الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجلاً، إن كان أعطاه إياه بنية الزكاة أجزأ عنه، وإن كان أعطاه للهبة لم يكن للزكاة، وإن كان قضاء دين لم يكن للزكاة ولم يكن هبة. . وهكذا في الصلاة: فمن صلى الظهر بنية الظهر كانت ظهراً ومن صلى العصر بنية العصر كانت عصراً. . وهكذا في مسائل كثيرة، فهذه تدخل فيها جميع أبواب الفقه أو غالب أبواب الفقه.
أما قواعد الأصول فيندرج تحتها الأدلة مثل ما نقول: "الأمر للوجوب" فهل نستفيد من قولنا الأمر للوجوب حكماً فقهياً عملياً؟، لا نستفيد من هذا حكماً فقهياً عملياً إلا بواسطة دليل خاص.
أما قولنا "الأمور بمقاصدها"، أو "اليقين لا يزول بالشك"، فهذا نستفيد منه أحكاماً فقهية، فمن صلى ثم لما فرغ شك في صلاته فصلاته صحيحة، ومن توضأ ثم بعد ذلك شك هل انتقض وضوءه أم لم ينتقض؟ نقول: وضوءه صحيح.
*
خامساً: كيف تصاغ القواعد الفقهية:
القواعد الفقهية تختلف، منها ما هو نص دليل، ومنها ما هو مستنبط من الدليل، وهذا أيضاً فيه تفصيل، لكن هذا من جهة القواعد الصحيحة التي تُقبَل ويُحتَج بها، مثلاً قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" هذه أصلها حديث ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:"لا ضرر ولا ضرار"(1)، وهذه أعلى أنواع
(1) هذا الحديث له عدة طُرق منها:
الطريق الأول: ما أخرجه ابن ماجه في سننه في كتاب الأحكام (2340)، والإمام أحمد في=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مسنده (5/ 326 - 327) من طريق موسى بن عقبة حدثنا إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. . فذكره.
فالحديث ضعيف؛ لأن في سنده انقطاعاً بين إسحاق وعبادة، ولذا قال البوصيري في الزوائد: في حديث عباده هذا إسناد رجاله ثقات، إلَاّ أنه منقطع لأن إسحاق بن الوليد، قال عنه الترمذي وابن عدى:"لم يُدرك عبادة بن الصامت"، وقال البخاري:"لم يلقَ عبادة".
وقال الحافظ في الدراية ص 373: "وفيه انقطاع".
وإسحاق بن يحيى بن الوليد، قال الحافظ في التقريب:"أرسل عن عبادة وهو مجهول الحال"، وقال في التهذيب (1/ 164):"روى عن عبادة ولم يدركه"، وقال الذهبي في الميزان (1/ 204): "قال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة.
الطريق الثاني: وهو من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ويرويه عنه عكرمة وله عنه طريقان:
(1)
عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما به فذكره.
أخرجه ابن ماجة في سننه في كتاب الأحكام (2/ 2340، 2341، واخرجه أحمد في مسنده (1/ 313) رقم (2867) وفيه: جابر الجعفي، وهو متروك الحديث، ذكره البخاري في الضعفاء الصغير (49) وقال:"تركه يحيى، وابن مهدى". وقال النسائى في الضعفاء والمتروكين: "جابر بن يزيد الجعفي متروك، كوفي".
(2)
عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للجار أن يضع خشبته على جدار جاره وإن كره، والطريق الميتاء سبعة أذرع، ولا ضرر ولا ضرار".
وهذا الطريق عند الدارقطني في سننه (4/ 84)، وداود بن الحصين ثقة إلا في روايته عن عكرمة كما قاله الحافظ، وقال ابن معين: ثقة، وقال على بن المدينى: ما روى عن عكرمة فمنكر، قال: وقال ابن عيينة: كنا نتقي حديث داود، وقال أبو داود: أحاديثه عن شيوخه مستقيمة، وأحاديثه عن عكرمة مناكير". انظر: التهذيب (2/ 296)، الميزان (2/ 36).
فيتلخَّص مما سبق من كلام الحفَّاظ: أن روايته عن عكرمة منكرة.
الطريق الثالث: حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه. . . ".
القواعد وأقواها؛ لأنها من قوله عليه الصلاة والسلام، كذلك قاعدة "الخراج بالضمان"، وهذا نصّ حديث ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:"الخراج بالضمان"(1)، هذا هو النوع الأول الذي هو نص دليل.
= أخرجه الدارقطنى في سننه (522)، والحاكم (2/ 57 - 58)، والبيهقى (6/ 69) وقال:"تفرّد به عثمان بن محمد" وهو ضعيف، وهو من طريق عثمان بن محمد بن عثمان بن ربيعة حدثنا عبد العزيز الدراوردي عن عمرو بن يحيى المازنى عن أبيه عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه، وزاد:"من ضارّ ضرَّهُ الله، ومن شاقّ شقَّ الله عليه"، مع أن الحاكم في مستدركه (3/ 65) قال:"صحيح الإسناد على شرط مسلم"، ووافقه الذهبى، ولكن الحديث بهذا الطريق ضعيف لوجود هذا الرجل فيه وهو عثمان.
الطريق الرابع: من حديث جابر رضي الله عنه عند الطبرانى في الأوسط (1/ 141) من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن عمه واسع بن حَبَّان عن جابر رضى الله عنه بلفظ: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام". قال الطبرانى بعد أن ساقه: "لم يروه عن محمد بن يحيى إلا ابن إسحاق " ومحمد بن إسحاق صدوق لكنه مدلس وقد عنعنه، وقال عنه المناوى فى فيض القدير:"حسّنه النووي في الأربعين قال: ورواه مالك مرسلاً وله طرق يقوي بعضها بعضاً". وقال العلائى: "للحديث شواهد ينتهى مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به".
فالحديث يرتقى لدرجة الصحيح بمجموع طرقه وشواهده.
(1)
أخرجه أبو داود في سننه فى كتاب البيع من سننه (3508)، والنسائى (2/ 215)، والترمذي (1/ 242)، وابن ماجه (2242)، وأحمد (6/ 49 - 161)، والحاكم في المستدرك (2/ 15) كلهم من طريق ابن أبى ذئب عن مخلد بن خُفاف عن عروة عن عائشة رضي الله عنها. قال الترمذى:"حديث حسن صحيح غريب".
والحديث في سنده مخلد بن خفاف، لم يوثقه غير ابن حبان.
قال الحافظ فى التهذيب (5/ 7609): مخلد بن خُفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري، لأبيه وجده صحبةٌ روى عن عروة عن عائشة حديث:"الخراج بالضمان"، وعنه ابن أبى ذئب قال أبو حاتم: لم يرو عنه غيره، وليس هذا بإسناد تقوم بمثله الحجة"، وقال ابن عدى: لا يعرف له غير هذا الحديث، وذكره ابن حبان في=
النوع الثاني: القواعد المستنبطة: والاستنباط في هذه الباب واسع، قد يكون الاستنباط قوياً وقد يكون ضعيفاً، لكن الأصل أنها مستنبطة، مثلاً قاعدة "اليقين
= الثقات، وقال فيه البخاري:"فيه نظر".
قال الحافظ: وفي سماع ابن أبى ذئب منه عندي نظر، وقال عنه في التقريب: مقبول.
وذكر الذهبى في الميزان (4/ 82) عن الترمذي قوله: "لا يعرف بغير هذا الحديث". فالحديث فيه علتان:
1) جهالة مخلد بن خُفاف لعدم توثيقه توثيقاً معتبراً.
2) عدم سماع ابن أبى ذئب من مخلد.
ولكن قد تُوبع مخلد، فقد تابعه مسلم بن خالد الزنجى، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها به. . ". وهذه المتابعة عند أبى داود (3510)، وابن ماجه (2243)، والحاكم (2/ 15) في المستدرك وقال: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبى، وفيه مسلم بن خالد الزنجى المكي الفقيه، قال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: لا يُحتج به وضعّفه أبو داود، وقال ابن المدينى: ليس بشيء، ونُقل عن ابن عون ثلاث روايات فيه: فمرة قال: ليس به بأس، ومرة قال: ثقة، ومرة قال: ضعيف".
وقد ساق له الذهبى في الميزان (4/ 12) بعض الأحاديث التى استنكرت عليه، ثمَّ قال بعد ذلك:"فهذه الأحاديث وأمثالها تُرَدُّ بها قوة الرجل ويُضعَّف"، وذكره الذهبى في المغني في الضعفاء (2/ 6209). انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 1325)، تهذيب التهذيب (5/ 7708)، الميزان (4/ 102).
ولكن تابع مسلماً هذا عمر بن على المقدَّمى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها به. . . "وهذه المتابعة عند البيهقى في السنن الكبرى (5/ 322) وهو ثقة كما قال الحافظ: "لكنه كان يُدلِّس تدليساً شديداً". وقال عنه الإمام أحمد: كان يدلِّس، وقد أثنى عليه خيراً كما نقل ذلك عنه ابنه عبد الله، وقال أبو حاتم: محله الصدق، ولولا تدليسه لحكمنا له إذا جاء بزيادة، غير أنَّا نخاف أن يكون أخذه عن غير ثقة".
فالحديث بهذه المتابعات يرتقى لدرجة الحسن، وقد حسّنه الألبانى في الإرواء (5/ 1315) وقال: يتقوى الحديث من الطريق الذي قبله" لاسيما وقد تلقاه العلماء بالقبول كما ذكر الطحاوي.