إليه، نقول له: هذا لا يجوز، لأن قصده بالهدية المكافأة على القرض؛ لأن القرض من المصالح العامة وجاءت النصوص بفضله فلا يجوز أن يسلك به مسلك المعاوضات فيتخذ تجارة فيبطل المقصود الشرعى من القرض الذي هو إحسان وطلب الأجر من الله سبحانه وتعالى فتصرفه أنت بأن تثيبه على القرض فلا يجوز، لكن هل يجوز أن يهديه؟ وهل يجوز للمقرض أن يقبل الهدية بنية الإثابة؟ هذا موضع خلاف، فإذا كان مثلاً أهدى إليه بنية الهدية
(1) سبق تخريجه ص: 62.
وكل منهم يعلم الحكم وذلك سوف يرد عليه ويعلم أنه سوف يرد عليه وأنه سوف يقبل فالأمر أيسر.
أما إذا كان قصده الإحسان إليه بهديته سواء رد له أم لم يرد له فهذا لا يهدى له، ولو أهدى له وجب عليه أن يرد مقابل هديته وإلا يطرح عنه من القرض مقدار ما أخذ، فلو أنه أقرضه ألف ريال ثم دعاه إلى وليمة، قلنا له: لماذا دعوته إلى هذه الوليمة؟، قال: أكرمته لأنه أقرضني، نقول: هذا لا يجوز إلا بنية حسابه من القرض، فإذا جاء وقت السداد نقول لا تأخذ قرضك كاملاً، اخصم قيمة هذه الوليمة فإذا صارت قيمة هذه الوليمة ثلاث مائة ريال، نقول: عليك أن تأخذ سبع مائة ريال.
ومن ضمن هذا - أيضاً - هدايا العمال الذين يُبعثون لقبض الصدقات، فهذه كما يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:"هدايا العمّال غلول"(1)، فلا يجوز لهم قبول الهدايا لأنهم عمال، كما قال عليه الصلاة والسلام في
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 425) من طريق إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير عن أبى حُميد الساعدي رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. . ".
والحديث لا يصح لأجل رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين.
فإن يحيى بن سعيد وهو ابن قيس أبو سعيد القاضى حجازي مدني فالسند ضعيف ولذا قال الحافظ في التلخيص (3/ 208): "أخرجه البيهقى وابن علي من حديث أبى حميد الساعدى وإسناده ضعيف.
وأخرجه الطبرانى في الأوسط من حديث أبى هريرة وإسناده أشدّ ضعفاً، وفيه عن جابر أخرجه سُنيد ابن داود في تفسيره عن عبده بن سليمان عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جابر وإسماعيل ضعيف".
حديث ابن اللُّتبيَّة: "هلاّ جلس في بيت أبيه وأمه، ينظر أيُهدى إليه شيء؟ "، وفي لفظ:"أفلا قعد في بيت أبيه وأمه"(1).
المقصود أن ما أهدي له إلا أنه عامل الصدقة، فيقصد بالهدية أموراً ممنوعة من تخفيف الأخذ عليهم أو مسامحتهم أو ما أشبه ذلك لأجل هذا لا يجوز.
ومن ذلك أيضاً هبة المرأة لزوجها إذا وهبت زوجها شيئاً من المال، أو كان عليه بعض الصداق فأسقطت عنه بعضه، وكان قصدها بذلك إحسان العشرة والتحبب إلى زوجها خشية أن يفارقها، ولكن استمر في سوء العشرة فإنه لا يجوز الأخذ مقابل إحسان العشرة؛ لأنه يجب عليه إحسان العشرة، لكن لو فرض أن هذا وقع وقد أعطته مالًا مقداره عشرة آلاف لأجل أن تبقى معه، ثم بعد ذلك طلقها فإنه يجب عليه أن يرجع المال الذي أخذه؛ لأن قصدها في هذا أن تبقى معه.
فالمقصود معتبرة وهكذا في العقود إذا أكره إنسان عليها فإن العقد لا يصح، وكذلك يدخل فيها مسألة عقود الأيمان، فإنها معتبرة، ومسألة الأيمان فيها مسائل كثيرة لكن القصد فيها معتبر، فإذا حلف بالطلاق أو العتاق أو بالظِّهار أو بالحرام وكان قصده المنع والحث فالصواب أن هذا يعتبر يمينًا؛ لأن النية معتبرة في
(1) أخرجه البخارى في صحيحه في كتاب الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبى صلى الله عليه وسلم رقم (6636)، ومسلم في صحيحه في كتاب الإمارة (6/ 11 - 12) كلاهما من حديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه.
مثل هذا، فلو قال: علىَّ الحرام أن لا أفعل هذا، وقصده منع نفسه من فعل هذا الشيء، أو قال: علىَّ الحرام أن لا أزور فلانًا، وقصد منع نفسه عن الزيارة، أو قال: عليَّ الطلاق إن لم أفعل هذا، أو عليّ الطلاق إن لم أزر فلانًا، أو حلف بالعتاق أو بالظهار، فالصواب في هذه المسائل كلها أنها كفارة يمين، وحكى إجماع الصحابة على هذا وجاءت أدلة في هذا معروفة ذكرها أهل العلم، لكن المقصود منه في هذه القاعدة أن القصد معتبر فيكون عليه كفارة يمين ولا يقع به شيء.