الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثانية الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها ووسيلة المباح مباح، ويتفرع عليها الأعمال ومكملاتها تابعة لها
هذه القاعدة أصل عظيم من أصول الشرع وهي عامة في جميع الأعمال فتشمل جميع أحكام الشرع التكليفية.
المراد بالوسائل: الطرق التى يتوسل بها ويتوصل بها إلى أمور أخرى، هي مقصودة في نفسها، والوسائل ليست مقصودة إنما هي طرق إلى هذه المقاصد، فعندنا الوسيلة حسب القصد، فإن كان القصد واجباً كانت الوسيلة واجبة، وهكذا في المحرم والمستحب والمباح والمكروه، وقد جاء الشرع بإيجاب الطرق والوسائل إلى الأمور الواجبة، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
مثاله: الصلاة في المساجد جماعة واجبة، ولا يتوصل إليها إلا بالسعي إليها، فيكون السعي إليها واجباً مهما كانت الوسيلة سواء كان ماشياً أو راكباً، وإذا كان في المسجد وأقيمت الصلاة عليه أن يقوم إن كان قادراً ويصلي حتى يتحقق وجود هذا الواجب وهو الصلاة، وقِسْ على ذلك.
وهكذا المستحب: فالوسيلة إلى المستحب مستحبة، فمن قصد المسجد لصلاة نافلة أو قراءة قرآن أو حضور حلقةِ علمٍ فالسعي إليها مستحب ومطلوب، وفي المباحات أيضاً في أمور الإنسان في معاشه، فمن خرج من بيته لأجل طلب العيش فخروجه من بيته يكون مباحاً في أصله لكن إذا ضم إليه نية أخرى فإنه يترقى إلى
درجة أعلى وهي درجة الاستحباب بحسب نيته فيما خرج له، فطلب الرزق أمر مشروع فيكون خروجه أمراً مشروعاً.
وهكذا في المكروهات والمحرمات، فالوسائل لها أحكام المقاصد، والشرع جاء بسد الوسائل وبفتحها، فالوسائل المحرمة يجب سدها، والمكروهة يستحب سدها، والواجبة يجب فتحها، والمستحبة يستحب فتحها، والمباحة يباح الأخذ بها أو تركها، هذه هى المسألة الأولى في هذه القاعدة.
المسألة الثانية: كلّما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة، هذا هو الأصل، فمن لم يجب عليه الحج لا يجب عليه قصد مكة؛ لأن المقصود نفسه ليس واجباً، فالوسيلة ليست واجبة لكن يبقى اعتبار استحبابها، فإذا سقط اعتبار وجوب الوسيلة بقى استحباب السير إليها، لكن ليس بواجب، كذلك في سائر الأحكام الأخرى كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة، فمن لم يجب عليه هذا الشيء لم تجب عليه وسيلته، وكذلك إذا لم يستحب هذا الشيء لم تستحب وسيلته.
مسألة: قالوا: إنه تعتبر الوسيلة والمقصود غير موجود، ذكروا في هذا حلق المحرِم لرأسه إذا كان أصلع الرأس، أو كان قد جزَّه فلم يَبْقَ فيه شيء ورمي الجمرة فإنه يحصل له التحلل الأول إلا النساء، فعلى هذا هل يشرع له إمرار الموسى على رأسه مع أن المقصود وهو الشعر غير موجود، قالوا: إنه يستحب إمرار الموسى، حكاه ابن المنذر وغيره إجماعاً.
لو نظرنا إلى هذه القاعدة وهي: الوسائل لها أحكام المقاصد فإمرار الموسى
على رأسه وسيلة إلى التحلل، والتحلل من حلق الرأس واجب، والحلق نسك على الصحيح والشعر غير موجود، فعلى قول الجمهور إذا رمى الجمرة وهو أصلع وفي نيته إزالة ما على رأسه فإنه يحصل له التحلل الأول، وقول مالك إنه يحصل برمى الجمرة، وقالوا: إنه يشرع له أن يمر الموسى على رأسه، وهذا مشكل على هذه القاعدة، لكن يمكن أن يقال إن كان في المسألة خلاف، وأن بعض أهل العلم قالوا إن إمرار الموسى وآلة الحلاق ليس له معنى، يمكن أن يكون هذا القول أقوى وإن كان في المسألة إجماع على الاستحباب كما حكاه بعضهم، يمكن أن يقال إن أمور الحج أمور تعبدية أو في كثير منها يغلب عليها التعبد، ويجب الانقياد وهذا منها. والله أعلم.
المسألة الثالثة: وسيلة المحرم محرم:
فإذا قلنا الوسيلة محرّمة لأن المقصود أمرٌ محرَّمٌ، مثل قطع الطريق، أو ذهب ليشرب الخمر، أو مشى بقصد النميمة، أو ما أشبه ذلك، فهذا محرم، والواجب واجب، والمستحب مستحب، فإذا كان هذا فإنه في حال الوجوب يثاب الإنسان على الوسيلة والقصد جميعاً.
وكما قلنا في المحرم الوسيلة إليه محرمة، لكن في بعض الأحوال قد يستثنى منها مسائل، فقد تكون وسيلة المحرم غير محرمة، وهذا إذا أفضت إلى مصلحة راجحة، بل قد تكون الوسيلة إلى المحرم واجبة، وهذه قد تستثنى من القاعدة كما قلنا، لكن تستثنى بأدلة.
مثاله: إنسان ظالم قصد أن يأخذ مال إنسان ظلماً فجاء آخر يريد الإصلاح ويريد دفع الظلم وقال: أنا أعطيك من مالي هذا مبلغاً معيناً ولا تأخذ من ماله شيئاً.
فتمكين الظالم من هذا المال محرم عليه، ولا يجوز للظالم أن يأخذه، لأن هذه الوسيلة القصد منها دفع بعض المال إليه لأجل أن يترك بقية المال والأصل أن تكون محرمة، لكن هذه الوسيلة ليست محرمة وقد تكون مستحبة، وقد تكون واجبة بحسب الحال التى يدفع بها هذا الظالم.
مسألة: الشرع سدَّ الطرق المؤدية إلى المحرم، فما كان طريقاً إلى محرم فيجب سدّه، ولا يجوز فتحه، لأنه مناقض لمقصود الشرع في تحليل الحرام بفتح الطرق المؤدية إليه، وقد تؤدي إلى مسألة الذرائع إلى الأمور المحرمة، وقد تكون واضحة، وقد تكون خفية جداً، وقد يكون فيها اختلاف، فالذرائع وسائلها ثلاث:
وسيلة هي حرام بالإجماع: ويجب سدها ولا يجوز فتحها مثل حفر الآبار في طرق المسلمين ووضع الأذى فيها.
وسيلة أجمع أهل العلم على حلها وعدم تحريمها: مثل زراعة العنب، فلا يمنع لتوهم اتخاذه خمراً.
ووسيلة مختلف فيها: وهي التي ظاهرها تفضي إلى مباح وتتخذ وسيلة إلى أمر محرم.
مثاله: إنسانٌ عقد على امرأة لكي يحللها لزوجها الذي حَرُمت عليه بالطلاق ثلاثاً، فعقد عليها وأظهر عقداً في ظاهره ليس عقد تحليل ومن نيته أن يحللها، وقال بعض أهل العلم إن الذرائع إلى الأمور المباحة إذا كانت تفضى إلى أمر محرم واتخذت ذريعة مباحة وسيلة إليه فإنه لا يجوز وهو حرام فهناك أمور تفضى إلى المحرم مباشرة فهذه حرام، وهناك ذرائع إلى أمور محرمة ولا تفضى إليه مباشرة
وهي في الظاهر مباحة فهي أيضاً محرمة.
مسألة أخرى: المقاصد أعلى من الوسائل وأعظم رتبة وأجراً، لأنه إذا سقط المقصود سقطت الوسيلة، وإذا سقط المتبوع سقط التابع.
مثاله: قصد الصلاة واجب، والصلاة واجبة، لكن وجوب الصلاة آكد وأعظم أجراً، لأنها هي القصد وهذا وسيلة إليها.
المسألة الأخيرة: يقول المصنف رحمه الله: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وهذه سبقت الإشارة إليها، لكن فيها مسألة أخرى:
فالصلاة واجبة والسعي إليها واجب، والزكاة واجبة، لكن لا تجب إلا بشروط وأسباب، فالنصاب سبب والحول شرط، فهل يجب تحصيل السبب وتحصيل الشرط؟ كل هذ لا يجب، إذن هناك فرق بين أمر يجب على المكلف، وأمر لا يجب على المكلف، فيصاغ بقاعدة أخرى فيقال:[ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب].