الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثامنة والعشرون يقوم البدل مكان المبْدَل إذا تعذر المُبدل منه
هذا له أدلة منها قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (1) فأمر بالتيمم عند فقد الماء، فإذا تعذّر الأصل فإنه يجب القيام بالبدل في جميع الأشياء، كذلك في أنواع الكفارات من كفارات الظهار وكفارة الوطء في رمضان، فإذا لم يجد رقبة فعليه أن يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع يطعم ستين مسكيناً، كذلك في كفارة اليمين إذا لم يستطع العتق أو الإطعام أو الكسوة فإنه ينتقل إلى الصيام فيصوم ثلاثة أيام، لكن هل يقوم البدل مقام المبدل في كل شيء؟ من جهة براءة الذمّة لا شك أنه تبرأ ذمته، أما من جهة الأجر هل يستويان؟.
هذا محل نظر، ذهب بعض أهل العلم إلى أنهما لا يستويان، وقالوا إن البدل ليس كالمبدل منه، ولو كان البدل مثل المبدل منه في الأجر وأنهما سواء لم يكن هنالك فرق بين فعل البدل والمبدل منه، ولم يكن شرط فعل البدل فَقْدُ المبدل منه، فيفهم منه أنهما لا يستويان، لكن بحسب مصلحتهما فلا تجعل التيمم كالوضوء، فالوضوء أفضل، ولا يُجعل الصوم كالعتق، فالعتق أفضل لأن نفعه متعدٍ ويترتب عليه تحرير رقبة مسلمة، وكذلك في أنواع المبدلات، وهذا ذكره الزركشى عن العز بن عبد السلام في قواعده، لكن يمكن أن يقال إن في هذا تفصيلاً: وأنه في بعض المواضع يكون كما سبق، وفي بعض المواضع قد يكون
(1) سورة النساء، الآية:43.
البدل مثل المبدل، فمثلاً في مسألة الكفارة إذا لم يجد رقبة فصام فلا شك أن الرقبة أفضل إذا لم يستطع، واستطاع غيره الذي عليه كفارة فالأصل أن من أتى بالكفارة أفضل لأن هذا وجدها والآخر لم يجدها، وهذا برأت ذمته بالصوم والعتق أفضل.
وفي بعض الأشياء يقوم البدل مقام المبدل منه، وهو في حال العذر وعدم الاستطاعة أي إذا كان ليس من فعله وهو معذور من كل وجه، مثل عدم القدرة على الوضوء لمرضه أو لفقد الماء، فهذا جاء في السنة ما يدل على أن العبد إذا لم يستطع يكتب له أجر المستطيع، فمن لم يستطع فإنه يكتب له أجر من توضأ؛ لأنه ما منعه من الوضوء إلا عدم الاستطاعة، وإلا فإن نيته قائمة، وقد جاءت أدلة في إلحاق غير المستطيع بالمستطيع منها قوله عليه الصلاة والسلام:"إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً"(1)، وجاء في لفظ عند أحمد:"أنا حبست عبدي وأنا أُطْلِقُه"، وجاء عند البخاري من حديث أنس رضى الله عنه - أن
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد والسير (2/ 2774) من حديث أبى موسى الأشعري رضى الله عنه.
وعند أحمد: "أنا حبست عبدي وأنا أُطْلِقُه"وهذه الزيادة جاءت في مسند الإمام أحمد (5/ 6601) من طريق عاصم بن أبى النجود عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للمَلَك الوكّل به: اكتب مثل عمله إذ كان طليقاً حتى أُطْلِقه أو أكفته إليّ".
وفيه عاصم بن أبى النجود وهو صدوق حسن الحديث لكنه سيء الحفظ، قال النسائى: ليس بحافظ، وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء، وقال أحمد وأبو زرعة: ثقة، وقال عنه الذهبى في الميزان (2/ 357) قلت: هو حسن الحديث.
النبى صلى الله عليه وسلم كان في غزاة فقال: "إن أقواماً بالمدينة خَلْفَنَا، ما سَلَكْنَا شِعْبَاً ولا وادياً إلا وهم معنا فيه، حَبَسَهُم العُذر"(1)، ففي هذه الحال جاء من السنة ما يدل على أن أجره كامل لأن نيته قائمة، ولا ينسب إلى تفريط بوجه من الوجوه، ثم هذه فيما يتعلق بأبواب العبادات، فالنية فيها تقوم مقام العمل وتلحق غير العامل بالعامل فلهذا يكون كمن أدى المبدل من كل وجه.
(1) أخرجه البخارى في صحيحه في كتاب الجهاد (2/ 33)، باب: من حبسه العُذر عن الغزو، من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه.
وله شاهد بمعناه من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه عند مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد (6/ 49) ولفظه مرفوعاً: "كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: "إن بالمدينة رجالاً ما سِرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا وكانوا معكم، حبسهم العُذر".