الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثامنة والخمسون الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً
هذه القاعدة وما يتلوها هى قواعد أصولية، وذكرها المؤلف هنا استطراداً، فكأنه أراد رحمه الله أن يختم هذه القواعد بقواعد أصولية، وهذه القاعدة يذكرها أهل العلم في مسالك العلة لكن يعبرون عنها بالدوران، فالعلة لها مسالك منها الإجماع والنص والمناسبة، ومنها أيضاً الدوران ويسمونها الطرد والعكس.
العلّة: هي ما ترتب الحكم على وصف وجوداً وعدماً.
فكلما وُجدت العلة وُجد الحكم، وكلما انتفت العلة انتفى الحكم، وقد تكون العلة واضحة، وقد تكون غير واضحة، أو قد لا تظهر المناسبة فيها، ولأجل هذا يعللونها بالدوران؛ لأنه قد تظهر المناسبة وقد لا تظهر، أما إذا كانت المناسبة ظاهرة فهو تعليل بالعلة مع زيادة الوصف المناسب فهو أقوى، فإذا كانت العلة مناسبة للحكم كان ربط الحكم بها أقوى وأتم، أما إذا لم تظهر العلة تماماً لكن عقلناها من جهة الانتفاء والثبوت، أي ثبوتها مع الحكم وانتفائها مع انتفاء الحكم، فكلما دار الحكم مع علته عقلنا أنه مقصود للشرع، وكان هذا تعليلاً للحكم من جهة وجودها مع وجوده، وانتفائه مع انتفائها، وإن لم تظهر المناسبة.
وقد ذكر العلماء ضوابط كثيرة لأجل أن يصح التعليل بها:
منها أن تكون العلة وصفاً ظاهرًا منضبطاً، فلو كانت العلة غير منضبطة لا
نعلل بها، من ذلك مثلاً قصر الصلاة علّته السفر، فكلما وجد السفر كما شرع القصر، وكلما انتفى السفر كما انتفى القصر، كذلك الفطر في رمضان فإنه يشرع لعلل منها السفر، فكلما وجد السفر كما شرع الفطر، وإذا وجد المرض شرع الفطر، لكن يختلف هل هذا سفر وهل هذا مرض، لكن الأصل أنه كما وجد سفر كان الفطر جائزًا، فالسفر علته منضبطة لا تختلف وليست خفية، بل هو وصف ظاهر وواضح، فهذه القاعدة ذكرها أهل العلم، لكن يختلفون في بعض مسائلها لانتفاء الحكم أحياناً، فقد توجد العلة ولا يوجد الحكم فيحتاج للنظر في سبب الانخرام، فهذه مسائل أخرى ذكرها أهل العلم، وبعضهم أثبت الحكم مطلقاً إذا كان سبب عدم وجود الحكم لمانع أو شرط إلى غير ذلك.
أما إذا كان لغير سبب فإن هذا يدل على بطلانها؛ لأن تَخَلُّف الحكم عن العلّة وعن الوصف بدون سبب مما يدل على بطلانها وعدم صحتها.
وذكر المصنف رحمه الله في الشرح قال: "وهي قاعدة عظيمة واسعة تحيط أو تكاد تحيط بالأحكام الشرعية، وعلة الحكم هي الحكمة الشرعية في سبب الأمر أو النهي عنه أو الإباحة، والله سبحانه حكيم، له الحكمة سبحانه وتعالى.
وهذه الحكمة التي ذكرها علماء الأصول أنها غير العلة، فالحكمة هي الأمر الذي من أجله شرع الحكم، وقد تُعقل وقد لا تُعقل، أما العلة فهي الوصف الظاهر المنضبط الذي كلما وُجِدَ وُجِدَ عنده الحكم، فالأحكام تعلق على عللها لا على أحكامها؛ لأن الحِكَم قد تظهر لنا وقد لا تظهر، فإن ظهرت لنا فالحمد لله،
وإن لم تظهر سلمنا بالأمر، وهذا سبق أن أشرنا إليه، وذلك أن العلة قد تكون ظاهرة وقد تكون أمراً لا تظهر مناسبته فلأجل هذا نسلّم للحُكْم، وإن لم تظهر لنا الحكمة، فالعلة قد تتفق هى والحكمة، وقد تكون الحكمة شيئاً آخر غير العلة، ولأجل هذا اختلف العلماء هل يعلّل بالحكمة أو لا يعلل؟. منهم من قال إنه لا يعلل بالحكمة، ومنه من قال إنه يعلل بها، ومنهم من قال إنها إذا كانت منضبطة غير خفية وغير منتشرة علل بها، وهذا هو الأصح من أقوال الأصوليين، ولهذا تجد الفقيه قد يختار بعض الأقوال في المسائل بناءً على ظهور العلة ووضوحها.
ومما يذكره أهل العلم - أيضاً - في هذا الباب: هل العلة تكون قطعية أم ظنية؟.
أكثر العلماء على أن دلالة العلة على الحكم ظنية، لكن كلما كان الحكم مناسباً للعلة كما كانت أكثر رجحاناً حتى ينتهي إلى القطع، فإذا كانت العلة مناسبة نقطع بأن العلة مقطوع بها، فمثلاً تحريم الخمر كل ما خامر العقل فهو مسكر.
فتعليق التحريم بما خامر العقل وغطّاه فهو مناسبة ظاهرة في تحريم كل مسكر.