الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثامنة والأربعون الفعل الواحد ينبني بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد
المعنى أنه لا يضر الفصل اليسير في الفعل الواحد الذي ينبني بعضه على بعض، وهذه القاعدة تدخل تحتها مسائل كثيرة، وكثير من أهل العلم يقول بها من حيث الجملة كغيرها من القواعد وربما خرج عنها بعض المسائل لخلاف بعض أهل العلم، فيرى أنه لا يجوز البناء في هذه المسألة المعينة أو للخلاف في أن الانقطاع هل هو يسير أو ليس يسيرًا؟ أو ما هو مردُّ الانقطاع هل هو العرف أو ضبطه بشيء معين؟.
مثلًا: أعضاء الوضوء يجب الموالاة بينها فلا يضر الانقطاع اليسير، فلو أنه غسل وجهه، ثم جعل يتحدث مع إنسان ثم غسل يديه ثم جعل يتحدث مع إنسان، ثم مسح رأسه مع أذنيه، ثم غسل رجليه، فإن وضوءه صحيح، والموالاة لم تسقط لأن الفصل يسير.
في هذه الحالة بما تقدر الموالاة؟، فتقديرها ينبنى على ضابط الانفصال، هل الانفصال نضبطه بشيء أو مردّه العرف؟، منهم من قال إن مردّه العرف في هذه المسألة أي في مسألة الوضوء، فما دام أن الانقطاع يسير فلا يضر.
ومنهم من قال: إنه يسير ما دام لم ينشف العضو الذي قبله، فإذا غسل وجهه ثم جعل يتحدث لمدة عشر دقائق، ثم غسل يديه والعضو لا زال
أثر الماء - أي البلل - موجودًا فإنه يتم وضوءه.
ومنهم من قال إنه يجب عليه أن يعيد وضوءه؛ لأن هذا الانفصال في العرف كثير فيما يتعلق بالوضوء؛ لأن جميع الوضوء لا يستغرق ولا ربع هذه المدة، فعليه أن يعيد الوضوء، لكن الأظهر أن العبرة بنشاف العضو الذي قبله.
ومنها - أيضًا - الصلاة إذا سلّم من الرباعية ناسيًا ركعة ثم بعد ذلك تذكر، فهل نقول له يأتى بالركعة ثم يسجد للسهو بعد السلام؟ هذه فيها خلاف بين أهل العلم في مسألة الفصل ومقدار الفصل، كثير من أهل العلم يقول إن كان الفصل يسيرًا فإنه يأتى بركعة ثم يسجد للسهو بعد السلام، والانفصال اليسير يقولون ما دام في مصلاه أو في المسجد أو عند باب المسجد أو إذا كان عند باب بيته إذا كان بجوار المسجد، فعلى هذا يرجع إن كان هناك جماعة أو ليصلي في بيته فيصلى ركعة ثم يسجد للسهو بعد السلام، كما فعل عليه الصلاة والسلام في حديث عمران بن حصين في صلاة العصر كما في صحيح مسلم (1) لما سلَّم عن ثلاث ثم خرج من المسجد فلحق به الخرباق فأبلغه فرجع عليه الصلاة والسلام فصلى ركعة، لكن إذا لم يتذكر إلا بعد أن أحدث أو نام ثم تذكر فهذا عند جماهير أهل العلم أنه لا يصح البناء عليه، وعليه أن يعيد الصلاة كاملة، فهذه المسائل تنبني على خلاف أهل العلم في تحديد مقدار الفصل
(1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب المساجد (1/ 404 - 405) عن حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
اليسير، والطواف أيضًا إذا تخللته صلاة مكتوبة.
مثاله: إنسان يطوف طواف فرض أو طوف سنة ثم حضرت صلاة مكتوبة أو صلاة جنازة فإنه يصلي، وإن قلنا إنه يجب الموالاة بين الأشواط لأنه يجوز الفصل بين الأشواط إذا كان الفصل يسيرًا، فإذا صلى المكتوبة أو صلى الجنازة فهذا فصل يسير وعليه أن يتم طوافه، وكذلك لو وقف يسلم على إنسان ويتحدث معه فإن هذا الفصل يسير، وإنْ قلنا إنَّ الموالاة بين الأشواط مستحبة فإن الفصل لا يضر سواء كان الفصل يسيرًا أم طويلًا، أيضًا في العقود، بين إيجاب العقود وقبولها.
مثاله: إنسان باع بيتًا لإنسان فقال: بعتك هذا البيت، والمشتري لم يقل قبلت أو رضيت بل سكت وجعل يتحدث مع صاحبه في حديث آخر أو انشغل بشيء، إن كان الانشغال يسيرًا ثم قال قبلت، فإن العقد صحيح، أما إذا كان الانفصال طويلًا فإن العقد لا يلزم، أو كان الانشغال بكلام أجنبى كما قاله بعض أهل العلم، لأن ظاهر حاله الرغبة عن البيع، فإذا تبين أنه لا يريد البيع كان في حكم الانفصال الكثير أو في حكم الانصراف عن البيع فلا يكون قبوله بعد ذلك مثبتًا للعقد فلابد من عقد ثان.
كذلك مما يجب الوصل فيه والاتصال قراءة الفاتحة وغيرها في الصلاة إلا إذا كان الانفصال يسيرًا، فلو انشغل بعطاس أو بحة في الحق منعته من الوصل فإن هذا الانفصال لا يعتبر، لكن إذا كان الانفصال طويلًا فإنه يجب عليه أن يعيدها إلا إذا
كان الانفصال لعذر، مثل إنسان يقرأ الفاتحة فشرع الإمام بالقراءة، فإذا أراد أن يستمع إليه، ثم بعد ذلك يتم الفاتحة فلا بأس.