الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الرابعة والثلاثون إذا خُيِّر العبد بين شيئين فأكثر فإن كان التخيير لمصلحته فهو تخيير يرجع إلى شهوته واختياره، وإن كان لمصلحة الغير فهو تغيير يلزمه فيه الاجتهاد
هذه القاعدة تجري في مسائل، التخيير قد يرجع لمصلحة الإنسان، وقد يرجع إلى مصلحة غيره، إن كان يرجع إلى مصلحته هو فالأولى له اختيار الأفضل والأعلى لكن لا يلزمه ذلك، فإذا اختار أحد الأمرين فله ذلك؛ لأنه يرجع إلى شهوته هو، ولا يُلزم بأن يختار شيئًا معينًا، لكن إذا كان الذي خُيّر فيه في اختيار بعضه مصالح أعلى فاختار الأعلى كان أفضل، وهذا يكون في المسائل التي فيها التخيير، مثل كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، في هذه الحال يتخير بين هذه الأشياء الثلاثة حسب ما يشتهى باختيار الإطعام، أو الكسوة، أو العتق، فإذا اختار مثلًا العتق وتيسر له ذلك وكان قادرًا عليه لا شك أن نفعه وأجره أعظم، فهذا تخيير في كفارة اليمين، فإن لم يجد فيصوم ثلاثة أيام فجمعت التخيير والترتيب، لكن البحث في الشق الأول وهو التخيير المتعلق بالقاعدة، وكذلك في كفارة الأذى في الحج فدية من صيام أو صدقة أو نسك، جاء في الحديث (1) تفسيرها، فالصيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة، فيخير بين هذه الأشياء الثلاثة، فإذا أراق الدم كان أفضل وأولى، لما فيه من التقرب؛ لأنه من جهة كونه عبادة مالية أفضل من إطعام ستة مساكين، وفيه أيضًا تقرب إلى الله سبحانه وتعالى بنحر هذا القربان وإراقة الدم فهو أفضل لكن هو
(1) سبق تخريجه ص: 136.
يرجع إلى اختياره وشهوته، فله أن يختار هذا أو يختار هذا أو يختار هذا، حتى ولو كان قادرًا على الأعلى، وهكذا في مسائل أخرى أشار إليها المصنف رحمه الله في كلامه، وهذا هو الأصل كما قلنا أنه تخيير يرجع إلى شهوته واختياره لأنه لمصلحته هو.
أما إذا كان لمصلحة غيره فيجب عليه أن يختار الأصلح، ومن هذا قول العلماء: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة فيجب عليه أن يختار الأصلح في هذا؛ لأنه تصرف يتعلق بالغير، فما كان تصرفًا متعلقًا بالغير فيجب أن يختار الأولى والأصلح، فإذا كان هناك أمران أحدهما أنفع وأصلح وجب عليه أن يختار الأصلح، فإذا كان إنسان وليًا ليتيمٍ وأراد أن يبيع له أو أن يتصرف له في ماله بأن يشتري له أرضًا مثلًا حتى يتكسب من ورائها فيشتري بماله فإنه ينظر فى الأصلح، هل الأصلح شراء الأرض له وحفظها له؟ أم الأصلح إبقاء ماله؟؛ لأنه إذا اشْتُرِيَت الأرض ينقص ماله ويضر عليه في نفقته، ويحتاج إلى نفقة أو شراء أرض قد لا يكون فيها مصلحة، أو أن شراء هذه الأرض ليس مناسبًا لهذا اليتيم، أو أنها في مكان لا يناسب، أو أراد أن يشتري له بيتًا مثلًا وليس من الأصلح شراء البيت له، فالأولى له إذا كان الأصلح شراء الأرض فإنه يشتري الأرض، وإذا كان الأصلح شراء البيت اشترى له البيت، وإذا كان الأصلح عدم الشراء فإنه لا يشتري، وإن كان في كليهما مصلحة لكن إبقاء المال أعلى مصلحة ليجعله في مشروع آخر فإنه يقدِّم المصلحة الأعلى، وهذا يتبين بالتأمل والنظر في الأمثلة.
أيضًا في المسألة الأولى إذا كان التخيير لمصلحته هو ما أشار إليه المصنف رحمه الله في كلامه في مسألة الدية، قال: إنه مخير أن يخرج مائة من الإبل، أو مائتين من البقر، أو ألفى شاة، أو ألف دينار، أو اثنى عشر ألف درهم، أو ألفي حُلَّة، هذا التخيير مثل ما أشار إليه الشارح رحمه الله إن قيل إن هذه كلها أصول في باب الديات أي الإبل والبقر والدراهم والحلي فهو مخير، وإن كانت ليست أصولًا بل هي أبدال من الإبل وهذا هو الصحيح أي أنها ليست أصولًا بل هي قِيَمٌ لها إذا لم توجد أو لسبب من الأسباب وإلا فالأصل هو وجوب الإبل، فإذا جُعِلَت أبدالًا لها لأي سبب من الأسباب فإنه في هذه الحال يقضي الدية من مبدلاتها، فإن قيل إنها أصول فإنها تدخل في هذه القاعدة، وإن لم يقل إنها أصول فإنها لا تدخل في هذه القاعدة.