المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - نبوت الشعر الحسين حول القبل: - شرح القواعد السعدية

[عبد المحسن الزامل]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ أولاً: تعريف القاعدة:

- ‌القاعدة معناها لغة:

- ‌فالحسي:

- ‌والمعنوي:

- ‌واصطلاحاً:

- ‌ ثانياً: يذكر العلماء في باب القواعد ما يسمى الضابط، فهل هو ومسمى القاعدة واحد أو بينهما فرق

- ‌ ثالثاً:‌‌ الأشباهوالنظائر هل هي مختلفة، أو معناها واحد

- ‌ الأشباه

- ‌الأمثال

- ‌النظائر:

- ‌ رابعاً: ال‌‌قواعد الأصولية و‌‌القواعد الفقهية:

- ‌قواعد الأصول

- ‌القواعد الفقهية:

- ‌القواعد الأصولية:

- ‌ خامساً: كيف تصاغ القواعد الفقهية:

- ‌ سادسًا: كم عدد القواعد

- ‌ سابعاً: القاعدة هل يُحتج بها أو لا يُحتج بها

- ‌ ثامناً: إذا خالف الحاكم أو القاضي القاعدة، هل يقبل حكمه أو لا يُقبل

- ‌القاعدة الأولى الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة

- ‌القاعدة الثانية الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها ووسيلة المباح مباح، ويتفرع عليها الأعمال ومكملاتها تابعة لها

- ‌القاعدة الثالثة المشقة تجلب التيسير

- ‌1) مشاق لا تنفك عنها العبادة

- ‌2) مشاق تنفك عنها العبادات غالباً

- ‌أ) مشقة عظيمة جداً:

- ‌ب) مشقة يسيرة جداً:

- ‌ج) مشقة وسط:

- ‌القاعدة الرابعة الوجوب يتعلق بالاستطاعة، فلا واجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة

- ‌الحالة الأولى: أن يكون قادرًا ببدنه قادرًا على ما أمر به:

- ‌الحالة الثانية: قادر ببدنه عاجز عن الآلة المأمور بها:

- ‌الحالة الثالثة: عاجز ببدنه، قادر على الآلة التي أمر بها:

- ‌القاعدة الخامسةالشريعة مبنية على أصلين:

- ‌القاعدة السادسة الأصل في العبادات الحظر، فلا يُشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والأصل في العادات الإباحة، فلا يحرّم إلا ما حرَمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌القاعدة السابعة التكليف وهو البلوغ، والعقل شرط لوجوب العبادات، والتمييز شرط لصحتها إلا الحج والعمرة، ويشترط لصحة التصرف التكليف والرشد، ولصحة التبرع التكليف والرشد والملك

- ‌1 - الاحتلام:

- ‌2 - استكمال خمس عشرة سنة:

- ‌3 - نبوت الشعر الحسين حول القُبُل:

- ‌القاعدة الثامنة الأحكام الأصولية والفروعية لا تتم إلا بأمرين وجود الشروط وانتفاء الموانع

- ‌القاعدة التاسعة العرف والعادة يرجع إليه في كل حُكمٍ حَكَم الشارع به ولم يَحدّه

- ‌القاعدة العاشرة البينة على المدّعي، واليمين على من أنكر في جميع الدعاوي والحقوق وغيرها

- ‌القاعدة الحادية عشر الأصل بقاء ما كان على ما كان، واليقين لا يزول بالشك

- ‌القاعدة الثانية عشر لابد من التراضي في عقود المعاوضات والتبرعات والفسوخ الاختيارية

- ‌1) اللفظ:

- ‌2) الفعل:

- ‌3) الكتابة:

- ‌4) الإشارة:

- ‌5) السكوت:

- ‌القاعدة الثالثة عشر الإتلاف يستوي فيه المتعمد والجاهل والناسي

- ‌القاعدة الرابعة عشر التلف في يد الأمين غير مضمون إذا لم يتعد أو يفرّط، وفي يد الظالم مضمون مطلقاً أو يقال ما ترتب على المأذون فيه فهو غير مضمون، والعكس بالعكس

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌القاعدة الخامسة عشر لا ضرر ولا ضرار

- ‌القاعدة السادسة عشر العدل واجب في كل شيء، والفضل مسنون

- ‌القاعدة السابعة عشر من تعجَّل شيئاً قبل أوانه، عوقب بحرمانه

- ‌القاعدة الثامنة عشر تضمن المثليات بمثلها، والمتقوِّمات بقيمتها

- ‌القاعدة التاسعة عشر إذا تعذّر المسمّى رجِع إلى القيمة

- ‌القاعدة العشرون إذا تعذر معرفة من له الحق، جُعِل كالمعدوم

- ‌القاعدة الحادية والعشرون الغرر والميسر محرّم في المعاوضات والمغالبات

- ‌القاعدة الثانية والعشرون الصلح جائزٌ بين المسلمين، إلا صلحاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالاً

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون من سبق إلى المباحات فهو أحق بها من غيره

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون تُستعمل القُرعة عند التزاحم ولا مُميز لأحدهما أو إذا علمنا أنا الشيء لأحدهما وجهلناه

- ‌القاعدة السادسة والعشرون يُقبَل قول الأُمناء فى التصرف أو التلف ما لم يخالف العادة

- ‌القاعدة السابعة والعشرون من ترك المأمور لم يبرأ إلا بفعله، ومن فعل المحظور وهو معذور بجهل أو نسيان فهو معذور ولا يلزمه شيء

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون يقوم البدل مكان المبْدَل إذا تعذر المُبدل منه

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون يجب تقييد اللفظ بملحقاته من وصف أو شرط أو استثناء أو غيرها من القيود

- ‌القاعدة الثلاثون الشركاء في الأملاك يشتركون في زيادتها ونقصانها، ويشتركون في التعمير اللازم، وتُقسَّط المصاريف بحسب مِلكِهم، ومع الجهل بمقدار ما لكل منهم يتساوون

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون قد تتبعّض الأحكام بحسب تفاوت أسبابها

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون من أدّى عن غيره واجبًا بنية الرجوع عليه؛ رجع وإلا فلا

- ‌القاعدة الثالثة والثلاثون إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها، فيقدم الواجب على المستحب، والراجح من الأمرين على المرجوح، وإذا تزاحمت المفاسد واضطر إلى واحد منها قدّم الأخف منها

- ‌القاعدة الرابعة والثلاثون إذا خُيِّر العبد بين شيئين فأكثر فإن كان التخيير لمصلحته فهو تخيير يرجع إلى شهوته واختياره، وإن كان لمصلحة الغير فهو تغيير يلزمه فيه الاجتهاد

- ‌القاعدة الخامسة والثلاثون من سقطت عنه العقوبة لموجِب ضُعِّفَ عليه الضمان

- ‌القاعدة السادسة والثلاثون من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه، وإن كان لمضرته فلا ضمان عليه

- ‌القاعدة السابعة والثلاثون إذا اختلف المتعاملان في شيء من متعلقات المعاملة يرجع أقواهما دليلًا

- ‌القاعدة الثامنة والثلاثون إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة، أو إلى شرطها فسدت، وإذا عاد إلى أمر خارج لم تفسد، وكذلك المعاوضات، فرجوع التحريم إلى نفس العبادة أو إلى شرطها: إما إلى ذاتها أو ماهيتها أو ركن من أركانها

- ‌القاعدة التاسعة والثلاثون لا يجوز تقديم العبادة على سبب الوجوب، ويجوز تقديمها بعد وجود السبب وقبل شرط الوجوب وتحققه

- ‌القاعدة الأربعون يجب فعل المأمور به كله، فإنه قدر على بعض وعجز عن باقيه فعل ما قدر عليه

- ‌القاعدة الحادية والأربعون إذا اجمتعت عبادتان من جنس واحد تداخلت أفعالها واكتفى عنهما بفعل واحد إذا كان المقصود واحدًا

- ‌القسم الأول: أن تكون الحدود خالصة لله تعالى أي محض حق لله تعالى:

- ‌الأول: أنا لا يكون فيها قتل:

- ‌الثاني: أنا يكون فيها قتل:

- ‌القسم الثاني: إذا كانت محض حق الآدميين:

- ‌القسم الثالث: أن تجتمع حدود الله وحقوق الآدميين:

- ‌الأول: أن لا يكون فيها قتل فيُستَوفَى الجميع:

- ‌الثاني: أن تجتمع كالأول ولكن فيها قتل:

- ‌الثالث: أن يتفق الحدّان في المحل ويكون تفويتًا كالقتل والقطع:

- ‌القاعدة الثانية والأربعون استثناء المنافع المعلومة في العين المنتقلة بمعاوضة جائز، وفي التبرعات يجوز استثناء المدة المعلومة والمجهولة

- ‌القاعدة الثالثة والأربعون من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة، فإنه قبضها لحظ مالكها قبل

- ‌القاعدة الرابعة والأربعون إذا أدّي ما عليه، وجب له ما جُعِلَ له عليه

- ‌القاعدة الخامسة والأربعون من لا يُعتبر رضاه في عقد أو فسخ لا يعتبر علمه

- ‌القاعدة السادسة والأربعون من له الحق على الغَير وكان سبب الحق ظاهرًا فله الأخد من ماله بقدر حقه إذا امتنع أو تعذر استئذانه، وإن كان السبب خفيًا فليس له ذلك

- ‌القاعدة السابعة والأربعون الواجب بالنذر يلحق بالواجب بالشرع

- ‌القاعدة الثامنة والأربعون الفعل الواحد ينبني بعضه على بعض مع الاتصال المعتاد

- ‌القاعدة التاسعة والأربعون الحوائح الأصلية للإنسان لا تُعَدّ مالاً فاضلاً

- ‌القاعدة الخمسون يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً

- ‌القاعدة الحادية والخمسون الأسباب والدواعي للعقود والتبرعات معتبرة

- ‌القاعدة الثانية والخمسون إذا قويت القرائن قُدّمت على الأصل

- ‌القاعدة الثالثة والخمسون إذا تبين فساد العقد بطل ما بُني عليه، وإن فسخ فسخاً اختيارياً لم تبطل العقود الطارئة قبل الفسخ

- ‌القاعدة الرابعة والخمسون العبرة في المعاملات بما في نفس الأمر

- ‌القاعدة الخامسة والخمسون لا عذر لمن أقرّ

- ‌القاعدة السادسة والخمسون يقوم الوارث مقام مورّثه في كل شيء

- ‌القاعدة السابعة والخمسون يجب حمل كلام الناطقين على مرادهم كما أمكن في العقود والفسوخ والإقرارات وغيرها

- ‌القاعدة الثامنة والخمسون الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً

- ‌القاعدة التاسعة والخمسون الفكرة إذا كانت بعد النفي أو الاستفهام أو الشرط تفيد العموم

- ‌القاعدة الستون (من)، و (ما) و (أي)، و (متى)، و (أل)، والمفرد المضاف يدل كل واحد منها على العموم

الفصل: ‌3 - نبوت الشعر الحسين حول القبل:

خمس عشرة سنة علامة مشتركة بين الذكر والأنثى.

‌3 - نبوت الشعر الحسين حول القُبُل:

لما ثبت في حديث عطة القُرظي في قصة قتل بني قريظة أنه كان يكشف عن مآزرهم، فمن أثبت قُتل، ومن لم ينبت لم يُقتل (1)، وهذا العلامة - أيضًا - مشتركة بين الذكر والأنثى.

هناك علامتان تختصان بالأنثى:

الأولى: الحيض، فإذا رأت الدم في سن الإمكان وهو استكمال تسع سنين فإنها تكون بالغة، أما إذا رأته قبل ذلك فإنه يكون دم فساد، وحكى بعض العلماء الإجماع على هذا.

الثانية: الحمل؛ لأنه لا يكون إلا بإنزال المنى.

قال رحمه الله: "والعقل":

فلو بلغ وهو معتوه أو مجنون لا يكون مكلفًا، وهذا هو قول جماهير أهل العلم فيما يتعلق بالبلوغ مع العقل، قال بعض أهل العلم إنه إذا فهم الخطاب وقد قارب البلوغ فإنه يكون مكلفًا وهو رواية عن الإِمام أحمد رحمه الله، وقال أنه إذا بلغ سن الثانية عشر وقد فهم الخطاب فإنه يكون مكلفًا، ويرى أنه لو لم

(1) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده (4/ 310)، وأبو داود في سننه في كتاب الحدود (4/ 561)، والنسائي في سننه في كتاب الطلاق (6/ 155)، والترمذي في جامعه في كتاب السير (3/ 72) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في سننه في كتاب الحدود (2/ 849)، والحاكم في المستدرك في آخر كتاب الحدود (4/ 390) وقال:"على شرطهما ولم يخرجاه"، كلهم من حديث عطية القُرظي رضي الله عنه.

ص: 79

يصل يقتل لكن لا يقتل على أنه كافر، واستدل بقوله عليه الصلاة والسلام:"مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر"(1)، وليس فوق الضرب إلا القتل.

وقالوا: إنه يؤمر بالصوم ويكون مكلفًا إذا فَهِمَ الخطاب وعَقَلَهُ، وإن لم يبلُغ، والجمهور على أنه لابد من حقيقة البلوغ ولا يكتفي بمظنة البلوغ،

(1) ورد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ومن حديث سبرة بن معبد الجهني، أمّا حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه فهو من طريق سوار أبى حمزة عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مرو أولادكم بالصلاة لسبع. . . ".

أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة (2/ 491) واللفظ له، وأحمد في مسنده (2/ 187)، والحاكم في المستدرك (1/ 197)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 84) وإسناده حسن لأجل سوّار هذا، قال عنه الحافظ في التقريب (2682):"صدوق له أوهام".

قال عنه الإمام أحمد: شيخ بصري لا بأس به، روى عنه وكيع فقلب اسمه وهو شيخ يوثق بالبصرة.

وقال ابن معين: ثقة. انظر: التهذيب (2/ 453)، الميزان (2/ 245).

وأما حديث سبرة بن معبد الجهني فهو من طريق حفيده عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده مرفوعًا بلفظ "مروا الصبى بالصلاة إذا بلغ سبع سنين".

أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة (2/ 490)، والترمذي في سننه في أبواب الصلاة (2/ 259) وقال: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم في المستدرك (1/ 201): صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

قال الألباني في الإرواء (1/ 267): وفيما قالاه نظر، فإنَّ عبد الملك هذا إنما أخرجه له مسلم (4/ 132 - 133) حديثًا واحدًا في المتعة متابعة، كما ذكر ذلك الحافظ وغيره، وقد قال فيه الذهبي:"صدوق إن شاء الله، ضعّفه ابن معين فقط" فهو حسن الحديث إذا لم يُخالِف، ويرتقي حديثه هذا إلى درجة الصحة بشاهده الذي قبله". اهـ.

ص: 80

وأنه في هذه الحال قريب من البلوغ، وهذا هو الصحيح للأدلة السابقة.

قال رحمه الله: "والبلوغ شرط لوجوب العبادات": -

هذان أيضًا شرط لوجوب العبادات، فمن لم يبلغ لا يجب عليه أداء الصلاة، ولا الصيام ولا الحج، أما وجوب الزكاة فهو من باب الأسباب، لا من باب خطاب التكليف، بل هو من باب خطاب الوضع، وخطاب الوضع كما قلنا متعلق بوجود بالأسباب والشروط وغيرها.

وقال: "أو التمييز شرط لصحتها": -

عندنا شرط وجوب وشرط صحة، فالعبادة قد تكون غير واجبة لكن تصح من المكلف، إذا كان الصبى غير مميز في سن الثالثة أو الرابعة أو الخامسة ولم يميز فتوضأ وصلى وهو غير مميز لا يعرف الوضوء ولا يعرف ما هي الصلاة، فهذا لو صلى لا تصح صلاته، ولو صام لا يصح صومه لأنه فاقد لشرط الصحة، وهو التمييز؛ ولأن هذه العبادات لابد من القصد إليها ولو كان بنية فيها شيء من الضعف من جهة كونه صبيًا، ولا يتأتى القصد من غير المميز، فإذا كان مميزًا صحت منه الصلاة وصح منه الصوم، وصح منه الحج وسائر العبادات، وليس بواجب، وثوابه له على الصحيح، وقول من قال إنه لوالديه لا يصح، واستثنى رحمه الله الحج والعمرة، فالحج والعمرة يصحان من الصبى وإن لم يكن مميزًا، فهذه العبادة مستثناة، والأصل عندنا أنه لابد من التمييز لصحة العبادات لكن لما استثنى الحج والعمرة فلابد من دليل، وهو حديث ابن عباس

ص: 81

- رضي الله عنهما أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيًا فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال:"نعم، ولك أجر"، والعمرة في معنى الحج (1).

فأثبت عليه الصلاة والسلام له الحج بقوله: "نعم، ولك أجر"، فالصبي ولو كان لتوه وُلِد يصح منه الحج والعمرة إذا نوى عنه من يلي أمره، ولو فرض أنه تعمد بعض محظورات الإحرام فعمده في حكم الخطأ، فالمقصود أنه لا يشترط له التمييز لهذا الحديث، ولعله - والله أعلم - أن الحج ليس كغيره من العبادات، وقد يرغب الإنسان في أن يحج هو وأولاده والحج فيه كلفة ليس كغيره من العبادة تحتاج إلى شيء من الاستعداد، فكان من رحمة الله أن يسّر أمره وخففه، ولم يحرم منه هذا الصبي الذي لم يميز فيحصل على أجر الحج والعمرة.

بقي أن نعرف ما هو التمييز؟ وبماذا يحصل؟.

التمييز: اختلف أهل العلم بماذا يحصل التمييز؟.

فجمهور أهل العلم على أن التمييز يحصل باستكمال سبع سنين، واستدلو بقوله صلى الله عليه وسلم:"مروا أولادكم بالصلاة لسبع"(2)، أي باستكمال سبع، استكمل سبعًا ودخل في الثامنة، وقالوا: إن هذا هو سن التمييز لهذا الحديث.

وقال آخرون: إن التمييز ليس له سن معين؛ بل هو يختلف باختلاف الصبيان حسب ذكائهم وقدراتهم، وحسب نمو أجسامهم وقدرتهم وحسب البلاد

(1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحج (2/ 973) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه.

(2)

سبق تخريجه ص: 79.

ص: 82

والأمكنة، وهذا هو الصحيح.

لكن في الغالب أن التمييز يكون عند هذا السنن، وقد يحصل قبل السابعة، فقد يكون بعض الصبيان يميز إذا استكمل الخمس في قوة فهمه وذكائه.

وقد جاءت روايات عن بعض السلف في مثل هذا، وأنه كان لهم صبيان لديهم قوة في الفهم، وقوة في الحفظ وهم لم يستكملوا خمس سنين.

وذكر الخطيب البغدادي وغيره أشياء في مثل هذا في صبيان لديهم قوة فهم، فالأظهر - والله أعلم - أنه لا يُحكم به في سن معين، لكن لا شك أنه لا يمكن أن يكون في سن صغيرة جدًا بل لابد أن يكون في سن يقبل فيها ويمكنه فيها الفهم، فالصحيح أنه ليس محددًا بسنوات معينة، فقد يميز إذا استكمل الخمس، وقد يميز إذا استكمل الست، وقد يميز إذا استكمل السبع - والله أعلم -.

قال المصنف رحمه الله: "ويشترط لصحة التصرف التكليف والرشد":

ظاهر كلام المصنف أن التكليف والرشد شرط لصحة التصرف، وقد سبق أن شرط التكليف العقل والبلوغ، فإذن يكون شرط التصرف البلوغ والعقل والرشد، فهذه الأشياء الثلاثة شرط لصحة التصرف.

والعبارة هنا فيها إجمال، فإن التصرف يختلف فإن كان التصرف لحظ الصبى، فالأظهر أنه لا يشترط فيه التكليف؛ لأن التصرفات قد تكون نفعًا محضًا للصبي، وظاهر عبارة المصنف أن جميع أنواع التصرفات لابد من التكليف فيها،

ص: 83

فلو أن رجلًا أهدى لصبى هدية بغير إذن وليه، أو أوصى له بشيء من المال، أو وقف عليه وقفًا مثلًا، أو تصدق عليه بصدقة، فإنه يصح القبول له في مثل هذا، ولا يشترط له التكليف؛ لأنه نفع محض إما في دنياه أو في آخرته أو فيهما جميعًا.

والتصرفات على ثلاثة أنواع:

تصرّفٌ هو نفعٌ محض في حق الصبي.

وتصرّفٌ هو ضررٌ محض في حق الصبى.

وتصرّفٌ هو مترددٌ بينهما وهو موضع الخلاف بين أهل العلم.

أما التصرف الذي هو ضررٌ محض حق الصبى والذي هو متردد بينهما فلابد من التكليف مع الرشد فإنه لا يصح من الصبى، وهذا واضح وهما يدخلان في كلام المصنف.

ويدخل في كلام المصنف - أيضًا - نوع من التصرف هو نفعٌ محض في حق الصبي، والأظهر في مثل هذا أنه تصرف صحيح، فلو أن صبيًا قبل هدية أو صدقة مثلًا، أو أوصى له إنسان بشيء، أو أوقف عليه وقفًا، فهذا نفع محض فيصح قبوله ويصح رده.

لكن لو فرض أن له وليًا يقوم عليه فإن شاء قبل هذا وإن شاء رده، ولو قبله صحَّ لأنه نفع محض.

ومثل ما يقع من بعض الناس أن يعطي صبيًا شيئًا من المال، أو هدية لنجاحه مثلًا، أو ما أشبه ذلك، ظاهر كلام المصنف أنه لا يصح، ويترتب عليه أحكام

ص: 84

من جهة ضمانه.

المقصود أن مثل هذه الأشياء إذا كانت نفعًا محضًا فإنها تصح لأنه لا ضرر فيها، يقابله ما كان ضررًا محضًا وهو ما إذا كان لصبي شيء من المال، وأهدى هدية أو وهب هبة، أو أعطى عطية، أو ما أشبه ذلك فهذا لا يصح بلا شك؛ لأنه ضرر محض والصبي يجب النظر في ماله بالأحظ له، حتى لو نفذها الوصى، فلو أن صبيًا له وليّ يقوم على شؤونه فصار يتصدق من ماله أو يهدي لا يصح ولا يجوز له فعل ذلك، فمن باب أولى أن لا يصح ولا يجوز من الصبى أي إذا كان لا يصح من الوصي عليه والولي عليه فهو من الصبى لا يصح ولا يجوز من باب أولى.

نوع ثالث من أنواع التصرف: تصرفٌ مترددٌ بينهما وهو البيع والشراء، صبي يميز يبيع ويشتري، هذا موضع خلاف، قيل: لا يصح مطلقًا، وقيل: يصح إذا كان بإذن وليّه، قال تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (1)، قال بعض أهل العلم إنه لا يمكن أن يعرف رشده إلا بأن يجرب قبل البلوغ؛ لأنه إذا بلغ انتهى الأمر، فلابد أن يجرب قبل البلوغ.

فيجرب في البيع والشراء وكل بحسب ما يحسنه، فإذا كان هذا الصبى يحسن هذا الشيء فيجرب فيه ويبيع ويشتري، فإذا باع واشترى بإذن وليه في الأشياء

(1) سورة النساء، الآية:6.

ص: 85

التي لا يترتب عليها مضرة صح، وهذا أظهر؛ لأنه أمر بابتلائهم وهو اختبارهم، واختبارهم لا يكون إلا قبل البلوغ حتى إذا بلغ يكون محكمًا لهذه الأشياء عارفًا بها.

ويشترط لصحة التصرف: التكليف والرشد، وبقي أن نعرف الرشد، ما هو الرشد؟، اختلف أهل العلم في الرشد.

ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الرشد هو الصلاح في المال بمعنى أنه يعرف كيف يتصرف في المال، ويعرف البيع والشراء، فلا يُغبَن ولا يُغلَب، وهذا كل بحسب ما يعمله هذا الصبى، فقد يكون بعض الصبيان المميزين يحسنون أنواعًا من البيع، ولا يحسنون غيرها، فإذا أحسن هذا الشيء الذي يمارسه ويعالجه مثلًا يكون راشدًا.

وقال الشافعية: إن الرشد هو الصلاح في الدِّين والمال، وليست العدالة شرطًا فيها فإذا صلح تصرفه في المال وأحسن التصرف فيه يكون راشدًا، ويُعطى ماله ويُسلّم إليه.

فيما يتعلق بالرشد قلنا إنه يُجَرّب حتى يعرف إدراكه ومعرفته لهذه الأشياء، فإذا أحسن هذه الأشياء كان أهلًا، لكن أهليته حتى الآن ليست أهلية كاملة ولا تكون كاملة حتى يبلغ، فإذا بلغ يكون قد بلغ الأهلية الكاملة، والأهلية الكاملة هى الأهلية للإلزام والالتزام، وقد أشرنا إلى أن الإنسان له أحوال لأهليته، قد تكون أهلية كاملة، وقد تكون أهلية قاصرة، والشرع ربط الأحكام قبل أن يولد الصبى، فتتعلق به أحكام كثيرة، وإن كان في بطن أمه.

ص: 86

وقد ذكر أهل العلم أن الأهلية نوعان:

1 -

أهلية وجوب.

2 -

أهلية أداء.

وأهلية الوجوب تسبق أهلية الأداء، والصبي له أهلية وجوب، وهي على نوعين:

1 -

إذا كان في بطن أمه فله أهلية وجوب قاصرة فيرث بشرطه، وتصح الوصية للحمل، ويصح الوقف عليه عند جمع من أهل العلم، فهو أهل لهذه الأشياء.

2 -

فإذا وُلد كملت أهلية الوجوب، وكان له ذمة صحيحة كاملة، فيجب عليه أمور مثل: وجوب الزكاة عليه إذا كان له نصاب بشروطه، أمور تتعلق بالنسب وغيرها.

وهنالك أهلية أداء، وهي على نوعين - أيضًا -:

1 -

أهلية أداء قاصرة.

2 -

أهلية أداء كاملة.

أهلية الأداء القاصرة: من سن التمييز وهي السن التي يُختبر فيها هل يحسن التصرف أو لا يحسن التصرف؟ فإذا علم منه شيء من الرشد في المال فله أهلية أداء قاصرة، ولهذا يصح منه أداء العبادات كالصلاة والصوم وغيرها، ويصح منه على الصحيح التصرف بإذن وليه لكنها ليست أهلية أداء كاملة بل هى أهلية أداء قاصرة.

فإذا بلغ وعقل وكان أهلًا للتكليف كَمُلت فيه أهلية الأداء وكانت أهليته

ص: 87

أهلية أداء كاملة، فعلى هذا يعرف أن الأهلية على نوعين: أهلية وجوب، وأهلية أداء.

أهلية الوجوب على نوعين، وأهلية الأداء على نوعين.

1 -

أهلية وجوب قاصرة: وهو حمل في بطن أمه.

2 -

أهلية وجوب كاملة: وهو بعد ولادته إلى سن التمييز.

1) وأهلية أداء قاصرة: وهو قبل التكليف.

2) وأهلية أداء كاملة: وهو بعد التكليف، فإذا كُلِّف كان أهلًا للإلزام والالتزام.

ولصحة التبرع: التكليف والرشد والملك، والتبرع هو ما كان بلا عوض، والتكليف كما سبق هو البلوغ والعقل والملك، فنفهم من هذا أنه إذا لم يكن مكلفًا لم يصح تبرعه، وقد أشرنا إليه لأن هذا ضرر محض بحق الصبي في الحياة الدنيا؛ لأنه لا يدرك هذه الأشياء.

ص: 88