الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة السادسة والخمسون يقوم الوارث مقام مورّثه في كل شيء
الحقوق التي تكون للمورث على أقسام، وقد اختلف العلماء في كثير من مسائلها كما هو الشاهد في كثير من القواعد التى سبقت، لكنْ كثيرٌ من أحكامها مما قال به أهل العلم قاطبة، واتفقوا عليها.
والحقوق قد تكون أموالًا يورثها، وقد تكون ديونًا عليه، وقد تكون حقوقاً معنوية تتعلق بالميت كحد القذف فالوارث يقوم مقام مورثه في كل شيء، ولهذا هذه القاعدة ظاهرها يدخل فيها كل شيء؛ لأن العلماء اختلفوا في بعض الأشياء، والمصنف رحمه الله اختار ما اختاره جمع من أهل العلم في هذه القاعدة أنه يقوم مقامه في كل شيء لعموم الأدلة التى جاءت، منها قوله:"ومن ترك مالاً فهو لورثته"(1)، وهذا عام في كل حق، والحقوق أقسام:
القسم الأول: ما ثبت لجميع الورثة، فإذا عفى بعض الورثة ثبت الحق للباقين، ولا يسقط بإسقاط أحدهم من ذلك حد القذف.
مثاله: لو أن إنساناً قذف إنساناً ثم مات، فهل للورثة المطالبة بهذا الحد؟.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الفرائض (8/ 409)، ومسلم في صحيحه في كتاب الفرائض (5/ 62) كلاهما من حديث أبي هريرة رضى الله عنه بلفظ:"فمن توفي وعليه دين فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته".
هو ثابت من حيث الجملة لكن فيه تفصيل، هل تشترط المطالبة من المقذوف قبل وفاته أو لا تشترط؟ هذا سوف نشير إليه في نقطة آتية إن شاء الله.
فحد القذف لو تنازل عنه بعض الورثة فإن للباقين أن يستوفوا، لأن هذه معرّة على الميت وقذف له فلا تذهب المعرّة فتلحق الورثة أو يصيبهم شيء من هذا، فإذا أراد أحدهم دفعها عن مورثهم فإن له ذلك ولا نقول إنه يتجزأ، فإذا كان الورثة اثنين فلا نقول إذا تنازل أحدهم أنه يجلد أربعين جلدة؛ لأنه تنازل شريكه في الإرث بل يقام الحد كله لأنه لا تزول المعرة إلا بإقامة جميع الحد.
القسم الثاني: ما ثبت لجميع الورثة على سبيل الاشتراك ولأحدهم التنازل عن حقه وهو المال الذي يورثه فإن لبعض الورثة أن يتنازل عن حصته من المال.
القسم الثالث: ما ثبت لجميع الورثة على الاشتراك، فإذا عفى بعضهم سقط حق الباقين، وهو القصاص على خلاف في تفاصيله، فإذا قُتل مثلاً ثم بعد ذلك ورثه الورثة فإذا عفى بعضهم سقط القصاص إن شاءوا إلى دية أو إلى عفو عام.
القسم الرابع: ما ثبت على سبيل الاشتراك، فإذا عفى بعضهم يوفَّر للباقين نصيبهم كحق الشُّفعة، فإذا شفع في أرض أو عقار أو ما أشبه ذلك ثم مات فعفى بعضهم عن الشفعة فإن للباقين أن يشفعوا، هذه هى الحقوق التي تورث من الميت.
وهذه الحقوق تنقسم إلى قسمين:
الأولى: حق في حياته فبقي بعد وفاته كالدين الذي كحد القذف وحد القصاص، فالحد الذي نوعان:
النوع الأولى: الحقوق التى ليست مالية، أو أنها من حقوق المالكين كالقصاص والقذف والشفعة والشرط، فالقصاص والقذف ليست من الحقوق المالية.
النوع الثاني: حقوق من حقوق المالكين، فهو يملك طلبها ويملك إثباتها وهي من نفسها ليست حقوقاً مالية كحق الشفعة، وحق الشرط، فحق الشفعة يملك به التنازل عن الشفعة أو إقامته، وحق الشرط يملك به إمضاء البيع من عدمه.
فهذه الحقوق هل تثبت للورثة إذا مات مورثهم على الإطلاق أو لا تثبت حتى يطالب بها؟.
مثاله: لو أن إنساناً توفي وله حد قذف، أو إنساناً قتل إنساناً آخر فمات، أو اشترى سلعة واشترط الخيار خمسة أيام فمات في مدة خيار الشرط، أو مات ولم يستوفِ حد القذف، أو له حق قصاص قتله إنسان عمداً فمات، فهل للورثة أن يقوموا مقام مورثهم في المطالبة بهذه الحقوق؛ أم يشترط أن يكون المورِّث قد طالب بها أو أوصى بالمطالبة بها؟.
القول الأولى: وهو المشهور من المذهب أنه يشترط المطالبة بها من المورّث، فلو مات ولم يطالب بها فإنه لا تثبت لهم حق المطالبة، قالوا لأنها حقوق ليست مالية، ولا من حقوق المالكين فلا تثبت إلا بمطالبة المورث.
القول الثاني: وهو الأظهر أنها تثبت للورثة ولو لم يطالب المورث بها لعموم الأدلة في إثبات الحق كما قال عليه الصلاة والسلام: "ومن ترك مالاً فهو لورثته".
النوع الثاني: من الحقوق التي له، حقوق أمروك ثابتة متعلقة بالأملاك، وهي تتضمن مالًا، فهذه متعلقة بالمال، مثل أن يكون له دين على إنسان وفيه رهن ودين على إنسان، وفيه إنسان ضامن للدين ومات ولم يستوفِ الدين حتى الآن فهذه الحقوق متعلقة بالأموال التي ورثها وهي الديون التى له، فهل إذا مات يثبت الرهن ويبقى كما هو؟ أو نقول: يبطل الرهن بموته؟.
وهل إذا مات يبقى ضمان الدين على الضامن؟ أو نقول إنه لا يثبت ويبطل بموته ولا يلزم الضامن الوفاء؟ وكذلك الكفيل إذا لم يأتِ فهل يلزم الكفيل إحضار المكفول؛ فنقول: هذه التوثقات تبقى كما هي ولا تبطل بموتِ من له الحق، ولو لم يطالب بها لأنها حقوق متعلقة بالمال الموروث عنه وهى تثبت مالاً، ففى هذه الحالة نقول: هى ثابتة لهم ويبقى الدين الذي له بالرهن ويبقى الدين الذي له بالكفيل، وكذلك الدين الذي بالضمان، فلا تبطل هذه الحقوق ولو لم يُطالب بها.
القسم الثاني: من الحقوق حق عليه، فإذا مات وعليه حقوق هذا ليس فيه إشكال؛ لأنه يجب على الورثة تنفيذ وإحضار تلك الحقوق، فمن مات وعليه دين وجب وفاء هذا الدين سواء كان هذا الدين ديناً لله أو ديناً للآدميين، فمن مات وقد وجب عليه الحج ولم يحج وجب على الورثة أن يخرجوا من التركة إن كان منها
شيء يكفى ويُحَج عنه، أو أوصى بوصية فإنه يجب تنفيذها من الثلث بعد قضاء الدين إن كان عليه، أو عليه كفارة مالية فإنه يجب تنفيذها.