المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحالة الثالثة: عاجز ببدنه، قادر على الآلة التي أمر بها: - شرح القواعد السعدية

[عبد المحسن الزامل]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أولاً: تعريف القاعدة:

- ‌القاعدة معناها لغة:

- ‌فالحسي:

- ‌والمعنوي:

- ‌واصطلاحاً:

- ‌ ثانياً: يذكر العلماء في باب القواعد ما يسمى الضابط، فهل هو ومسمى القاعدة واحد أو بينهما فرق

- ‌ ثالثاً:‌‌ الأشباهوالنظائر هل هي مختلفة، أو معناها واحد

- ‌ الأشباه

- ‌الأمثال

- ‌النظائر:

- ‌ رابعاً: ال‌‌قواعد الأصولية و‌‌القواعد الفقهية:

- ‌قواعد الأصول

- ‌القواعد الفقهية:

- ‌القواعد الأصولية:

- ‌ خامساً: كيف تصاغ القواعد الفقهية:

- ‌ سادسًا: كم عدد القواعد

- ‌ سابعاً: القاعدة هل يُحتج بها أو لا يُحتج بها

- ‌ ثامناً: إذا خالف الحاكم أو القاضي القاعدة، هل يقبل حكمه أو لا يُقبل

- ‌القاعدة الأولى الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة

- ‌القاعدة الثانية الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها ووسيلة المباح مباح، ويتفرع عليها الأعمال ومكملاتها تابعة لها

- ‌القاعدة الثالثة المشقة تجلب التيسير

- ‌1) مشاق لا تنفك عنها العبادة

- ‌2) مشاق تنفك عنها العبادات غالباً

- ‌أ) مشقة عظيمة جداً:

- ‌ب) مشقة يسيرة جداً:

- ‌ج) مشقة وسط:

- ‌القاعدة الرابعة الوجوب يتعلق بالاستطاعة، فلا واجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة

- ‌الحالة الأولى: أن يكون قادرًا ببدنه قادرًا على ما أمر به:

- ‌الحالة الثانية: قادر ببدنه عاجز عن الآلة المأمور بها:

- ‌الحالة الثالثة: عاجز ببدنه، قادر على الآلة التي أمر بها:

- ‌القاعدة الخامسةالشريعة مبنية على أصلين:

- ‌القاعدة السادسة الأصل في العبادات الحظر، فلا يُشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأصل في العادات الإباحة، فلا يحرّم إلا ما حرَمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌القاعدة السابعة التكليف وهو البلوغ، والعقل شرط لوجوب العبادات، والتمييز شرط لصحتها إلا الحج والعمرة، ويشترط لصحة التصرف التكليف والرشد، ولصحة التبرع التكليف والرشد والملك

- ‌1 - الاحتلام:

- ‌2 - استكمال خمس عشرة سنة:

- ‌3 - نبوت الشعر الحسين حول القُبُل:

- ‌القاعدة الثامنة الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين وجود الشروط وانتفاء الموانع

- ‌القاعدة التاسعة العرف والعادة يرجع إليه في كل حُكمٍ حَكَم الشارع به ولم يَحدّه

- ‌القاعدة العاشرة البينة على المدّعي، واليمين على من أنكر في جميع الدعاوي والحقوق وغيرها

- ‌القاعدة الحادية عشر الأصل بقاء ما كان على ما كان، واليقين لا يزول بالشك

- ‌القاعدة الثانية عشر لابد من التراضي في عقود المعاوضات والتبرعات والفسوخ الاختيارية

- ‌1) اللفظ:

- ‌2) الفعل:

- ‌3) الكتابة:

- ‌4) الإشارة:

- ‌5) السكوت:

- ‌القاعدة الثالثة عشر الإتلاف يستوي فيه المتعمد والجاهل والناسي

- ‌القاعدة الرابعة عشر التلف في يد الأمين غير مضمون إذا لم يتعد أو يفرّط، وفي يد الظالم مضمون مطلقاً أو يقال ما ترتب على المأذون فيه فهو غير مضمون، والعكس بالعكس

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌القاعدة الخامسة عشر لا ضرر ولا ضرار

- ‌القاعدة السادسة عشر العدل واجب في كل شيء، والفضل مسنون

- ‌القاعدة السابعة عشر من تعجَّل شيئاً قبل أوانه، عوقب بحرمانه

- ‌القاعدة الثامنة عشر تضمن المثليات بمثلها، والمتقوِّمات بقيمتها

- ‌القاعدة التاسعة عشر إذا تعذّر المسمّى رجِع إلى القيمة

- ‌القاعدة العشرون إذا تعذر معرفة من له الحق، جُعِل كالمعدوم

- ‌القاعدة الحادية والعشرون الغرر والميسر محرّم في المعاوضات والمغالبات

- ‌القاعدة الثانية والعشرون الصلح جائزٌ بين المسلمين، إلا صلحاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون من سبق إلى المباحات فهو أحق بها من غيره

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون تُستعمل القُرعة عند التزاحم ولا مُميز لأحدهما أو إذا علمنا أنا الشيء لأحدهما وجهلناه

- ‌القاعدة السادسة والعشرون يُقبَل قول الأُمناء فى التصرف أو التلف ما لم يخالف العادة

- ‌القاعدة السابعة والعشرون من ترك المأمور لم يبرأ إلا بفعله، ومن فعل المحظور وهو معذور بجهل أو نسيان فهو معذور ولا يلزمه شيء

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون يقوم البدل مكان المبْدَل إذا تعذر المُبدل منه

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون يجب تقييد اللفظ بملحقاته من وصف أو شرط أو استثناء أو غيرها من القيود

- ‌القاعدة الثلاثون الشركاء في الأملاك يشتركون في زيادتها ونقصانها، ويشتركون في التعمير اللازم، وتُقسَّط المصاريف بحسب مِلكِهم، ومع الجهل بمقدار ما لكل منهم يتساوون

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون قد تتبعّض الأحكام بحسب تفاوت أسبابها

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون من أدّى عن غيره واجبًا بنية الرجوع عليه؛ رجع وإلا فلا

- ‌القاعدة الثالثة والثلاثون إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها، فيقدم الواجب على المستحب، والراجح من الأمرين على المرجوح، وإذا تزاحمت المفاسد واضطر إلى واحد منها قدّم الأخف منها

- ‌القاعدة الرابعة والثلاثون إذا خُيِّر العبد بين شيئين فأكثر فإن كان التخيير لمصلحته فهو تخيير يرجع إلى شهوته واختياره، وإن كان لمصلحة الغير فهو تغيير يلزمه فيه الاجتهاد

- ‌القاعدة الخامسة والثلاثون من سقطت عنه العقوبة لموجِب ضُعِّفَ عليه الضمان

- ‌القاعدة السادسة والثلاثون من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه، وإن كان لمضرته فلا ضمان عليه

- ‌القاعدة السابعة والثلاثون إذا اختلف المتعاملان في شيء من متعلقات المعاملة يرجع أقواهما دليلًا

- ‌القاعدة الثامنة والثلاثون إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة، أو إلى شرطها فسدت، وإذا عاد إلى أمر خارج لم تفسد، وكذلك المعاوضات، فرجوع التحريم إلى نفس العبادة أو إلى شرطها: إما إلى ذاتها أو ماهيتها أو ركن من أركانها

- ‌القاعدة التاسعة والثلاثون لا يجوز تقديم العبادة على سبب الوجوب، ويجوز تقديمها بعد وجود السبب وقبل شرط الوجوب وتحققه

- ‌القاعدة الأربعون يجب فعل المأمور به كله، فإنه قدر على بعض وعجز عن باقيه فعل ما قدر عليه

- ‌القاعدة الحادية والأربعون إذا اجمتعت عبادتان من جنس واحد تداخلت أفعالها واكتفى عنهما بفعل واحد إذا كان المقصود واحدًا

- ‌القسم الأول: أن تكون الحدود خالصة لله تعالى أي محض حق لله تعالى:

- ‌الأول: أنا لا يكون فيها قتل:

- ‌الثاني: أنا يكون فيها قتل:

- ‌القسم الثاني: إذا كانت محض حق الآدميين:

- ‌القسم الثالث: أن تجتمع حدود الله وحقوق الآدميين:

- ‌الأول: أن لا يكون فيها قتل فيُستَوفَى الجميع:

- ‌الثاني: أن تجتمع كالأول ولكن فيها قتل:

- ‌الثالث: أن يتفق الحدّان في المحل ويكون تفويتًا كالقتل والقطع:

- ‌القاعدة الثانية والأربعون استثناء المنافع المعلومة في العين المنتقلة بمعاوضة جائز، وفي التبرعات يجوز استثناء المدة المعلومة والمجهولة

- ‌القاعدة الثالثة والأربعون من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة، فإنه قبضها لحظ مالكها قبل

- ‌القاعدة الرابعة والأربعون إذا أدّي ما عليه، وجب له ما جُعِلَ له عليه

- ‌القاعدة الخامسة والأربعون من لا يُعتبر رضاه في عقد أو فسخ لا يعتبر علمه

- ‌القاعدة السادسة والأربعون من له الحق على الغَير وكان سبب الحق ظاهرًا فله الأخد من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه، وإن كان السبب خفيًا فليس له ذلك

- ‌القاعدة السابعة والأربعون الواجب بالنذر يلحق بالواجب بالشرع

- ‌القاعدة الثامنة والأربعون الفعل الواحد ينبني بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد

- ‌القاعدة التاسعة والأربعون الحوائح الأصلية للإنسان لا تُعَدّ مالاً فاضلاً

- ‌القاعدة الخمسون يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً

- ‌القاعدة الحادية والخمسون الأسباب والدواعي للعقود والتبرعات معتبرة

- ‌القاعدة الثانية والخمسون إذا قويت القرائن قُدّمت على الأصل

- ‌القاعدة الثالثة والخمسون إذا تبين فساد العقد بطل ما بُني عليه، وإن فسخ فسخاً اختيارياً لم تبطل العقود الطارئة قبل الفسخ

- ‌القاعدة الرابعة والخمسون العبرة في المعاملات بما في نفس الأمر

- ‌القاعدة الخامسة والخمسون لا عذر لمن أقرّ

- ‌القاعدة السادسة والخمسون يقوم الوارث مقام مورّثه في كل شيء

- ‌القاعدة السابعة والخمسون يجب حمل كلام الناطقين على مرادهم كما أمكن في العقود والفسوخ والإقرارات وغيرها

- ‌القاعدة الثامنة والخمسون الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً

- ‌القاعدة التاسعة والخمسون الفكرة إذا كانت بعد النفي أو الاستفهام أو الشرط تفيد العموم

- ‌القاعدة الستون (من)، و (ما) و (أي)، و (متى)، و (أل)، والمفرد المضاف يدل كل واحد منها على العموم

الفصل: ‌الحالة الثالثة: عاجز ببدنه، قادر على الآلة التي أمر بها:

صحيح الجسم يستطيع أن يتوضأ هذا حكمه واضح يجب عليه أن يصلى كما أمر بالوضوء الشرعي أو الغسل لقدرته على امتثال ما أمر به.

ومثله أيضًا: القادر على الصوم، والقادر على الحج، وما أشبه ذلك يقابله مريض عاجز عن الآلة التي يؤمر بها، مثل إنسان مريض عادم للماء فإنه ينتقل إلى البدل، وهذا والحمد لله محل إجماع لأنه عاجز بأمرين:

1 -

ببدنه 2 - الآلة التي أمر بها.

‌الحالة الثانية: قادر ببدنه عاجز عن الآلة المأمور بها:

إنسان صحيح الجسم ليس مريضًا لكنه عادم للماء، هذا أيضًا كالحالة التي قبلها ولا يؤمر بتحصيله لأنه في هذه الحالة غير مكلف به؛ لأنه غير واجد لما أمر به، فله أن ينتقل إلى البدل كما قلنا في الحالة الأولى.

‌الحالة الثالثة: عاجز ببدنه، قادر على الآلة التي أمر بها:

هذه الحالة مثل إنسان ضعيف البدن لا يستطيع الركوب للحج مثلًا، أو مريض بمرض في الغالب لا يرجى برؤه، هذا إذا كان قادرًا بماله فإنه يلزمه الحج في ماله على الصحيح من قولي العلماء، كما هو قول جمهور أهل العلم؛ لأن الأدلة الواردة في هذا الباب صحيحة وصريحة، قال:"حج عن أبيك واعتمر"(1)، وحديث

(1) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده (10/ 4)، وأبو داود في سننه في كتاب المناسك، باب: الرجل يحجُّ مع غيره (2/ 402)، والترمذي في سننه كتاب الحج، باب: ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت (3/ 269) وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في سننه في كتاب الحج، باب: وجوب العمرة (5/ 83)، =

ص: 56

المرأة التي جاءت فقالت: إن أبي لا يستطيع الركوب ولا الظعن (1)، إلى غير ذلك من الأخبار التي جاءت في هذا الباب، وفي لفظ:"إن أمي"، وفي بعضها:"إن أختي" على خلاف هل هو حديث واحد أو أحاديث، المقصود أنه يلزمه أن يحج عن نفسه وأن يخرج شيئًا من المال ولو مات كان دَينًا في تركته يجب إخراجه.

مثاله: الكبير الذي لا يستطيع الصوم لكن يستطيع إخراج الكفارة، هذا يلزمه أن يخرج الكفارة عن كل يوم مسكينًا على الخلاف في القدر المخرج، والقول الأظهر أنه يخرج نصف صاع، أو يطعم مسكينًا يغديه أو يعشيه، أو يملّكه هذا القدر من القوت، وإن كان طَبْخُهُ له وإعطاؤه له مطبوخًا أبلغ له في إكرامه، إلا أن يُؤثِرَ الفقيُر ذلك، لكن لا يلزم أن يجيبه إلى هذا، فالمقصود أنه في هذه الحالة يلزمه أن يُكفِّر.

= وابن ماجه في المناسك من سننه، باب: الحج عن الحي إذا لم يستطع (2/ 970) كلُّهم من طريق النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين العُقيلي رضي الله عنه. . . به فذكره". وسنده صحيح.

قال البيهقي في سنته (4/ 35): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا علي بن حمشاذ حدثنا أحمد بن سلمة قال: سألت مسلم بن الحجاج عن هذا الحديث - يعني حديث أبى رزين هذا - فقال: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود من هذا الحديث، ولا أصحِّ منه". اهـ.

(1)

أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الحج، باب: وجوب الحج وفضله (1/ 383)، ومسلم في صحيحه في كتاب الحج (4/ 101) كلاهما من طريق سليمان بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما به. . . فذكره".

وله عند البخاري أيضًا من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة من جُهينَة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمى نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفحُجُّ عنها؟. قال: نعم، حجّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمك دَينٌ أكنتِ قاضيته، اقضوا الله، فاللهُ أحقّ بالوفاء".

ص: 57

ومثاله: إنسانٌ لا يستطيع الجهاد كما ذكر أهل العلم أن جنس الجهاد واجب على الصحيح، لكن قد يكون واجبًا بالبدن بأن يباشر القتال بنفسه، وقد يكون الجهاد باللسان، وقد يكون الجهاد بالكتابة إلى غير ذلك على حسب أنواع الجهاد التي جاءت بها الأدلة، ذكر هذه الأنواع العلاّمة ابن القيم رحمه الله وهي واضحة من جهة الأدلة.

بقي في هذه الأقسام الأربعة ما إذا كان قادرًا على بعض الواجب المأمور به، هل يكون مستطيعًا أو غير مستطيع، إنسان قادر على بعض الواجب المأمور به مثل إنسان عليه غسل جنابة وعنده من الماء شيء يكفيه لنصف بدنه وليس قادرًا على جميع الواجب المأمور به فهذا يمكن أن يكون قسمًا خامسًا، فهذا هل هو كالعادم للماء؟ أو كالواجد له؟ محل خلاف.

ذهب بعض أهل العلم إلى أنه في حكم الواجد، فإذا كان عنده ما يكفيه لغسل بدنه أو بعضِهِ، أو عنده شيء يكفي لغسل بعض أعضائه، مثل من عنده ماء يكفيه للمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه وغسل اليد اليمنى، أي ليس عنده إلا هذا الماء والباقي ليس واجدًا له، أو يستبقيه لشربه وحاجته، فهذا هل يكون في حكم الواجد أم حكم العادم؟.

قيل: هذا، وقيل: هذا، والأظهر في مسألة الجنب أنه في حكم الواجد، فإذا وجد بعض ما يكفيه فعليه أن يغسل بدنه بما يجده من الماء، وهذا والله أعلم لأن غسل بعض البدن في الجنابة عبادة، ويخفف الجنابة ولهذا أمر عليه - الصلاة والسلام -

ص: 58

الجنب إذا أراد النوم أن يتوضأ (1)، وإذا أراد أن يُعاودَ الجماع أو أن يأكل، أو أن يشرب، يشرع له أن يتوضأ تخفيفًا للجنابة؛ لأن هذا الجزء المفعول والمعمول هو عبادة، ويخفف الجنابة، ولهذا ثبت عن كثير من الصحابة أنهم أجازوا للجنب إذا توضأ أن يمكث في المسجد، ولم يجعلوه كالجنب من كل وجه، بل جعلوه كأنه مرتبة بين المرتبتين، فليس كالجنب الذي لم يغسل شيئًا، وليس كالمتطهر تمامًا، وهذا واضح من جهة الأدلة التي جاءت بالأمر للجنب أن يتوضأ، ولهذا لا تشترط الموالاة في الجنابة، فإذا غسل بعض بدنه زال منه حكم الجنابة فيما غسل، فهل الوضوء كالغسل في هذه المسألة؟. موضع خلاف.

ذهب بعض أهل العلم إلى هذا العموم في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} (2)؛ لأنها نكرة في سياق النفى، والنكرة في سياق النفي عامة، وهذا واجد للماء، وقال بعض أهل العلم: لا يشرع أن يتوضأ بل هو في حكم عادم الماء، وقالوا: إنه فرق بينما جزءه عبادة، وبين الذين ليس جزءه عبادة، فالذي جزءه عبادة فإنه

(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الغسل، باب: الجنب يتوضأ ثمّ ينام (1/ 287)، ومسلم في صحيحه في كتاب الحيض (3/ 216) كلاهما من حديث عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أيرقد أحدُنا وهو جُنُب؟. قال:"نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جُنُب".

وله شاهد في صحيح مسلم من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه ولفظه مرفوعًا: "إذا أتى أحدكم أهله ثُمَّ أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءًا"(3/ 217).

وجاء له شاهد أيضًا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وُضوءهُ للصلاة". وهو أيضًا في صحيح مسلم (3/ 216) وهذا من فعله عليه الصلاة والسلام.

(2)

سورة المائدة، الآية:6.

ص: 59

يستعمل الماء، والذي ليس جزءه عبادة فإنه لا يستعمل الماء، وقالوا: تخفيف الجنابة بالوضوء أو بغسل بعض الأعضاء عبادة، ولهذا أمر عليه الصلاة والسلام الجنب أن يتوضأ فكان عبادة، أما غسل بعض أعضاء الوضوء فليس جزء عبادة، ولم يأتِ في الشرع أنه جزء عبادة، لكن ورد في حديث علي رضي الله عنه أنه توضّأ وضوءًا خفيفًا لم يغسل جميع الأعضاء، ثم قال: هذا وضوء من لم يحدث (1)، فهو في بعض الأعضاء لكنه لمن لم يحدث فما ليس جزءه جزء عبادة لا يصح الإتيان به.

مثاله: لو أن إنسانًا في رمضان عليه كفارة في الصيام فيقول أنا أستطيع أن أصوم نصف اليوم بدون أي مشقة ولا يحصل لي أي شيء فهل يلزمه الصوم؟.

(1) هذا الأثر أخرجه ابن جرير رحمه الله في تفسيره "جامع البيان" عن اثنين من الصحابة هما: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وذلك عند تفسيره لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. .} (6/ 113).

أما أثر عمر رضي الله عنه فقد أخرجه من طريق حميد عن أنس قال: "توضأ عمر بن الخطاب وضوءًا فيه تجَوُّز خفيفًا فقال: "هذا وضوء من لم يحدث". وسنده صحيح.

وأما أثر علي رضي الله عنه فأخرجه عنه من طريقين:

1) من طريق شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال: "رأيت عليًّا صلّى الظهر ثم قعد للناس في الرحبة، ثم أتى بماء فغسل وجهه ويديه ثم مسح برأسه ورجليه وقال: "هذا وضوء من لم يحدث".

2) من طريق هشيم عن مغيرة عن إبراهيم: "أن عليًا اكتال من حُب فتوضأ وضوءًا فيه تجوُّز فقال: "هذا وضوء من لم يحدث".

والإسناد في كلا الطريقين صحيح.

ص: 60

نقول: ليس صيام نصف يوم عبادة ولا جزء عبادة، فيكون في حكم غير القادر، وهكذا الذي يستطيع أن يغسل بعض أعضائه ليس عليه شيء، وهذا موضع خلاف كما قلنا في مسألة الجنب واضح، وفي مسألة الوضوء محل نظر - والله أعلم -.

هذه المسائل التي هى موضع اجتهاد يخرج من خلاف أهل العلم بفعل ما أوجبه بعض العلماء واجتناب ما نهى عنه بعض العلماء، وهذا في المسائل الاجتهادية أو المسائل الخلافية التي يكون الخلاف فيها قويًا حيث لا تظهر السنة ظهورًا بيِّنًا، أما مع ظهور الدليل عند وجود الخلاف فإن الاحتياط هو الأخذ بالدليل، ولا يُحتاط للقول المخالف؛ لأن الاحتياط الصحيح يكون باتباع السنة، أما مع ضعف الخلاف ومخالفته للدليل فلا يلتفت إلى هذا الخلاف، ولا يقال يشرع الاحتياط له.

وقد قرر الإِمام البخاري مسألة الخروج من الخلاف في صحيحه ذكر مسألة كشف الفخذ، وذكر حديث أنس رضي الله عنه لما أجرى في زقاق خيبر وحسر عن فخذه فقال: حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط؛ ليخرج من اختلافهم (1). والله أعلم.

(1) البخاري، باب ما يذكر في الفخذ (1/ 103).

ص: 61