الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الخامسة والعشرون تُستعمل القُرعة عند التزاحم ولا مُميز لأحدهما أو إذا علمنا أنا الشيء لأحدهما وجهلناه
القرعة جاءت الأدلة بمشروعيتها، وجمهور العلماء على مشروعيتها، وحُكي عن الأحناف أنهم لا يرون مشروعيتها وأنها نوع من القمار، ويمكن أنهم أنكروا نوعاً خاصاً من القرعة؛ لكنْ هناك نوعٌ من القرعة من البعيد إنكاره، وقد جاءت الأدلة بمشروعيتها، وقد صحت الأخبار الكثيرة عنه عليه الصلاة والسلام بمشروعيتها، وفي قوله تعالى في قصة يونس عليه السلام:{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} (1)، وفي قوله تعالى في قصة مريم:{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} (2) وهذه القصص ساقها الله مساق الثناء، وشَرْعُ من قَبلنا إذا ساقه الله لنا مساق الثناء فإنه يكون شرعًا لنا كما هو قول الجمهور خلافاً للشافعى رحمه الله.
وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام: "أنه إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه"(3)، وهذا في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
(1) سورة الصافات، الآية:141.
(2)
سورة آل عمران، الآية:44.
(3)
أخرجه البخاري فى صحيحه في كتاب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (2/ 404)، باب حديث الإفك، ومسلم فى صحيحه فى كتاب الفضائل (7/ 138) كلاهما من حديث عائشة رضى الله عنها. . فذكرته".
ومنها قصة أم العلاء فى صحيح البخاري قالت: طار لنا عثمان بن مظعون (1)، وجاء أيضاً في صحيح البخاري أن قوماً أسرعوا في اليمين فأمر عليه الصلاة والسلام أن يقرع بينهم (2).
ومنها - أيضاً - في صحيح مسلم أن رجلاً أعتق ستة مملوكين عند وفاته، فأمر عليه الصلاة والسلام أن يقرع بينهم فَأرَقَّ اثنين وأعتق أربعة (3).
ومنها - أيضاً - حديث أم سلمة في قصة الرجلين الذين اختصما في مواريث درست بينهما فأمرهما عليه الصلاة والسلام أن يقترعا وأن يتوخيا الحق، وأن يحلل كل منهما صاحبه (4).
وجاء - أيضاً - أن رجلين اختصما في عين فأقرع بينهما عليه الصلاة والسلام (5)، وجاءت عدة أخبار في هذا ومن قال إنها نوع من القمار قول باطل، ولا يصح؛ بل هي من أعظم ما يُطيَّبُ به النفوس،
(1) أخرجه البخارى في صحيحه في الجنائز (6/ 2575)(1234).
(2)
أخرجه البخارى في صحيحه في كتاب الشهادات (5/ 285) مع الفتح، باب إذا تسارع قوم في اليمين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الأيمان (3/ 1288) من حديث عمران بن حصين رضى الله عنه.
(4)
سبق تخريجه ص: 170.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه في باب الشهادات (10/ 4599) مع "العون" من طريق خِلاس عن أبى رافع عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رجلاً اختصما في متاع إلى النبى صلى الله عليه وسلم ليس لواحدٍ منهما بيّنة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:"استهما على اليمين ما كان أحبا ذلك أو كرها". وإسناده صحيح.
وجاء من طريق آخر عن أبى داود في سننه (10/ 3600) من طريق معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضى الله عنه مرفوعاً بلفظ: "إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليه".
وهذا من محاسن الشرع.
والقرعة كما قال أهل العلم تكون في الحقوق المتساوية، وتكون في تعيين الملك، أو تمييز المستحق للملك، أي الذي يملك هذا الشيء.
وقولهم: في الحقوق المتساوية مثل لو تسابق اثنان إلى إمامة واتفقا في جميع الصفات ولم يكن لأحدهما ميزة على الآخر، في هذه الحال إذا لم يتنازل أحدهما للآخر فإننا نقرع بينهما ويقدم من قرَع، كذلك إذا تسابقا إلى فرجة في الصف فإنه يقرع بينهما ويقدم من قرع، وهذه تنبنى على مسألة الإيثار في القُرب، جماهير أهل العلم على أنه لا إيثار في القُرب، إنما فيها الاستئثار والمسابقة، وذكر بعض أهل العلم قاعدة في هذا وهي لا إيثار في القُرب (1)، وقد نازع بعضهم فيها وذكر آثاراً تدل على خلاف عمومها، وقد ذكر العلاّمة ابن القيم شيئاً منه، وذكر في المسألة تفصيلاً حسناً - رحمه الله تعالى -.
وقولهم: وتكون في تعيين الملك مثل لو ادعى رجلان مالاً وليس هناك بيّنة، فهذه محل خلاف، وجاء في الحديث أنه يُقرع بينهما، وجاء في حديث آخر أنه عليه الصلاة والسلام جعلها بينهما نصفين.
كذلك مسألة اللُّقَطة لو ادعاها اثنان وكل منهما ذكر أوصافها فإنه في هذه الحال يقرع بينهما.
(1) راجع المسألة فى كتاب "طريق الهجرتين" و "زاد المعاد" لابن القيم رحمه الله.