الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة السادسة والثلاثون من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه، وإن كان لمضرته فلا ضمان عليه
هذه القاعدة دلت عليها أدلة من قواعد الشرع الأخرى، ولها أدلة عامة، وهذا من العدل أن من أتلف شيئًا لينتفع به فعليه الضمان، وإن كان لمضرته فلا ضمان عليه، وهو حينما ينتفع به قد يحصل له دفع أذى وانتفاع جميعًا، أي ليس المراد أن يحصل له نفع بدون دفع أذى فقد يتلازمان.
ومن أمثلة هذا الباب: لو صال عليه صيد في الحرم، والصيد في الحرم مضمون بمثله أو بقيمته، أو يقدر بصيام، فالمقصود أنه مضمون بمثله، فيشترى بقيمته طعامًا لكل مسكين نصف صاع بقدر قيمته، أو يصوم أيامًا بعدد المساكين الذين يطعمهم، وإذا لم يطعم فهو مخير بين هذه الأشياء على خلاف في تفاصيل هذه المسألة، فالصيد في الحرم مضمون لكن إذا صال عليه حيوان لا يجوز قتله ولو كان مضمونًا في أصله، فإن كان الاعتداء من جانب هذا الحيوان فقتله فلا ضمان عليه؛ لأنه لدفع الأذى، ولأن المؤذيات تقتل ولا ضمان فيها.
وإن كان قتل هذا الحيوان ليأكله لمخمصة ولم يعتدِ عليه فإنه يضمن.
ومنها - أيضًا - المُحرِم إذا أصابه أذى في رأسه فأراد أن يحلق رأسه لدفع الأذى في هذه الحال حلق الشعر هل هو لدفع الأذى أم لتحصيل المنفعة؟، أي لَمَّا
حلق رأسه هل هو حلقه لينتفع بحلق الشعر أو لدفع أذى الشعر؟ فهل الاذى من الشعر أم من غير الشعر؟ الأذى من غير الشعر، والقاعدة عندنا أنه إذا كان للانتفاع ففيه الكفارة، وإن كان لدفع الأذى فلا كفارة، في هذه الحالة إذا حلق المحرم رأسه هل عليه كفارة؟ أم ليس عليه كفارة؟.
عليه كفارة؛ لأنه في حلق الشعر يكون منتفعًا من جهة دفع الأذى الذي حصل من غير الشعر، وهذا مثل ما جاء في قصة كعب بن عُجرة لما قال له عليه الصلاة والسلام:"أيوذيك هوام رأسك؟ "، قال: قلت: نعم، قال عليه الصلاة والسلام:"احلق رأسك".
في هذه القصة هل الأذى من القمل أم من الشعر؟ الأذى من القمل، لكن لا يمكن إزالة القمل إلا بحلق الشعر، فكأنَّ القمل جعل الشعر محلًا لدفع الأذى فلذلك حُلِق وفُدِي لأنه ليس منه أذى (1).
ولهذا إذا كان القمل يسيرًا فأزاله بدون حلق الشعر فلا فدية عليه، ولا يجوز له أن يحلق رأسه في هذه الحال؛ لأنه يستطيع أن يزيل القمل بدون الحلق فلا يحلق، لكن إذا كان لا يمكن إزالة الأذى إلا بالحلق فإنه يحلق ويكفِّر، والكفارة صيام ثلالة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة.
(1) سبق تخريجه ص 134 - 135.