الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسبق إن قلنا أن الوكيل والشريك ليسا ضامنين، مثل أن يكون شريكاً لآخر، فتعدّى أحدهما في مال الشركة فصار يأخذ منه بغير إذن صاحبه؛ فإنه في هذه الحال يخرج عن الأمانة، ولو تلف شيء من المال فإنه يكون ضامناً له، أما إذا باع سيارة الشركة أو باع شيئاً يملكونه في الشركة فإن البيع صحيح؛ لأننا نقول إنها لا تنفسخ الشركة، ولو قلنا إنها تنفسخ بالتعدّي لصار العقد باطلاً ولا يصح في نصيب صاحبه، لكن كما قلنا إنها لا تنفسخ لأنها تجمع إذناً بالتصرف والأمانة، فإذا بطل أحدهما لا بطل الآخر.
المسألة السادسة:
هل يضمن الأمين بالشرط أولا يضمن؟:
إن كانت أمانة محضة فلا يضمن، شرط الضمان في الأمانة المحضة لا يصح، فلو أن إنسانًا استأمن إنساناً، وأعطاه مالاً وديعة وقال له بشرط أن تضمنه فلو ضاع أو تلف بغير تفريط، لا يضمن لأنها مبنية على عدم الضمان مطلقاً، أما إذا كانت ليست أمانة محضة كالعين المعارة فهذه تضمن مطلقاً على المذهب.
وقيل: تضمن مع الشرط، وهذا أصح الأقوال، فلو أعاره سيارة مثلاً قال: بشرط أن تضمنها سواء تعديت أم لم تتعد، نقول: هذا الشرط صحيح، والمسلمون على شروطهم؛ لأن المُعير قد يريد نفع صاحبه بالإعارة ويخشى على العين المعارة، فله أن يشترط ضمانها، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ليعلى بن أمية أنه قال:"عارية مضمونة أم عارية مؤداة؟ " قال: "بل
عارية مؤداة" (1)، وقال صفوان بن أمية للنبي صلى الله عليه وسلم: أتغصبها غصباً؟. قال عليه الصلاة والسلام: "بل عارية مضمونة" (2).
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 222)، وأبو داود في سننه في كتاب البيوع، باب: في تضمين العارية (3566)، والنسائى في سننه في الكبرى كما عزاه المزى له فى تحفة الأشراف (9/ 116) كلهم من طريق همام عن قتادة عن عطاء بن أبى رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه عنه به ولفظه مرفوعاً:"إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعاً وثلاثين مغفراً" قلت: يا رسول الله، أعارية مضمونة، أو عارية مؤداة؟ قال:"بل عارية مؤداة"، وهذا لفظ أبى داود وإسناده صحيح.
وللحديث شاهد من حديث أبى أمامة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: "العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم" أخرجه الإمام أحمد في منسده (26715) والسياق له.
وأبو داود في كتاب البيوع (3565) كلاهما من طريق إسماعيل بن عياش حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولانى قال: سمعت أبا أمامة الباهلى رضى الله عنه يقول: "فذكره".
قال ابن عدي في الكامل (2/ 9): "إسماعيل بن عياش حديثه عن الشاميين إذا روى عنه ثقة، فهو مستقيم الحديث، وفي الجملة هو ممن يُكتب حديثه ويُحتج به في حديث الشاميين خاصة". اهـ.
وهذا من حديثه عنهم فإن شرحبيل بن مسلم شامى، وشرحبيل هذا قال عنه الإمام أحمد: من ثقات الشاميين.
فالحديث يكون شاهداً لما قبله ومؤيداً له، ولذا قال الحافظ في التلخيص:"وفيه إسماعيل بن عياش، رواه عن شامى وهو شرحبيل بن مسلم سمع أبا أمامة".
(2)
أخرجه أبو داود فى سننه في كتاب البيوع (3562)، والحاكم في المستدرك (2/ 47)، والإمام أحمد في مسنده (3/ 401) كلهم من طريق شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه "صفوان" رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أذراعاً يوم حنين فقال: أغصبٌ يا محمد؟ فقال: "لا، بل عارية مضمونة. . "، والحديث فيه ضعف لعلتين:=
والذين قالوا إنها تُضمن مطلقاً احتجوا بحديث الحسن عن سمرة الذي رواه الأربعة أنه عليه الصلاة والسلام قال: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه"(1).
= 1) جهالة أمية بن صفوان فلم يُوثَّق توثيقاً معتبراً ولذا قال عنه الحافظ في "التقريب": مقبول.
2) ضعف شريك بن عبد الله القاضى، فإنه سيئ الحفظ جداً، ولذا قال عنه ابن معين: شريك صدوق ثقة إلا أنه إذا خالف فغيرُه أحب إلينا منه، وقال يعقوب بن شيبة السدوسى: صدوق ثقة سيئ الحفظ جداً، وقال الجوزجانى: شريك سيئ الحفظ، مضطرب الحديث مائل، وساق له ابن عدي في ترجمته في الكامل بعض الأحاديث التى استنكرت عليه ثم قال: والغالب على حديثه الصحة والاستواء والذى يقع في حديثه من النكرة إنما أتى به من سوء حفظه لا أنه يتعمد شيئاً مما يستحق أن ينسب فيه إلى شيء من الضعف.
وللحديث شاهد آخر عند الحاكم في مستدركه (3/ 48 - 49) من طريق محمد بن إسحاق حدثنى عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه رضى الله عنه به فذكره.
قال الحاكم عقب سياقه: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبى على ذلك، والحديث حسن لأجل ابن إسحاق لأنه صدوق.
وله شاهد آخر أيضاً عند البيهقى في السنن الكبرى (6/ 89 - 90) من طريق جعفر بن محمد عن أبيه: "أن صفوان - بن أمية أعار رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحاً. . . الحديث.
وقال البيهقى بعد ما ذكره: وبعض هذه الأخبار وإن كان مرسلها فإنه يقوى بشاهده مع ما تقدَّم من الموصول.
فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق الثلاث. والله أعلم.
(1)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 8) في مسند سمرة بن جندب رضى الله عنه وأبو داود في سننه في كتاب البيوع (3/ 822)، باب: في تضمين العارية، والنسائى في سننه الكبرى (4584) كما عزاه له المزي في تحفة الأشراف (4/ 66)، وابن ماجه في كتاب الصدقات، باب العارية (2/ 2400)، والترمذى في سننه في كتاب البيوع (2/ 368 - 369)، باب: ما جاء في أن العارية مؤداة.
كلهم من طريق الحسن عن سمرة رضى الله عنه به فذكره.
قال الترمذى بعد سياقه: "هذا حديث حسن صحيح".
وهذا محل بحث، ولا نريد الإطالة بذكره، لكن الصواب كما قلنا إنها تضمن بالشرط، ولهذا لم يضمنها لأبى يعلى لحُسن إسلامه ولتمكن الإسلام من قلبه، وضمنها عليه الصلاة والسلام لصفوان بن أمية لأنه لتوّه أسلم، فدل على أنها تضمن بالشرط.
= وقال الحاكم في المستدرك (4712): "صحيح الإسناد على شرط البخارى"، وأعلَّه الحافظ في التلخيص الحبير (5313) بقوله:"فالحسن مختلف في سماعه من سمرة".
قال الألبانى في الإرواء معقبًا على كلام الحاكم في المستدرك 34915): "وأقول: هو صحيح وعلى شرط البخارى لو أن الحسن صرح بالتحديث عن سمرة، فقد أخرج البخارى عنه به حديث العقيقة أما وهو لم يصرح به بل عنعنعه وهو مذكور في المدلسين، فليس الحديث إذن بصحيح الإسناد، وقد جرت عادة المحدثين إعلال هذا الإسناد بقولهم: "والحسن مختلف في سماعه من سمرة".
كما أعلّه الحافظ في التلخيص بذلك (3/ 53)، وقد ضعفه الشيخ بناء على هذه العلة.
والحقُّ أن الحسن سمع من سمرة جملة من الأحاديث غير حديث العقيقة، ومذهب على بن المديني والبخارى والترمذي أنه سمع منه مطلقاً، وخلاصة القول في الحديث: أنه متوقف على ثبوت سماع الحسن، من سمرة بن جندب رضى الله عنه.